مر على حرب أوكرانيا وروسيا المأساوية 100 يوم حتى يومنا هذا، تأثر خلالها العالم أجمع فقد جعلت تلك الحرب العالم على حافة أزمة كبيرة، بدأت من أزمة الغذاء المتسببة في خطر مجاعة، وصولًا إلى أزمات عديدة من بينها نزوح اللاجئين الأوكرانيين إلى البلاد المجاورة، فيما يظل البقية في نزوح داخلي.
وفي حوار أجرته أخبار الأمم المتحدة مع أمين عوض، منسق الأمم المتحدة المعني بالأزمة في أوكرانيا، أوضح أن هناك من يقرب من 6 مليون أوكراني إلى دول الجوار وما بعدها، وهناك 7.6 مليون أوكراني داخل البلاد أصبحوا نازحين داخليا خلال 8-10 أسابيع فقط من بداية الحرب.
ماذا تريد روسيا من أوكرانيا
في تصريحات للرئيس الروسي فلاديمير بوتن، قبيل الحرب التي أنهت حالة السلام التي كانت تعيشها المنطقة، كان يكرر في حديثه أن أوكرانيا تميل بشكل واضح للغرب، موضحًا أنها باتت تسبب تهديدًا لروسيا.
والسبب وراء حرب بوتن في أوكرانيا يظهر للجميع، أنه يحاول أن ينهي أوكرانيا وأن يجعلها خاضعة محاولًا بذلك إيقاف محاولاتها في الانضمام لحلف شمال الأطلسي "الناتو" الغربي، ويرى بوتن أن ذلك فيه تهديد كبير على روسيا، من خلال تحرش الناتو، بحدودها.
وذلك ما أكده رئيس الاستخبارات الخارجية "سيرجي ناريشكين خلال حديثه عن الأزمة: "مستقبل روسيا ومكانتها المستقبلية في العالم على المحك".
وأظهر فلاديمير بوتين هدفه الرئيسي من العملية العسكرية في تصريحاته أنه يريد نزع السلاح من أوكرانيا واجتثاث النازية منها، مبررًا بأن ذلك بغرض حماية الذين تعرضوا لما وصفه بـ 8 سنوات من التنمر والإبادة الجماعية من قبل الحكومة الأوكرانية.
لكن لم يكن هناك نازيون ولا إبادة جماعية، وفرضت روسيا سيطرتها بقوة وحشية على عشرات البلدات والمدن، ووحدت الأوكرانيين في معارضة احتلالها.
تقلص أهداف بوتن بعد بدء الحرب
لم يتوقع الرئيس الأوكراني أن المقاومة الأوكرانية ستكون بتلك القوة، وخاصة بعد المساندة القوية التي شهدتها أوكرانيا من الغرب، إما بالسلاح والعتاد، أو بالأموال، الأمر الذي جعل بوتن يكتفي بمحاولة جعل أوكرانيا على الحياد دون الانضمام إلى حلف الناتو، وذلك ما وضح جليًا في تقارير محادثات السلام الأخيرة.
الصراع بين روسيا والناتو
بدأ حلف شمال الأطلسي "الناتو" في التوسع شرقًا، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ومعه حلف وارسو، ما أثار حفيظة روسيا وريثة السوفييت.
وأوضح الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين وهو أول رئيس لروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في مؤتمر صحفي أجراه مع الرئيس الأمريكي الأسبق بل كلينتون في هيلسنكي "نعتقد أن توسع الناتو شرقا هو خطأ وخطأ فادح".
وبالعودة للرئيس الحالي، فقد أوضح بوتن في تصريحاته أن انضمام أوكرانيا إلى الناتو، سيكون ذلك بمثابة تهديد مباشر لأمن روسيا، واصافًا أوكرانيا بنقطة الانطلاق" للناتو لضرب روسيا.
ورفض الناتو شكوك بوتين بأن روسيا يتم تطويقها، خصوصا بسبب المساحة الهائلة التي تشكلها روسيا والتي تبلغ إلى المحيط الهادئ.
الاتحاد الأوروبي وحرب النفط الروسي
أوضح بوتين، اليوم، في تصريحات له، أن أوروبا لم تصغ إلى نصائح روسيا بالحفاظ على عقود الغاز طويلة الأجل المبرمة مع موسكو، مشيرًا إلى أن المفوضية الأوروبية انتهجت سياسة "قصيرة النظر" في مجال الطاقة.
وتابع بأن التلاعب مشاعر القلق لدى السكان على حالة المناخ وتفعيل "الأجندات الخضراء" في مجال الطاقة والمبالغة في قدرات الموارد البديلة للطاقة مع تقليص غير مبرر لدور موارد الطاقة التقليدية أدت إلى مشاكل، حيث توقفت المصارف عن منح القروض بسبب الضغوطات عليها، وشركات التأمين توقفت عن تأمين الصفقات في هذا المجال، مما أدى حسب وصفه إلى نقص الاستثمارات في قطاع الطاقة العالمي، مما أسفر عن ارتفاع الأسعار.
سلك الاتحاد الأوروبي نهج جديد، في محاولة منه لفرض العقوبات الرادعة على روسيا حسبما يزعم، والتي تمثلت في حظر النفط الروسي عن دول الاتحاد، إلا أن ذلك يشكل أزمة كبيرة في السوق العالمية، فكثير من دول الاتحاد تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي، ومن بينهم ألمانيا، إلا أن الاتحاد يرى أن ذلك هو الطريق المؤدي إلى تحجيم الحرب في أوكرانيا.
ويتضح ذلك من تصريحات أدلى بها رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، عبر حسابه على تويتر، بأنه تم الاتفاق على حظر تصدير النفط الروسي إلى الاتحاد الأوروبي، ويشمل القرار أكثر من ثلثي واردات النفط من روسيا، مما يقطع مصدر تمويل ضخم لآلة الحرب.
وتعد ذلك الاتفاق بمثابة الحزمة السادسة من العقوبات على روسيا منذ أن بدأت الحرب على أوكرانيا.
وأضافت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، عبر تويتر: "أرحب باتفاق الليلة بشأن عقوبات النفط ضد روسيا، سيؤدي هذا فعليًا إلى خفض حوالي 90٪ من واردات النفط من روسيا إلى الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية العام".
ولم تكن ألمانيا لتقبل بذلك الحظر إلا أنها وبشكل مفاجئ، وافقت على الاتفاق مع الاتحاد في الحظر، موضحةً أنها قادرة على الاستغناء عن النفط الروسي الآن، باستخدام الفحم والنفط، رغم أن ذلك سيسبب عبء ثقيل عليها، حسبما قال وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك.
ورغم أن ذلك ما يحاول الاتحاد تنفيذه، إلا أن دولة المجر رفضت ذلك القرار، مشيرة إلى أن اقتصادها يعتمد بشكل كلي على النفط الروسي.
من أين تستمد أوكرانيا قوتها
كادت أوكرانيا أن تخسر الحرب في أيامها الأولى، إلا أنها اتجهت بشكل واضح ناحية الغرب بصفتهم أعداء واضحين لروسيا، مطالبة منهم حظر الطيران فوق أوكرانيا، إلا أن حلف الناتو رفض ذلك لمنع أي اشتباك، يمكن أن يؤدي إلى حرب كبيرة بين أوروبا وروسيا، مما أشعر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بخذلان الجانب الغربي له، وأوضح ذلك في تصريحات قال فيها أنه فقد حماسه إزاء فكرة انضمام بلاده إلى الحلف بعد رفضه القتال من أجل أوكرانيا وفرض الحظر الجوي فوق بلاده.
إلا أن حلف شمال الأطلسي "الناتو" عوض أوكرانيا عن رفضه فرض الحظر الجوي فوق أوكرانيا بأن أمدته بالعديد من الأسلحة المتطورة والذخير، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، التي قدمت مساعدات إضافية بقيمة 800 مليون دولار إلى أوكرانيا لدعمها في مواجهة القوات الروسية، ما يرفع قيمة المساعدات الأمريكية المعلنة لأوكرانيا إلى أكثر من مليار دولار.
ولم تقتصر المساعدات المقدمة إلى أوكرانيا على الولايات المتحدة الأمريكية فقط، ولكن العديد من الدول التي قررت الوقوف مع أوكرانيا، بدأت بفتح جسر من المساعدات العسكرية إلى كييف، فقد أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون تعزيز المساعدة العسكرية لأوكرانيا عبر إرسال صواريخ إضافية مضادة للدروع وطائرات مسيرة، وكذا إرسال سلوفاكيا منظومة "إس ـ 300" الصاروخية روسية الصنع إلى أوكرانيا، وغيرهم من الدول مثل ألمانيا، فرنسا، بلجيكا، هولندا، جمهورية التشيك، البرتغال، اليونان، رومانيا، إيطاليا، إسبانيا، وإسرائيل، وعلى الرغم من أن غالبية المساعدات كانت أسلحة، وذخيرة، إلا أن جانب منها كان مساعدات إنسانية لتمكين أوكرانيا من مواصلة العيش في ظل تلك الحرب التي لم يظهر لها نهاية حتى الآن.
رد الغرب على العملية العسكرية الروسية
لم يكن للغرب رد قاسٍ عما تقوم به روسيا في الأراضي الأوكرانية، فقد اكتفت الدول الغربية بالردود الغاضبة وكذا فرض الاقتصادية والمالية المشددة على موسكو مع رفض أي تدخل مباشر في الحرب.
وكأن التاريخ يعيد نفسه، فموقف الغرب لم يتغير عن الأزمة الأوكرانية في عام 2014، التي خسرت فيها أوكرانيا جزيرة القرم، ولم تخسر ذلك فقط، بل تسبب ذلك في انقسامات في إقليمين شرقي أوكرانيا برعاية ودعم روسيين، وذلك بعد تخل ممثل لأمريكا والناتو عن مساعدة كييف.
وفي ذلك التاريخ اتخذت أيضًا الولايات المتحدة الأمريكة والدول الحلفية إجراءات عقابية ضخمة على روسيا، إلا أن ذلك لم يساعد أوكرانيا استعادة وحدة أراضيها، وتظل إلى الآن جزيرة القرم تابعة لروسيا.
مطالب أوكرانيا من روسيا
لم يكن لأوكرانيا الكثير من الطلبات الموجهة إلى الجانب الروسي، فقد تمثلت في وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الروسية، وقد أوضح ذلك المستشار الرئاسي، مضيفًا أنهم يحتاجوون إلى ضمانات أمنية ملزمة قانونًا من شأنها أن تمنح أوكرانيا الحماية من مجموعة من الدول الحليفة التي من شأنها أن تمنع الهجمات.
الشرق الأوسط وموقفه من الأزمة الأوكرانية
لم يتغير موقف مصر إزاء الأزمة الأوكرانية الروسية، فقد أعلنت الخارجية المصرية في وقت سابق، أنه من المهم تغليب لغة الحوار والحلول الدبلوماسية، والمساعي التي من شأنها سرعة تسوية الأزمة سياسيًا بما يحافظ على الأمن والاستقرار الدوليين، وبما يضمن عدم تصعيد الموقف أو تدهوره، وتفاديًا لتفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية وأثرها على المنطقة والصعيد العالمي.
مبدية قلقها البالغ من التطورات المتلاحقة اتصالا بالأوضاع في أوكرانيا، والعملية العسكرية التي أعلنتها روسيا.
ومن جابنها، أعلنت دول الخليج موقفها خلال اجتماع المجلس على مستوى وزراء الخارجية، والذي أكدت خلاله أن موقف مجلس التعاون من الأزمة الروسية الأوكرانية مبني على مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، والحفاظ على النظام الدولي القائم على احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها واستقلالها السياسي، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها.
وتابع أنه لحل الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، ووقف إطلاق النار، وحل الأزمة سياسياً، وتغليب لغة الحوار، وتسوية النزاع من خلال المفاوضات.
فيما عبر المجلس الوزاري عن دعمه لكافة الجهود لتسهيل تصدير الحبوب وكافة المواد الغذائية والإنسانية من أوكرانيا للمساهمة في توفير الأمن الغذائي للدول المتضررة.