الفتن يراد بها كل مكروه أو آيل إليه كالفكر والإثم والتحريق والفضيحة والفجور، وغير ذلك، والفاتن: المضل عن الحق.
الحكم التكليفى الإجمالى: تظاهرت نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع بالتحذير من الفتن والأمر بتجنبها واعتزالها وعدم الخوض فيها فمن ذلك:
أ ) قول الله – عز وجل – {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }.
وجه الدلالة: خطاب الله – عز وجل – لجميع المؤمنين فى كل زمان ومكان بالمداومة على طاعة الله – تبارك وتعالى – بقوة ونشاط ، واحذروا من أن ينزل بكم عذاباً سيعم عند نزوله الأخيار والفجار والمحسنين والمسيئين، وهذا عام فى التحذير من الفتن.
ب) وما فى السنة النبوية : من تعوذه – صلى الله عليه وسلم- من الفتن: "اللهم إنى أعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات".
ج) دليل الإجماع :
أمارات الفتن، وردت أخبار وآثار عديدة منها :
- عن حذيفة بن اليمان – رضى الله عنه – قال : " كان الناس يسألون رسول الله – صلى الله عليه وسلم - عن الخير وكنت اسأله عن الشر مخافة أن يدركنى، فقلت يا رسول الله: أنا فى جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هدى تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله: صفهم لنا، فقال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك".
وجه الدلالة: دل الخبر النبوى الصحيح على أن من أشد الفتن فى أواخر الزمان دعاة من العرب ومن المسلمين أى من قومنا ومن أهل لساننا وملتنا، والواجب لزوم الجماعة أى: السواد الأعظم، وإلا اعتزل سائر الفرق.
- عن سالم بن أبيه – رضى الله عنهما – عن النبى – صلى الله عليه وسلم - أنه قام إلى جنب المنبر فقال: "الفتنة ها هنا (مرتان) من حيث يطلع قرن الشيطان"، وفى رواية ابن عمر – رضى الله عنهما – وهو مستقبل المشرق.
- عن ابن عمر – رضى الله عنهما – قال: ذكر النبى – صلى الله عليه وسلم -: اللهم بارك لنا فى شامنا، اللهم بارك لنا فى يمننا، قالوا : يا رسول الله وفى نجدنا، فقال: اللهم بارك لنا فى شامنا اللهم بارك لنا فى يمننا، قالوا: وفى نجدنا، فقال فى الثالثة (هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان".
وجه الدلالة : أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الفتنة من قبل المشرق، ووضح أن موضعها منطقة نجد حيث الفتن، وقد خرج منها فى الماضى الشيطان فى صورة رجل نجدى ليشير على قريش فى دار الندوة قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحديثا محمد بن عبد الوهاب – غفر الله له – الذى اعتدى على صحيح الإسلام، وغيرّ فى أمور عقائدية وفقهية، وأسس فرقة (الوهابية) التى سمت نفسها (سلفية) ووضعت نفسها (أهل السنة والجماعة) وخلعت على نفسها (الفرقة الناجية المنصورة).
- عن زينب بنت جحش – رضى الله عنها – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها يوماً فزعاً يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح الله من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه – وحلق بأصبعيه الإبهام والتى تليها، قالت يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم-"أفنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث".
وجه الدلالة: خص العرب بالذكر لأن الفتن منهم وفيهم خاصة، ما تعلق بالدين منها وعرضاً، وكثرة الخبث – كما قال ابن حجر – رحمه الله تعالى – نقلاً عن أئمة العلم: الزنا وأولاد الزنا وبالفسوق والفجور.
قلت: ومشرق العرب بصفة خاصة – شبه الجزيرة العربية – نجد، والعراق وما جاورها مبعث الفتن التى أدت إلى حروب مثل صفين، والجمل، وظهور الخوارج قديماً فى أرض نجد والعراق، وحديثاً الوهابية المتسلفة، وفى المشرق مقتل الإمام على وابنه الإمام الحسين – رضى الله عنهما - ، وفيهم ما أخبر عنه الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - (أن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون فى البنيان)، ويدل هذا على انعكاس الأمور واختلاطها، حيث يصبح أسافل الناس رؤساء الأمة، وتسند الأمور لغير أهلها، ويتباهون فى البنيان – انظر أعلى الأبراج حالياً – من كانوا فى فقر وبؤس، من كانوا يعيشون على إحسان الغير من البدو والرعاة وأشباههم.
- إخباره - صلى الله عليه وسلم - عن علامات مهمة : "يأتى على الناس يوم لا يدرى القاتل فيما قتل ولا المقتول فيما قتل"، الهرج: "القاتل والمقتول فى النار"، " إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة"، "تخوين الأمين، وائتمان الخائن"، "سيأتى على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: ما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة"، "سيشهد هذا الدين برجال ليس لهم عند الله خلاق"، "يأتى فى أواخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يمرقون فى الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فاقتلوهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة"، "إن بين الساعة أياما يرفع فيها العلم وينزل الجهل ويكثر فيها الهرج والمرج: القتل".
وجه الدلالة: أخبار صادقة كاشفة عن وقائع حاصلة مثل انتشار القتل لأتفه الأسباب، وائتمان الخونة سواء خونة الدين والوطن، وعلو الجاهل بالدين التافه الذى لا قيمة له، ويتكلمون فى الدعوة والأخلاق وهم أبعد الناس عنها – وتولى صغار السن من فتية وصبيان وشباب، سفهاء الأحلام يشغلون أنفسهم وغيرهم بتوافه الأمور، يقولون من ظاهر القول (سنة)، (سلف)، بأفعالهم المخالفة لأقوالهم يمرقون سريعاً من الدين كغارقة السهم من رميته، إيمانهم ليس فى قلوبهم، بل شقشاقات ألسنة، لا تنفد إلى القلوب، فلا تجاوز الحناجر.
- عن أبى سعيد الخدرى – رضى الله عنه – قال: "بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم قسماً قيل غنائم هوازن يوم حنين – إذ جاءه رجل من تميم – قيل: ذو الخويصرة التميمى وهو هرقوص بن زهير – فقال: اعدل يا رسول الله، فقال: ويحك ومن يعدل إذ لم أعدل؟ قد جننت وخسرت إن لم أعدل ، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: يوشك أن يأتى قوم مثل هذا يحسنون القيل ويسيئون الفعل هم شرار الخلق والخليقة، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه فى شيء .. يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يحسبونه لهم وهو عليهم، ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، محلقين رؤوسهم وشواربهم، أزرهم إلى أنصاف سوقهم، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، فمن لقيهم فليقتلهم، فمن قتلهم فله أفضل الأجر، ومن قتلوه فله الشهادة".
قلت: هذا أصل الخوارج الجرأة والوقاحة والبجاحة، وعدم مراعاة هيئة ولا سن ولا مكانة، خلفهم يحسون الكلام تمثيلا، يسيئون الأفعال، مواعظهم تدعو إلى كتاب الله – عز وجل – وفى الواقع بأخلاقياتهم ومعتقداتهم، ليسوا منه فى شيء، يقرأون القرآن الكريم بأصوات فيها تكلف واصطناع التخشع، قراءاتهم للقرآن الكريم لا تصل فى الواقع إلى قلوبهم، يظنون أن القرآن الكريم حجة لهم، وهو فى الواقع حجة عليهم، تحسدونهم على قراءتهم هذه، رؤوسهم حليقة وكذا شواربهم، ملابسهم السفلية قصيرة، يتفرغون لأهل الإسلام فقط بالتكفير وإلصاق نعوت الشرك والزيغ وفساد العقيدة والبدعة، تاركين دعوة الملاحدة والوثنين والذين نسبوا لله – تبارك وتعالى – الولد وجعلوه أقانيم وإن كانوا هم ماثلوهم فيما يعرف عند الوهابية المتسلفة بالتوحيد الثلاثى الذى هو عين أعيان الابتداع.
مصارحة ومكاشفة، دون أنصاف حلول، ودون مواربة، ودون مراوغة.. أليست هذه الأخبار مجتمعة تدل على الخوارج قديماً، وعلى خلافهم: الوهابية المتسلفة بفصائلها الدعوية والحركية والتخريبية التدميرية القتالية الجامعة لخستين: العنف الفكرى والمسلح .
ادعوهم للتوبة العاملة، والعودة إلى أمة الإسلام، ومسمى الإسلام هوية وإلى علوته تسمية من عقيدة الإسلام وليست (سلفية)، (دعوة إسلامية) وليست سلفية شريعة إسلامية وليست سلفية إلى مسمى القرآن العظيم (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ)، (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) توبوا عن السخرية واللمز والتنابز بالألقاب وإساءة الظن، اقلعوا عن الخوض فى الدين بغير علم، وعن حمل السلاح على المسلمين واذكروا: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ {204} وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ {205} وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}.