بقلم – لواء د. نصر سالم
كثيرًا ما كنت أردد، أن الله سبحانة وتعالى، قد خلق سيناء لتكون درعًا طبيعيًا لمصر، يدفع عنها أى عدوان من جهة الشرق، وكم أفضت فى وصف طبوغرافيتها التى تشكل ثلاثة حوائط جبلية أولها على خط الحدود مباشرة ويتكون من جبال (ضلفة والحلال والوجير والعمر وصفراء الحمظ..) ثم الحائط الثانى غرب الحائط الأول بحوالى ٧٠:٥٠كم ويقع فى وسط سيناء ويشمل جبال (مجموعة جبال المغارة ثم جبل يلق وجبل البروك وجبل المنشرح وجبل غرة ثم تأتى هضبة العجمة المنبعة جنوبها)، أما الخط الثالث أو الحائط الثالث وهو الحائط الغربى لسيناء والأكثر مناعة ويتكون من جبال أم رجام وسعابة وأم خشيب والجدى والطوال والرحة، ثم بضيع وسومار المتصلان بهضبة العجبة أيضًا، وهو على مسافة ٧٠كم من قناة السويس.
إن سيناء التى تضم الوادى المقدس طوى، قد حماها الله حماية طبيعية، لعلمه أنها ستكون معبرًا إلى مصر المستهدفة، بل سيناء نفسها مستهدفة من أعداء كثر، وربما هذا ما يفسر قول الرسول الكريم أن “أهل مصر فى رباط إلى يوم الدين».
وبفرض التخلى عن كل الحروب والغزوات التى شهدتها سيناء فى الماضى البعيد منه والقريب، فإن سيناء اليوم فى بؤرة الأطماع الصهيونية التى تؤيدها دول عظمى وكبرى وتخدمها وتحققها جماعات مصالح إقليمية ومحلية.. وتشير التقديرات إلى أن سيناء التى فشل الأعداء فى الاحتفاظ بها بقدرتهم العسكرية العالية فى وجه جيشنا ومن ورائه الشعب الذى لم يتأخر لحظة واحدة فى بذل الدماء والأرواح؛ فداء كل حبة رمل على أرضها.
يستخدم أصحاب هذه الأطماع إستراتيجية أخرى فى الاستيلاء عليها أو على أجزاء منها بدلًا من استخدام الجيوش النظامية، هذه الاستراتيجية هى استراتيجية الحرب غير المتماثلة التى تستخدم العناصر الإرهابية وحرب العصابات لتحقيق هدفها.
والواضح مما نراه هذه الفترة من الزمن أن استراتيجية الإرهاب سوف تستمر لفترات قد تطول. على الأقل من وجهه نظر الأعداء والطامعين.
الأمر الذى يتحتم معه التفكير بشكل غير نمطى فى تطهير أرض سيناء من كل ما دنسها من تنظيمات وعناصر إرهابية.
وعملا بقول الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه «الحكمة ضالة المؤمن، أينما وجدها فهو أحق بها»
حتى ولو كانت هذه الحكمة من الأعداء أنفسهم الذين احتلوا سيناء من قبل، وهذا على سبيل المثال.
إن المتتبع للعمليات الإرهابية وللإرهابيين فى سيناء سوف يكتشف أن الأساليب والتكتيكات التى تستخدمها، هى خليط من أعمال الحمساويين الفلسطينيين وحزب الله فى لبنان، والإسرائيليين والفيتناميين.
فالفلسطنيون يختارون مخابأهم تحت سياجات الصبار الممتدة على طول طرقات غزة وفى البساتين، حيث ترتفع هذه السياج إلى ثلاثة أمتار وأكثر وهى سميكة ومحمية بأشواك خطرة تمنع الدخول إليها- وكانوا يقومون بتجهيز المخابئ على أعماق كبيرة ويقومون بتغطيتها وإخفائها ويجعلون أنابيب التهوية تختفى بين هذه السياج وتحتها، وهذه المخابئ المحصنة تحت الأرض يلزم لاكتشافها حسا أمنيا، فضلًا عن معرفة دقيقة بالأرض وحفظ تام لها.. وقد استخدم الإسرائيليون كل الخدع الممكنة، والتى لا تخطر على بال فى التصدى لهذه الأعمال.. لقد كانوا يقسمون القطاع بالكامل إلى قطاعات مسئولية تتفرع إلى قطاعات مسئوليه فرعية لا تزيد عن ٣:٢كم تخصص لعدد لا يزيد عن ٣:٢ أفراد مسئوليتهم تدوين وحفظ كل علامة فى هذا القطاع ويتابعونه يوميًا، وعند اكتشاف أى تغير يتم التحقق منه فورًا، ومن أسبابه، والهدف منه والتصرف حياله مباشرة، فعلى سبيل المثال عندما تكون هناك مساحة من الأرض المزروعة بالأشجار المتماثلة مثل الزيتون أو الموالح أو النخيل فإن أى اختلاف فى إحداها مثل قطع قمتها أو جفاف أعضائها أو وجود أى علامه مميزة يجعل من هذه الشجرة نقطة إشارية لأى مجموعة من الأفراد بينها اتفاق على اللقاء فى المنطقة.. الأمر الذى يجعل الإسرائيليين يركزون على تسجيل ومتابعة مثل هذه العلامات، وكثيرًا ما نجحوا فى اكتشاف مخابئ مجهزة تحت الأرض على أعماق كبيرة، وأيضًا أسر مجموعات من الفلسطينيين وفى داخل المدن والقرى مثلما يحدث فى المناطق المزروعة يتم تقسيم المنطقة إلى قطاعات فرعية وتحدد مسئوليتها لمجموعة محددة من الأفراد يتحركون فيها على مدار الساعة- فيما بينهم- ويعرفون كل الأشخاص الموجودين فى كل شارع وفى كل منزل- حتى أنهم يكتشفون وجود أى فرد غريب عن المنطقة بمجرد تواجده فيها.. فى المقابل كان الفلسطينيون يبتكرون من الحيل ما يخدعون به الإسرائيليين كأن يجعلون داخل البيت أكثر من حائط للفصل بين الغرف، بحيث إن من يدخل إلى الغرفة يراها خالية، وأيضًا الغرفة المجاورة والحقيقة أن هناك حائطين اثنين بين الغرفتين المتجاورتين، الفاصل بينهما يتم الدخول إليه من أعلى سقف المنزل.
ويختبئ فيه الأفراد أو الأسلحة المراد إضفاؤها.
وعندما اكتشف الإسرائيليون ذلك بالصدفة.. أخذوا فى استخدام الحبال لقياس طول الحائط من داخل المنزل ومن خارجه وعند وجود فارق فى الحساب يقومون بهدم إحد الحوائط لاكتشاف المخبأ أو تسلق سطح المنزل والوصول إليه.
إن الإرهابيين فى سيناء يستخدمون نفس الأساليب فى الإخفاء، سواء المخازن المحصنة تحت الأرض فى أعماق قد تصل إلى عشرة أمتار، وأيضًا الأنفاق الموصولة لانتقالهم تحت المنازل أو الاختفاء فيها وتجهيز العربات بالتدريع وبالأسلحة وصناعة المتفجرات هناك شبكات المراقبة بالنظر على امتداد المنطقة التى يستخدم فيها الشيوخ والنساء والأطفال وترصد وتبلغ عن كل شاردة وواردة هناك الميكروباصات والدراجات التجارية التى تجوب المنطقة وتقوم بالإبلاغ عن كل شىء، بالإضافة إلى استخدام الدواب مثل الجمال والحمير فى الدروب والمناطق الجبلية.
لقد قدمت من قبل فكرة شاركنى فيها بعض شيوخ القبائل فى سيناء لحصار فترات الإرهاب وهى بناء سور حول المدن مثل العريش ورفع والشيخ زويد وتحديد مخارج ومداخل لها لحصر وتسجيل كل من يعيش داخل هذه المدن أو الدخول إليها، ووضع كميرات مراقبة داخلها تغطى كل الشوارع والبيوت وتسيير داوربان راكبة ومترجلة داخل هذه المدن لحفظ الأمن وبث الثقة فى نفوس المواطنين وإشعارهم بالأمان، والأمر الذى يشجهم على الإبلاع عن أى أرهابي، بل والتصدى له مع توفير كل سبل العيش الكريم داخل هذه المدن وتوسيع الطرق والشوارع داخلها لسهولة التدخل ضد أى إرهابى داخل المدن .
أما خارج هذه المدن فإنه يلزم بناء تجمعات سكنية عبارة عن قرى لتسكين البدو الرحل وأبناء القرى والنجوع المتناثرة حول المدن، ويتم تأمينها بالأسلوب المناسب، على أن تخصيص مسئولية الدفاع عن كل قرية لأبنائها الذين يعيشون داخلها طبقا لخطة مركزية على مستوى المحافظة والقيادة العسكرية المسئولة عنها، وفى خارج هذه المناطق السكنيه تتولى القوات المسلحة تقسيم المنطقة بالكامل إلى قطاعات مسئولية بخطط تأمين متكاملة، سواء بالقوات أو العدات الفنية... إلخ.
ولا يسمح بالتحرك فى هذه المناطق إلا تحت بصر القوات المسئولة عنها والتى تجوب الأرض يوميًا لاكتشاف أى متغير والتصرف حياله فورًا.
إن أبناء قبائل سيناء الشرفاء لن يضيقوا بهذه الإجراءات لثقتهم فى جيش مصر وقيادته وسوف يشتركون مع القوات المسلحة والشرطة فى تمشيط المنطقة بكاملها بصفة مستمرة لتأمين هذه الأرض واقتفاء أثر أى إرهابى والقضاء عليه.