الجمعة 6 سبتمبر 2024

الموصل.. هل تكتب نهاية «داعش»؟

14-7-2017 | 18:01

بقلم –  نجوان عبد اللطيف

«داعش سارق الفرح» رغم أن القوات العراقية استطاعت النصر على داعش فى أهم معاقلها فى العراق فى «الموصل» عاصمة التنظيم كما كانوا يسمونها إلا أن العمليات التى قام بها التنظيم خارج العراق ومنها عملية رفح التى استشهد فيها العديد من الضباط والجنود المصريين تجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا حول السيناريوهات المقبلة لتنظيم داعش بعد خروجه مهزوماً من الموصل، تسرق منا الفرح بهزيمته لنتساءل.. هل سينتقل أفراده إلى مناطق أخرى فى العراق يتمركزون فيها، هل يستطيعون التسلل إلى مدينتهم الثانية أو عاصمتهم فى سوريا «الرقة» التى لم تحسم المعارك فيها بعد؟

هل سينتقل إلى المناطق الحدودية بين سوريا والعراق والتى مازال يسيطر على مساحات منها؟

أم أنهم سيتجهون لليبيا التى تتمركز فيها أعداد كبيرة رغم النجاحات التى حققها الجيش الليبى، فى إنهاء سيطرة التنظيم والجماعات المتطرفة على مدينة سرت، ثم بنغازى مؤخراً.

هل سيعود المقاتلون الأجانب فى صفوف التنظيم إلى بلدانهم، للقيام بعمليات تخريب طبقاً لنظرية «الذئاب المنفردة» التى تعنى القيام بعمليات إرهابية فردية ؟

هل تكون مصر خاصة محافظة سيناء أو الصحراء الغربية وجهة لهذا التنظيم، مع تزامن وقوع حوالى ٥ عمليات إرهابية فى سيناء وفى أماكن أخرى متعددة الأسبوع الماضى حيث أعلن التنظيم مسئوليته عنها ؟

رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى، يوم الأحد الماضى وصل إلى محافظة «نينوى» التى تتبعها مدينة الموصل لإعلان النصر فى «معركة الموصل» وسط احتفالية شعبية ولكنه اكتفى بلقائه بعدد من القوات العراقية وتأكيده على أن إعلان النصر هو مسألة وقت، وأن تنظيم داعش بات محاصراً فى جيب أو جيبين لا تتعدى أشباراً فى «الموصل القديمة وليس أمام عناصره مهرب سوى الموت أو تسليم أنفسهم المعركة محسومة والنصر الكبير باليد» وأضاف «إن العالم لم يكن يتصور، أن العراقيين سيقضون على داعش بهذه السرعة».

ثم عاد حيدر العبادى يوم الاثنين الماضي إلى الموصل المحررة ليقف فى أحد ميادينها وخلفه عدد من الجنود العراقيين الذين خاضوا المعركة ليعلن الانتصار على داعش أمام الجماهير وبحضور وسائل الإعلام العراقية ويقول وهو يرفع العلم العراقى على أرض الموصل إن تحريرها هو العيد الكبير، ويوجه التحية للقوات العراقية الشجعان الذين قاتلوا لـ٣ سنوات وتمكنوا من الانتصار علي داعش.. على الوحشية والضلال. ويؤكد لقد حررنا الموصل بأيدينا والعراق أكثر وحدة الآن.

«لماذا الموصل»

الموصل.. اسم المدينة التى عندما كان يتردد كانت تتداعى صور «ألف ليلة وليلة» والدولة الإسلامية القديمة، قصور وحدائق غناء وبنات الحور ..

الموصل هى .. الفيحاء.. الاسم الذى يعبر عن جمالها وكثرة أزهارها أو أم الربيعين.. لاعتدال جوها فى فصلى الربيع والخريف.

أو الخضراء لأنها مزدانة بالخضرة فى كل مكان أو البيضاء لأنهم استخدموا الرخام الأبيض فى مبانيها القديمة.. تلك أسماء أطلقوها على الموصل تعبر عن جمالها وطبيعتها الخلابة.

الموصل هى عاصمة محافظة «نينوى» وثانى أكبر المدن العراقية من حيث تعداد السكان بعد بغداد (يقطنها حوالى مليونان ونصف المليون) ولكن بالطبع هذا العدد تقلص كثيراً بسبب الحرب الأمريكية على العراق والمعارك بين التنظيمات العراقية ثم داعش، وتبعد ٤٦٥ كيلومتراً عن بغداد وتشتهر بالتجارة مع سوريا وتركيا لقربها منهما .

أغلبية سكان الموصل من العرب المسلمين السنة وكان يقطن بها قبل احتلال أمريكا للعراق عام ٢٠٠٣ ، ٢٠٪ من الأقليات المسيحية والكردية والتركمانية والشبك.

عانت الموصل على مدى تاريخها من الطمع فيها والتعرض لأزمات تلو الأزمات وكانت محور تجاذب بين بريطانيا وفرنسا بعد معاهدة سايكس بيكو وتقسيم مناطق نفوذ الدولة العثمانية وقبلهما كانت مركزاً للصراع بين العباسيين والخوارج، وبين الزنكيين والأيوبيين، وحاصر ها صلاح الدين الأيوبى مرتين.

وفى عام ١٩٥٩ إبان حكم الرئيس عبدالكريم قاسم الذى كان نظاما أقرب للشيوعية قامت جماعة القوميين العرب بإعلان التمرد على عبدالكريم قاسم من الموصل، ولكن قاسم استطاع إخمادها.

أثناء احتلال أمريكا للعراق عام ٢٠٠٣ قامت قوات البشمركة الكردية برعاية فرقة مظلات أمريكية بالسيطرة على الموصل مما دعا الكثير من أهلها للهجرة خاصة المسيحيين وكثيراً من السنة .. وحاول الأكراد الاسثتئثار بالسلطة فى الموصل بدعم من الأمريكان مما أدى لصراع واغتيالات على أرضها . وشهدت الموصل إبان ثورات الربيع العربى عام ٢٠١١ مظاهرات واحتجاجات كبيرة ضد رئيس الوزراء نورى المالكى الموالى لإيران، والمتهم بمحاربة المسلحين السنة لصالح الشيعة.

ومن المغول وهولاكو فى التاريخ القديم إلى مغول القرن الحادى والعشرين حيث سيطر المغول على الموصل في الزمن القديم وسيطرت داعش المغول الجديد عليه من على منبر جامع النورى (الأثرى العتيق) فى مدينة الموصل كان إعلان أبو بكر البغدادى زعيم حركة داعش (يونيه عام ٢٠١٤) إقامة دولة الخلافة على أراض فى العراق وسوريا، ومن ثم تعتبر الموصل ومسجد النورى رمزاً مهماً لدى التنظيم «عاصمة داعش» كما يصفها البعض، خاصة أن داعش سيطرت على المدينة بسهولة حيث لاقت دعماً من بعض الأهالى من المسلمين السنة، بسبب ضيقهم ومحاولة ثأرهم من نظام نورى المالكى الذى تسبب فى مقتل الكثيرين وسيطرة طوائف أخرى ليس لها إلا وجود رمزى فى الموصل وفعلت داعش كل ما تفعله فى أى منطقة تسيطر عليها من أعمال تخريبية، ومحاولة لطمس كل ما له علاقة بالتاخ والحضارات المتعددة التى مرت على الموصل، تدمير الأضرحة والأسوار التراثية، والكنيستين الأثريتين كاتدرائية» مارتوما» وكنيسة «اللاتين» واللتان تعرضتا لأضرار بليغة فى أبريل ٢٠٠٨ فى انفجار أدى إلى تدمير برج الساعة الشهير بالكنيسة تلك الساعة التى كان يسمع صوت دقاتها الجهورى على مدى ١٥ كيلو مترا بينما قام تنظيم داعش عام ٢٠١٥ بإخلاء منازل المواطنين القريبين من كنيسة الساعة وقاموا بنهب محتوياتها ثم تفجيرها بالكامل.

وقامت داعش بضم إجبارى للكثير من الشبان العراقيين إلى صفوفها القتالية، وتدريبهم على الأعمال العسكرية، وكان الكثير منهم يسعى إلى الهروب ومن يفشل يعرض للذبح، بل كثير من الأهالى من النساء والأطفال تم العثور على جثثهم على الطريق مؤخراً، حيث قتلوا بأيدى مقاتلى داعش.

داعش استخدمت المدنيين من أهل الموصل، كدروع بشرية في مواجهة القوات العراقية، ولم ترحم أطفالاً أو نساء أو كباراً.

«معركة صعبة»

بالفعل كانت معركة إنهاء وجود داعش فى الموصل صعبة، استمرت لـ ٩ أشهر.. حيث بدأت القوات العراقية هجومها على داعش فى الموصل فى ١٧ أكتوبر من العام الماضي، وذلك بمشاركة طيران قوات التحالف الدولى بقيادة الأمريكان، حيث كان له شديد الأثر على نجاح العملية، فرنسا وحدها قامت بـ ٦٠٠ طلعة جوية خلال معركة الموصل، واستطاعت القوات العراقية والتى تضم جنوداً من البشمركة وقوات الحشد الشعبى وقوات من السنة استعادة الجانب الشرقى فى شهر يناير الماضى، وشنت هجوماً على الجزء الغربى من المدينة حيث الكثافة السكانية، فكانت عملية شديدة الصعوبة، ولكن استطاعت القوات العراقية إلحاق الهزائم بالتنظيم، وفى ١٨ يونيو تم اقتحام المدينة القديمة كآخر مراحل المعركة، وسيطرت القوات العراقية على كل مناحى المدينة، باستثناء جيوب فى منطقتى» القليعات والشهوان» المتاخمة لنهر دجلة، ومازالت تقوم بعمليات لتطهيرها من آخر عناصر لداعش، وطبقاً لتصريحات رئيس الوزراء العراقى العبادى، وبيان من القوات العراقية أن الموصل محررة بالكامل وأن العلم العراقى تم رفعه على حافة نهر دجلة في مدينة الموصل القديمة.

وخلال المعارك في الموصل استطاعت القوات الكردية بمساعدة الطيران الأمريكى استعادة السيطرة على سد الموصل أكبر سدود العراق، الذى يحفظ خلفه ١١ مليار متراً مكعباً من المياه، وينتج ألف ميجاوات من الكهرباء، ولم تقدم داعش على تدميره لأنها تعلم مدى خطورته، وأن تدميره يتسبب فى تسونامى موجاته تتجاوز ١٨ متراً، تقضى على الموصل بالكامل ومدن أخرى كثيرة بمن فيها.

ولهذا كان التخطيط الناجح، هو السيطرة على السد قبل بداية معركة الموصل، فكان ذلك في أغسطس من العام الماضى.

«الموصل جريح»

المفترض أنه مشهد للانتصارعلى التنظيم الإرهابى فى شوارع محافظة نينوى يرفعون الأعلام العراقية بدلاً من الأعلام السوداء ويطلقون الزغاريد، ولكن على الجانب الآخر صورة مؤلمة نزوح أكثر من ٩٠٠ ألف من أهالى الموصل والذين عانوا الخوف والجوع والقهر ولا أحد يعرف هل سيعودون إلى مدينتهم، وكيف ذلك ومدينتهم مهدمة مدمرة تحتاج طبقاً لبعض التقديرات إلى مليار دولار لإعمارها.

مشهد الراحلين الهاربين من أتون المعارك في الموصل شديد الكآبة واللاإنسانية، الرجال يمضون عرايا إلا من السراويل، حتى تتأكد القوات العراقية أنهم ليسوا بانتحاريين ولا يحملون متفجرات، حيث قام بعض أعضاء داعش بالاندساس وسط الفارين من أهالي الموصل وفجروا أنفسهم، وكأن الموت يطارد أهالى المدينة الذين عانوا عذابات كثيرة خاصة مع اشتداد المعارك وفرض الحصار على المدينة وشح الغذاء، وبعضهم قضى ١٠ أيام بدون طعام.

نفوس مكسورة وقلوب موجوعة على ضياع البيت وموت الأهل والأحباب.

عودة الموصل لأهلها وعودة أهلها لها ليس بالأمر السهل، ولكن الموصل التاريخية، ربما نكتب فصلاً مجدداً فى التاريخ وتكون معركتها بداية نهاية تنظيم داعش الإرهابى، خاصة أنها تأتى بعد استعادة العراق من التنظيم لعدة مدن منها «تكريت» و»سنجار»، و»الرمادى» و»الفلوجة»، ولكن مازال التنظيم له السيطرة فى «تلعفر» و «الأنبار».

ومعظم قياداته الفارين من «الرقة» و «الموصل» اتجهوا إلى الميادين على الحدود السورية والعراقية ورغم أن مصادر أمريكية تؤكد أن التنظيم فقد خلال معارك سوريا والعراق ٦٠ ألفاً من عناصره إلا أن قدرة التنظيم على التجنيد مازالت موجودة، وربما يلجأ إلى الاختفاء قليلاً ثم معاودة الظهور بمفاجأة، أو الانتقال إلى شرق آسيا أو فى ليبيا أو فى سيناء، أو انتهاج سياسة «الذئاب المنفردة».. رغم الانتصار فى الموصل فمازال التنظيم موجوداً على الأرض في العراق وسوريا، وكأيديولوجية تدميرية وتجد قبولاً لدى بعض الشباب من أنحاء العالم شرقه وغربه.

الفصل الأخير فى داعش يبدو أنه مازال لم يكتب بعد.