أكدت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية الدكتورة هالة السعيد حرص الدولة المصرية الدائم على نهج الشراكة في إطار جهود تحقيق التنمية المستدامة، وتمويلها، مع كافة ممثلي شركاء التنمية القطاع الخاص والمجتمع المدني والمنظمات الدولية والإقليمية من خلال التعاون في مجال تحليل ورصد وتقييم الأثر التنموي للاستثمارات العامة والسياسات الاقتصادية المتعلقة بتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة بالإضافة إلى تعزيز المشاركة المجتمعية في صياغة السياسات الاقتصادية الفاعلة والتمويل القائم على النتائج.
جاء ذلك في كلمة السعيد خلال افتتاح المؤتمر الدولي حول فرص التمويل البديل في مصر من أجل تمويل مستدام للتنمية، والذي ينعقد بتعاون وشراكة مثمرة بين مشروع إصلاح واستقرار الاقتصاد الكلي الممول من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ووزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، ووزارة المالية.
وقالت السعيد إن مقتضيات حالة اللايقين التي يمر بها العالم حاليًا في ظل استمرار تداعيات تفشي جائحة كورونا والأثار الاقتصادية المترتبة على التعافي المستدام بسبب حدة توترات الأزمة الجيوسياسية في أوكرانيا، والتي أثرت سلبًا على مكتسبات التعافي، وعمَّت دول العالم كله ومصر ودولًا أخرى على وجه الخصوص تُملي علينا التأكيد على حتمية التعامل مع الإشكالية الرئيسة التي تقف حائلاً أمام تحقيق أجندة 2030: وهي التمويل المستدام لأهداف التنمية المستدامة.
وأضافت السعيد أن عمق الفجوة التمويلية لأهداف التنمية المستدامة في الدول النامية، التي تتراوح بين 3.3 إلى 7 تريليونات دولار سنوياً وقد أُضيف عليها نحو 2.5 تريليون دولار عام 2020 نتيجة لتداعيات جائحة كورونا، يؤثر سلباً في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة التي تلبي تطلعات شعوبنا.
وتابعت السعيد أنه نتيجة لذلك، تواجه الاقتصادات الناشئة ومن بينها مصر تحديات كبيرة بشكل غير متكافئ من أجل ضبط أوضاع الإنفاق المالي وفي نفس الوقت توفير التمويل اللازم لتنفيذ الاستثمارات العامة بما يتناسب مع الاحتياجات السكانية المتزايدة والمتطلبات التنموية التي أصبحت أكثر الحاحًا خصوصًا في إطار السعي لمتابعة تحقيق أجندة 2030.
وأشارت السعيد إلى أن الدولة المصرية تنظر لقضية تمويل التنمية كأحد أهم المحددات لمدى قدرة الدُول على المضي قدماً في تنفيذ برامج ومشروعات تحقيق التنمية المســتدامة، موضحة أن أهم ما يجمع خطط وبرامج تحقيق التنمية، سواء في الإطارِ الأممي أو في الإطارين الوطني والاقليمي، هو حاجتها لتوفير التمويل وتعبئة الموارد اللازمة، ويرتبط بذلك حاجتها الماسة لشراكة فاعلة بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمؤسسات المالية لتوفير الاحتياجات التمويلية المتزايدة.
ولفتت السعيد إلى حرص الدولة المصرية على تحقيق الربط بين خطتها الاستثمارية السنوية والأهداف الأممية لتقييم وتحليل حجم الاستثمارات الموجهة لتحقيق الأهداف الأممية، وما ينتج عنه من اكتشاف فرص استثمارية جديدة ورفع كفاءة توجيه الاستثمارات وفقًا للأولويات التي تفرضها المتغيرات المتسارعة الحالية.
ولفتت السعيد إلى إطلاق تقرير "تمويل التنمية المستدامة في مصر" والذي يُعد التقرير الوطني الأول من نوعه عالمياً عن تمويل التنمية، وتمت صياغته تحت إشراف الدكتور محمود محي الدين – المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة والمدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي - ونخبة متميزة من الخبراء والباحثين في مجالات الاقتصاد والتمويل والتنمية، ما يساهم في إلقاء الضوء على جهود الدولة المصرية في تعبئة الموارد المالية وتنويعها لتمويل مشروعات التنمية المستدامة في الأعوام الأخيرة من خلال تبني العديد من الآليات والبرامج التمويلية المختلفة، فضلًا عن طرح البدائل التمويلية والحلول المبتكرة لتمويل التنمية مثل: السندات الخضراء، وسندات التنمية المستدامة، والتمويل المختلط، وتمويل المناخ والاستثمار المؤثر.
وواصلت السعيد أن أهمية التقرير تأتي فيما يوفره من معرفة بالأبعاد المختلفة لقضية التمويل من أجل التنمية، وما يقدمه من معالجات مقترحة للتعامل الموضوعي مع تحدي التمويل، بما يسهم في رسم سياسات تنموية قائمة على تعظيم الأثر الايجابي.
ونوهت السعيد إلى أن التقرير قدم نتائج وتوصيات تتصل بفرص التمويل البديل والمستدام في مصر ومنها على سبيل المثال: مركزية دور الموازنة العامة للدولة في إطار الاستقرار الاقتصادي الكلي لتفعيل إطار التمويل الوطني المتكامل، ودفع الاستثمارات العامة والخاصة الخاصة برأس المال البشري - رأس المال المادي (البنية الأساسية التقليدية والتكنولوجية) - الصمود والاستدامة، والمضي قدمًا في برنامج الإصلاحات الهيكلية القطاعية (صناعة، وزراعة، وتكنولوجيا المعلومات) ورفع التنافسية لتحقيق هدف المائة مليار دولار للصادرات المصرية مع تخفيض العجز التجاري.
كما تتضمن النتائج والتوصيات زيادة الاعتماد على المهارات الإنسانية الرقمية والذكاء الاصطناعي والخدمات المالية الرقمية وقواعد البيانات الضخمة والقواعد الرقابية والتنظيمية، وتوطين التنمية المستدامة، والاستفادة من الاستثمارات الموجهة لمبادرة حياة كريمة لتعزيز إنتاجية المحافظات والقدرة التنافسية النسبية لهم.
وقالت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية إنه إيمانًا بالدور المهم الذي تلعبه المنظمات الدولية في قضية تمويل التنمية وما يمثله من تحدي لدى أغلب دول العالم لا سيما مصر، وقعت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية في مارس 2021 مع مكتب الممثل المقيم للأمم المتحدة، مشروعًا حول "استراتيجية تمويل أهداف التنمية المستدامة في مصر" بتمويل من صندوق أهداف التنمية المستدامة المُشترك.
وأضافت السعيد أن المشروع يستهدف إتاحة وتحديد تكلفة تحقيق كل من رؤية مصر 2030 والأهداف الأممية لأهداف التنمية المستدامة، بالإضافة إلى تقييم اتجاهات تدفقات التمويل، وما يرتبط بذلك من فجوات تمويلية، وربط التخطيط المباشر وإدارة المالية العامة والاستثمارات الخاصة من خلال نظرة شاملة إلى جميع المصادر المباشرة وغير المباشرة للتمويل الوطني مع التركيز على تفاصيل التكاليف اللازمة لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، وتنويع مصادر التمويل للخطط والبرامج التنموية ودفع آليات تعزيز التمويل من أجل التنمية، ودعم القدرات على المدى الطويل لتلبية متطلبات تحقيق الهدف المنشود، وتوسيع نطاق الوعي وخلق مجالات من الحوار حول أولويات تمويل التنمية المتسقة مع أهداف التنمية المستدامة، لدعم صانعي القرار وتوفير خلفية علمية تُبنى عليها إصلاحات وسياسات جديدة.
وأشارت السعيد إلى أنه في إطار هذا المشروع، تقوم وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية أيضًا بإيلاء اهتمامًا خاصًا لدراسة تقدير تكلفة تنفيذ الأهداف الأممية SDG Costing في مصر بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، بهدف تحديد تكاليف خطط التنمية الوطنية وأهداف التنمية المستدامة المرتبطة بها في إطار يستجيب للنوع الاجتماعي ويأخذ البُعد البيئي في الاعتبار، من خلال استخدام العديد من المنهجيات في مختلف القطاعات ذات الأولوية التي حددها المشروع، فضلًا عن متابعة وضع تدفقات تمويل التنمية Landscaping، والتي تمثل الخطوة الثانية للوصول إلى استراتيجية تمويل للأهداف الأممية في مصر، من خلال تحليل مكونات الإنفاق والتدفقات المالية في القطاعات الست المُختارة، والوصول إلى ربط الأهداف الأممية بالموازنة العامة للدولة.
وشددت السعيد على أن الدولة المصرية حرصت خلال الأعوام الماضية على تحسين إدارة الاستثمار العام ورفع كفاءة الانفاق بما يعظم الاستفادة من الموارد المتاحة بالتوسّع في تطبيق "خطط وموازنات البرامج والأداء" ووضع الأطر التشريعية والمؤسسية التي تضمن نجاح التجربة؛ فمن الناحية التشريعية، تَبنَّى قانون التخطيط العام الجديد منهجية البرامج والأداء، ومن الناحية المُؤسّسية، تم إنشاء وحدة لخطة البرامج والأداء بوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية.
وأضافت السعيد أنه بالإضافة إلى ذلك، قامت الدولة بتبني عددا من الآليات المبتكرة لتمويل التنمية في مصر من خلال استحداث "مُعادلة تمويلية" لضمان التوزيع العادل للاستثمارات العامة على مستوى المحافظات، يأخذ في الاعتبار معالجة الفجوات التنموية بين المحافظات المصرية، في ضوء معايير ومُؤشّرات اقتصادية واجتماعية موضوعية تَضمن تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
ولفتت السعيد إلى إطلاق وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية "دليل خطة التنمية المستدامة المُستجيبة للنوع الاجتماعي،" والذي تم إعداده بالتعاون مع مشروع إصلاح واستقرار الاقتصاد الكلي الممول من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وهو يعكس الأهمية البالغة التي توليها الدولة لتمكين الفئات الاجتماعية على كل المستويات، وذلك اتساقًا مع رؤية مصر 2030.
وقالت السعيد إنه في إطار جهود تعزيز وتطوير سياسات الشراكة الفعالة بين القطاعين العام والخاص وزيادة مساهمة القطاع الخاص كفاعل رئيسي لتمويل التنمية في تنفيذ المشروعات الاستراتيجية الرئيسية، قامت الدولة بإجراء تعديلات في قانون تنظيم مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية والخدمات والمرافق العامة من أجل التوسّع في أنماط الأعمال التي يقوم بها القطاع الخاص، واستحداث طُرق جديدة للتعاقد تتناسب مع طبيعة المشروعات المطروحة للشراكة، ووضع ضوابط ومعايير مُحدَّدة لاختيار المشاريع المطروحة للمشاركة مع القطاع الخاص.
كما جاء إنشاء صنـدوق مصـر السـيادى ليلعب دورًا مهمًا فــى جـذب الاسـتثمارات ذات الأولوية إلى الاقتصـاد المصـري، وذلك من خلال الشراكة مع شركات القطاع الخاص في المشـروعات التي تعظّـم الاستفادة من أصول الدولة غير المستغلة، وتحقـق البعـد التنموى وفقا لأهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030.
وتابعت السعيد أن الصندوق نجح منذ انشائه في جذب مستثمرين وشركاء من الداخل والخارج وتوقيع اتفاقيات للدخول في شراكات متعددة بالرغم من التحديات الاقتصادية التي شهدتها الفترة الأخيرة، وأننا شهدنا بداية انطلاق النشاط الاستثماري للصندوق وعقد الشراكات الاستثمارية على كافة الأطر محلياً وعربياً ودولياً.
واكدت السعيد أنه اتصالًا بما قامت به الدولة من خطوات نحو التحول الأخضر، من خلال إطلاق "سندات خضراء" بقيمة 750 مليون دولار لتعبئة الموارد لمشروعات خضراء خاصة في مجال النقل النظيف، يستعد القطاع الخاص المصري لإطلاق "سندات خضراء خاصة" بقيمة تتراوح بين 120-200 مليون دولار.
وقالت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية إن التحديات البيئية المرتبطة بتغيّر المناخ لا تعتبر حقيقة دامغة فقط مع تزايد وتيرة الظواهر الجوية العنيفة، بل أصبحت كاشفة لأوجه القصور الحالية في هيكل التمويل المتاح إلى الدول النامية من أجل التحول الأخضر وهو الأمر الذي توليه الدولة المصرية أهمية كبرى من خلال برامجها الوطنية ورئاستها للدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الدول الأطراف باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في مدينة شرم الشيخ في نوفمبر المقبل.
وأشارت السعيد إلى أنه مع إطلاق الحكومة المصرية "الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ في مصر 2050" خلال الأسبوع الماضي بتشريف الدكتور رئيس مجلس الوزراء، والتي تعد بمثابة خارطة طريق لتحقيق "الهدف الفرعي الثالث من رؤية مصر 2030 المحدثة وهو "مواجهة تحديات تغير المناخ"، حددت الاستراتيجية تكلفة برامج التخفيف بحوالي 211 مليار دولار، بينما يصل إجمالي تكلفة برامج التكيف إلى 113 مليار دولار حتى 2050، وهو الأمر الذي سيؤدي الى إضافة تحدي جديد إلى مواجهة الآثار المترتبة على التغيرات المناخية من خلال وجود نظام بيئي متكامل ومستدام يعزز المرونة والقدرة على مواجهة المخاطر.
وحول دمج الاستدامة البيئية في الخطط التنموية، أوضحت السعيد أن الدولة كثفت من حجم الاستثمارات في المشروعات الخضراء خلال خطة 2022/2023 وفي مجال التحسين البيئي، بمراعاة البعد البيئي، على النحو الذي يساعد في الحد من التلوث، وتحسين جودة الهواء من خلال تقليل انبعاثات الكربون الضارة، حيث من الـمُستهدف أن تصل تكلفة الـمشروعات الخضراء في خطة (22/2023) إلى 336 مليار جنيه في العديد من القطاعات مثل النقل، والكهرباء، والري، والإسكان لتبلغ نسبة الاستثمارات العامة الخضراء 40%، من جُملة الاستثمارات العامة، مع استهداف الوصول لنسبة 50% بنهاية عام 24-2025.
وواصلت السعيد أن صندوق مصر السيادي قام بالتوسع في إقامة المشروعات في مجال تغيّر المناخ من خلال الاستثمار في عددٍ من المشروعات الخضراء والتي تضمنت مشروع إنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراء، ومشروعات تحلية المياه بالشراكة مع عددٍ من الشركات العالمية المتخصّصة.
وقالت السعيد إنه رغم ما حققناه في الأعوام الأخيرة، فإننا ندرك تمامًا أنه لا تزال أمامنا تحديات كبيرة علينا جميعاً مواجهتها لتمويل التنمية بشكل مستدام، وهو الأمر الذي يستلزم دفع سُبُل وآليات التعاون والشراكة الفعَّالة بين الشركاء المتعددين لضمان استمرار تلك الجهود، وأننا اليوم أمام مسئولية كبيرة تضع العمل المشترك في اختبار حقيقي علينا جميعاً النجاح في تخطيه من أجل إيجاد التغيير المستدام والتأثير طويل الأجل، مشددة على أن تحقيق التنمية المستدامة والشاملة في القلب من توجهات الدولة المصرية وخططها.