الجمعة 26 ابريل 2024

كيف خطف الإرهاب الدعوة إلى الله وانتشر تحت شعارها؟

مقالات10-6-2022 | 01:07

في سبعينيات القرن الماضي، بدأ التبشير بما يُسمي «الصحوة الإسلامية»، في العالم الإسلامي كله وخاصة في دول الخليج العربي ومصر، وتم التسويق لها زورًا باسم الدعوة الإسلامية؛ للرجوع إلى الإسلام وتطبيق الشريعة والعمل على إقامة الخلافة الإسلامية ونصرة المسلمين المستضعفين في كل ربوع الأرض.

هذا الشعار الجاذب المدغدغ لمشاعر الشباب المسلم، كان من أبرز الوسائل لتجنيد الشباب وانضمامهم إلى الجماعات والتيارات الإسلامية التي صوّر مشايخها وقادتها عبر الخطب الزاعقة والدروس والندوات التي كانت في كل بيت على شرائط كاسيت، أن هذا هو الطريق الوحيد للاستقامة وتطبيق الاسلام والعودة إلى ما كان عليه السلف الصالح !!

وهكذا تم خطف الدعوة إلى الله تعالى التي ينبغي أن تكون خالصة لوجهه الكريم، تطبيقاً لقوله تعالى «ألا لله الدين الخالص» الزمر : ٢؛ لتخدّم على أيدلوجيات التيارات الإسلامية التي كانت بدورها وسيلة من وسائل المعارك السياسية العالمية، والتي كانت حرب الأفغان في ثمانينيات القرن الماضي نموذجاً وتطبيقاً عملياً لقذارة السياسة في تلاعبها بدين الإسلام.

كان الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية، ساحة خطيرة لنشاط تلك التيارات، حيث التمويل المالي من جمعيات خيرية ومؤسسات تدعم هذا التوجه من النهج السفلي على منهج الإمام محمد بن عبدالوهاب الحنبلي، وتلاقح الخطاب الديني بأفكار محمد بن عبدالوهاب مع بعض نماذج الخطاب الحركي الإخواني، بفعل تأثير الكثيرين من رموز حركة الإخوان والذين هاجروا إلى المملكة العربية السعودية، فظهرت أيدلوجيات جديدة قائمة على تأويل النصوص للتخديم على الاتجاه السياسي المسمى بالصحوة الإسلامية، هذا التأويل الخاطيء كان من الكوارث الكبيرة على الخطاب الديني الإسلامي، وتوظيفه لدعم الإرهاب خلال الفترة الماضية.

وأصبح العالم الإسلامي يُعاني من الإرهاب الذي ظهر في صورة جماعات مدعومة بالمال والسلاح، وصلت شراستها إلى التهام دولٍ  بأكملها، ووجهت سلاحها نحو المسلمين وبلادهم فقط دون غيرهم، وباتت الدول العربية والإسلامية في مرمى نيران كلاب النار !! من الناحيتين الفكرية (الحرب على الهوية الدينية الوسطية)، وأيضًاً الأمنية (الحرب على الهوية الوطنية)، وذلك باستخدام الدين كوسيلة لتفكيك الهويتين معا.

وتأخرت مواجهة هذا الطوفان لمدة طويلة تجاوزت الخمسين عاماً تقريباً، حيث ظل ما يسمى التيار الإسلامي يزحف على عقول وإدراك أمة الإسلام بلا مقاومة، حتى تلوث العقل الجمعي بعفونة فكرية وصلت إلى حد تبرير الجرائم بأدلة من القرآن والسنة.  

ولم تتم المواجهة الفكرية والثقافية إلا بعد ما حصد الإرهاب الكثير من أرواح الأبرياء في العالم كله.

كانت مصر فى مقدمة الدول التي واجهت الإرهاب والتطرف فكرياً من ستينيات القرن الماضي، وقد تحدثت عن ذلك كثيرًا في مقالاتي.

أيضاً في المملكة العربية السعودية، لاحظنا جهوداً كبيرة لتجديد الخطاب في إدانة الإرهاب، والحكم على داعش والجماعات المتطرفة بأنهم خوارج العصر، وقد شاركت في ورشة عمل واجتماع للخبراء الاستشاريين في مكافحة التطرّف والإرهاب في العاصمة السعودية الرياض يومي 14 و15 نوفمبر 2017.

واستعرضت المداخل الفكرية الجديدة للشباب وضرورة مراعتها في مكافحة التطرّف، وضرورة تحديث البرامج المعتمدة في هذا الشأن، كما عرضت خبرة مبادرة «بالعقل كدا»، التي أطلقتها في ٢٠١٣؛ لتحصين الشباب المصري من التجنيد.

 كما قدمت تعريفاً جديدًا للتطرف ليكون جامعاً عند أتباع الأديان كلها، وتضمينه التطرف بتوظيف الدين والتطرف في محاكمة الدين بدعوى مواجهة التطرّف!! وأيضاً التطرّف السلوكي والفكري.

 وتعريفي للتطرف هو «تجاوز حد الاعتدال فكريًا وسلوكيًا وعاطفيًا إلى الاعتقاد بضرورة وصم الآخر وإقصائه ومحاربته».

كانت دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر دول الخليج تفاعلاً مع قضية تجديد الخطاب الديني لمواجهة الإرهاب، فقد أطلقت الهيئة العامة للشئون الإسلامية في الإمارات، أربعة محاور لتجديد الخطاب الديني وهي :

١- إعداد كوادر متخصصة في الفقه والفتوى والفكر المستنير وتطوير الفتوى بالنظر والتدقيق الجماعي.

٢- تطوير الخطب وتبسيطها باليسر والاعتدال.

٣- تطوير الخطاب الديني في وسائل الإعلام بالمتحدثين المتخصصين من الشرائح السابقة.

٤- المركز الرسمي للإفتاء بكل اللغات والمجهز لوجستياً بأحدث وسائل التوال.

كما أنشئت الإمارات المراكز البحثية لرصد شبهات الإرهاب على الإنترنت والإجابة عليها.

 

ورغم تلك الجهود الكبيرة إلا أن الواقع يحتاج إلى مزيدٍ من الجهد والمبادرات الخلّاقة في تفكيك مداخل الجماعات الإرهابية المتداولة فيالخطاب الديني، وأيضاً إجراء عملية «ترميم» للخطاب الديني الرسمي في المساجد والندوات والصحف ووسائل التواصل الإجتماعي حتييكون جاذباً للشباب محصناً لهم من فخاخ الإرهاب متجاوباً معهم علي مستوي الروح والعقل.

والأهم من ذلك كيفية الوصول إلى الشباب، حيث اهتمت المؤسسات الدينية بتصنيف الكتب وعقد المؤتمرات واطلاق الشعارات الرنانة في هذا الجانب دون التفكير فى صناعة خطاب جذب للأطفال والشباب، حتى يتم ملء مساحة الحالة الدينية بمضمون مناسب.

فالشباب العربي الآن يٌعاني من جمود الخطاب الديني الوعظى الرسمي الذي لا يُجيب عن كل أسئلته الفلسفية في العقيدة والشريعة بأسلوب يتناسب مع جيل القرن الواحد والعشرين.

 

مداخل تجنيد الشباب:

  1. والتطرف الديني والاجتماعي لا يبدأ عند انضمام شاب لداعش أو القاعدة أو أي جماعة إرهابية مسلحة أو عنيفة !!، بل يبدأ التطرفعندما ينضم الشاب إلي جماعة من الجماعات التي تطلق علي نفسها ( إسلامية) حتي وإن كانت تتخذ من السلمية منهجاً والتعبد سبيلاًوالبعد عن السياسة تقرباً لله.

 

لماذا، لأن مجرد  تكوين جماعة داخل مجتمع مسلم يوحي لأفرادها بمفاهيم هي مقدمة للتطرف والإرهاب ، ومنها:

١- الإيحاء بأن أفراد الجماعة علي درجة من الإيمان والقرب من الله وعلي وعي بالقرآن والسنة أكثر وأكبر من جموع الناس، وهذا واضح جداً في أسماء بعضالجماعات ( الجماعة الإسلامية - جماعة أنصار الله - حزب الله - الخ )، وبالتالي لابد من دعوتهم إلي الالتزام الديني ( علي حد تعبيرهم) ،وكلمة( التزام )مشهورة جدا بين مفردات اعضاء الجماعات المتنوعة ، وكثيراً ما يقصد بها التزام الجماعة وليس الاستقامة علي أمر اللهورسوله ، كما أمرنا الله : ( قل آمنت بالله ثم استقم) ، واستخدام لفظ الالتزام كبديل لمصطلح الاستقامة من بعض ألاعيب كهنة هذهالجماعات ، لاحداث تلبيس كتلبيس إبليس علي الشباب الذي يريد الاستقامة ويتبعهم علي الاستقامة لله فإذا بهم يجرونهم إلي الالتزامبتعاليم وأفكار الجماعة علي أنها وحي الله المعصوم !! .

 

٢- انتقال ولاء الشباب من ولائهم لله وللدين إلي ولائهم للجماعة وأميرها أو مرشدها، ومن اعتبار كل المسلمين إخوة علي مستوي الحقوقوالواجبات كما قال رب العالمين : ( إنما المؤمنون إخوة) ، إلي اعتبار الأخوّة  مقصورة علي أفراد الجماعة فقد دون المسلمين الذين يعتبرونفي منظور هذه الجماعات فسقة أو كفاراً أو علي الأقل غير ملتزمين !! ، وهذه الكلمة أيضاً أطلقها كهنة الجماعات تعبيراً عن أن الأخوة همأعضاء جماعة وليس بقية المجتمع ومن هذا المفهوم سميت جماعة الاخوان نفسها باسم ( الإخوان المسلمون) ، إيحاءً أن غير المنضمين إليالجماعة ناقصين في دينهم واخوتهم !!، واستكمال الدين ليس بالاستقامة انما بالسمع والطاعة للمرشد أو الأمير!! .

 

٣- أعتبار أيات القرآن في وصف المؤمنين والمتقين لا تنطبق إلا علي أفراد الجماعة ، وبالتالي أيات الكافرين والفاسقين تنطبق علي غيرأفراد الجماعة حتي وان كانو علي تقوي من الله ورضوان ، وأيضاً تفسير الصراع بين الحق والباطل وإسقاطه علي الصراع بين الجماعةوالمجتمع وليس بين الأمة وأعدائها من الصهاينة مثلا !!

٤- توظيف القرآن والسنة بالإستدلال الانتقائي لصالح مصالح الجماعة الضيقة سياسياً أو صراعيا.

ولهذا حرّم القرآن الكريم تكوين جماعة بطانة من دون المؤمنين ، ففكرة تكوين الجماعة داخل المجتمع المسلم هي بداية التطرف والإرهابومحاربة الإسلام من داخله.

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْأَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [آل عمران: 118].

ويلاحظ أن هناك عدة منطلقات فكرية لكل هذه الجماعات بداية من السلفية وانتهاء إلي جماعات التكفير وداعش والقاعدة ، يتفقون فيمساحة كبيرة منها ويختلفون في مساحة ضيقة ، من هذه المنطلقات :

-الحاكمية وفرضية إقامة الخلافة.

-مفهوم الولاء والبراء وتطبيقه تطبيقاً خاطئاً.

-التكفير والمجتمع الجاهلي.

-حتمية المواجهة المسلحة لاقامة الخلافة والعدو الاقرب ( الدولة) أولي من العدو الأبعد

-تغيير المنكر بالقوة والسلاح .

وفهم الجماعات لهذه الموضوعات مختلف تماماً لمفهوم المحجة البيضاء الذي جاء بها رسول الله صلي الله عليه وسلم ، علي سبيل المثال :

 هل إقامة الخلافة الإسلامية كما يسمونها واجبة !!؟

والجواب ببساطة شديدة أنه لا يوجد  نص فى القرآن أو في السنة يدل علي أن الإسلام يفرض  طريقة للحكم وسياسة البلادوالعباد !! خلافةأوجمهورية أو مملكة، المهم أن يكون الحكم رشيداً .

وما ورد فى الصحيح أن رسول الله صل الله عليه وسلم – قال :

"تكون النبوة فيكم ماشاء الله ان تكون ثم يرفعها الله إذا شاء ان يرفعها , ثم يكون ملكاً عاضاً أو عضوضاً فيكون فيكم ماشاء الله ان يكونثم يرفعه الله إذا شاء أن يرفعه , ثم يكون حكماً جبريا فيكون فيكم ماشاء الله ان يكون ثم يرفعه الله إذا شاء ان يرفعه ثم تكون خلافة علىمنهاج النبوة "

هذه نبوءة لرسول الله – صل الله عليه وسلم – تبين ما سيحدث للأمة فى فترات تاريخية , ولكن لم يحدد رسول الله – صل الله عليه وسلم – كيفية الخلافة ولاصورتها ولا صورة الحكم إنما تركها لظروف كل جيل وعصر

لقد تحدث النبى – صل الله عليه وسلم – عن الإمام او الحاكم العادل الرحيم.

وعن القيم الحاكمة للراعى والرعية ، وأقام صلي الله عليه وسلم مجتمعاً إسلامياً في المدينة المنورة بعد الهجرة عام ١ ه يسوده العدل والرحمةوكل القيم الربانية التي ننشدها ، قبل أن يُشرع الجهاد في سبيل الله من العام الثاني للهجرة ، وهذا يدحض كل مزاعم كهنة الإرهابوالتشدد من أن الخلافة علي صورتها العباسية او العثمانية تخلق المجتمع الصالح وتقيم دين الله!!! ، بناء المجتمع الصالح يكون بالدعوةوالرحمة والتسامح وبعد ذلك تتشكل الدولة بالطريقة التي تناسب العصر والمصر وفق شئون الظروف والعصور.

إن رشد المجتمع والناس كان قبل إقامة الخلافة الراشدة التي زكاها رسول الله صلي الله عليه وسلم في الحديث ، فلا الخلافة دليل رشدٍوصلاح !! ، ولا عدم وجود الخلافة دليل كفر وفجور ، إنما المقياس الإسلامي هو إقامة العدل والأخلاق الفاضلة ، ووجود الحاكم العادلالصالح والمسلم الذي يسلم العباد والبلاد من لسانه ويده. 

ولقد صدق هذا الحديث ماجاء فى واقع التاريخ ان المسلمين حكموا فى أكثر تاريخهم بالملك العضوص والملك الجبري ، ومع قيام دولة الخلافةفى عهد الأمويين وفى عهد العباسيين وفى عهد العثمانيين.

كثيراً ما ظلم الناس وضاعت حقوقهم وانتهكت محارم الله!!

وعند مراجعة خطب ودروس شيوخ السلفية والإخوان ، لا تجد شيخاً منهم إلا و يغازل الشباب بالخلافة الإسلامية !! ، ولذلك لابد من الانتباهإلي أن صناعة الإرهابي تتخذ أطواراً ويشترك فيها جماعات وليس جماعة واحدة ، كل مرحلة لها شيوخها وفقهها وآلياتها .

وكل هؤلاء تشبعوا بتفسير الظلال لسيد قطب الذي يسقط هذه المفاهيم والمنطلقات باحتراف ويبلور فكر أبو الآعلي المودودي لقمة فكريةسائغة  ، ففي فترة الثمانينات والتسعينيات انتشرت أشرطة الكاسيت لهذا النوع من الشيوخ ، وكانوا يسوقون لهذه الأفكار ولسيد قطبخاصة  لما يسمونها : ( عقيدة الولاء والبراء ) بطريقة تسوق الشباب إلي الإلتحاق بالتطرف دون وعي وفكر .

وقد قامت الجماعات المتطرفة بالتكفير استناداً للفهم الخاطئ لعقيدة الولاء والبراء، حيث انتشر التكفير بين أفراد تلك الجماعات ، ويمكنرصد عدد من المقولات المنسوبة لسيد قطب في عقيدة الولاء والبراء ، حيث يقول في كتابه "في ظلال القرآن" (إنه لا يجتمع في قلبٍ واحدحقيقة الإيمان بالله وموالاة أعدائه الذين يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم فيُتَوَلون ويُعرِضون -- يقصد بأعداء الله المجتمع -- .. ومن ثم جاءهذا التحذير الشديد، وهذا التقرير الحاسم بخروج المسلم من إسلامه، إذا هو والى من لا يرتضي أن يحكم كتاب الله في الحياة، سواءكانت الموالاة بمودة القلب، أو بنصره، أو باستنصاره.

كما فسر سيد قطب الآية القرآنية (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ) بقوله (ليس منالله في شئ لا في صلة ولا نسبة ولا دين ولا عقيدة ، ولا رابطة ولا ولاية ، فهو بعيد عن الله ، منقطع الصلة تماماً.

 ومما تقدم يتضح أن "سيد قطب" يعد ممن أصّلَ بقوة لعقيدة الولاء والبراء، إلى حد الانحراف في الفهم والتأويل، حيث قسّم البشر إلىقسمين حزب الله وحزب الشيطان، مما أدى إلى شيوع أفكاره لدى الجماعات المتشددة، وكان لأفكاره دور بارز في تشكيل الفكر الأيديولوجيلتلك الجماعات .

فترى الجماعات المتشددة أنه بسبب عدم تطبيق الشريعة في العالم الإسلامي، فإنه لم يعد العالم إسلامياً، وعاد إلى الجاهلية، ولكي يعودالإسلام، فالمسلمون بحاجة لإقامة "دولة إسلامية حقيقية" مع تطبيق الشريعة الإسلامية، وتخليص العالم الإسلامي من أي تأثيرات لغيرالمسلمين، مثل مفاهيم "الديمقراطية - الاشتراكية - القومية".

وللحديث بقية..

Dr.Randa
Dr.Radwa