الخميس 2 مايو 2024

كنوز «دار الهلال»| زبيدة ثروت رفضت البدائل.. وشادية طيبت خاطرها

زبيدة ثروت

فن14-6-2022 | 17:15

منار بسطاوي

تحل علينا اليوم 14-6 الذكرى الـ82 على ميلاد الفنانة زبيدة ثروت، من مواليد محافظة الإسكندرية، وانخرطت بمجال الفن بعد نشر صورة لها على غلاف إحدى المجلات، بسبب فوزها في المسابقة التي نظمتها المجلة، والتحقت بكلية الحقوق تنفيذًا لرغة جدها الذي كان يمتهن المحاماة، ورفض دخولها عالم الفن، ولكنها حاولت العمل بالمجالين.

ونقدم لكم من أرشيف «دار الهلال» مقال كتبته الفنانة زبيدة ثروت بخط يدها، لعام 1960، وإليكم النص:

حين وقفت أمام الكاميرا لأول مرة في فيلم «دليلة» الذي فزت بدور فيه، بعد أن فزت في مسابقة «الكواكب»، ولقنني الأستاذ محمد كريم العبارة التي سألقيها، لقنني إياها بحماسه المعروف، ووقف وكله أعصاب يراقبني وأنا أؤدي المشهد، وحدث أثناء التمثيل أن تحولت عن الكاميرا ونظرت إليه، ولم أكن أدرك أن هذا خطأ، أدركت ذلك عندما صاح في بأعلى صوته.

يا زبيدة يا بنتي أنا قلت لك، ماتبصيش ليه!

كان هذا أمام جمهور كبير تجمع في البلاتوه من فنيين، وعمال، ومتفرجين، جاءوا ليشاهدوا الفتاة التي سبقتها ضجة، وأفردت لها «الكواكب» صفحاتها، ولهـذا أحسست، بالدموع تزحف إلى عيني وتملؤها، ثم تسقط على خدي، ورحت أبكي في نشیج ظاهر، ورأتنى « شـادية » بطلة الفيلم، فصعبت عليهـا، وراحت تطيب خاطري، كلنا في الأول هكذا عندما كنت مثلك شخط في سليمان نجیب، شخطة جففت دمي فی عروقي هكذا نتعلم، يا زبيدة فلا تغضبي، كريم أيضا ، بقلبه الكبير، أفهمني لماذا غضب، وتعلمت من الأستاذ الكبير أول دروس الشاشة بدموعى الغزيرة!.

أنا أحب في التمثيل الطبيعة، والحقيقة مهما كلفتاني من ثمن!، حدث في فيلم «الملاك الصغير» أن كان أحد المشاهد يتطلب أن أدحرج على السلم، وأسقط عند أسفله، وفكر المخرج في إحضار بديلة على أن يعدل المشهد قليلًا فلا يبدو وجهي على الشاشة، وأنا اسقط، ولكني لم أوافقه على تعديل المشهد، فإن إظهار وجهي بانفعالات من تسقط مشهد فيه قوة، ويجب أن أؤديه كما هو، وحاول المخرج أن يثنيني عن عـزمي فأصررت أن أؤديه كما هو وتدحرجت على السلم بمقعدي، وسقطت على الأرض و«تخرشمت» .

وسالت الدماء من فمي وأصبت برضوض لزمت الفراش بسببها أسبوعًا، وفي فيلم «شمس لا تغيب» اقتضت حوادث الفيلم ان أتعثر في جحر على قمة تل في صحراء الفيوم، اذ أنا عائدة من عند صبي بدوي كان صديقًا لي، وكنت قد تغيبت عن أبي، حسين رياض طويلًا، فخرج في قافلة العربان يبحثون عني، وهو ينـادي في يأس ، فاسمع صوته وأجرى إليه لاطمئنه، فتعثر رجلي بحجر، وأتدحرج على التل حتى السفح، وأصاب بالعمى من صدمة رأسي بحجر آخر!

وكان يمكن أن يتم المشهد كما تتم هذه المشاهد على الشاشة، بديلة تقوم عنى بالدحرجة، ولكني رفضت، واستلزم الأمر أن يختاروا لي تلًا شديد الانحدار حتى تكون الدحرجة قوية، وعثرت في الحجر، وتدحرجت بعنف وأحسست بدوار وأنا أفعل ولكني قاومته بإرادة من حديد، وكان المشهد من أروع ماقدمت في «شمس لا تغيب»!

ومن فرط ما أبذل من جهدي وأعيش على أعصابي يلازمني الإحساس بالدوار في كثير من المشاهد التي أمثلها،  أحيانا ينتقل الإحساس بالدوار إلى دوار فعـلًا، وأسقط مغشيًا علي، حدث هذا في فيلم «عاشت للحب»، فإن مجرى القصة انني حين أخرج من عند الفتي الذي أحبه، أواجه أحرج مواقف حياتي، اذ تكتشف شقیقتى أنني انزلقت، والمشهد يتطلب فتاة هذا حالها، تفقد أعز ما تملك، ثم تواجه مخلوقة عزيزة عليها، مصدومة بما ينكشف لها من فرط ما اندمجت في الدور، ومن فرط ما عشت فيه حتى سيطر علي الإحساس بالذنب أحسست أن الدنيا تدور من حولي، وإذا بي أسقط على الأرض مغشيًا علي.

وفي الفيلم ذاته أشرب سمًا کي أتخلص من الحياة بعد العار الكبير، وكان لابد أن اهیئ نفسی لهذا المشهد، مشهد فتاة تنتحر لنقبر عارها معها، وراح الشعور بالموقف يزحف على وجهي، فغاض لوني واربدت سحنتي، وأنذرت بما هو آت، واذا بي قبل أن أبلغ الكاميرا أحس بدوار، ثم إذا بي أسقط على الأرض فاقدة الوعي فيحملونني على الأيدي، ويجيء الطبيب، فيبذل إسعافاته لكي أفيق، ويضحك كل من حولي، لأنني أسبق المشهد، فإن المفروض إننى أسقط مغشيًا علي بعد أن أتناول السم لا قبله!

ومن أطرف المشاهد التي مثلتها على الشاشة ذاك المشهد الذي صادفته في فيلم نصف عذراء، وفي هذا الفيلم يقوم محسن سرحان بدور منوم مغناطیسي یجرى تجاربه على، وقد وقف السيد بدير يعلمه كيف يمارس عملية التنويم المغناطيسي والمفروض أن «محسن» سینومنی أنا، لغرض في نفس يعقوب وقد ظل هو والسيد بدير يرعشان أيديهما أمامي، ويبحلقان في وجهي، كل هـذا والاضواء كلها تتركز على عيني، ولا يكادان يتوقفان ليستريحا حتى يبدآن من جديد، وأنا في مقعدي لا أبرحه، وشعور بخدر لذيذ يزحف إلى من تأثير الأضواء الباهرة، والأيدي المرتعشة، والأعين المحملقة، المتسلطة على عيني.

ونمت على مقعدي!، ونمت تنويمًا مغناطيسيًا!، ويومهـا اقتنع محسن سرحان، والسيد بدير بأنه أجدى لهما وأنفع لو افتتحا عيادة للتنويم المغناطيسي ماداما بهذه « الشطارة »!

ومرة كدت ألقى حتفي من فيلم «احترسی من الحب»، وفي الفيلم  تزل قدمي واخطىء مع من أحب، وأخي محسن سرحان يكتشف الخطأ فيعاقبني الناس عليه عقوبة الناس ذوي الدماء الحارة، ويخنقني،  ويلقي بي في الماء، والمشهد يتطلب قاربًا في النيل! وقد بحث المخرج حسن الصيفى عن فتاة تقبل القيام بدور « بديلة » دار علی السباحات في هليوبوليس، وهليوليدو، والنادي الأهلي، ولكن واحدة منهن لم تقبل، أخيرًا وجد من تقبل، على أن تتقاضی مائة جنيه عن مشهد لا يستغرق على الشاشة أكثر من دقيقتين.

وسمعت بهذا الخبر لأن أؤدى المشهد بلا مقابل، فإنني سباحة قديمة، وعيب أن أترك سباحة أخرى تقوم بدور بديلة لي، ووقع الاختيار على موقع فذهب أبي لمعاينته، وأبي لواء بحرى سلخ على

صفحة الماء ثلاثين عامًا من عمره، ويعرف عن الماء أضعاف ما يعرف عن اليابسة، وقال أبي بعد أن عاين المكان أنه مليء بالتيارات المتضاربة التي قد يصعب علي، إذ أنا في ثیابی کاملة أن أقاومها!

واخترنا موقعًا آخر، وذهبنا إليه، ولم نحس بأن قاربنا، والقارب الذي فيه الكاميرا، وهيئة الفنيين يبتعدان عن الموقع المختار دون أن نحس، دون أن نفطن إلى أننا  أصبحنا فوق دوامات قاسية!

وبدأنا التمثيل خنقنی محسن سرحان وألقى بي إلى اليم وأنا بثيابي وحذائي، وكان المفروض أن أغوص إلى القاع ويمتلىء جوفي بالماء ثم أطفو !

ورغم أننى سباحة ماهرة فإنني ما كدت أسقط في الماء حتى أحسست أننی فقدت السيطرة على الموقف، كانت الدوامات تلعب بي كالكرة ورأيت الموت بعيني، وكنت أعرف إن الكاميرا مسلطة علي فكتمت الصرخات في حلقي، ورحت أقاوم الدوامات بكل قوتي حتى خرجت منها!

وضاع الحـذاء في الماء، وسقطت مغشيا علي عندما صرت فوق القارب ، وعنـدما صارت الحياة مضمونة  والإغماء مأمون العاقبة!

Dr.Randa
Dr.Radwa