قال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، إن مؤتمر دار الإفتاء والذي يأتي بعنوان "التطرف الديني.. المنطلقات الفكرية استراتيجيات المواجهة"، يناقش قضية من أخطر القضايا التي مرت بها الإنسانية، وعانت ويلاتها البشرية، وخاصة مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
وأوضح وكيل الأزهر، خلال كلمته بالمؤتمر، أن أحد أوجه الأزمة التي نعاني منها هذا التعمق في التنظير إلى درجة تنسينا الأسباب الحقيقية في صناعة هذا الواقع المر، وهذا هو ما دفع الأزهر إلى أن يكون أكثر واقعية، انطلاقا من مسئوليته الدينية ودوره الريادي؛ فقد تبنى علماؤه، وفي مقدمتهم فضيلة الإمام الأكبر، موقفا واضحا وسياسة كاشفة لمكافحة التيارات الفكرية المنحرفة كافة، أساسه الرفض التام والإدانة الفورية والعاجلة لشتى أشكال التطرف، مع التأكيد المستمر أن شرائع السماء بريئة من كل ما تقوم به هذه العصابات المنحرفة، التي تنفذ أجندات خارجية.
وأضاف الدكتور الضويني، أن الأزهر عقد مؤتمره المشهود عام ألفين وأربعة عشر «مؤتمر الأزهر لمواجهة التطرف والإرهاب» الذي حضره ممثلون عن مائة وعشرين دولة من أنحاء الأرض، من رجال دين، وقادة سياسيين، وكُتاب ومفكرين، من مختلف الطوائف والملل، والذي حاول فيه أن يصل إلى صيغة موحدة ضد التطرف والإرهاب، تكشف تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وختم المؤتمر بإعلان «بيان الأزهر العالمي» الذي وضع الجميع أمام مسئولياتهم، وكشف الستار عن التطرف الحقيقي الذي يغض الطرف عنه كثير من المنظرين، ودعا إلى لقاء حواري عالمي للتعاون على صناعة السلام وإشاعة العدل في إطار احترام اختلاف العقائد، وتباين الأفكار.
وأكد فضيلته أن الأزهر، لم يكتف بما قدمه في هذا المؤتمر، وإنما عقد فضيلة الإمام الأكبر العديد من اللقاءات مع العلماء والساسة والمثقفين داخليا وخارجيا؛ ليعلن للعالم كله أن الإرهاب لا دين له، وأنه وباء يهدد الجميع، وأرسل الأزهر بأبنائه إلى ربوع الأرض في «قوافل سلام» تجوب الدنيا، وتمد يد التعارف والتلاقي، وجدد الأزهر الشريف دعوته إلى السلام عام ألفين وسبعة عشر فعقد «مؤتمر الأزهر العالمي للسلام»، الذي شخص فيه أسباب الإرهاب، وأعلن بلا مواربة أن الأديان بريئة من هذا التطرف، وأن أحلام الهيمنة والسيطرة على الدول، وسياسة الكيل بعدة مكاييل وعوامل أخرى مشابهة هي التي أثمرت ثمرة التطرف المرة.
وبيّن وكيل الأزهر، أن مؤتمر دار الإفتاء يأتي اليوم كخطوة جديدة لهذه الرؤية الأزهرية الوطنية التي تؤكد أن مواجهة التطرف بتوضيح المفاهيم وتفنيد الشبهات، وترسيخ قيم التعايش، وإرساء دعائم المواطنة، ونبذ العنف والغلو، لم تعد مجرد شعارات جوفاء، بل تحولت إلى أعمال مؤسسية تقوي النسيج الوطني، وتعزز السلام المجتمعي، وتقيم الحجة على صانعي الفتن.
وشدد الدكتور الضويني، أن العقلاء في كل مكان لا يسعهم إلا أن ينكروا بما استطاعوا هذا التطرف الذي يهدد الجميع، وأنه على الجميع التوقف وتحليل التطرف الديني في العالم، الذي يهدف مؤتمر اليوم إلى رصد حركاته، فأرى أن هذا التطرف لم ينج منه عصر ولا مصر، فمن تطرف في الرأي والفكر إلى تطرف في الممارسة والفعل، ومن تطرف يتهم الأديان إلى تطرف ينكرها بالكلية، وأن المتأمل بإنصاف يرى أن التطرف يبوء بإثمه وعاره من يحمله في رأسه فكرا، ومن يقوم به ممارسة، ومن يعين عليه تمويلا ورعاية، وأما الأديان فلا علاقة لها بذلك، ولو أننا حاكمنا الأديان والأوطان لسلوك بعض أهلها ما نجا منها دين ولا وطن.
وأكد وكيل الأزهر، ضرورة البحث عن الأفكار التي تضمنتها أدبيات الجماعات المتطرفة وأن تُأخذ بعين الاعتبار الأصولية والعصبية والجمود والانغلاق الذي ابتلي به بعض أتباع الأديان، وأن ندرك حقيقة تأثير هذه الأفكار المسمومة على عقول الشباب وأفكارهم، خاصة بعد سهولة نشرها عبر الانترنت التي تحتاج إلى مزيد من الرقابة حفاظا على الهوية، ومن الأجهزة التربوية أن تنشئهم على حسن التعامل مع معطيات العصر، وأن تضع للشباب برامج بديلة تكفل لهم إشباع احتياجاتهم، وتجيب عن تساؤلاتهم.
وأشار وكيل الأزهر إلى ضرورة الابتعاد قدر الاستطاعة عن الخطب والمواعظ التي تستثير العواطف، وتدغدغ المشاعر، وأن الواجب الحقيقي وضع حلولا عملية جادة لمشكلة التطرف تبدأ من وضع برامج تعليمية خاصة، وفتح شراكات إنسانية عابرة للحدود تقرب الشعوب وتذيب الفوارق دون أن تطمس الهويات، وتكشف التزييف والتحريف، مشددا على أننا مع إيماننا بقضية «تجديد الخطاب الديني» وأهميته، فإننا نؤمن أيضا أن التجديد له رجاله المتخصصون، وله ضوابطه، وأن تجديد الخطاب الديني ينبغي أن يسايره تجديد الخطاب الإعلامي والثقافي والسياسي وغير ذلك من خطابات لا يستغني عنها بنو الإنسان.
ووجه وكيل الأزهر رسالة لجميع الحاضرين قائلًا:" إن الله سيسألنا عن الأمانات التي وضعها في أعناقنا، ومتى لم نقم أفرادا وحكومات ومنظمات بما أراد الله فقد خنا الأمانة الإلهية"، مبينًا أن واجب الوقت يحتم على علماء الأمة أن يتحملوا مسئوليتهم تجاه التصدي للغلو والتطرف، بلزوم منهج الوسطية في شؤون حياتهم كلها: عقيدة وعبادة ومعاملة، فلا إفراط ولا تفريط، وعلى الجميع أن يعرف أن الأوطان لها حق لا يُنكر، وأن المواطنة الحقيقية نطق بها تاريخ الإسلام عمليا عبر دول وممالك متعاقبة، وأن على العلماء خوض حرب الأفكار بكل قوة وبسالة لتقويض أركان التطرف، الذي يتخذ من العقول -وخاصة عقول الشباب- أرضا خصبة يبث فيها مواده السامة.
واختتم وكيل الأزهر، كلمته بأنه من الواجب الذي لا ينبغي تأخيره أن نعيد النظر في مضامين الرسالة الإعلامية، واستبدالها بمضامين جديدة تركز على معالجة العنف، وتعمل على تصحيح المفاهيم، وأن نصدر من التشريعات ما يضمن التصدي للرسائل الإعلامية التي تمارس أدوارا تحريضية مدمرة، تؤثر في عقول الشباب وتهدد أمن الشعوب والمجتمعات.