تحقيق: بسمة أبو العزم - رانيا سالم
برغبتهم وإرادتهم بدأ أصحاب المحلات والتجار يفكرون جدياً في إغلاق المحلات مبكراً وتحديد ساعات عمل لا تتجاوز ٩ ساعات يومياً بهدف ترشيد استهلاك الكهرباء ، ومطلع الأسبوع الجاري أصدرت الغرفة التجارية بالقاهرة بياناً تطالب أصحاب المحال التجارية بترشيد استهلاك الكهرباء وتحديد مواعيد لغلق المحلات مبكراً.
تغير الحال وبعد أن كان التجار أنفسهم يعارضون أي محاولة أو مجرد التفكير في تحديد مواعيد لغلق المحلات ويقفون بشدة ضد صدور أي قرار ينظم هذه المسألة لكنهم الآن وبعد أن ارتفعت أسعار الكهرباء هم من يطالبون بتحديد مواعيد رسمية لعمل المحلات والإغلاق مبكراً.
المهندس إبراهيم العربى، رئيس غرفة القاهرة التجارية، طالب التجار صراحة بمساندة الدولة فى خطة الإصلاح عبر ترشيد المحال لاستهلاك الكهرباء وعدم المبالغة فى إضاءة المحال فضلًا عن استخدام لمبات موفرة مع تحديد مواعيد لغلق المحال التجارية باستثناء القطاعات التى تمس حياة المواطنين مثل الصيدليات، وبالفعل لاقت المبادرة تأييدًا كبيرًا من أغلب القطاعات التجارية.
من جانبه قال أحمد الزعفرانى، رئيس الشعبة العامة لأصحاب محال الملابس الجاهزة بالاتحاد العام للغرف التجارية: لم أعترض على مقترح الإغلاق المبكر للمحال منذ عام ٢٠١٢، لذا أدعم إعادة إحياء تلك المبادرة. لان أغلب المشاكل التى تواجه محال الملابس الجاهزة أنها تسهر ليلا لمواعيد متأخرة بما يرفع من معدلات استهلاك الطاقة وزيادة أجور العمالة.
«الزعفرانى» أكد أن من أهم مزايا الإغلاق المُبكر تقليل التكلفة وإتاحة الفرصة لصاحب المحل والعاملين لديه فى الحفاظ على حياتهم الاجتماعية، لكنه كشف عن مُشكلات يمكن أن تواجه التطبيق العملى للمبادرة، أولها صعوبة تحديد موعد واحد لكل المحافظات، فهناك المحافظات السياحية، والتى تعتمد على السهر، فالغردقة من المستحيل النزول فيها صباحا للذهاب لأحد المطاعم، أيضا هناك المحافظات الساحلية، والتى تعد مقرا للسياحة الداخلية صيفا، وبالتالى ينشط البيع فيها ليلا، وبالتالى أقترح إعطاء حق تحديد موعد الإغلاق للمحافظين بمشاركة الغرف التجارية فى كل محافظة على ألا تزيد ساعات العمل على تسع ساعات مثلا.
وأكد رئيس الشعبة العامة لأصحاب محال الملابس الجاهزة، أن رقم المبيعات لن يقل بعد تحديد موعد الإغلاق ونقص عدد ساعات البيع، لأن المُستهلك سوف يضطر لتغيير سلوكه ومواعيد تسوقه، ولضمان نجاح المنظومة الجديدة يجب تشديد الرقابة.
يحيى زنانيرى، رئيس رابطة منتجى الملابس الجاهزة، اكد إن الاعتراض السابق على مواعيد إغلاق المحال يرجع إلى كونها كانت مبكرة جدًا، فالحكومة كانت تريد الإغلاق فى السابعة شتاءً والثامنة صيفًا، وهو غير مناسب للطبيعة والأجواء المصرية، أما التوقيتات المناسبة فهى التاسعة شتاء والعاشرة صيفا.
بينما قال أحمد يحيى، رئيس شعبة تجار المواد الغذائية، ومحال البقالة بغرفة القاهرة التجارية، والذى كان من أشد المعارضين للإغلاق المبكر منذ أربع سنوات، إن اعتراضى السابق كان معتمدًا على عادات المصريين وحبهم للسهر والشراء فى أوقات متأخرة، لكننى أرى حاليًا أننا يجب أن ننظم أوقاتنا، ونستفيد منها للتحول إلى دولة منتجة، مضيفًا: بداية تطبيق التجربة سيصاحبه بعض الارتباك، لكن مع الوقت سيضطر الجميع لشراء كافة مستلزماتهم قبل موعد الإغلاق.. وبالتالى يمكن تحديد مواعيد بشكل تدريجى تبدأ بالحادية عشرة مساء ثم بعد بضعة أشهر نقلص ساعات العمل لتصل إلى التاسعة شتاء.. والعاشرة صيفا، مع منح تصاريح لبعض محال المواد الغذائية والصيدليات فى كل منطقة بشكل تبادلى للحالات الطارئة.
وأكد «يحيى» أن الإغلاق المبكر من شأنه توفير النفقات على أصحاب المحال خاصة الكهرباء.
فى ذات السياق، راهن الدكتور عبدالعزيز السيد، رئيس شعبة تجار الدواجن بغرفة القاهرة التجارية، على ربات البيوت، وإدراكهن لمتطلبات منزلهن، فهن قادرات على شراء احتياجاتهن الأسبوعية واليومية، قبيل مواعيد الإغلاق، مستشهدًا بقطاع تجارة الدواجن، والذى تغلق فيه المحال فى الخامسة مساء، ومع ذلك لم تحدث أزمة فى حركة البيع والشراء.. وبالتالى يجب تغليب المصلحة العامة للدولة على المصالح الشخصية، مقترحًا مد ساعات العمل فى أيام العطلات الأسبوعية والأعياد والمناسبات حتى الثانية عشرة بعد منتصف الليل، حتى نمنح الأسر منفذا لتنزه.
توفير الطاقة
فى غضون ذلك، قال الدكتور جمال القليوبى، أستاذ الطاقة بالجامعة الأمريكية، إن غلق المحال التجارية مُبكرًا أمر مهم، بل ضرورى، وهناك حاجة ماسة لتطبيقه، فأكثر من ٣٠٪ من نسبة استهلاك الكهرباء اليومى تذهب للاستهلاك التجارى، وتكون مُعدلات الاستهلاك عند أعلى درجاتها أوقات التخفيضات والأعياد والمواسم وخاصة من الساعة ١١ مساءً وحتى الرابعة فجرًا، وتمثل ٤٦٪ من الاستهلاك اليومى للكهرباء فى الصيف وفى الشتاء ٣٦٪.
«القليوبى» قال: إن «هذه الأوقات تشهد أعلى معدلات استهلاك للقدرات الكهربائية، فوفقا لتقرير الشركة القابضة للكهرباء عن ٢٠١٥/٢٠١٦ يصل الاستهلاك اليومى للكهرباء إلى٢٧٨٠٠ ميجاوات، ويصل فى أشهر يونيو ويوليو وأغسطس إلى ٢٩٠٠٠ ميجاوات، والفرق المتمثل فى ١٢٠٠ ميجاوات يكون فى الوقت من ٩ مساءً حتى ٤ و٥ صباحًا، وفى الشتاء يزداد الاستهلاك اليومى من ٢٣٠٠٠ ميجاوات إلى ٢٦٠٠٠ ميجاوات فى أشهر ديسمبر ويناير وفبراير، ويرتفع الاستهلاك من ٢٥٪ إلى ٣٢٪.
وفيما يتعلق بتجارب الدول الأخرى التى سبق أن طبقت المبادرة ذاتها، قال «القليوبي» فى أسكتلندا فى الأيام العادية تغلق المحال التجارية الساعة ٨.٣٠ مساءً، وتستثنى بعض المطاعم لمدة ساعتين فقط الساعة ١١ مساءً، وكل ما يخص العملية التجارية يتم ا غلاقه.. وفى لندن المحال تعمل حتى الساعة ١١ مساءً، أما فى باريس فتغلق ١١ مساءً صيفًا و١٠.٣٠ فى الشتاء، وفى إيطاليا فى التاسعة مساء تغلق جميع المحال فيما عدا مطاعم الوجبات السريعة ويكون أقصاها ١٠ مساءً.. وعلينا أن نضع فى الاعتبار أنها مناطق تجارية وسياحية، ورغم تطبيق القرار لكن الأمر لم يؤثر على حركة السياحة أو الاقتصاد.
أحد المؤيدين للمبادئ هو المهندس فاروق الحكيم، رئيس شعبة الهندسة الكهربائية بنقابة المهندسين، الذى قال إن الحجة الأكثر استخداماً للاعتراض على الغلق المبكر قطع أرزاق عدد كبير من العمالة التى تُوظف للعمل فى الفترة المسائية لتحسين ظروفها المعيشية، يليها أن المشترين يذهبون للتسوق فى الفترة المسائية بعد انتهاء أوقات العمل، وفى الحالتين يمكننا الرد عليهم بأن غلق المحال باكرًا _١٠ أو ٩ مساءً_ لن يتسبب فى قطع أرزاق أحد، أما التسوق ليلًا فلا يعنى أن يبقى إلى ما بعد منتصف الليل، أو أن الجميع يذهب للتسوق يوميًا، وهذه أسباب وهمية تم تسويقها من أجل إجهاض المبادرة.
من جهته، قال الدكتور أيمن حمزة، المتحدث الإعلامى باسم وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، إن مُبادرة غلق المحال التجارية باكرًا حازت على قبول لدى قطاع الكهرباء، فالترشيد أصبح ضرورة ملزمة، وليست رفاهية، وترشيد استهلاك الكهرباء فى كافة المجالات استهلاك تجارى أو منزلى أمر هام، وعلينا أن ندرك أن مقدرتنا على إنتاج قدرات كهربائية وتحقيق فائض منها لا تعنى ألا نهتم بالترشيد فى الاستهلاك، بل على العكس قطاع الكهرباء يولى اهتماما كبيرا لكافة الحملات الخاصة بالترشيد لأنه الأساس، لافتًا إلى أن الترشيد فى الاستهلاك التجارى سيحقق فائدة هو الآخر بنسبة ١٪ أو ١.٥٪ فنسبة استهلاك الطاقة الكهربائية للمحلات بلغت ٥٫٣٪ حتى ٣٠/٦/٢٠١٧.
على الجانب الآخر، أكد الدكتور ماهر عزيز، عضو مجلس الطاقة العالمى، أنه لا جدوى من هذه المبادرة، وقال: الفائدة من غلق المحال باكرًا ستكون محدودة جدًا، وبالتالى لا يجب تطبيقها، كما أن إجراءات ترشيد استهلاك الطاقة يجب أن تتناسب مع طبيعة الشعوب والثقافة السائدة فى المجتمع، فلا يجوز نقل تطبيق تم نجاحه فى ثقافة مختلفة ونقله للثقافة المصرية.