الجمعة 19 ابريل 2024

عذرا سيدتي لا تغفري.. في وداع الشهيدة غفران وراسنة

مقالات2-6-2022 | 10:56

عذرا سيدتي، لا تغفري، لم نعد نملك سوى الشجب والإدانة وجلد الذات، فكلمات الإدانة فقدت المعنى وأصبحت بلا قيمة، لقد مات ضمير العالم لم يعد يستيقظ لأجل تلك المنطقة من العالم، فقادة العالم الحر لا يرون إلا أبناء جلدتهم، بالأمس بكينا وترحمنا على "شيرين أبو عاقلة"، واليوم نبكي ونترحم على "غفران وراسنة"، الأسيرة المحررة منذ 3 شهور، جريمة قتلها يندي لها جبين الإنسانية لم يكتفي القاتل بتصويب البندقية، بل منع عنها سيارة الإسعاف حتى ترتقي منزلة الشهداء. 

اهتز ضمير العالم حينما اجتاح القيصر أوكرانيا وخرجت وسائل إعلام دولية تنقل لنا تغطية مباشرة تصف الفارين من جحيم المعركة واللاجئين إلى أوربا بكونهم ليسوا مثل أبناء الشرق الأوسط، وانتفض العالم لفرض عقوبات على روسيا، بالتأكيد لست مع تهديد الآمنين أو فرض الهيمنة من جانب دولة على أخرى، لكنه ميزان العدالة المقلوب وسياسة الكيل بمكيالين. 

أن مشاهد سفك الدماء التي أصبحت على مرأى ومسمع من العالم كله لم تعد تشبع رغبات المحتل الغاصب، بل أصبح يمنع حتى سيارات الإسعاف من إنقاذ الضحايا، تذكروا دائمًا أن الذئب لا يمكن أن يتحول لحمل وديع بين ليلة وضحاها، يحدثونك عن السلام وبنادق القنص تطلق الرصاص دون تفرقة، فالجميع هدف لمرمى نيرانهم. 

عذرا سيدتي، رحلتي غدرًا وكمدًا لا تغفري لمن أساءوا إلى الوطن، لمن باعوا الدم الطاهر وجلسوا إلى ميكرفون إذاعة جيش الاحتلال، باحثين عن الشهرة مستجدين رضاء أبناء العمومة، من يبيعون الوهم ملتحفين بنضال زائف. 

عذرا "غفران" لقد أعلنوا وفاة العرب، هكذا زف غازي القصيبي وفاتنا لنزار قباني في قصيدته العصماء "أزف إليك الخبر" التي جسدت حال العرب. 
نزار أزف إليك الخبر
لقد أعلنوها وفاة العرب
وقد نشروا النعي فوق السطور
وبين السطور وتحت السطور
وعبر الصور
وقد صدر النعي
بعد اجتماع يضم القبائل
جاءته حمير تحدو مضر
وشارون يرقص بين التهاني. 

علموا أولادكم عشق الأوطان لقد رحل الشهداء وهم قابضون على تراب الوطن، علموا أولادكم أنه لا سلام بلا قوة تحمي تراب الوطن. 

تعلموا أيها العرب أن الجسد لا يقبل عضوًا غريبًا عليه سيظل يلفظه دومًا وأبدًا، تعلموا من مشاهد محاولات اقتحام مدينتكم المقدسة مسرى الرسول – صلى الله عليه وسلم- ومهد المسيح ومستقر كنيسة القيامة، جميعًا ماضون، أتركوا لأبنائكم ميراثًا يفخر به الأحفاد. 

سلاما على روح كل شهيد روى بدمائه الذكية تلك الأرض العربية، سلامًا على المرابطين، المصلين في المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، ودير السلطان، بردًا وسلامًا على ساكني تراب الأوطان وكل أم غاب عنها شهيد وشهيدة، وكل أب حمل فلذة كبده إلى مثواه الأخير، أعلموا أن الأرض لا تشرب دماء الشهداء. 

لا يمكن لقوة مهما بلغت أن تمحو جغرافية الأوطان وتاريخها، يمكن أن يستخدم الاحتلال كل مكتسبات القوة من سلاح وتكنولوجيا ومحاولات فرض للأمر الواقع، لكنه لن يستطيع يومًا ما محو العقل والضمير الجمعي لأمة، يمكنه أن يستخدم القوى الدولية في محاولات لاستمرار الاحتلال لعقود لكنه لن يستطيع محو حقائق التاريخ والجغرافيا من صدور الأجيال. 

لا يمكن للقوة ومشاهد القتل اليومية أن تصنع سلامًا بين مغتصب للأرض وأصحابها، فكل يوم يستقبل تراب فلسطين شهداء، دمائهم تظل تذكرًا أن هناك أرضًا عربية مغتصبة سوف تحرر يومًا ما، أيها القاتل اصنع ما شئت لكنك راحل عن تراب الوطن.