منذ أسابيع أطلت علينا "السوشيال ميديا" بإهانة حقيرة لأكبر رمز من رموز الشعر والزجل وأروع عنوان للوطنية "بيرم التونسي" من قبل أحد المتأسلمين الجهلة، وصفه بأنه عاش للخمر والنساء وظل ناكرا للدين حتى كتب أغنية "القلب يعشق كل جميل" قبل وفاته بأشهر عام 1961 وغنتها أم كلثوم في عام 1972 بعد رحيلة بإحدى عشر عاما، وقد غاب عن المسيء الجاهل أن هذه الأغنية لم تكن أول أغنية دينية يكتبها بيرم فقد سبقها بأغان عدة كان أشهرها أغنية "برضاك يا خالقي" لحن زكريا أحمد عام 1944م وقد أبدع في مناجاة ربه بإحساس لم يسبقه إليه أحد، ومفردات تؤكد أن بيرم لم يكن يوما ناكرا للدين، مثلما أكدت أزجاله التي انتقد فيها "الكيف" بكل أشكاله أنه لم يكن شاربا للخمر ولا غارقا في النساء.
واليوم تقذف لنا نفس الصفحات بقاذورات وإساءات لشخص أم كلثوم ذاتها ولأغلب من أبدعوا لها أغنياتها من رموز خلدها التاريخ مثل أمير الشعراء أحمد شوقي وأحمد رامي وأحمد شفيق كامل وعبد الفتاح مصطفي وعبد الوهاب محمد، وكان غريبا ومفجعا أن تأتي الإساءات والإهانات من داخل مقر اتحاد كتاب مصر والذي هو أحد قلاع الثقافة والإبداع والمفترض فيه الحفاظ علي رموز الهوية المصرية والإعلاء من شأن مبدعيها وحمايتهم من أية إساءة وأي مسيء يخوض في حياتهم وأعراضهم بدلا من أن يخوض في التحليل الأدبي والفني لإبداعاتهم وأن يتناول أسرار خلود هذه الأعمال في الذاكرة وفي الوجدان وتنوع مواطن الجمال في أسلوب كل منهم وفي تميز مفرداته وثقافاته، حتي وإن ذهب المتحدث إلي تقييم هذه الإبداعات من وجهة نظره وإعلان ميله لهذا الشاعر أو ذاك من واقع تناول نقدي أدبي متخصص يركز علي أسرار الحالات الإبداعية لا أسرار الحياة الشخصية، إلا أن ما شهدناه وما سمعناه من الشاعر المسيء الذي اتضح أنه أحد أعضاء مجلس إدارة هذا المعقل قد خرج عن حدود النقد والأدب والتحليل المتخصص وذهب إلي التجريح والإهانة والخوض في الأعراض دون سند سوى كلمة" يقال" التي لا يجوز أبدا أن يستخدمها متخصص أو متحدث في ندوة ثقافية المفترض فيها أن تأتي بكل ما هو موثق بالمعلومات الدقيقة، ولا يمكن أن تستخدم إلا إذا كانت هناك معلومة اختلفت فيها الآراء والمصادر ويجب ذكر كل مصدر طبقا للأمانة العلمية.
إلا أن الشاعر المسيء بسند كلمة "يقال" قال عن أم كلثوم أنها تزوجت إحدى عشر مرة، بل "صاحبت" إحدى عشر مرة، وقال عن أحمد رامي أنه كان متيما بها لدرجة "الهطل العاطفي" وقال على عبد الوهاب محمد أنه وقع مع لطيفة فيما وقع فيه أحمد رامي مع أم كلثوم، وأحمد شفيق كامل الذي كتب (أنت عمري وأمل حياتي والحب كله وليلة حب) ولقب بشاعر الهرمين لأنه كتب لعبد الوهاب وأم كلثوم قال عنه أفشل شاعر غنائي، حتى أمير الشعراء أحمد شوقي وأمير التصوف عبد الفتاح مصطفى لم يسلما من إساءاته، حتى بدا وكأن مصر لم تنجب شعراء يروقون للسيد المسيء في الندوة المسيئة داخل الكيان الذي احتضن هذه الإساءة ونشرها على موقع "اليوتيوب" ورفض حذفها لتنتشر على كل أدوات السوشيال ميديا في الداخل والخارج، وتتحول قلاع التنوير إلى قلاع تدمير تشارك في هجمات ممنهجة ضد رموز الهوية المصرية للنيل من سلاح قوتها الناعمة، إلا أن ما تركه هؤلاء الرموز في وجدان الأمة ثابت ثبات مصر وهويتها ولن ينال منها كل محاولات هؤلاء.