الإثنين 13 مايو 2024

«مين يزعل.. من مين»؟

مقالات27-5-2022 | 21:36

ربما لا يدرك المواطن أنه سبب أو جزء من الأزمة والمشكلة.. فالمواطن يشكو من صعوبة الحياة، بل ويتهم الحكومة أو الدولة وتكتشف أن هذا المواطن أنجب 6 أو 7 أبناء فى ظل ضيق الحال ومحدودية موارده ودخله.. أيضًا المواطن الذى قرر أن يتعدى على أجود الأراضى الزراعية.. هو نفسه الذى يسب ويلعن من غلاء الخضراوات والفاكهة فى بعض الأوقات.. ونسى أن ما اعتدى عليه لم يعد يزرع وينتج ويزيد من المعروض.. أشياء كثيرة وأزمات لا حصر لها نحن السبب فيها كمواطنين لكن دون أن ندرى.
 
لا شك أن لقاءات الرئيس عبدالفتاح السيسى بالمواطنين خلال جولاته الميدانية لتفقد المشروعات القومية، وحرصه على التحاور معهم وسؤالهم عن أحوالهم وظروفهم المعيشية، يجسد أننا أمام رئيس من نوع مختلف، همُّهُ وحرصه وشغله الشاغل أبناء الوطن، وتوفير الحياة الكريمة لهم، ورفع المعاناة عنهم.. وأيضًا للاطمئنان على جدوى القرارات والسياسات والإجراءات التى تتخذها الدولة وتنفذها الحكومة، ومدى رضا المواطن عنها.. فى حوار شفاف من القلب، بالإضافة إلى الاستجابة لمطالبهم والتوجيه بحل مشكلاتهم.

لكن الرئيس السيسى فى إحدى مداخلاته خلال افتتاح بعض المشروعات القومية روى قصة سيدة مصرية بسيطة تعانى ظروفًا صعبة، الرئيس قال إنها وجهت له حديثًا يحمل نبرة فيها عتاب، وبادرته بقولها: «أنا زعلانة منك».. ظروفى صعبة، وعندى 6 أبناء.. والحقيقة أننى تذكرت هذا الحوار الذى رواه الرئيس السيسى عندما كنت فى هذا الافتتاح، وسجلت ما قاله الرئيس فى أوراقي.. الرئيس تساءل.. بما معناه: «مين يزعل من مين؟.. أنت عندك 6 أبناء.. وأنا عندى 100 مليون مصرى لهم قائمة عريضة من الاحتياجات والمطالب اليومية، وحل مشكلاتهم وأزماتهم والحفاظ على المصريين».

الحقيقة أن الحوار الذى دار بين الرئيس والسيدة المصرية يحمل فى طياته وبين جنباته ومضامينه الكثير من القضايا والهموم والشواغل التى تتعلق بمستقبل هذا الوطن.. فهذه السيدة المصرية ربما دون قصد فتحت ملف أخطر قضية وتحد يواجه مصر، هو النمو السكانى المنفلت والعشوائي، حيث إن آخر إحصائية قرأتها هى أن عدد سكان مصر فى 2030 حوالى 120 مليون نسمة، بما يعادل تعداد سكان 15 دولة أوروبية، وهناك تقارير تشير إلى أن عدد سكان مصر فى 2040 سيكون 140 مليون نسمة.. وأيضاً تقول المؤشرات أو التوقعات إنه ربما يزيد عدد سكان مصر فى 2050 على الـ160 مليون نسمة، وهناك توقعات بأرقام تزيد على ذلك، لكن لم يشر أحد إلى مواردنا وناتجنا المحلي، هل سيكفى هذا التعداد السكانى الكبير؟.. وهل مواردنا ستزيد بما يعادل أو يكافئ هذا النمو السكاني؟

الحقيقة أن «مين يزعل من مين» قضية وسؤال محوري.. والسؤال المهم: هل صعوبة الحياة التى تعانيها هذه السيدة المصرية سببها الدولة أو النظام.. أم أنها لم تمتلك الوعى الكافى والإدراك الحقيقى والفهم الصحيح حتى تقدم على إنجاب 6 أبناء، وهى تعلم أن ظروفها المادية والاقتصادية وصحتها وحال زوجها.. كل ذلك لا يسمح بإنجاب 6 أبناء يحتاجون إلى مصروفات للرعاية خلال الحمل، سواء غذائية أو صحية أو طبية وولادة، ثم غذاء ورعاية صحية، وتعليم وإسكان وفصول دراسية وفرص عمل، وبالتالى يحتاجون إلى التوسع وإقامة مجتمعات عمرانية جديدة وأطباء ومدرسين وموظفين وممرضين وممرضات ومشروعات عملاقة واستثمارات لتوفير فرص عمل لهم.

هذه السيدة المصرية هل كانت تعى ما تقول.. ألا يجب أن تزعل من نفسها.. وهى السبب المباشر فى الأزمات والمشاكل والمعاناة التى تواجهها فى حياتها وأسرتها، وهل من السهولة أن تقرر إنجاب 6 أبناء.. بمعنى أن تعداد أسرتها 8 مع الزوج.. وهى تدرك أن دخل الأسرة محدود.. وليس لديها الإمكانات والموارد والدخل والقدرة على الإنفاق الجيد وتوفير احتياجات 6 أبناء من غذاء وتعليم وصحة.. ألم يكن الأفضل لها أن تنجب طفلًا أو اثنين.. أليس هناك فارق بين إنجاب طفل أو اثنين.. أو 6 أطفال؟.. والسؤال الصحيح: «مين يزعل من مين؟».. هذا أيضًا هو حال الدولة.. لها قدرات وإمكانات وموارد تستطيع أن تكفى عددًا محدودًا من السكان.. وإذا حدث خلل أو عدم توازن، أو عدم تكافؤ بين التعداد السكانى وقدرات وموارد الدولة.. فإن المواطن لن يشعر بأى نوع من التحسن فى ظروفه وأحواله المعيشية.. وسوف تستمر الأزمات والمعاناة وسوء الخدمات وتراجع الصحة والتعليم وغياب فرص العمل.. وعدم تحقيق الاكتفاء وفشل مشروعات التطوير والتقدم.. فقد زاد تعداد سكان مصر منذ 2011 حوالى 20 مليون نسمة، بمعنى خمس تعداد سكان مصر الحالي.. ولك أن تسأل ما متطلبات واحتياجات والتزامات الدولة تجاه هذا الرقم فى كل المجالات.. لماذا لا يفهم المواطن: من أين تأتى المشاكل والأزمات بشكل مبسط، نتيجة عدم التكافؤ والتوازن بين موارد الدولة ونموها السكاني.. هل عرفتم لماذا طرح الرئيس عبدالفتاح السيسى السؤال «مين اللى يزعل من مين؟» فالرئيس يتحمل مسئولية أكثر من 100 مليون مواطن مصرى، بالإضافة إلى تأمين مستقبل الأجيال القادمة.. الرئيس مسئول عن توفير احتياجات ومطالب وغذاء وتعليم وصحة وسكن وعمل وتنقل وأمن واستقرار وحياة 100 مليون مواطن.. وتأمين وحماية وجود وطن.. وبناء مستقبله.. ودرء التحديات والتهديدات التى تواجه أمنه واستقراره.

حديث السيدة المصرية البسيطة الفاضلة مع الرئيس السيسى لا يجب أن يؤخذ بشكل فردى أو مجرد حالة، ولكن يجب تعميم السؤال: «مين يزعل من مين؟».. وعتاب السيدة البسيطة يضع علامات استفهام كثيرة: هل فشلنا فى بناء الوعى الحقيقى لدى هذه الفئات البسيطة بخطورة كثرة الإنجاب، مع محدودية القدرات وضيق الحال.. هل مازلنا نتعثر فى التوعية بخطورة النمو السكانى العشوائي، وتحدى الزيادة السكانية، وعدم تكافؤها مع موارد الدولة، وخطورتها على خطط التنمية المستدامة؟.. هل ما نتكلم ونتحدث فيه عن خطورة الزيادة السكانية مازال حبيس الأوراق والمكاتب والاستديوهات، ولم ننزل إلى أرض الواقع للتحدث مع هذه الفئات.. هل نحتاج إلى أفكار جديدة للإقناع.. هل نحتاج لتعديل الاستراتيجيات والخطط للمواجهة والتوعية، هل نحتاج لإجراءات بعيدة عن العواطف وأن نضع كل مواطن أمام مسئولياته.. بحيث يتحمل نتيجة ما أقدم عليه.. أم أنها ستكون مثل «القنبلة» قد تنفجر فى المجتمع؟

مين يزعل من مين؟.. تضع علامات وتساؤلات كثيرة.. فهل مازال المواطن لا يدرك خطورة أفعاله وسلوكياته ودائماً يضع الفشل والمعاناة والأزمة على شماعة الدولة أو الحكومة.. مثل كثرة الإنجاب والتعدى على الأراضى الزراعية، التى تسببت فى خطر داهم بسبب انحسار وتلاشى وتراجع الرقعة الزراعية مع زيادة النمو السكاني.. وهو ما جعل الدولة المصرية فى عهد الرئيس السيسى تبذل جهوداً خارقة ومضنية لتعويض هذه التعديات التى وقعت فى أجود الأراضى والأكثر خصوبة، وهى فى الدلتا القديمة، لا تحتاج إلى بنية تحتية وأنفاق ومرافق، وأن استصلاح وزراعة الفدان فى الصحراء يحتاج إلى 250 ألف جنيه تكلفة، وهو أقل جودة وخصوبة من الفدان فى الدلتا القديمة.

مين يزعل من مين؟.. من لا يدرك مسئولياته فى مراعاة ظروفه ومحدودية قدراته وإمكاناته ورغم ذلك يصر على كثرة الإنجاب مع ضيق الحال.

مين يزعل من مين؟.. مَن يتولى أمر وشئون وحياة ومستقبل وغذاء ومتطلبات أكثر من 100 مليون.

الرئيس عبدالفتاح السيسى لا يتوقف عن الحديث فى خطورة الزيادة السكانية والنمو السكانى المنفلت وعدم التوازن والتكافؤ بين النمو السكانى وقدرات وموارد الدولة، وهو ما تنتج عنه معاناة المواطنين والشكوى والأزمات وتراجع الخدمات.. فما قالته السيدة المصرية للرئيس هو نتيجة طبيعية لما أقدمت عليه من إنجاب 6 أبناء، وجاءت تشكو من الظروف الصعبة.

الحقيقة أن الدولة المصرية تبذل جهوداً كبيرة وتحقق نتائج مهمة وتقود أكبر خطة للإصلاح والبناء والتنمية، وتعمل على مدار الساعة، وتسابق الزمن.. لذلك علينا أن نتوقف أمام أنفسنا ونحذر من خطورة الزيادة السكانية، وتأثيرها على التهام عوائد ونتائج التنمية وعدم الشعور بها.

هناك قضايا كثيرة تحتاج إلى أن نطرح فيها هذا السؤال: «مين يزعل من مين؟».. وليس الزيادة السكانية والتعدى على الأراضى الزراعية.. ولكن أيضاً فى الوعى نفسه، والانجرار إلى تصديق الشائعات والأكاذيب وتسليم العقول، والاستسلام لمنابر الخيانة والمرتزقة.. رغم إيماننا بأنها مجرد خزعبلات وأكاذيب.. ورغم أن الواقع بين أيدينا، فلسنا «ساذجين» نمكن أعداءنا من العبث بعقولنا، وترويج كل ما من شأنه أن يحبطنا، رغم نجاحاتنا وإنجازاتنا ووجودنا على الطريق الصحيح.
نحتاج إلى وعى حقيقى موضوعى بلا عواطف يؤدى إلى تعريف المواطن بأنه جزء من الأزمة والمسئولية.. ولا يجب أن نحمل الدولة ما اقترفته أيادينا وسلوكياتنا من أخطاء تسببت فى أزمات، فلا يجب أن لا نلومن إلا أنفسنا فى حال تعرضنا للخداع أو تغييب الوعى وأن نسمح أن نُلدَغ من الجحر مرتين، خاصة أن العالم مقبل على ما هو أصعب وأخطر، والصراع يتصاعد ويشتعل ويتسع.. والأكاذيب والشائعات سوف تزيد وتزيد.. لذلك فالحذر واليقظة والعمل والوعى والتلاحم أساس الوجود والنجاة.

الحوار الوطنى
 
يخطئ من يعتقد أن الحوار الوطني، هو حوار بين السلطة والمعارضة، فهذا اختزال لغايات وأهداف نبيلة وسامية هدفها الوطن، وتحديد أولويات وأجندة العمل الوطنى فى المرحلة القادمة بعيدًا عن المزايدات والشعارات والحنجوريات.. فقولًا واحدًا إذا تم اختزال الحوار بين سلطة ومعارضة، أقولها وبثقة واطمئنان ويقين وشجاعة.. ليس لدينا معارضة حتى تستطيع التحاور الوطنى، لا نملك البدائل أو الرؤى.. هى معارضة مفلسة خاوية هشة.. لا تملك إلا «طق الحنك» و«الحناجر».
خطورة اختزال الحوار الوطنى بين السلطة والمعارضة، واختصاره فى حوار سياسى هو اغتيال مبكر لنوايا وأهداف نبيلة من الدولة المصرية، فلا يمكن الرهان أو التعويل على معارضة تعانى أمراض «التسوس السياسى» وتضخم الذات، وغياب الواقعية، وإصرارها على النرجسية السياسية وافتقارها لأى مشروع أو حتى متابعة وقراءة صحيحة للمشهد، واحتياجات الواقع، أو حجم التحديات والتهديدات التى تواجه الوطن، هى معارضة لا تبحث إلا عن نفسها ومصالحها ومطالبها وعلى الجميع أن يقرأ «قوائم الإفراج» والسباق على التقاط الصور وإفشاء الأسرار، وإذاعة الأخبار تحت دعاوى النضال «الكرتونى»، والزعامة «الفشنك».

الحوار الوطنى هو طاولة تجمع كل المصريين من كافة الألوان والأطياف والخبرات، بل والقوى الشعبية التى تلمس الواقع على الأرض، وتعايش الظروف وتدرك الاحتياجات الحقيقية للوطن والمواطن، دون أن ترتدى عباءة المزايدات أو الشعارات، أو المكايدات السياسية، أو التشكيك فى جهود شريفة وخلاقة قادها شرفاء هذا الوطن.

الحوار الوطنى يجب أن يجمع قلوبًا وعقولًا مفتوحة، ونوايا صافية، وليس أهدافًا دنيئة أو نوايا لإفساد أى حوار.

صدقونى.. الحوار مع المواطن أفضل بكثير من الذين يزعمون أنفسهم زعماء سياسيين أو مناضلين جاءوا وولدوا من رحم تجارة الشعارات التى حققت عوائد دولارية وزعامة كرتونية غير مسبوقة فى التاريخ.

الحوار الوطني.. يجب أن يجمع الوطنيين.. فلدينا سلطة وحوار.. فأين هى المعارضة؟

Dr.Radwa
Egypt Air