الأحد 24 نوفمبر 2024

مقالات

«الازدواجيون» فى الأرض

  • 8-6-2022 | 10:23
طباعة

العالم يدفع ثمناً باهظاً من أمنه واستقراره وسلامه.. وأرواح البشر.. بسبب الازدواجية والكيل بمكيالين.. فالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التى يتشدقون بها.. تتحول عند قوى الهيمنة والشر فى العالم إلى خراب ودمار ومؤامرات ومخططات.. فلطالما أزهقت أرواح، وخربت بلدان، وشردت شعوب بسبب هذه الشعارات والمتاجرات.. فمسلسل الإساءة للإسلام ونبيه عرض مستمر.. ثم يحدثونك عن الإرهاب والعنصرية والتشدد.. وهم يستضيفون ويوفرون الملاذات الآمنة لعتاة الإرهاب والتطرف.. يحدثونك عن مكافحة الإرهاب وهم يدعمونه.. أنظر إلى بريطانيا ماذا ستقول.. وماذا ستفعل، انظر إلى الفارق بين الحالتين «أوكرانيا» و«الفلسطينيين» عالم انتفض لإنقاذ أوكرانيا.. وعالم آخر تجاهل حقوقاً مشروعة لشعب تعرض للاحتلال والفاشية.. الازدواجية وغياب العدل والمساواة هى سبب معاناة هذا العالم. 
 
 
«الازدواجيون» فى الأرض 
 
ربما يكون الغباء بريئاً من هذا العالم الذى يصر على التناقض والازدواجية والكذب والتشاحن والتناحر والصراع .. ويحاول البعض منه ممن اعتقدوا أنهم أسياد وقادة العالم تدمير كل شيء، فما أجمل الشعارات بالإنسانية والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.. لكن فى نفس الوقت ان من يطلقون هذه الشعارات ويتشدقون بها هم أنفسهم من يعملون على معاناة وظلم الإنسان ونشر الخراب والدمار والقتل والمؤامرات والسرقة والنهب والتطرف والعنصرية، حقاً أنهم يقولون ما لا يفعلون.
الغبى ربما يدرك الخطأ، وجسامة الفعل والسلوك، ويتراجع عنه ويعود إلى الصواب والرشد، لكننا نحتاج توصيف هذا العالم بمصطلح يتجاوز معنى الغباء فجميعنا يدرك ويعرف ويعلم خطورة الحروب والمآسى التى تخلفها وأنها فى النهاية لا تحقق أى نتيجة وعائد.. فالصراعات والمواجهات المسلحة لا تحل مشاكل أو أزمات وإنما تؤدى إلى استمرار وتيرة الخسائر فى الأرواح والمعدات والأموال والثروات والموارد، وتهدر الوقت الذى كانت التنمية أولى به ومصلحة الإنسان واطمئنانه هى الطريق الأفضل.

متناقضون هؤلاء الذين يحدثوننا عن السلام والأمن والاستقرار والحرية وحقوق الإنسان، والعدل والمساواة.. ولا نرى فى أفعالهم وقراراتهم وممارساتهم أى معنى يقربنا من هذه المعانى وتصبح مجرد مصطلحات بهدف الشو والمتاجرات وخداع الناس ودغدغة مشاعر الشعوب.

فلطالما عقدت المؤتمرات الدولية وأطلقت النداءات والتوصيات.. ودعوات للتسامح والتعايش وحرية الاعتقاد واحترام الرموز والمعتقدات والأديان الأخرى أو حتى احترام الملحدين.. طالما ان هذه اختياراتهم.. لكن الكلام حاجة والفعل حاجة أخري، رأينا منذ أسابيع حرق المصحف الشريف فى عرض شوارع أوروبا وفى احدى دولها تحت شعارات جوفاء بأنها الحرية، ثم نفاجأ خلال الساعات الماضية بالمتحدثة باسم حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم وتدعى نوبور شارما بالإساءة إلى نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- وهو الأمر الذى أثار غضبة وحفيظة المسلمين.. هؤلاء المرضى هم من يقفون وراء العنصرية والتشدد والإرهاب والتطرف ولا يختلفون عن التنظيمات والجماعات والميليشيات الإرهابية التى خرجت عن تنظيم الإخوان المجرمين فالإرهاب ليس قاصراً على دين أو معتقد معين.. فهناك جرائم كثيرة تشكل سبة فى جبين أوروبا المتشدقة بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.. مثل قيام أحد المتشددين باطلاق النار على المصلين فى أحد المساجد بأوروبا، أو القبض على آخر حاول تنفيذ نفس الجريمة.

أوروباً أيضاً التى تتحدث عن الحرية والديمقراطية وتتهم الدول بالإرهاب والعنصرية هى من تستضيف وتوفر الملاذ الآمن لعتاة الإرهاب والتشدد والتطرف.. وتمكنهم من  إنشاء مراكز يزعمون انها إسلامية لكنها فى نفس الوقت هى بؤر يتجمع فيها الإرهابيين والمتشددين وعندما انقلب السحر على الساحر، واكتوت بعض الدول بجرائم دهس وإرهاب وقتل استيقظت وفاقت من سباتها أو تواطئها لتطلب النجدة والدعم.. وكيفية المواجهة، وماذا يفعلون؟.. حينها قالت لهم مصر بلسان صادق.. لابد من تكاتف وتعاون دولى لمجابهة الإرهاب من خلال مواجهة شاملة.. ثم حتمية احترام الأديان والمقدسات والرموز الدينية لكل الأديان وإطلاق الدعوة إلى حوار وتقارب شامل بين الرموز الدينية فى مختلف دول العالم.

لكن يحضرنى قول الفنان سعيد صالح «بتشده ليه، علشان يلسعني» هناك إصرار على نفس الفعل والممارسات والسلوكيات والمتاجرات بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان واحترام معتقدات الآخرين وفى نفس الوقت يتهمون دولاً أخرى بالاضطهاد والتعصب والإرهاب والعنصرية، فالدولة البريطانية مثلاً نموذج للانفصام العقلى والمنطقي.. تقول شيئاً وتفعل نقيضه.. تحتضن وتستضيف وتفتح أحضانها وقلبها لعتاة الإرهاب فى العالم وتوفر لهم الملاذ الآمن.. والمنابر الإعلامية والدعم وأحياناً تقدم لهم المساعدات وتصرف لهم المرتبات.. يعيشون رغم إجرامهم وإرهابهم طلقاء يتمتعون بكرم بريطانيا لكن الغريب ان بريطانيا تخرج علينا بمقاومة ومكافحة الإرهاب أو الحديث عن الحرية وحقوق الانسان والديمقراطية، والسؤال ألا تعلم بريطانيا ان هؤلاء الإرهابيين قتلوا العشرات والمئات من الأبرياء ناهيك عن الترويع والفزع واستهداف المؤسسات والمنشآت بالتفجيرات.. واستهداف رجال الجيش والشرطة، ورغم ذلك إذا أراد الإرهابى القاتل البحث عن مكان آمن فى العالم بلا حساب أو عقاب أو حتى مساءلته يذهب إلى لندن ليحظى بالكرم والدعم والاستضافة ويعيش فيها ملكاً متوجاً.. وحقوقياً وناشطاً بل وداعياً للسلام!!


نموذج آخر، يراه العالم يومياً دون أن ينطق بكلمة واحدة حتى ولو كانت شجباً واستنكاراً، فالاحتلال الإسرائيلى لا يتوقف عن الممارسات الإجرامية فى حق الفلسطينيين وترويعهم وقتلهم وسحلهم واعتقالهم، رغم ان الأرض أرضهم فى ظل تمدد الاستيطان.. وفى ظل تدنيس المقدسات الإسلامية والمسيحية وقتل وضرب المصلين العزل من خلال المتطرفين الإسرائيليين والمستوطنين أيضاً تحت حماية وحراسة قوات الأمن الإسرائيلي، لم تسلم من بربريتهم ووحشيتهم ولا آدميتهم النساء أو حتى الأطفال، ولعل قتل الإعلامية شيرين أبوعاقلة واستهدافها بشكل مباشر لقطع لسان الحق والحقيقة لأنهم يكرهون الحقيقة ويدمنون التطرف والعنصرية والاحتلال السافر ويضربون بالقوانين والمواثيق والأعراف والمبادئ الدولية والأممية عرض الحائط، ولا أدرى لماذا انتفضت الدول الكبرى فى الغرب من أجل أوكرانيا خلال الحرب (الروسية- الأوكرانية)، والأمم المتحدة ومجلس الأمن، واللجان المختلفة فى انعقاد دائم على مدار اليوم، ناهيك عن العقوبات غير المسبوقة على روسيا، ناهيك عن الحصار الكامل لموسكو، ناهيك عن مليارات الدولارات دعماً وسلاحاً من أحدث منظومات التسليح من أجل أوكرانيا، أنا لست مع أو ضد أوكرانيا أو روسيا، ولكن أردت ان أظهر التناقض والاختلاف وازدواجية المعايير والكيل بمكيالين بين الحالة الأوكرانية والحالة الفلسطينية، فهؤلاء بشر وهؤلاء بشر لكن لماذا هذه الازدواجية قضية فلسطين وحقوق الأشقاء بها.. وكم عاماً مضت على القضية الفلسطينية دون وجود حل أو استعادة للحقوق المشروعة عقود طويلة، والحالة الأوكرانية تجاوزت الـ100 يوم بأيام قليلة.. فارق شاسع وكبير وهو ما يدين النظام العالمى والأممى ويكشف عن ازدواجية مقيتة وان الهيئات والمجالس الأممية صنعت من أجل خدمة دول وأطياف بعينها، فأى حديث عن عدالة أو مساواة أو تسامح أو حقوق إنسان.. وهو حق يراد به باطل.. ويهدف إلى تدمير دول وإسقاطها مثل ما حدث فى العراق وسوريا وليبيا والصومال وغيرها صدروا للشعوب المغيبة أو بعض فئات منها (مجندة).. تحت أسماء سموها من نشطاء وحقوقيين وثوار واناركية و6 أبريل وكيانات إصلاحية مزعومة ربوها و«سمنوها» ودعموها واحتضنوها لتحقق أهدافهم وتنفذ مؤامراتهم ومخططاتهم فى تدمير وإسقاط الدول وتضييع شعوبها وإهدار ثرواتها.


لا تغرنك أبداً أحاديث الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، فالغرب هم آخر من يتحدثون عن هذه المبادئ السامية، ربما يوفرونها لشعوبهم، وأحيانا يتنازلون عنها إذا تعرضت بلادهم للخطر أو الفوضي، وينكرون ذلك على دول أخري.. يعتبرون المخربين فى بلادهم خونة وعملاء، ويعتبرونهم عندنا أنقياء وناشطين ومظلومين ومضطهدين لذلك لابد أن تمتلك الشعوب الوعى الحقيقى بتناقضات الدول الكبرى وازدواجيتها ومخططاتها وأهدافها فى الايقاع بالشعوب فى براثن الفوضى والدمار والإرهاب.


فى اعتقادى ان هناك صحوة ويقظة واسترداداً للوعى لدى الشعوب، لكن الجديد ان هناك حالة من التمرد لدى دول كثيرة فى العالم ضد قوى الهيمنة والازدواجية والتآمر.. ربما تشير إلى نظام عالمى جديد، يحقق الأمن والسلام والاستقرار والعدل والمساواة، وهو ما تنشده شعوب العالم خاصة التى تعرضت للخراب والدمار.
لا سبيل أمام شعوب العالم سوى امتلاك الوعى الحقيقي، والفهم الصحيح، والاحترام المتبادل للأديان والمعتقدات، ولا غنى عن تفعيل المعايير الواحدة والابتعاد عن الازدواجية والكيل بمكيالين حتى يسود العالم السلام والأمن والاستقرار بدلاً من الحروب والإرهاب والقتل.


لن تكون هناك حلول للأزمات والحروب والصراعات والمؤامرات سوى أن يكون العالم بوجه واحد، وليس بأوجه مختلفة وأقنعة متعددة لقد تعرضت منطقتنا العربية والقارة الأفريقية لظلم وسلب ونهب للموارد والثروات وفوضى ومؤامرات ومخططات وحروب وصراعات مصنعة ومخلقة لم تصل بنا إلى شيء، ثم جاءت الطامة الكبرى فى الربيع العربى المزعوم الذى زاد من وجيعة وآلام ومعاناة الشعوب وأغرق الدول فى مستنقعات الفوضي.
الحقيقة ان عبارة نحن دول شريفة فى زمن عز فيه الشرف تدق رأسى وتجول فى خاطري.. فهى الحل الوحيد لمعاناة هذا العالم وأزماته وصراعاته ومؤامراته لكن ما تلتزم به مصر وما تمارسه وتدير به سياساتها وتعاملاتها الدولية وهو الشرف.. فهو بالنسبة لقوى الهيمنة فى العالم بعيد المنال لذلك لا سبيل أمامنا إلا التمسك بالشرف وعدم التنازل عن امتلاك القوة والقدرة فى عالم متقلب ومتغير وشديد الاضطراب تسود فيه الأطماع والأوهام والصراعات والمؤامرات والمخططات وحروب على كل شكل ولون.. حروب إعلامية وحروب بالوكالة أو حروب نظامية، عالم قابل أن يدمر نفسه فى أى وقت.


إذا كان العناد والازدواجية يسيطران على قوى الشر والهيمنة، فهناك من تأثر بهما على مستوى الداخل، ولا أريد القول إنها أذنابهم وأدواتهم ووسائل لإحداث الفتنة والفوضى وتشكيك الناس فى أمور دينهم أو العمل بمبدأ خالف تعرف من أجل اشباع أمراض الظهور والنرجسية وتضخيم الذات.. فهذا المدعو الذى يخرج علينا من آن لآخر بغرائب وعجائب وتسفيه وتشكيك وخزعبلات يزعم أنها اجتهادات تفتق عنها ذهنه المريض وأفكاره المسمومة.. فى حوار مع أحد المواقع الإلكترونية خرج علينا هذا الذئب بثياب الواعظين، وأعلن أنه سوف يقوم بتفسير القرآن الكريم.. ولا أدرى ما هو العلم والقدرة والتمكن التى يستند عليها سوى أفكار وخزعبلات وسموم وإساءات وتشكيك فى الثوابت.


اعتقد أن تفسير هذا الإمام المجدد!!.. سوف يغير دين الإسلام، وينفى الفرائض والأركان.. فيأتى إلينا بدين جديد، لقد وصل إلى مرحلة لا يمكن السكوت عليها، لابد من ايقاف هذا العبث والجنون، تفسير القرآن مرة واحدة والجميع يعرفون أفكارك وسمومك فالمقدمات دائماً تفضى إلى النتائج، وستكون معروفة، وكارثية، وفتنة لن تبقى ولا تذر، فلا أدرى ما هو سر الحملة فى الخارج وأذنابها فى الداخل.


الأديان السماوية فى تفسيراتها وشرحها للناس وبيان تعاليمها ورسائلها وشرح وتفسير نصوصها لا تترك للعوام والجهلاء وأنصاف المتعلمين أو من يدعون أنهم مثقفون ومفكرون.. فالدين لا يخضع لحرية الرأى والتعبير فى تفسيره، ولكنه وفق علم وتمكن فى اللغة وتبحر فى علوم الدين والسنة.


نريد وأد الفتنة مبكراً، لذلك علينا التصدى لمشعليها، واجهاضها قبل وقوعها وقطع رأسها.. قبل استفحال الأمر.. فنحن نواجه ظروفاً استثنائية من محاولات تزييف الوعي، وترويج الأكاذيب والشائعات ونحن أمام تحديات كبيرة ونواجه تداعيات أزمات عالمية.. لذلك نحن فى حل عن هذه الخزعبلات والفتن التى يثيرها هؤلاء المخربين والمرضى.


لا أدرى ما هى الرسالة التى يريد أن يقولها هذا المدعى المزعوم الذى لا يطيقه جموع المصريين سوى الادعاء والكذب وبث الفتن والايحاء بأنه الكاتب والإعلامى المتوج.. فهذا المفتون بنفسه يلعب بالنار.. ويقامر فى وقت لا تصلح فيه المغامرات والمقامرات.

تحيا مصر

الاكثر قراءة