الأحد 16 يونيو 2024

تقدير مستحق


حسين نوح

مقالات12-5-2022 | 13:58

حسين نوح

هل يستطيع أحد أن يتجاهل دور الإبداع والفنون بكل أنواعها في تنمية المشاعر والإحساس بكل قيم الانتماء والتصالح مع الجمال.                                                                                

أقول ذلك وقد اقترب عيد العمال والاحتفال به واجب على كل مصري واع  ومدرك لقيمة العمل وأن الأمم لا تكبر وتزدهر بحجم مساحة الأرض أو جمال الموقع فالدولة يا سادة مساحة على الخريطة وواقع يميزه من على أرضها من بشر،  فالعامل في مصنعه والعالم في مختبره والفلاح في حقله والجندي في موقعه والفنان  يبدع ويجمل ويقدم كل ما يحلم به للتصالح مع الجمال وتجلياته وتقديم وتفعيل قيم الانتماء والإنسانية.  هنا تنهض الأمم وتقف في مصاف الدول العظمى.  .  

 وقد لعب الأدب والشعر منذ قديم الأزل دوراً فاعلاً ومؤثرا فتجد في روايات شكسبير نتائج التردد في هاملت والبخل في تاجر البندقية وعقوق الأبناء في كنج لير. ولا يمكن أن نتجاهل رواية مكسيم جوركي العظيمة (الأم) وكيف صور الكاتب بعبقرية دور العامل وكفاحه ضد الظلم وجشع رأس المال في ملحمة روائية شديدة الرقي٠ ثم كم من أشعار ألهبت حماس الجماهير على مر التاريخ وأتذكر أشعار كلمات لأغاني منذ سيد درويش والدعوة للعمل في كثير من الأغاني مثل أغنية "الحلوة دي "

حتى الستينيات فقد كان لأشعار صلاح چاهين مع مطرب الثورة عبدالحليم حافظ دوراً فاعلاً في أغان شهيرة مثل حكاية شعب وصورة صورة وغيرها.  

وأيضاً شاركت السينما بكثير من أفلام تدعو لقيمة العمل، وأتذكر على سبيل المثال أعمال منها:

 "الأيدي الناعمة" بطولة النجم أحمد مظهر وصلاح ذو الفقار، وتأليف توفيق الحكيم وإخراج محمود ذو الفقار وأنتج بعد ثورة ١٩٥٢ لتعظيم قيمة العمل  ويحكي عن أمير من بقايا فترة الملكية والأغنياء بالوراثة وبعد الثورة. تتدهور أحواله المالية ويبقى المظهر فقط يحاول الحفاظ عليه وهو لا يعمل وفقط يحتفظ بلفظ الأمير  وهو غير قادر على دفع مرتبات العاملين في قصره. وبالمصادفة  يتعرف إلى  شاب عاطل وهو حاصل على دكتوراه ويقترح على الأمير تأجير القصر وتحدث مواقف كوميدية  وتتمسك ابنته بالارتباط بمهندس بسيط ويقاطعها ويحاول العمل في أكثر من مجال ويفشل فهو لم يعمل طوال حياته وتزداد مشاكله ويعاني الفقر. وأخيراً يعترف بخطئه ويعمل مرشدا سياحيا للأوتوبيس النهري ويتصالح مع واقعه وبناته. 

 وحين نجد السينما تقدم فيلم مثل "للرجال فقط" إنتاج سنة ١٩٦٤ من إخراج "محمود ذو الفقار" وسيناريو وحوار "محمد أبو يوسف" وبطولة المبدعة "سعاد حسني" و "نادية لطفي" و "يوسف شعبان" و "حسن يوسف".. لقد كان الفيلم دعوة لعمل المرأة في نظرة تقدمية وأنها تستطيع أن تكون بجوار الرجل في أصعب ظروف العمل الشاق والإقامة في الصحراء من أجل التنقيب عن البترول٠ ثم نأتي لفيلم من روائع السينما المصرية من رواية للكاتب الكبير عبدالرحمن الشرقاوي وإخراج المبدع يوسف شاهين. إنه فيلم "الأرض".  العامل الفلاح وارتباطه بالأرض مصدر رزقه وعلة وجوده من أعظم الأفلام التي صورت الريف المصري وتجليات جمال الطبيعة وقيم الانتماء والارتباط وعظمة الفلاح المصري الأصيل وكيف صور الفيلم تمسك الفلاح بأرضه في مشهد لا يغيب عن عيون أي مصري شاهد الفيلم وهو يشاهد منظر أيادي العملاق سويلم الفلاح المصري وهو يسحل ومتمسكاً بالأرض ويديه تنزف دماً يختلط بتراب الأرض.     
   

إن الابداع والفنون وخاصة السينما التي أراها كانت عاملا مؤثراً لتشكيل وعي المشاهد وناقشت قضايا شديدة الأهمية  وبكل مهنية كان اختيار الموضوعات لكبار الكتاب أمثال طه حسين وتوفيق الحكيم ومحمود العقاد ويوسف إدريس ويحيى حقي وثروت أباظة، وكان الإنتاج قادرا على الانتقال إلى أجواء جريئة وشاقة كما حدث في فيلم "للرجال فقط"، وقد لا يقدم كثير من المنتجين على المغامرة لعمل تلك النوعية فالكثير منهم يكتفي بأن يعمل أفلاما داخل الشقق والديكورات استسهالاً وتوفيراً وتكون النتيجة أعمالا لا تليق باسم وتاريخ دولة كانت السينما فيها تاني سينما في العالم بعد السينما الفرنسية.