تمتد من أعالي الجزائر العاصمة بارتفاع ١١٨ مترا فوق سطح البحر، على مساحة أكثر من مليون متر مربع، وتشبه بناياتها المزخرفة وأزقتها الضيقة خلية النحل، وتتشابك جدرانها عبر القبب..إنها "القصبة" أو "لؤلؤة الجزائر" أو "عروس البحر الأبيض المتوسط" كما يلقبونها.
انضمت القصبة إلى سجل التراث العالمي باليونسكو عام ١٩٩٢ بفضل ما تحمله من إرث تراثي ومعماري ممزوج بالعديد من الثقافات والحضارات الممتدة عبر مختلف العصور.
والقصبة في الهندسة المعمارية تعني المدينة محاطة بالأسوار والمحصنة، استخدمها الفينيقيون بفضل موقعها المتميز على ساحل البحر الأبيض المتوسط كميناء للتجارة، ثم الرومان، ثم أسسها الأمازيغ تحت راية الزعيم البربري بلقين بن زيري في القرن الحادي عشر، وتم إثراؤها من قبل الأندلسيين، ثم خلال فترة العثمانيين استخدموها كقاعدة عسكرية وحصن منيع ضد أعداء الدولة حتى ١٨٣٠ تاريخ دخول الاحتلال الفرنسي إلى الجزائر، والذي استمر ١٣٢ سنة.
تتميز الهندسة المعمارية للقصبة بأنها ذات طابع مغاربي إسلامي، وتم تشييدها على شكل مدرج لأن كل من يقطنها أصبح له الحق في رؤية البحر وتمتد على مساحة ١٣٥ هكتارا؛ أي ما يزيد عن مليون و٣٥٠ ألف متر مربع.
لا يستطيع أحد الدخول إلى القصبة والسير في أزقتها الضيقة دون الاستعانة بمرشد أو أحد من سكانها الأصليين نظرا لتشابه منازلها وضيق مساحة دروبها ويشتهر سكانها بالطيبة والكرم وحفاوة الاستقبال ويعرفون بعضهم جيدا نظرا لأن بيوتهم تتقاسم جدرانا واحدة متصلة بقبب، وذات أسطح واسعة، حيث تستغل النساء هذه الأسطح للقاء وتبادل الأحاديث والمساعدة في إعداد الطعام.
تم الاعتماد في بناء القصبة على مواد بناء أولية كالرمل والجير والتراب، وهو ما جعل مناخها رطب ودافئ في الشتاء وبارد في الصيف.
تعرف شوارعها الضيقة باسم "زنيقة"، ويشتهر كل شارع منها بحرفة وصناعة تقليدية معينة مثل صناعة النحاس والجلود والحدادة وغيرها.
تحمل بيوت القصبة من الداخل كنوزا معمارية تم تكييفها مع البيئة المحيطة المطلة على البحر، وتم استخدام جذوع خشب العرعر في كل مكان فيها، نظرا لقدرته على مقاومة الهزات الأرضية، فضلا عن كونه طاردا للآفات التي قد تنخر فيه، ولذلك فإن جميع غرف المنازل تكون على شكل مستطيل نظرا لأن أقصى طول لهذا النوع من الخشب هو مترين ونصف المتر.
وتعد منازل القصبة تحفة معمارية مزجت بين الثقافات الرومانية، و العثمانية والتونسية والألمانية والإيطالية والإغريقية .
كانت القصبة عبارة عن حصن يغلق ليلا وله عدة أبواب في الاتجاهات الأربع أهمها باب الوادي من الغرب، وباب الجديد في الجهة العليا وباب الجزيرة من جهة البحر، وباب عزون من جهة الشرق.
تحتوي القصبة على عدة قصور شيدها العثمانيون مثل قصر الداي والرياس، وخداوج العمية وتحتوي على مساجد عديدة مثل الجامع الكبير وجامع كتشاوة، بالإضافة إلى جامع كبير تم هدمه في بداية الاستعمار الفرنسي كان يتوسط ما يعرف اليوم بساحة الشهداء.
أما القصبة في فترة الاحتلال الفرنسي فكانت الحي الذي تحدى فرنسا الاستعمارية، حينما انطلقت الشرارات الأولى للثورة بالعاصمة الجزائر من القصبة تحديداً، بعد تفجرها بمنطقة الأوراس شرقاً، وفي منطقة القبائل وسط الجزائر، ومنطقة التيطري غرباً.
كانت القصبة في هذه الفترة الأصعب والأهم في تاريخ الجزائر الحديث، معقلا للمجاهدين الجزائريين أمثال جميلة بوحيرد، حسيبة بن بوعلي، وعلي لابوانت، أحمد زبانة، وجميلة بلباشا، فكانت ساحة المجاهدين التي واجهوا فيها فرنسا الاستعمارية.
وكان أغلب الفدائيين يسكنون في القصبة أو يخططون لعملياتهم الفدائية فيها ويتحصنون بها نظرا لصعوبة مداهمة العسكر الفرنسيين لها بسبب طبيعة عمرانها ومنازلها وأزقتها الضيقة ومستوياتها المتدرجة، وهو جعل دخول الآليات العسكرية مستحيلا، ولجأ المستعمر الفرنسي إلى ضربها بالقنابل كرد فعل على هجوم الفدائيين، وهو ما تسبب في تدمير عدد من مبانيها.
ومن ثم ضمت القصبة سجلا تاريخيا مضيئا، وتظل شاهدة على مختلف الثقافات والحضارات التي اكتسبتها، وأيضا رمزا للنضال الجزائري ضد المستعمر الفرنسي.