تحقيق: سماح موسى - أماني ربيع
كل هذه الأزمات نعانيها جراء كثرة الإنجاب، فهذا لا يجد عملا ويشكو ضيق اليد، وتلك لم تنل حظها من التعليم وتزوجت مبكرا، وأولئك لا يجدون مأوى ولا علاجا يشفيهم من الأمراض، والسبب الزيادة السكانية.. نعم.. الزيادة السكانية والتى باتت كارثة تهدد غد أبنائنا وتعوق أى خطة تنموية للنهوض ببلدنا.
عن أبعادها وتبعات مخاطرها كانت جولتنا التالية.
البداية من إحدى قرى الصف حيث التقينا بأم محمد، بائعة خضراوات - 37عاما - أم لسبعة أبناء لتحكى لنا قصتها مع كثرة الإنجاب فتقول: تزوجت في سن صغيرة، وكان زوجي مقتنعا بأن "خلفة العيال" رزق ما جعله يجبرني على إنجاب الأطفال حتى أصبح لدينا 7 أطفال، ومع كثرة الحمل والولادة ضعفت صحتي، وعجز زوجى عن توفير متطلباتى وأولاده فاضطررنا إلى إخرج الواحد تلو الآخر من المدرسة لمساعدته في مهنة النقاشة، حقا الفقر صعب ومصاريف العيال أصعب.
ومن محافظة الدقهلية تقول نجلاء أشرف - 43عاما -: أنجبت خمس بنات رغبة في إنجاب الولد، حيث نرى فى المجتمعات الريفية أن الولد سند لوالديه لكنه للأسف لم يكن سندا لى وشقيقاته بعد إصابة والده بمرض ترك عمله على إثره، عندها اضطررت للعمل فى المنازل، وتركت بناتى التعليم للعمل فى مصانع الملابس, بينما جلس ابنى فى المنزل عالة علي وشقيقات.
أما رقية محمود 50 عاما فلها حكاية مختلفة مع كثرة الإنجاب حيث تقول: اعتقدت أن كثرة العيال توثق العلاقة بينى وزوجى من منطلق "اغلبيه بالعيال يغلبك بالمال", فأنجبت بنتا و3 ذكور، ومع مرور الأيام وكثرة متطلباتهم انشغلت بهم على حساب احتياجات زوجي, فكانت المفاجأة ورقة طلاق وزوجة ثانية! لأجد نفسي امرأة معيلة مكبلة بالأعباء الكفيلة بكسر ظهر أقوى الرجال، فما بالك بمطلقة تعمل بوظيفة محدودة الدخل؟
أسباب الأزمة
هذا عن المشاكل التي تواجهها الكثيرات جراء كثرة الإنجاب، لكن إلى أي مدى تنعكس معاناتهم على الأوضاع السكانية؟ وماذا عن الأبعاد النفسية والاجتماعية التي تدفع البعض لإنجاب عدد كبير من الأبناء؟
تقول د. هدي بدران، الأمين العام لاتحاد نساء مصر: هناك علاقة بين الزيادة السكانية والعديد من المشاكل الاجتماعية أبرزها الزواج المبكر، فزواج الفتاة في سن صغيرة يتيح لها الفرصة فى إنجاب أطفال أكثر وعادة ما يعاني أبناؤها الفقر والبطالة والمرض ما يؤدي لمزيد من الأزمات، لذا نحرص كجمعيات أهلية على توعية المجتمع بمخاطر الزواج المبكر من خلال حملات تجوب القرى والنجوع.
وعن خطورة زيادة معدلات الإنجاب على العلاقة الزوجية تقول د. حنان رشدي، استشاري موارد بشرية: لاشك أن كثرة الإنجاب لا تؤثر على الوضع المادي للأسرة فحسب بل تنعكس على العلاقة الزوجية أيضا ما يولد العديد من المشاحنات التي قد تسفر عن تعدد الزوجات ما يؤدي إلى تفاقم الأزمة بإنجاب مزيد من الأطفال، لهذا أرى ضرورة تغيير المفاهيم المغلوطة في المجتمع مثل إلهاء الرجل بالأطفال، والعيال عزوة وغيرهما من المعتقدات التي ثبت بالفعل عدم جدواها.
ثقافة ذكورية
وتؤكد د.عزة كريم، أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أنه منذ نهاية الخمسينيات وحتى أوائل الستينيات كانت الطبقتان المتوسطة والغنية تحرصان على إنجاب الكثير من الأبناء رغبة في العزوة، بينما نهج أفراد الطبقة الفقيرة هذا النهج حرصا منهم على مساعدة أبنائهم لهم ماديا فى الكبر، حيث يعمل الابن رغم صغره لتلبية احتياجات الأسرة ماديا، وإذا مرض الأب أو هجر البيت تحمل المسئولية على عكس البنت التي تحيطها الأسرة بالعناية خوفا عليها فتمنعها من العمل ويتم تزويجها فى سن مبكرة.
أما د. عزة صيام، أستاذة علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة بنها فترى أن الثقافة الذكورية لا زالت تسيطر على مجتمعنا، حيث يميل البعض لكثرة إنجاب الذكور أملا في الاعتماد عليهم، لذا علينا تغيير تلك المعتقدات البالية.
كثافة الفصول
إذا كانت الآراء السابقة تكشف عن أسباب مختلفة لكثرة الإنجاب، فماذا عن مصير هؤلاء الأبناء في ظل الأزمات الاقتصادية التي نعانيها؟ وإلى أي مدى تنعكس الزيادة السكانية على التعليم والعمل وحتى المياه ونصيب الفرد منها؟
يقول د. محمد صالح الإمام، الخبير التربوي ومستشار وزارة التعليم السابق: لاشك أن الزيادة السكانية تنعكس سلباً على مستوى التعليم، فمع معدل النمو الحالي ستحتاج مصر لأكثر من 100 ألف فصل دراسي بكثافة 45 طالبا في الفصل الواحد ما يؤدي إلى نقص قدرة الطلاب على استيعاب الدروس والتفاعل مع المدرسين, وهو ما يفسر تدني مستوى الطلاب، هذا بالإضافة إلى مشكلة التسرب من التعليم بواقع ما يقرب من 2 مليون طالب.
وتابع: تحتاج الأزمة إلى إدارة وتنوع في خطط المناهج التعليمية، والاهتمام بالتعليم الفني لتخريج عمال وفنيين أكفاء يسهمون في التنمية الاقتصادية، فضلا عن التعليم الثانوي لضمان تحول الطالب بعد التخرج إلى قيمة مضافة تستفيد منها مصر.
مستوى المعيشة
ويرى وائل النحاس، الخبير الاقتصادي أن الزيادة السكانية يصاحبها ارتفاع استهلاك الموارد، بالإضافة إلى تدني مستوى المعيشة نتيجة لانخفاض نصيب الفرد من الدخل القومي، الأمر الذى يفرز العديد من المشكلات المجتمعية ومن ثم يتجه المواطنون إلى العمل بأكثر من وظيفة ما يتسبب في حالة من الإرهاق وعدم تركيز الموظف أو العامل في عمله.
وتابع: تمثل الزيادة السكانية ضغطا على الدولة التي لن تتمكن من الوفاء باحتياجات المواطنين الصحية والسكنية والغذائية، فنحن نستورد معظم المواد الغذائية من قمح وسكر، بالإضافة إلى نقص الأراضي المزروعة نتيجة لبناء المساكن عليها فيفضل الفلاح تحويل أرضه إلى عقار طمعا في الربح من خلال بيعها كأرض بناء، أو ربما من أجل سفر الأبناء للخارج لمساعدته في المعيشة.
ويتفق الخبير الاقتصادي حسن هيكل مع الرأي السابق قائلا: تتبين قيمة الدخل السنوى للمواطن إذا ما تم قسمة الناتج المحلي الإجمالي على عدد السكان، وكلما زادت نسبة النمو السكاني بشكل أكبر عن معدل النمو الاقتصادي قلت نسبة دخل الفرد وحدث تراجع في مستوى المعيشة، ونصح بزيادة معدلات الادخار والاستثمارات الوطنية وخلق مساحة أوسع للاستثمارات الأجنبية لإتاحة فرص عمل جديدة للشباب وتقليل نسبة البطالة وتجنب الآثار السلبية لتدني مستوى الدخل.
نهر النيل
من جانبه يكشف د. بهي الدين العيسوي، الخبير المائي الستار عن مشكلة أخرى تسببها الزيادة السكانية قائلا: سوف تتعرض البلاد لمشكلة نقص المياه حال استمرارية ارتفاع معدلات الإنجاب, حيث يبلغ نصيب مصر من حصة مياه نهر النيل التي تعتمد عليها اعتمادا كليا في الشرب والزراعة وغيرهما 55 ونصف مليار متر مكعب، وهذا المعدل كان مقررا لنا عندما كنا 30 مليونا ولم يتغير حتى الآن ونحن نقترب من 100 مليون نسمة، ومع ارتفاع درجة حرارة الأرض ومعدل التبخر تقل النسبة كثيرا، بالإضافة إلى هدر المياه عبر الاستخدام السيئ غير الواعي.
***
الأطفال أكثر عملا من الكبار!
كشفت عدة دراسات أن كثيرا من سكان نجوع وقرى مصر يلجئون للإنجاب بهدف استغلال الأطفال في العمالة، حيث قدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عدد الأطفال العاملين بنحو 1.6 مليون طفل منهم 83% يعملون في الريف مقابل 16% في المدن، ويتراوح عمر 46% من إجمالي هؤلاء الأطفال العاملين من 15 - 17 سنة، وأن 78% منهم من الذكور و21% من الإناث، وأنهم يقضون في عملهم أكثر من 9 ساعات يوميا في المتوسط، ما يعنى أن عدد ساعات العمل بالنسبة للطفل تتجاوز عدد ساعات عمل الكبار.
***
أرقام مفزعة
تشير نتائج الدراسات السكانية إلى أنه يوجد في مصر سنويا 350 ألف أسرة لديهم طفلان يحرصون على إنجاب طفل ثالث، وأن هناك 200 ألف أسرة ممن لديهم ثلاثة أطفال ينجبون الطفل الرابع، بينما يوجد سنويا 123 ألف أسرة ممن لديهم أربعة أطفال يحرصون على إنجاب الطفل الخامس، و180 ألف أسرة ممن لديهم خمسة أطفال أو أكثر يضيفون سنويا طفلا آخر ليصل عدد أطفالهم إلى ستة أطفال وأكثر.
- يمثل الأطفال نسبة 40 % من عدد السكان نتيجة ارتفاع المواليد.
- أول تعداد للسكان في العصر الحديث كان عام 1800، وقدر عدد السكان وقتها بـ 2.5 مليون نسمة، ووصل عام 1897 إلى حوالي 9.7 ملايين نسمة ليتضاعف خلال الخمسين عاما التالية إلى 19 مليون نسمة عام 1947، ثم تضاعف في أقل من ثلاثين عاماً حيث بلغ عام 1976 حوالي 36.6 مليون نسمة، بينما وصل تعداد السكان في مصر رسميا 90 مليون نسمة في ديسمبر 2015، وفقا لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.