الجمعة 17 مايو 2024

..وهل وحيد حامد إخوانى؟!

14-7-2017 | 15:47

شهد عبدالحكيم ابن الزعيم جمال عبدالناصر فى حق السيناريست الكبير وحيد حامد ومسلسله الجماعة (٢)، وشكره وحيد حامد على الهواء مباشرة، هل هذا كاف لتصمت الأصوات الناصرية التى ناصبت المسلسل العداء من أول حلقة، أشك، ولن تهدأ هذه الأصوات أبدا.. خلاص، وحيد رسم عدوا للناصريين والوفديين ومن لف لفهم. 

الأصوات الوفدية هالها أن يقبل النحاس يد الملك، وشهد بالقبلة الدكتور عاصم الدسوقى كبير المؤرخين المعاصرين، الناصريون تحديداً مفجوعون فى عبدالناصر الذى رسمه وحيد حامد، الزعيم صوره وحيد على غير ما تهوى أنفسهم، عادة ينزهونه عن كل نقص أو عيب، ووحيد جاء ليرسم صورة مغايرة ويقطع بانضمامه للإخوان والحلف على « المصحف والمسدس» بيعة لمرشد الإخوان .

ناصر كما يقرر وحيد كان عضوا عاملا فى الإخوان،  أى فى مرتبة الأخ العامل وهى مرتبة إخوانية متقدمة على حواف مكتب الإرشاد، وهم ينكرون ويكتفون بمرور ناصر بالجماعة فى مروره الاستكشافى لكل الجماعات والأحزاب السياسية مثل مروره بمصر الفتاة والخلايا الشيوعية بأمارة كان اسمه الرفيق زغلول الشيوعى .

هالهم الأمر، والمسلسل يتقدم حلقة حلقة فى رسم صورة الصراع الضارى الذى خاضه ناصر مع ثعالب الجماعة العقور بحذق ومكر وسياسة ، حتى انقلبوا عليه وحاولوا اغتياله فى المنشية، فانقلب عليهم وأودعهم السجون حتى كان تنظيم ٦٥ الذى انتهى بإعدام مفتى الجماعة سيد قطب جزاء وفاقا !.

أخشى أن طائفة من الناصريين لا يفرقون بين عمل درامى بامتياز، وسطور التاريخ الجامدة، عبدالناصر فى المسلسل إنسان من دم ولحم، يخطئ ويصيب، ويمكر ويمارس الكذب السياسى، وعبدالناصر فى سطور التاريخ زعامة خالدة، وحيد لم ينتقص من قدر ناصر الزعيم، جسد ناصر الإنسان، هل كان مطلوباً من وحيد حامد أن يرتدى قميص عبدالناصر حتى يرضى عنه الناصريون؟!.

ما يؤخذ على وحيد من قلم محب أنه صور الإخوان على غير حقيقتهم، فلا هم ربانيون، ولا يزورهم  النور، ولا متبتلون فى العبادة، ولا هم مفكرون ولا عباد مخلصون ، ولكنهم يضمرون الشر لمصر وأهلها، حاول وحيد حامد سبر أغوارهم، فهم عاديون يغشون الأسواق، ولكن مجرمين، صورهم على غير ما خبرهم المصريون .

 فريق من المثقفين والمفكرين هالهم أن يعتمد وحيد على مرجع تاريخى إخوانى يكن لعبدالناصر العداء، ويعبر عن مكنونه فى مقالات منشورة ويصفه بابن البوسطجى، حسبه مؤرخا وهو ألد الخصام.

ما يمكث فى الأرض، وهذا ما جفل منه الرافضون للمسلسل، فشغل الساحة بالإخوان، وسيد قطب، وزينب الغزالى، وكأن مصر عبدالناصر خلت إلا من الإخوان والضباط الأحرار، وتغييب الشعب، وتهميش بقية القوى السياسية، وتجسيد مصر بين إخوانى طامع، وقائد طامح.

وحيد يقول إنه كتب مسلسلا عن جماعة الإخوان، باعتبارها مركز الحدث، وصراعها مع ناصر، ورصد تقلباتها بين الوجوه الحاكمة، وانقلابها على كل الحلفاء من القصر حتى ناصر، وخيانتها للقوى الوطنية جميعا، وانتهازيتها الضاربة فى أعماق مؤسسيها وقياداتها الفكرية والدينية، واستعلائها وغرورها، واستبدالها الوطن بالجماعة، ومخططها للخلافة.

رؤيته، ولا يضار كاتب برؤيته، ولكنه للأسف صار صدره ضيقا حرجا، يضيق بالنقد الذى بلغ حد الرفض، ولكن اتهام وحيد بالإخوانية، هذا ما لا يرتضيه صاحب قلم على وحيد حامد، فوحيد ابن مخلص للوطن، ويخشى على وجوده، ويقاتل بالقلم فى معركته، وإذ تصدى لكتابة مسلسل الجماعة فعينه على سلامة الوطن، فإن حاد عن الرواية المستقرة فى الأعماق تحت وطأة وثائق ومذكرات وأقوال وحكايات إخوانية متوافرة ومتواترة ومتسيدة المشهد، فلها نقيض، هذا لا ينقص من إخلاصه للقضية، ولا يستحق أبدا تجريحا كالذى حدث دفاعا عن ناصر وثورته، متى كان وحيد حامد إخوانياً ؟!. .

الجدل التاريخى والسياسى على صدى أعمال درامية ضخمة كمسلسل الجماعة، مهضوم، وكم من أعمال درامية ألقت بحجر ثقيل فى مياه التاريخ  فخلفت أمواجا بلغت الشاطئ فاستحالت حوارات تعيد رسم صور زعامات وجماعات وشعوب، ولكن أن تذهب بعض الأقلام لاتهام وحيد حامد بالإخوانية، وأنه ذهب مذهب الإخوان ولف لفهم، ويوطئ للمصالحة المزعومة، ويحرث الأرض لقبولهم شعبيا مجددا، هنا يستوجب التوقف والتبين.

التوقف أمام تاريخ وحيد حامد، فى مواجهة الإرهاب وجماعاته وفى القلب منها الإخوان، وهو تاريخ طويل وممتد وتسجله أعمال درامية، وأفعال وأقوال صحفية، لم يتول وحيد عند الزحف، ولم يتوق المواجهة يوما، ولم يتخف من القتلة والإرهابيين، دوما فى صدارة المشهد غير هياب ولا موالس ولا متلون، وحيد عينه وعبادته مصر .

وحيد قط لم يكن يوما متعاطفا مع الإخوان، والاتهامات التى تطلق فى الفضاء الناصرى تظلمه كثيرا، ووحيد مع حفظ الألقاب والمقامات قط لم ير فى الإخوان جماعة وطنية، ولم يغير قدميه إلى فندق الخيانة « فيرمونت» ليقف وراء الخائن مرسى العياط عاصرا الليمون، وسنوات مضت وهو يحمل هم الوطن حتى تعب قلبه، واستلزم جراحة عميقة  يعانى من تبعاتها حتى ساعته وتاريخه.

حتى هذا الاتهام المشاع على الألسنة تبرأ منه وحيد، واعتبر المصالحة مع الإخوان خيانة، ودلل على ذلك بقول على لسان عبدالناصر فى المسلسل تدليلا على رفضه لهذه المصالحة الملعونة، وحيد لم ولن يضع يده فى أيدى الإخوان، وإن كانوا عادوه فى مرضه فى ألمانيا فهذه من قبيل الاجتماعيات، أما صداقته للعريان وغيره من رموز الجماعة، فهذا ما لم ينج منه كثير من المصريين ، الإخوان كانوا يتسللون بين الصفوف، ويتقربون تزلفا، ويستحثون الخطى إلى المآتم فى جامع عمر مكرم. 

وبحكم عملى شخصيا التقيت جميع المرشدين فى حوارات صحفية منشورة، ومصادرى كانت أحيانا من أفواه أقطاب الجماعة، وصور صحفية تجمعنى بالعديد منهم، هل هذا يشير ويجير على مس إخوانى أصابنى مثلا، غريب أمر بعض الناصريين الذين تحالفوا مع الإخوان فى انتخابات برلماني ما بعد ثورة يناير، والآن يلومون «وحيد» على مسلسل عن الإخوان، إسقاط سياسى مقيت.

وبعد التوقف، تبين رؤيته التى سجلها فى مسلسله بجزأيه الأول والثانى، وحيد الذى رسم شخصيات الجماعة كادرا كادرا من خلال ما توفر من وثائق ومذكرات وكتابات وروايات وفيديوهات، عكف عليها وامتصها ثم حولها دراميا فى شريط إلى بشر من دم ولحم، لا يضار برواية أخرى يستبطنها آخرون، لن ترضى كل الناس، أو يلام على إهماله قصاصة ورق صفراء، أو يهدر تاريخه لأنه خالف ما يعتقده الناصريون بالضرورة.

وحيد حامد حزين لأن نفرا مقدرا من الناصريين لم تصلهم رسالته جيدا، فهو أثبت فى وثيقته تلون وتحور وتبدل وجوه الجماعة طوال تاريخها، وإخلاصها لفكرة الخلافة على حساب الوطن، وتقديم البيعة على العلم، وإجهاض الحلم الوطنى عبر سلسلة من العمليات الانقلابية على كل ما هو وطنى، وناصر عنوان عريض للوطنية فى تجليها.