السبت 11 مايو 2024

الأسرة المصرية.. والحوار الوطنى

مقالات1-6-2022 | 22:52

تواجه الأسرة المصرية تحديات خطيرة.. «عنفاً أسرياً.. وغياباً للوعى».. وسط تهديدات وعواصف تتمثل فى أفكار وثقافات مستوردة.. وإعلام جديد وسوشيال ميديا جاءت بأنماط غريبة من السلوكيات والعلاقات الأسرية.. ناهيك عن ظاهرة تحتاج لبناء وعي.. وهى الخجل من مواجهة المرض والاعتلال النفسي، وهو قنبلة موقوتة قد تنفجر فى أى لحظة.. لتخلف جرائم مأساوية وكارثية.. لذلك لابد أن تكون الأسرة المصرية من أهم شواغل واهتمامات ومحاور الحوار الوطني.. بكل التحديات التى تواجه سلامتها.. مثل العنف، وقانون الأحوال الشخصية، وظاهرة النمو السكانى وكثرة الإنجاب.

«الحوار الوطنى» مطالب أيضاً بأن يضم ممثلين عن أسر الشهداء والمصابين.. هؤلاء الذين هيأوا وأتاحوا لنا فرصة التحاور والنقاش حول أولوياتنا الوطنية من أجل الحاضر والمستقبل.. بتضحياتهم التى لا تقدر بثمن.. ثم من المهم أيضاً أن يركز الحوار الوطنى على توحيد أهدافنا.. وتحديد أعدائنا حتى لا يخرج المتحاورون على السياق الوطنى فى التقارب أو التعاون أو التساهل أو التسامح مع جماعة الإخوان الإرهابية.. فهى ليست جزءاً من المعادلة الوطنية بأى حال من الأحوال.

هناك ما يشبه اتفاقاً من الجميع طبقاً لقراءة آراء ورؤى الكثيرين حول الحوار الوطنى على حسن النوايا وعدم فرض شروط مسبقة أو محاولة للابتزاز والإملاءات، وعدم الإساءة والتشويه، أو النيل من جهود وتضحيات.. ولنترك الأمر لفعاليات ونتائج الحوار الوطنى وليس اختزال الأمر فى مكايدات ومناكفات أو محاولات الظهور والاستعراض والتنظير السياسي.. لأننا جميعاً على طاولة الوطن.. ننزع من نفوسنا وعقولنا أى أفكار ونوايا ذاتية أو قضايا شخصية أو حتى حزبية، ولتكن جل جهودنا واجتهاداتنا ورؤانا واقتراحاتنا هدفها الوطن، وهذا الشعب العظيم.. لكن مع إمعان النظر والتفكير فيما يجب أن يكون مطروحاً على طاولة الحوار الوطني.. ومحاولة مخلصة لتقديم اقتراحات ورؤى تحقق المرجو والمستهدف من هذا الحوار الذى يفتح آفاقاً جديدة للتآلف والاحتشاد والاصطفاف الوطنى فى مواجهة تحديات ومتغيرات وتهديدات وشواغل سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية وثقافية وإعلامية لترتيب جدول الأولويات الوطنية فى المرحلة القادمة.. وجدت من هذا المنطلق 3 قضايا مهمة فى اعتقادى أنه من المهم أن تتضمنها أجندة الحوار الوطني.

القضية الأولى جرائم العنف الأسرى التى انتشرت بشكل ملفت فى السنوات الأخيرة وولدت لدينا مشاعر من الفزع والخوف على سلامة هذا المجتمع.. فواقعة الدقهلية تثير الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام، خاصة عندما نسأل أنفسنا عندما تقدم أم شابة متعلمة عاقلة حكيمة مستقرة اقتصادياً، تلقت العلوم الدينية بحكم تخصصها الجامعى على ذبح أبنائها الثلاثة وهم فلذات كبدها وفى عمر الزهور.. براءة لا يمكن أن تمتلك القلب المتحجر لتنال منها بأذى أو ضرر، فما الذى دفع هذه الأم لهذه الجريمة النكراء، السيدة أو الأم تحب زوجها وتقدره وتحفظ له اجتهاده وتفانيه فى توفير الحياة الكريمة لأسرته، وتكن له مشاعر الاحترام والتقدير والوفاء، كما أكد هو فى جنازة الأبناء.. الجريمة المفزعة سبقتها جرائم وحوادث مأساوية مماثلة بالعشرات أو بالمئات فى مجتمع عرف عنه الطيبة والتسامح والارتباط الأسرى والتقديس والتدليل للأطفال.. فهذا أب يلقى بأبنائه فى البحر أو الترعة، وهذا يذبح أسرته بالكامل نكاية فى زوجته، وزوجة تفعل نفس الشيء، وابن يقتل أباه وأمه.. وآخر يذبح صديقه.

هنا علينا أن نتوقف.. ماذا حدث.. الأسباب قولاً واحدًا وبدون مزايدات أو تنظير ليست اقتصادية على الإطلاق، فبقراءة ظروف أطراف هذه الجرائم تجد أننا أمام أسر مستقرة اقتصادية أو مستورة، ولا توجد ضغوط فى هذا الصدد، لكن ما هى الأسباب التى تؤدى إلى ذلك.. هل الروح الانتقامية بين الزوجين أو الزوجين المنفعلين، تصل إلى مستوى هذه الجرائم المأساوية، لدرجة أن تصل بالإنسان أن يذبح أعز ما لديه فى الدنيا.. روحه وفؤاده.. وكل حياته، ورأس ماله فى الدنيا.. أبناءه؟

ماذا حدث.. وماذا جري.. ربما كانت المخدرات فى جرائم أخرى حاضرة.. لكن عندما تطلع على تفاصيل جريمة الدقهلية وذبح الأبناء أو الأطفال الثلاثة، تجد أنه لا شيء مقنعاً، فلم تكن الخلافات الزوجية أو المخدرات.. أو الظروف الاقتصادية حاضرة.. إذن هل هو الاعتلال النفسى أو المرض النفسي، السبب والمتهم الرئيسى فى هذا الفعل.. هل الاكتئاب والإحباط والوسواس.. هل هى أمور أخرى روحانية لا ندركها ولا نستطيع أن نلامسها بالواقع، لكن علينا ألا نتجاهلها أو نتساهل ونستخف بها، ونقول إنها خرافات رغم وجودها فى الأديان السماوية.

الإجابة صعبة ومعقدة.. لكن لديَّ اعترافا مهما.. وظاهرة اجتماعية فى مصر مازالت حاضرة، أننا نعتبر أن المرض النفسى أو الاعتلال النفسى وعدم التوازن النفسى والاكتئاب، عار نخجل منه ولا نذهب للطبيب للكشف والفحص وتلقى العلاج، والسؤال المهم: يا ترى كم مريضاً نفسياً يتحمل مسئولية أسرة، وأطفال وعائلة، مازال يخجل من مواجهة نفسه، أو عرض الأمر على الأطباء للتعافي.. وهم قنابل موقوتة ربما تنفجر فى أى وقت فى شكل جرائم مأساوية لا نتوقعها.. ونتعجب عند وقوعها لماذا لا نواجه أنفسنا بهذه الحقيقة.. لماذا نخفى أمراضنا النفسية وحاجتنا للعلاج، لماذا نخجل منها رغم أنها مرض عادى يصيب الجسد، فالنفس قد تصاب بالمرض والاعتلال أو عدم التوازن، ثم ماذا فعلنا فى مواجهة هذه الظاهرة كمجتمع وإعلام ووعي.. لقد كتبت منذ شهور فى هذه القضية وهى قضية الخجل من الاعتراف بوجود مرض نفسى نعانى منه.. ولماذا نخجل من الذهاب إلى الطبيب.. ولماذا نخاف أن يعرف الناس.. الحقيقة أننا قصرنا كثيراً ونجنى نتائج هذا التقصير.. فلماذا لا نواجه بالعلم والدين والوعى هذه الظاهرة؟

الزوج أو الأب المكلوم كان نموذجاً للإنسان، عندما أمَّ المصلين فى صلاة الجنازة على أطفاله الثلاثة، لكنه طالب فى ذات الوقت بالدعاء لزوجته بالشفاء بسبب ما تعرضت له من إصابات بعد أن ألقت بنفسها أمام جرار زراعى للتخلص من حياتها بعد ذبحها لأطفالها الثلاثة وأكد أنها كانت زوجة صالحة حافظت عليه فى غيابه.
السؤالان المهمان فى هذا الأمر: لماذا أقدمت هذه السيدة على ذبح أطفالها الثلاثة، ولماذا قررت التخلص من حياتها؟.. بطبيعة الحال هناك دوافع تخرج عن إرادتها وقدرتها على السيطرة على نفسها.. فمن الواضح وطبقاً لرسالتها المكتوبة، وحديث الزوج والأب المكلوم أن هناك أزمة أو اعتلالاً أو مرضاً نفسياً دفعها إلى الإقدام على هذه الجريمة فى حق فلذات كبدها ومحاولة التخلص من حياتها.

هنا أقول إن الأسرة المصرية من ناحية كيفية الحفاظ عليها وتقويمها.. ووضعها على الطريق الصحيح، وإعادة التماسك إليها.. والحفاظ على تقاليدها وأصولها وثوابتها.. جديرة بأن تكون من أهم محاور الحوار الوطنى بالنقاش والحوار والخروج بتوصيات ونتائج.. تكون أساساً لرؤية استراتيجية لمجابهة التحديات التى تواجه الأسرة المصرية.. والحقيقة والإنصاف يؤكدان أن الرئيس عبدالفتاح السيسى هو الأكثر انتباهاً واهتماماً بهذه القضية، وهو الأكثر حديثاً واهتماماً وطرحاً لكل الوسائل التى من شأنها حماية الأسرة المصرية والحفاظ على تماسكها.

القضية الثانية أو التحدى المهم الذى يواجه المجتمع.. وهو قضية المرض أو الاعتلال النفسي.. وكيف نحوله من مصدر للخجل والعار إلى أهمية تلقى العلاج والذهاب إلى الطبيب كونه مثل أى مرض آخر، وبالتالى فإن مواجهة المرض النفسى أو الاعتلال وعدم التوازن النفسى هو سلوك راقٍ ومتحضر، لا يجب أن نخجل منه، بل يجسد شخصية عصرية متقدمة متطورة، وأيضاً التوعية بخطورة المرض والاعتلال النفسى وأهمية علاجه، والأهم أنه ليس عيباً أو خجلاً أو عاراً يستوجب الإخفاء وعدم الذهاب للطبيب.

قضية الأسرة المصرية بكافة التحديات والمتغيرات التى تواجهها أو حتى القضية السكانية لابد أن تعرض على مناقشات الحوار الوطنى لأنها فى اعتقادى أهم قضية تشكل نواة وحجر أساس المجتمع.. وتتضمن الكثير من القضايا الشائكة.. سواء فى قضايا الأحوال الشخصية أو الاغتراب الأسري، أو العنف الأسرى والعائلي، أو النمو السكانى «قضايا الأسرة المصرية وتحدياتها» تحتاج حواراً ونقاشاً ورؤى وأفكاراً واستراتيجيات قابلة للتطبيق على أرض الواقع وليس تنظيراً و«مكلمات».. فالأزهر والكنيسة والأوقاف والإفتاء والثقافة والإعلام والتعليم وخبراء علم النفس والاجتماع والمجلس القومى للمرأة لابد من مناقشة واضحة وصريحة وجادة لتحديات الأسرة المصرية لأنها عماد الحاضر والمستقبل بالإضافة لخطورة بعض المتغيرات الجديدة على مستقبل الأسرة المصرية مثل التطور الهائل فى تكنولوجيا الاتصال والإعلام الجديد والسوشيال ميديا والغزوات الفكرية والثقافية وحروب استهداف الوعى والثقافات المستوردة والدخيلة أرى أن مستقبل الأسرة المصرية هو التحدى الأخطر والأهم الذى يجب أن نفرد له مساحات واسعة من الحوار والنقاش.

المحور الثانى والمهم الذى أقترحه على الحوار الوطني، هو أهمية أن يكون هناك ممثلون لأسر الشهداء والمصابين الذين خاضوا معركة البقاء والوجود والدفاع عن مصر ضد خطر الإرهاب الأسود.. وفى اعتقادى أنهم شريحة وفئة فى القوى السياسية والوطنية التى يستهدفها الحوار الوطني، ويجعلنا فى حالة ضآلة أمام تضحيات الشهداء الأبرار، فهؤلاء لم يجلسوا فى الغرف المكيفة للتنظير أو المزايدات أو الإساءات، ولكنهم قدموا أرواحهم وأجسادهم بلا تردد فداءً لهذا الوطن، حتى أوصلونا إلى رفاهية التحاور والنقاش.. بل والمزايدات ومحاولات الإساءة إلى جهود وتضحيات وإنجازات ونجاحات شرفاء هذا الوطن فى مرحلة هى الأخطر فى تاريخ الوطن، ونجحت هذه الجهود والتضحيات فى أن تقف مصر على أرض صلبة وثقة واطمئنان لتفتح قلبها وعقلها للحوار الوطنى الذى يجمع بين أبنائها، لابد أن يكون هناك ركن أو جزء من جلسات ونقاشات الحوار الوطنى يضم ممثلين عن أسر الشهداء والمصابين من الأكثر قدرة علمية وثقافية وسياسية للحديث باسم الشهداء وأسرهم خاصة أن الرئيس السيسى فى حديثه عن حقوق الإنسان بالمفهوم الشامل خلال مؤتمر صحفى مع الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، تساءل الرئيس: وأين حقوق الشهداء وأسرهم فى سياق المفهوم الشامل لحقوق الإنسان؟

القضية الثالثة التى أقترح تضمينها للحوار الوطني، وهى عبارة عن «وثيقة مصرية» تخرج بنتيجة واحدة أنه طالما تحاورنا وتوافقنا.. فلابد أن يكون «عدونا واحد» فلا مجال لأحد جلس وتناقش وتحاور وتوافق.. أن يمد يده للتعاون أو التنسيق أو التحالف أو التسامح والتساهل مع عدو واضح للدولة المصرية لا يتوانى عن إلحاق الضرر بأهلها وشعبها.. وقتل أبنائها، وترويج الأكاذيب والشائعات والتشكيك فى نجاحاتها وإنجازاتها وقراراتها والتآمر عليها والتحالف مع المتآمرين عليها.. لابد أن يتوافق الجميع بلا استثناء إذا ارتضوا بالحوار الوطنى سبيلاً للاصطفاف والاحتشاد والاتفاق على أولويات العمل الوطني.. لابد من تحديد أن جماعة الإخوان الإرهابية هى عدو واضح ومباشر للدولة المصرية وشعبها.. ولا مجال لأى علاقة مباشرة أو غير مباشرة معها، أو التعاون مع مناصريها وداعميها، أو قبول أى صيغة لوجودها بأى شكل فى المشهد المصرى الوطني، لأنها فصيل خارج عن السياق الوطني.

طالما أننا نتناقش ونتحاور وأهدافنا واحدة ونوايانا خالصة لصالح هذا الوطن.. لابد أن نتفق على تحديد من هو العدو ومن هو الصديق للدولة المصرية.. حتى لا يتصرف كل منا بالهوى والمزاج، ولا أقول عدم وعى ودراية لأنها واضحة للجميع، فليس من المعقول أن نجد طرفاً يجلس فى الحوار ولا يعرف العدو والمتآمر على هذا الوطن.. ويسمح لنفسه بأن يتقارب أو يتعاون أو يتحالف أو حتى يظهر على قنوات الإخوان، أهدافنا لابد أن تكون واحدة، وبوصلتنا فى اتجاه واحد.. لابد أن ندخل الحوار بنوايا سليمة دون شروط مسبقة أو إملاءات أو مزايدات.. ونخرج أكثر تلاحماً واصطفافاً واحتشادنا خلف هذا الوطن فى توقيت بالغ الدقة فى تحدياته وتهديداته، ومتغيراته الإقليمية والدولية.

«الأسرة المصرية» وحمايتها والحفاظ عليها تحدٍ كبير.. لابد لإعادة الأمور إلى نصابها.. ثم وجود أسر الشهداء حتى ولو بشكل رمزى لمن يمثلهم، وكذلك تحديد عدو مصر وشعبها.. ثلاثة عناصر مهمة جديرة بأن تكون على طاولة الحوار الوطني.

 

Dr.Radwa
Egypt Air