ما من ديانة أو فلسفة قديمة أو حديثة كرمت الإنسان باعتبار إنسانيته فحسب، دون النظر إلى دينه أو جنسه أو لونه أو جنسيته، كما فعل الإسلام الحنيف، قال الله عز وجل (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ )، ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ).
وقد شرع الإسلام حقوقاً للإنسان ترقى به في مدارج الرقي منها : -
1- حرية الاعتقاد: من المعروف بداهة أن الإسلام لا يقر بإكراه غير المسلم على الإسلام مهما كانت الظروف، قال الله سبحانه وتعالى ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) ، ( أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ )، ( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ )
ويفتح الإسلام ما يمكن تسميته "حوار الأديان " بحكمة وعقلانية، قال الله ، سبحانه وتعالى ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )
2- حق اكتساب العلم والمعرفة :
من المعلوم أن الإسلام والعلم وجهان لشئ واحد، فأول آيات الوحي المنزل تدعو إلى العلم وتحض عليه( اقرأ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) ، وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع.
وقد وجه الإسلام الإنسان للتفكير السليم الصحيح وذلك باستعمال ما وهبه الله – تعالى – له من قدرات على التفكير الصحيح، والنظر السديد، مستفيداً من حواسه ليحصل على المعرفة بالتعلم والنظر، والبحث والتجربة في شتي مجالات وميادين العلم والمعرفة ، قال الله سبحانه وتعالى ( قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ).
والنصوص فيما سوى ذلك كثيرة غزيرة والوقائع مشهورة مشهودة .
- حق العلم: ضمان حق العمل مكفول لكل إنسان قادر عليه، لأن الإسلام ينهي عن البطالة، ويرفع من شأن السعي والكسب الحلال الطيب، قال الله عز وجل( فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) ، ( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ الله ) ، وجعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم - العمل لاكتساب الرزق والنفقة على من تلزمه نفقته مكفراً للذنوب، وأفاضت السنة النبوية في رعاية حقوق العمال مما لا يتسع المقام لاستقصائه .
- حق التملك: نظر الإسلام إلى الحياة الإنسانية نظرة متوازنة، فقد جعل الملكية حقاً للإنسان شريطة أن تكون الملكية من طرق مشروعة حلال، وأوجب على ملاك الأموال النقدية والعينية إخراج زكاة على الناتج حسب نوعه تصرف لشرائح معدمة أو محتاجة في المجتمع كي تتقارب الطبقات، ويحرم الإسلام احتكار السلع الغذائية وينفر من اكتناز الأموال وحجبها عن الناس فرادي وجماعات.
قال الله تعالى (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ ) فالملكية حق مكفول بوسطية متفردة لا توجد إلا في الإسلام، بعيداً عن شعارات واستغلال الرأسمالية وأغلال واستعباد الاشتراكية .
- العدل ومنع الظلم: العدل مبدأ لا يقبل الإسلام فيه أدني تهاون أو تفريط أو مساومة، وهو حق لكل الناس في المجتمع المسلم، واجب على كل المسلمين أفراد أو مؤسسات، قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) .
والإسلام مع تحريمه وتجريمه للظلم بشتى أنواعه ، يوجه الإنسان إلى رفض الظلم والاستبداد وعدم الخضوع له ، فمقاومة البغي والظلم من صفات المؤمنين ( وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ.)
المساواة: لقد أرسى الإسلام مبدأ المساواة على أساس إنساني، فالناس كلهم سواسية في أصل الخليقة ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء ) .
والمساواة في الإسلام شاملة لحقوق الأفراد وواجباتهم لأمور الدين والدنيا ، وضمانات القضاء في الإسلام معروفة، وصور رعاية الإسلام للناس على قدم المساواة مألوفة لمن له أدني دراية بنصوص الشرعية الغراء وقواعدها وصور التطبيق العملي في شتى الأعصار والأقطار.
واكتفي بهذا القدر من بعض حقوق الإنسان في الإسلام التي لو أطلق العنان للقلم للإحصاء لفاق الأمر العد وجاوز الحد، للوفرة والكثرة والشهرة، إلا أننا نحن المسلمين معظمنا لا يحسن فهم الإسلام وبالتالي لا يحسن عرضه! ونبدد الجهود في مسائل فروعية تعلق بمظهريات في دائرة الملبس والشكل العام، ولا نعرض نفائس وذخائر الدين الحق.