السبت 11 مايو 2024

نهر النيل كلمة السر

د. عمرو ناجي

طبيب الهلال6-6-2022 | 13:41

د. عمرو ناجي

المصريون القدماء سبقوا العالم بنظامهم الغذائي

 

عندما نتحدّث عن عصر المصريين القدماء لا بد أن نعرف أن الطعام بالنسبة لهم كان مُقدّسًا جدًا لدرجة أنّ الاعتقاد الراسخ لديهم أنّ الملك (الإله)، كلماته هي التي تخلق الطعام.

وكان وجود المصريين القدماء في موقع مُتميّز حول نهر النيل وتوفّر التربة الخصبة ساعد كثيرًا على نمو الزراعة والتنوّع في المزروعات التي أتقنوا زراعتها، ليسبقوا كثيرًا من الأمم في إدخال أصناف كثيرة من الزراعات المتنوّعة؛ حيث زرعوا البصل، البازلاء، الثوم، الخس، التين، البلح، الرمان، والنبق.

واهتموا بوضع نظام غذائي صارم يمنحهم تميّزًا في الشكل، حيث كانوا دائمًا مولعين بإظهار أنفسهم بمظهر رشيق، ولعل أبرز دليل على ذلك، التماثيل والمنحوتات التي تظهر الملك وحاشيته أو حتى عامة الشعب بمظهر رشيق وقوام ممشوق.

 

ومن مظاهر الرقيّ والتقدّم الذي جعلهم يفهمون دور وأهمية الغذاء في الحفاظ على الصحة العامة، ما نجده في بردية فرعونية من أحد النصوص الدينية المُقدّسة، والتي يقول نَصّها: "إذا جلست مع أناس كثيرين لتناول الطعام، فانظر إلى الطعام بلا مبالاة، وإن كنت تشتهيه، فإن ضبط النفس لا يُكلّف الإنسان أكثر من لحظة، وعار أن يكون الإنسان شَرِهًا، فقدح من الماء يروي الغلة".

ومن هنا كانت لهم رسالة للأجيال القادمة لتهذيب النفس والبُعد عن شهوة الطعام بقدر الإمكان والحفاظ على صحة جيّدة.

كما يظهر ذلك جليًّا من خلال أحد النصوص التي يوجّه من خلالها أحد الآباء رسالة لابنه قائلًا: "كُنّ قنوعًا بطعامك لو كان يكفيك ثلاثة أرغفة وقدحان من الجعة، فإن لم يكف بطنك فحاربها".

 

واستغل المصريون معرفتهم بطبيعة الغذاء للعلاج والشفاء من الأمراض المختلفة، ولذلك نجد بردية شهيرة جدًا اسمها بردية "ايبرس"، جاء فيها وصف وتشخيص دقيق لعدد من الأمراض المزمنة منها مرض السكر، التهاب المفاصل، الربو، وأمراض أخرى كثيرة.

وكان الطعام بالنسبة إليهم مرتبط بكثير من الاحتفالات الدينية والدنيوية، ومنها شم النسيم، الذي ارتبط حتى عصرنا الحالي بتناول الفسيخ والبصل والبيض والملانة.

 

والمدهش أنّ الكهنة والوزراء والملوك كانوا يتمتّعون بكل أصناف الغذاء، ولكن دونما إسراف، والذي كان في القرابين التي تُقدّم للآلهة، ومن ضمن المحاصيل التي كانوا يهتمون بزراعتها الشعير والقمح الجبلي وقمح الدقيق، الذي عُرِف في فترة مُتأخّرة، وكان رغيف الخبز هو المصدر الرئيسي للكربوهيدرات، وكان يُصنع بأشكال كثيرة وصلت إلى 40 صنفًا.

 

أما أغرب العادات الغذائية عند المصريين القدماء، فكانت طعام الآخرة، حيث كانوا مؤمنين دائمًا بأن المتوفّي سيِبعث بعد الوفاة، ولا بد عندما يُبعث أن يجد الطعام والشراب الكافي له، لذا اكتظت في المقابر الفرعونية بالحبوب والبذور والعسل والجبن والنبيذ، محفوظين في المقابر استعدادًا للحياة الآخرة.

 

واهتمّوا اهتمامًا بالغًا بمعرفة الكثير من الأشجار ودراستها مثل النبق، وهي شجرة مصرية ذات أصول أوروبية وُجدت بكثافة في مصر القديمة، حيث كانت تعتبر من الفواكه المفضلة للمصريين القدماء، بحيث لا يكاد يخلو بيت مصري من شجرة النبق، وكانوا يتناولون ثلاثة وجبات، واحدة منها على الأقل تكون وجبة جماعية للمنزل بالكامل كما هو الحال الآن، ويجب أن يعقب تناول الوجبات الرئيسية نوع من التحلية كالفاكهة أو الفطائر المُحلاة بالعسل.

أما أدوات تناول الطعام في مصر القديمة، فكانت أول أدوات يتم استخدامها لتناول الطعام في التاريخ، وكانت تُصنع من الخشب أو العاج أو الزجاج أو الفخار وأحيانًا من الذهب والفضة والحديد.

 

ورغم مرور آلاف السنوات، لا تزال كثير من الموضوعات المهمة التي تخصّ قدماء المصريين مجالًا للبحث والتقصّي ولم يُعرف لها تفسيرًا حتى من جانب المتخصصين.

Dr.Radwa
Egypt Air