الأربعاء 15 مايو 2024

من 62 عاما.. هرب أمير الشعراء فولدت «إلى عرفات الله»

صالح جودت وأحمد شوقي وأم كلثوم

فن10-5-2022 | 22:20

خليل زيدان

غالبا ما يكون لكل أغنية قصة أو سببًا لميلادها، وأثناء تنقيبنا في كنوزنا لنسعد القراء بها، عثرنا على قصة ميلاد قصيدة كتبها أمير الشعراء أحمد شوقي، وهي «إلى عرفات الله»، التي غنتها كوكب الشرق أم كلثوم فيما بعد، والقصة يرويها الكاتب الصحفي والشاعر صالح جودت، في بابه الأسبوعي «في الأسبوع مرة» بمجلة الكواكب عدد 10 مايو 1960، أي من 62 عامًا بالتمام والكمال.

أكد صالح جودت في فقرته الخاصة بميلاد الأغنية، تحت عنوان «هروب أمير الشعراء»، أنه لا يمكنه النوم ليلة واحدة دون أن يسمع أم كلثوم، إما في الإذاعة أو من خلال الأسطوانات، وقال أنه استمع بالأمس إلى قصيدة شوقي «إلى عرفات الله»، وتمنى لو أن الذي عدل كلمات البيت الأول كان قد أحسن التعديل، ويبدأ جودت في سرد قصة ميلاد الأغنية.

قال «جودت» أن أمير الشعراء كان يحب الحياة ويحرص عليها إلى حد أنه رفض ركوب الطائرة طوال حياته خوفًا من الموت، وذات يوم دعاه الخديوي عباس حلمي إلى الخروج معه للحج، فاعتذر شوقي إشفاقًا على نفسه من مشقة الطريق، فأرغمه الخديوي على السفر بالقوة، وفي الطريق عند مدينة بلبيس، هرب شوقي من الركب.. واختفى أيامًا، ثم أرسل هذه القصيدة إلى الخديوي يعتذر فيها عن فعلته ويتمنى له طيب الرحلة.. وكان مطلعها:

إلى عرفات الله يا بن محمد .... عليك سلام الله في عرفات.

ويستطرد جودت القصة قائلًا: «ولما زالت الملكية وشاءت أم كلثوم أن تغني القصيدة، عدلها لها أحدهم ـ ولست أعرف من هو ـ فجعل مطلعها «عليك سلام الله .. يا خير زائر» بدلًا من «يا ابن محمد»، وأظن أن هذا التعديل لم يذهب الصورة الملكية، بل زادها تزكية وجعل الخديوي «خير زائر» بكل أسف.. وكان يستطيع أن يقول ألف شئ إلا هذا.. كان يستطيع أن يقول مثلًا «يا قاصدًا منى» بدلًا من «يا خير زائر» فتنطلق على كل حاج».

تمنى صالح جودت، في نهاية فقرته عن ميلاد القصيدة، أن تعيد أم كلثوم غنائها مع التعديل الذي كتبه هو، وتسجلها للإذاعة من جديد، خصوصًا وأن الوقت آنذاك كان موسمًا للحج.

وفي تعقيبنا على قصة صالح جودت الشيقة، التي كشفت النقاب عن ميلاد القصيدة، وجب أولًا أن نوضح أنه كان من أقرب المقربين إلى السيدة أم كلثوم، فقد كتب لها في ساعات قليلة أغنية من روائعها الوطنية وهي «حبيب الشعب» والتي يقول في مطلعها: «ابق فأنت حبيب الشعب»، وقد طلبت ثومة من جودت كتابتها في ساعات؛ لترد بها على قرار الرئيس عبد الناصر بالتنحي عن الحكم على إثر نكبة يونيو 1967، أما الرائعة الأخرى التي صاغها جودت لأم كلثوم فقد كانت «الثلاثية المقدسة» والتي أبدع في صياغتها ليعجز أي شاعر أن يصيغ مثلها.

وضحنا أولًا قرب صالح جودت من أم كلثوم، وثانيًا وجب التأكيد على أن القصيدة غنتها أم كلثوم لأول مرة في 6 ديسمبر 1951، في حفل سينما راديو، ورغم تنقيح أم كلثوم للقصيدة وتعديل بعض كلماتها وحذف الكثير من الأبيات، إلا أن الحفل الأول للأغنية شمل أبياتًا تخلصت منها أم كلثوم أيضًا، بعدما غنتها للمرة الثانية في حفل 7 أبريل 1955 بحديقة الأزبكية، والحفل الثالث والأخير للأغنية كان في 4 يوليو 1957 بسينما قصر النيل. 

من المؤكد أن هناك ثلاثة تسجيلات إذاعية لتلك الحفلات، وهي موجودة بأرشيف الإذاعة المصرية وبمنتدى سماعي لحفظ التراث الموسيقى، ومن المعروف أن الشركات كانت تسجل روائع أم كلثوم على أسطوانات .. فهل لم يسمع كاتبنا الكبير صالح جودت القصيدة عندما غنتها أم كلثوم في ثلاثة حفلات إذاعية، مما دعاه أن يؤكد في مقاله أنه سمع الأغنية لأول مرة عام 1960 .. وهل لم يحضر الحفل الأول للأغنية عام 1951 ليسجل بقلمه أن أم كلثوم غنت القصيدة بعد زوال الملكية.

بقي أن نؤكد أن أم كلثوم لم تلبِ رغبة صالح جودت ولم تسجل الأغنية بتغييره ، لكنها غنت من أشعاره فيما بعد رائعتها الدينية "الثلاثية المقدسة"عام 1971.

Dr.Radwa
Egypt Air