الإثنين 20 مايو 2024

مفكرون: التطرف والإرهاب نتيجة وئد حركة النهضة الفكرية فى القرن العشرين

8-2-2017 | 16:21

 

 

أكد الدكتور محمد سعيد الجليند، أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم، خلال ندوة "شخصيات لها تاريخ"، التى أقيمت ظهر يوم الأربعاء، بالقاعة الرئيسية بمعرض الكتاب، أن المفكر الراحل أحمد أمين، أحد رموز النهضة المعاصرة، وكانت قضيته الأولى نقل العلم الصحيح إلى الأجيال اللاحقة.

 

وأوضح "الجليند"، أن الراحل أحمد أمين كان دقيقًا لدرجة أنه قبل أن يحط كلمة واحدة فى ثلاثيته الشهيرة "فجر الإسلام، وضحى الإسلام، وظهر الإسلام"، ينظر فى البيئة التى يتكلم عنها، وهى مكة والمدينة، ومجموعة القوانين التى يمكن أن تمسى دستورًا لحاضر الإسلام حينها، ومستقبله فيما بعد.

 

مشيرًا إلى أن هذه التسميات لها دلالات أساسية فيما قصده أحمد أمين، فى القرنين الأول والثانى الهجرى، حيث وجد أمين أن هناك مدرستين، الأولى مدرسة المحافظين، التى مثلها علماء الحديث وسلف الأمة، الذين قصروا مواجهتهم فى الحوار مع الآخر على النص القرآنى والأحاديث النبوية، أما المدرسة الأخرى فهى مدرسة الحرية أو التجديد، وهى المعتزلة.

 

وأضاف: أن هاتين المدرستين كانتا حائط الصد، أمام الغزو الثقافى والفكرى، الوافد على الأمة الإسلامية، من الترجمات الهندية إلى العربية، والحضارة الرومانية إلى العربية، فيما نُقل عن سقراط وأرسطو، حيث كانتا تمثلان فتح باب الحوار مع كل الحضارات الوافدة، تأخذ ما يفيد وترفض ما لا يفيد وتحذر منه.

 

وأشار "الجليند" إلى انحياز أحمد أمين إلى مدرسة التجديد، وحاول أن ينقل هذه التجربة إلى القرن العشرين، تلك الفترة الزمنية التى كانت تمثل أخطر مرحة تاريخية تعيشها المنطقة، حيث كان الاستعمار يقنن لتثقيف المنطقة كما يريد هو، ويملأ الفراغ الثقافى للشباب كما يريد هو.

 

وتابع: أما القضية الثانية فهى الهجوم على القرآن والإسلام بدعوى أنهما يناهضان العقل العلمى، والثقافة المعاصرة، وهنا استحضر أمين المعركة التى عاشتها الأمة الإسلامية واستوعبها فى ثلاثيته الشهيرة، ونقل المنهج الذى واجه به المحافظين والمجددين هذه الحركة، واستحضر منهجها ليرد بها على الذين اتهموا الإسلام بأنه ضد العلم، والقرآن ضد العقل، ووضع كتابا مهمًا، وهو كتاب "الأخلاق" عبر فيه أن القرآن والسنة ليست نصوصًا تحفظ، وإنما أسس ومبادئ يعيش بها الإنسان فى واقعنا المعاصر.

 

وهنا يؤكد الجليند، أننا فى حاجة إلى عقيدة بلا مذاهب، معتبرًا أن العصبية المذهبية تضع واقعنا فوهة بركان، موضحًا أن هذه قضية حاول أمين أن يضع أيدينا على بدايتها فى القرن العشرين، حول ما يجوز التجديد فيه ولا ما لا يجوز، من خلال كتاب "الهوامل والشوامل"، لأبى حيان التوحيد.

 

أما فى قضية اللغة العربية، أوضح "الجليند"، أن أحمد أمين كتب فى مجلة المجمع اللغوى بحثًا بعد الحرب العالمية الثانية، بعنوان "قياس اللغة"، ليرد من خلاله على الذين قالوا إن اللغة العربية جامدة، واستحضر فيه كلمتين مهمتين، وهو الاشتقاق اللغوى، والفروق اللغوية بين الحرف والكلمة، فخاطب هؤلاء الذين يرمون العربية بالجمود، بالنظر فقط فى دلالة الحرف فى نهاية الكلمة.

 

من جانبه تحدث الدكتور حيدر إبراهيم، عن فضل الدكتور أحمد أمين فى التعليم، موضحًا أنه أسس لشكل من أشكال ديموغرافية التعليم، أى أن يكون التعليم متاح لأكبر قدر من الناس، وأشار أيضًا إلى أحد الجوانب المهمة فى عصر أحمد أمين، وهى علميات القمع والتخويف التى مورست على المفكرين آنذاك، مثل محاكمة طه حسين بسبب كتابه "فى الشعر الجاهلى"، وعلى عبدالرازق بسب كتابه "الإسلام وأصول الحكم"، مؤكدًا أن التيار المحافظ تعامل بعنف مع تيار التجديد.

 

وتساءل "حيدر": لماذا وئدت النهضة التى حاول طه حسين، وأحمد أمين، وعلى عبد الرازق القيام بها فى منتصف القرن العشرين، مجيبًا أن المجتمع حينذاك لم يكن لديه رد فعل شعبى قوى يمكنه أن يقف إلى جوار حركة التجديد، مؤكدًا أن ما نعيشه الآن من التطرف والتكفير، هو نتيجة لعدم استمرارية فكر النهضة الذى بدأه هؤلاء المفكرون فى منتصف القرن العشرين.

 

وأشار "حيدر" إلى أن أحمد أمين، يمثل أحد الأعلام النهضة العربية التى بدأت فى عشرينيات القرن الماضى، وهو رائد فى كتابة التاريخ الاجتماعى الإسلامى، معتبرًا أن الكتابات التى سبقته كانت تكتب تاريخ الإسلام كأنه تاريخ للأفراد والأسرة الحاكمة، إنما هو كتبه، وهو يضع فى باله الإنسان المسلم داخل التاريخ الإسلامى.