الخميس 25 ابريل 2024

عن الإبداع

مقالات2-6-2022 | 15:33

لم يتّفق الباحثون على وَضْع مفهوم مُحدّد لمُصطلح الإبداع، حيث تباينت وجهات النظر فى ذلك؛ نظراً لتداخل الحاجات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة، واختلاف المعايير التى تُصنِّف المُبدِع عن غيره، وعلى الرغم من ذلك، فقد تمّ وضع بعض المفاهيم الشاملة التى تُوضِّح مفهوم الإبداع؛ ومن أشهر هذه التعريفات، تعريف الباحث (تورنس)؛ حيث عرّف الإبداع بأنّه: "عمليّة تشبه البحث العلمى وتساعد الفرد على الإحساس والوعى بالمُشكِلة ومواطن الضعف والثغرات، والبحث عن الحلول والتنبُّؤ، ووضع الفرضيّات واختبار صحّتها، وإجراء تعديل على النتائج؛ حتى يتمّ الوصول إلى سلوك الإنتاج الإبداعيّ".

 كما عرَّفه الباحث (جيلفورد) بأنّه: "سمات استعداديّة تضمّ الطلاقة، والمرونة، والإسهاب، والحساسيّة للمشكلات، وإعادة تعريف المُشكِلة، وإيضاحها".

 

 ويُمكِن تعريف الإبداع باعتباره أسلوباً للحياة، بأنّه: قدرة الأفراد على تحقيق الذات، وقدرتهم على التعامل مع الآخرين، وعدم خوفهم من التنمر، إضافة إلى تمكُّنهم من الاستجابة للتحدِّيات والعقبات التى تُواجههم فى الحياة، فالإبداع عبارة عن عمليّة ترتكز بشكل أساسى على عمل العقل البشريّ، مع وجود بيئة مناسبة.

 

وهنا نلفت النظر لوجود نوعين من الإبداع، أولهما "الإنتاج الإبداعيّ"؛ وهو الإبداع فى المجالات المُختلِفة؛ كالآداب والفنون والتكنولوچيا، وثانيهما "الإبداع الكامن"؛ أى أن يكون الفرد المُبدِع قابع داخل نفسه ومنغلق على تفرده،وغير قادر على إخراج إبداعه لفشله فى تحسس طريقه أو لخوف داخله.

ويهمنا فى عرضى التطرق لمُعوِّقات الإبداع التى تُؤثِّر فى إبداع الفرد فى المجالات المُختلِفة، ولا نستثنى مسئولية الشخص نفسه كمُسبِّب لهذه المُعوِّقات، أو قد يُسبِّبها الآخرون له؛ أولى تلك العوائق "فوبيا الخطأ والفشل"؛ أى الخوف من فشل التجربة؛ فقد يقع الفرد المُبدِع والمُبتكِر فى الخطأ، أو الفشل، وهذا ليس بعيب أو انتقاص من موهبته؛ فالخطأ والتجربة درس وخبرة قد يُعلِّم الإنسان الكثير، لذا فالخطأ لابد أن يُعد دافعاً لمزيد من الإبداع، والابتكار.

ثانى تلك المعوقات هى التقيُّد بالعادات؛ أى السَّير على نمط السابقين دون تفكير أو ابتكار ما هو جديد، وهو ما يقتل أنواع التفكير الإبداعى جميعها؛ فالعادة تُمثِّل استجابة نَمَطيّة ومُتكرِّرة لأفعال سابقة؛ سواء بخشية الخروج عن التابوهات الإبداعية الموروثة أو بالاجبار على الكمون داخلها من المحيطين سواء من الرئيس أو الزملاء، مع الأخذ فى الاعتبار أنّ هناك العديد من العادات والتقاليد التى لا تقبل الإجتهاد والإبداع بما يُخالفها كثوابت الرسائل السماوية.

 

 ونأتى لأهم عائق وهو قتل روح الإبداع والابتكار بحزمة المُحبطين والمُثبطين، وهو ما على كل صاحب إبداع أو موهبة تجنبهم والعمد إلى ملاصقة المُحفِّزين، والمُبدِعين، والاستفادة منهم. كل هذا يجب تفاديه بالتوازى مع إلغاء مصطلح التسويف والتأجيل؛ لأن من أهم مُعوِّقات الإبداع تأجيل الأعمال والمَهامّ المُقرَّرة إلى وقت لاحق، وعدم المُبادرة، والمُسارعة لإنجازها فى التو ؛ فعامل الوقت خادم لأى مشروع إبداعى ناجح.

 

 يلعب الإبداع دوراً مُهمّاً وفعّالاً فى حياة الأفراد، والمُجتمَعات؛ فهو يمنح الأفراد المقدرة على تحسين الإنتاج وتطويره، واستخدام قدراتهم وتوظيفها فى مُختلَف المجالات؛ للمساهمة فى إنتاج كلّ ما هو جديد، ومفيد؛ فالإبداع يُمثّل نَمَط حياة، وسِمة شخصيّة، وأسلوباً مُنظَّماً يُمكِّننا من فَهْم وإدراك العالَم ؛من خلال تطوير مقدرة الفرد على خَلْق أفكار، وحلول جديدة وتنمية روح الشعور بالآخرين، وتطوير الأساليب، والطرق لحلّ مُشكِلاتهم كملكة مساعدة الفرد؛ وهو ما جعل الإبداع مهارة حياتيّة تُمارَس يوميّاً، بحيث يتمّ تطويرها وتنميتها من خلال التدريب، والتعلُّم والمساهمة فى تطوير المُنتَجات الإبداعيّة، وتحقيق الذات الإبداعيّة.

 

ولاعطاء كل ذى حق حقه،لابد أن نقر كون مصر الجديدة قد كرست العديد من المؤتمرات لدعم الابتكار والإبداع سواء بحلقات نقاشية للاطلاع على متطلبات المبدعين، وصولاً إلى تخصيص جزء من ميزانيتها لدعم المبتكرين فى شتى المجالات وأخيراً رصد جوائز سنوية ونصف سنوية تحفيزية إيماناً من القيادة بخلق أجيال جديدة مبتكرة تواكب حروب الجيل الرابع والخامس وأجيال قادرة على التمييز لخدمة نفسها وخدمة وطنها، ونقول الحمد لله دائما وأبداً أن مصر ولّادة ومبتكريها لا ينضبون.

Dr.Randa
Dr.Radwa