الجمعة 10 مايو 2024

التنقيب عن الآثار.. مقامرة بالأرواح تخدع أصحاب النفوس الضعيفة وهلوسة تدفعهم لتصديق الوهم

التنقيب عن الآثار

تحقيقات19-5-2022 | 16:22

أستاذ طب نفسي: التنقيب مقامرة بالحياة طرفيها "نصاب" و"طماع"

أستاذ علم اجتماع: القابلية للإيحاء تجعل الشخص يميل لتصديق نجاحه في العثور على القطع

مساعد وزير الداخلية لمباحث الأموال العامة سابقا يدعو لتغليظ العقوبة ومصادرة ممتلكات مرتكب الجريمة

لا تزال جرائم التنقيب عن الآثار في شتى المحافظات تحصد أرواح المواطنين الذين يقعون ضحية أوهام ومطامع بالثراء السريع والغنى بدون مجهود، فبين حين وآخر تعلن أجهزة الأمن عن ضبط أشخاص في أثناء قيامهم بالتنقيب أسفل عقاراتهم أو في أراضيهم، كما تقع الكثير من حوادث انهيارات العقارات ووفيات من الأشخاص في أثناء عمليات الحفر والتنقيب.

ومن آخر تلك الجرائم، القضية المنظورة أمام محكمة جنايات القاهرة، والمتهم فيها 8 أشخاص بينهم طبيب بشري ومالكي لشركة استيراد وتصدير، لاتهامهم بتشكيل عصابي للتنقيب عن الآثار بمنطقة عين شمس وتهريبها إلى خارج البلاد، والأسبوع الماضي أصدرت الوحدة المحلية بقرية سجين الكوم التابعة لمركز قطور بالغربية، قرارًا بإزالة منزلين متلاصقين بعد حدوث تصدعات شديدة وميول بهما بسبب التنقيب عن الآثار أسفل أحدهما، بجانب حوادث مصرع أشخاص أثناء التنقيب عن الآثار وانهيارات العقارات التي تتكرر في الكثير من المحافظات وخاصة في الصعيد.

 

وهم الثراء السريع

وعن الدوافع وراء ذلك، قال الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، إن الرغبة في المكسب السريع بدون مجهود هي الدافع وراء لجوء الشخص للتنقيب عن الآثار، مضيفا أن هذا الأمر يشبه القمار ويمكن أن يضيع العمر فيه، فالتنقيب مراهنة حياتية بحثا عن وهم الثراء السريع وهو ليس اضطرابا في الشخصية أو مرض نفسي أو عقلي.

وأوضح في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن الشخص إذا فكر في تداعيات الأمر والتي قد تصل إلى الوفاة في حالة انهيار سقالات التنقيب أو انهيار العقار أو غير ذلك فلن يقدموا على ذلك، مضيفا أن البعض يفكر فيمن حققوا مكاسبا جراء التنقيب في مناطق مثل المطرية ونزلة السمان وبعض المحافظات وخاصة في الصعيد مثل الأقصر وإدفو في أسوان لذلك يحاولون تقليدهم.

وأكد أن الأشخاص في مصر يميلون للتقليد وخاصة لمن تكسبوا بصورة معينة ماديا مثل الربح من اليوتيوب والتيك توك فنجد الكثيرين سلكوا هذا المسلك للثراء في الفترة الأخيرة، موضحا أن هناك ضحايا كُثر لمثل هذه العمليات والنصب باسم التنقيب عن الآثار استنزفوا أموالهم وتعرضوا للخداع من قبل آخرين قاموا بالنصب عليهم وخسروا أموالهم التي تصل إلى ملايين وفي النهاية لم يجنوا أي شيء.

وأشار أستاذ الطب النفسي إلى أن العملية بمثابة مقامرة وهناك أطراف تقوم بخداع الضحية ويوهمونه بأن هناك آثار مخبئة من خلال خدع وأجهزة للحفر والتنقيب والنتيجة لا شيء، موضحا أن هناك أشخاص أصيبوا بانهيار نفسي وعصبي بعد خسارتهم كل ما يملكون من أموال في هذه العملية وضيعوا مستقبلهم ومستقبل أولادهم ويذهبون إلى العلاج في مصحات نفسية من آثار الصدمة.

سمات الشخصية

وأكد فرويز أنه لا يقع ضحية لأوهام التنقيب عن الآثار كل الشخصيات، بل أن البعض يرفضون ذلك لأنه أمر مخالف للقانون وغير مضمون النتيجة وبه مخاطر عديدة، لكن البعض يقبلون بالمغامرة بحثا عن المكسب والأرباح التي تصل إلى الملايين، مضيفا أن الشخص الذي ينخدع بهذا أهم سماته أنه شخص طماع.

وأوضح أن النصاب والطماع يجدان بعضهم ويبحث كل منهم عن الآخر، كما أن الطماع هو من يجد من ينصب عليه لأنه يريد من يغريه بالأمور المادية والمكسب السريع، والنصاب يمتلك من الأدوات والمهارات اللفظية والعملية التي تمكنه من استقطاب الضحية وتكون النتيجة خسارة وعملية نصب وخداع وجريمة قانونية ومخاطر تصل إلى الوفاة أو على الأقل خسائر مادية كبيرة.

وأضاف أن هناك الكثير من الحوادث التي وقعت خلال التنقيب عن الآثار وأدت إلى وفاة أصحابها مثل الكثير من حوادث الغرق في الصرف الصحي أو الانهيارات العقارية، مطالبا بضرورة أن يعي المواطنين أن الرزق بيد الله فقط وأن الرزق الحلال هو الذي يبقى لآخر العمر.

 

مصرع الأشخاص أثناء التنقيب عن الآثار

ومن جانبه، قال الدكتور حسن الخولي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن الشخص قد يعرض نفسه وحياته للخطر بلجوئه للتنقيب عن الآثار والذي يكون بدافع الطمع والرغبة في الحصول على الأموال بأي طريق وقد يلجأ إلى طرق غير مشروعة، مضيفا أن الشائع بين الناس أن العثور على الآثار تنقل الشخص من الفقر إلى الغنى والثراء.

وأشار في تصريحات لبوابة "دار الهلال"، أن هناك أشخاص لديهم هذه النزعة من الطمع في الحصول على الأموال من هذه المصادر، موضحا أن الشخص يميل إلى تصديق أنه سينجح في التنقيب عن الآثار في منزله وأرضه من خلال القابلية للإيحاء والتي تعني أن الشخص عندما يريد تحقيق شيء بشدة يصدق أي شخص يقول له ما يتفق مع رغبته وما يريد أن يسمعه حتى إذا كان ذلك الشخص مخادع وكاذب.

وأكد أن وقائع القبض على شخص استخرج آثار من تحت منزله أو نجح في ذلك بالفعل تكون دافعا لآخرين في القيام بهذه العملية، مشيرا إلى أن الدراما قد تكون أيضا عاملا مساعدا في تغذية هذا التوجه وتدفع الأشخاص للجوء إلى تصديق أنهم يمكنهم استخراج الآثار من منزلهم وأراضيهم في الحقيقية وبيعها وتحقيق الغناء.

وأوضح أن الشخص قد يتخيل أنه يرى بالفعل أجزاء من تلك الآثار أو اقترب منها بالفعل، لكن الحقيقة أنه لا وجود لذلك، بل أن الأمر قد يدر العقار أو البئر الذي يحفر به ويتوفى هو ومن معه، مشيرا إلى أن الأمر يتطلب المزيد من التوعية لأن التنقيب عن الآثار مجرم قانونا، كما أن التنقيب داخل البيوت خطر داهم قد يؤدي إلى الوفاة.

وشدد على أهمية دور الإعلام في التوعية بهذه المشكلة وتبصير الناس بها وأن الآثار ثروة قومية ولا يحق لأحد أن يبحث عنها أو يستحوذ عليها.

عقوبة التنقيب عن الآثار في مصر

فيما قال اللواء فاروق المقرحي، عضو مجلس الشيوخ ومساعد وزير الداخلية لمباحث الأموال العامة الأسبق، إن الشائعات التي سرت في العشرين عام الأخيرة من أن هناك أغنياء الآثار من البحث والتنقيب وأن بعض الأشخاص الذين ظهرت عليهم علامات الثراء الفاحش بدون سبب ظاهر وادعوا أنهم وجدوا آثار في أراضيهم وبيوتهم وتصرفوا فيها بالبيع بملايين الجنيهات، جعلت الكثيرين يصدقوا أن التنقيب عن الآثار أمر سهل ومربح.

وأوضح المقرحي، في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن الدافع في ذلك هو الرغبة في الثراء السريع وبلا سبب معقول إلا الحصول على المال بطريق سهل، مشيرا إلى أنه في حالة ضبطه فالعقوبات غير رادعة، مع أن المعلوم للكافة أن ما في باطن الأرض ملك للدولة وكان يجب تشديد العقوبة منذ زمن لكن للأسف لم يتم تشديد العقوبات إلا في الفترات الأخيرة لكنها تظل ليست بالحد الكافي.

وأكد أنه كان يجب مصادرة ممتلكات أي شخص يتم ضبطه بهذه الجريمة وكذلك مصادرة كل الأدوات المستخدمة وحبس الشخص الذي يبحث عن الآثار بما يتناسب مع الجرم الذي يرتكبه في حق نفسه أولا وفي حق وطنه ثانيا، مشيرا إلى أن هذا القانون والتعديل التشريعي ضروري وأصبح مطلوبا بشدة لكن لا يوجد من يسعى أن يكون هناك قانونا لمحاسبة هؤلاء الأفراد الذين ظهرت عليهم آثار الثراء بشكل مفاجئ، وخاصة أن هناك أشخاص من عصابة الإخوان و"المتسلفة" ظهرت عليهم علامات الثراء خاصة بعد 2011.

ولفت إلى أن هناك قانون "من أين لك هذا" يطبق على الموظفين العاملين في الدولة، لكن الأشخاص العاديين لا يسألون ولا يحاسبون، مضيفا أنه يجب أن يطبق هذا القانون على الأفراد لأن هناك عمليات غسل أموال تتم داخل البلاد من خلال هؤلاء "العصابة الإرهابية والمتسلفة الإرهابية" والأشخاص المتاجرين في الممنوعات مثل المخدرات والأسلحة.

وأضاف أن عقوبة التنقيب عن الآثار في مصر في الوقت الحالي هي 5 سنوات حبس إذا ثبتت، لكن عند وقوع تلك الحوادث يدعون أن يقومون بعمل "طرنشات" للصرف الصحي أو يقومون بتجديد المنزل وترميمه، لذلك يجب أن يتم تغليظ العقوبة لمواجهة هذه الجرائم.

Dr.Radwa
Egypt Air