إذا ما بُدء حوار بين طرفين أو مجموعة؛ نجد بعض الأفراد يعانون من صعوبة التحدث إلى الآخر، وربما يمر الكثير من الوقت الذى يسوده الصمت خلال أى حديث، وإذا ما تم الحوار نلمس معاناة واضحة فى التلاقى الحوارى المشترك نتيجة لاختلاف وجهات النظر والتوجهات؛ وهو ما سبب معضلة نفسية عند البعض ربما تدفع صاحبها للانطواء والذى قد يقوده إلى إنزواءٍ مرضي،أو يضاعف من عدوانيته رغبةً منه فى فرض الرأي.
ونتساءل لماذا لا يسعى الكثيرون لتدريب النفس من أجل تعزيز وتحسين قدرتهم على التواصل وعقد صداقات بقنوات حوارية مشتركة، ولماذا يسعى الفرد لتسفيه الآخر وكأن الحوار ساحة حرب لابد أن يخرج منها غالب ومغلوب؟
والإجابة هو جهل الفرد بكون الحوار فن عاكس لشخصية أطرافه، وبخطوات بسيطة هناك طفرات فعالة لبدء الحديث مع أى شخص وكسر الحاجز بين الطرفين وهناك قواعد تضمن حوار مثالى لطيف وأنيق، وهناك مجموعة من الأخطاء التى من شأنها إفساد أى حوار مع الآخرين، خاصةً لو كان هذا الشخص معرفة أولى؛ حيث يتواجد حاجز كبير يفصل بين الطرفين،يجعل من مهمة البدء بالحديث إليه مهمة صعبة جدًا، تخوض لأجلها آلاف الأحاديث الداخلية كمحاولة لإيجاد أفضل صيغة وطريقة لبدء ذلك الحديث، ولكن الأمر أبسط مما يعتقد الجنس البشري؛ فهو معتمد على خطوتين فقط لكسر الجليد بينك وبين الشخص الآخر.
فأفضل طريقة لبدء حديث هى الاعتماد على أبسط أنواع الجمل بدون أى قدر من التعقيد أو المبالغة، مثل عبارات الترحيب، يتبعها الخطوة الثانية والأهم وهى التعرف بعد كسر الحاجز على اهتماماته، وهذه الخطوة هى ما سيبنى عليها كل الحديث أو على الأقل فى أول محاورة.
التحدث من أهم الأمور التى يمكن لها أن تميز شخص عن آخر على جميع الأصعدة، ولكن يواجه الكثير من الأشخاص صعوبة فى هذا الأمر، صعوبة فى الحفاظ على استمرار الحديث، صعوبة فى صيغ الكلمات، القلق والتوتر وفقدان الثقةبالنفس،وهو ما يمكن التغلب عليه بخطوات بسيطة ترفع قدرة الفرد للتعاطى مع الآخر.
أولى تلك الخطوات هو الحفاظ على استمرارية الحديث بعيداً عن لحظات الصمت الباردة والتى يتوه فيها الكلام؛ وهنا يأتى دور الفضول كحل سريع؛ فبعد الاطلاع على اهتمامات الشخص، يتسلسل الحوار من باب الفضول لكشف المزيد والتى من شأنه تحديد النقاط المشتركة بين طرفى الحديث.
والنقطة الثانية هو الاقتناع بأن فن الحوار مع الناس لا يعنى الانتصار عليهم؛ وهذا المفهوم لن يطبق دون التسليم باختلاف الأشخاص؛ فلكل شخص قناعاته وأفكاره وطريقته فى الطرح لذا وجب على الجميع احترام هذا الاختلاف، دون حرب إثبات الرأى وإثبات صوابه والتسفيه من الرأى الآخر.
ونأتى للنقطة الأهم وهى فن إتقان الاستماع والإصغاء؛ فعلى الرغم من أن فن الحوار مع الناس يدور حول التحدث إلا أن الصمت هو أهم أجزاء هذه المهارة، فعندما يشعر الطرف الآخر أنك تحترم رأيه تمامًا وتستمع إليه بتركيز وتسمح له بالتحدث عن نفسه أو عن اهتماماته وأفكاره سيدرك فى اللاشعور اتقانك لفن الحوار وستنتقل بينكما طاقة الحوار الإيجابية حتى لو مختلفين، بالتوازى مع إظهار الاهتمام بحديث الآخر؛ وهى الطريقة التى يمكن من خلالها أن تظهر كاريزمية الشخصية وتكشف ما يتمتع به صاحبها من قوة الشخصية والثقة بالنفس، بالإضافة إلى حسن الإصغاء.
ونأتى للخلاصة فى أساسيات فن الحوار وهى؛ لكى يكون لديك البصمة الأهم لابد وأن تترك كل شخص يتحدث ويُدلى بدَلوه لكى يمكنك فهم طريقة تفكير الجميع، مع الاهتمام بنبرة الصوت؛ فيجب أن يكون الصوت مسموع مع نبرة هادئة بعيدة عن السرعة مدعومة بنفس منتظم غير متقطع ولا لاهث مع الحفاظ على لغة العيون كمفتاح للتواصل البصري،وتلافى عدم الاصغاء أو مقاطعة المتحدث والبعد كل البعد عن النقد الدائم مهما كانت الآراء والأفكار مختلفة.
تلك بديهيات التعاطى مع الآخر والتى افتقدناها وتناساها الجميع فى سنواتنا الأخيرة؛ مابين تراشق حوارى فى الفضائيات وتنمر وسباب وتسفيه وتكفير على وسائل التواصل الاجتماعى ولا يقل الأمر حدة إذا ما اجتمع بعض الأفراد وبدأ الحوار بينهم فى أى مجال من مجالات الحياة ؛ وعادة ما ينتهى بالخناق والحنق والغضب والقطيعة؛ تلك معضلة فن الحوار فى زماننا هذا ولا عزاء للأخلاق!