السبت 20 ابريل 2024

حديث النفس.. في مدينتي!

مقالات16-6-2022 | 11:22

فى مدينتى المأوى والاحتضان.. نوافذ الأحلام تملؤها.. تطل على ربيع مزهر وشجر ملتف الأفنان.. تآلف مع الريح فعزف أبهى الألحان.. ترقص زهورها حتى وإن سقطت يلتقطها الحب فى امتنان.. فى مدينتى رجال ونساء تجمعهم حكايات الحب والنسيان.. بنيتها من آمال لا أوهام.. مدينتى عذراء لم يلمسها كاذب ولا محتال.. مدينتى تكره الصمت والضجيج مفعمة بالحياة زاهية الألوان.. هى وطنى وعالمى بها كل ما أحبه وغيره طردته.. أسوارها عالية عصية على التسلل.. لا أغادرها لكنى أعشق السفر والترحال.. فى مدينتى خزائن سذاجتى وفضولى وأفراحى وانتصاراتى.. بها جسر ممدود مع أحلامى وتطلعاتى.. لا مكان لغربة أوغريب متطفل.. نرحب بصاحب كل ألم ونربت على كتفه ونمسح دموع كل بيننا.. لمدينتى سماء وأرض وطرق وشوارع.. مدينتى ليست بجزيرة ولا بالمريخ مدينتى بقلبى..أغفو وأستيقظ أجد نفسى مازلت أحلم أن ترى النور.

 

طريق المرور لمدينتى رغم أنه يبدو هادئا يملؤه عبير الورود إلا أنه مغامرة محفوفة بالمخاطر.. تحمل متناقضات.. لكن ما الغريب فى ذلك فنحن عقلاء وحمقى مفعمون بالعاطفة أو حتى قساة تجردنا من إنسانيتنا.. نحمل فى قلوبنا الواقع والغياب.. نصنع حكايات تحتار معها المفاهيم فنعجز حتى عن التواصل مع بعضنا البعض.. فنملأ حياتنا وحياة الآخرين بالمتاعب والمشقات التى تصيبنا بالمعيقات النفسية.. فتلتهمنا سنوات عمرنا فى عمليات التكيف والتعايش أو حتى العزلة لنتقى شر بعضنا البعض فنتخذ طرقًا ننشد فيها العيش بسلام.. وقد نتعاطى مع الأيام بشكل نمطى دون شغف أو حب مجبرين نؤثر السلامة، وقد يكون العكس فنحيا حياة شهية تدفعنا لمكابدة الأيام ناشدين العيش بسعادة.. وفى طريقنا نهرب مما نلاقيه من صعوبات داخل أنفسنا وخارجها باحثين عن المأوى والاحتضان.. فى مدن داخلنا وخارجنا لا تخلو من دفء المشاعر والأحاسيس.. تسكننا ونسكنها.. فى علاقات الحب والهجر والعمل والصداقة وغيرها.. فى رحلات ذهاب وإياب.. وقد يغلبنا التيه كلما مضى بنا العمر فتتغير ملامح البشر وحتى عناوين الأماكن.. لكننا كثيرا ما نرفض قيود الزمان والمكان.. فنهون على أنفسنا بالذهاب أو حتى أمنية الذهاب لمدن صنعناها لأنفسنا داخلنا أو حتى استودعناها داخل نفوس غيرنا فى مغامرة احتمالية فقدانها فنتشرد ونصبح بلا مأوى.

 

وقد تكون مدننا فكرة عالقة بأذهاننا نحيا متعلقين بها.. قد نفشل فى تحقيقها.. وقد نذهب إلى غيرها فى هدنة معها فتتحول لحلقة مفقودة تشقى معها نفوسنا.. ولكننا مجبرون أن نمضى ونمضى ولا يتوقف المسير فى حياتنا حتى وإن استرحنا لبعض الوقت علينا أن نعاود المسير مهما كان الطريق طويلا.. ودائما نردد متى ينتهى هذا المسير لنبلغ مبتغانا؟! والصبر وحده هو الذى يعيننا على مواصلة السير.. ولا نمل البحث عن أرض الفضائل التى من الممكن أن تكون هى نفسها عدم.. أو قد تتحول أنت نفسك من إرهاق البحث إلى عدم غير قادر على تحمل كبد الأيام.

 

فنرسم داخل أنفسنا صورا لمدن بهية لواقع غير موجود، لكن المقارنة تجعلك تتمنى العيش فيها، وعلى الرغم أنها غير ممكنة، لكنها ليست بالمستحيلة.. فتصبح فى عالم لا مرئى ولا واقعى.. أراك تتعجب من حديثى!!.. انتظر!! لا تتعجل بالحكم على وهميتها.. فأنت تعيش فى واقع قد تكون أنت نفسك لا شيء عند البعض، بل قد لا يراك أو يشعر بك أحد.. أو على الأقل كما تحب أن يراك.. فقط فى مدينتى اسمح لك أن تحيا كما تحب وأن تحقق أمانيك قبل أن تموت.. فى مدينتى لا مكان للخوف، ولست مضطرا أن تركب مواكب المنافقين والكاذبين.. لست مجبرا على فعل شيء أنت غير راض عنه.. مدينتى تحمل مشاعر الحب والرومانسية ويعطرها الصدق.. لديها أماكن مجهولة تستطيع أن تحتفظ فيها بكل ما تساقط منك وماتبقى لديك من فتات معارك السنين وأصبح غير صالح للترميم.. لدينا خزائن لحفظ الأسرار.. لدينا أسواق للنغم والألحان تعزف لك ما تريد سماعه لترمم روحك.. تستطيع أن تحتفظ ببعض سذاجتك وأن تسمح لنفسك بالدهشة والانبهار والشغف والدفء.. تستطيع أن تحيا فى فراغ لا نهاية له وتملأ نفسك بالسعادة والنشوة المنشودة.. فى مدينتى إذا أحببت أن تسميها الفاضلة لابد أن تحمل معك أخلاق القديسين، ربما تفشل فى إشاعتها، لكن المؤكد أن الحب يعطرها بعيدا عن صراعات الواقع البائسة.

 

فى مدينتى ستتحرر من الأقنعة وقيود الغدر والندالة وأفخاخ المكر والتآمر.. شرط الدخول أن تكون مصابًا بالزهايمر فلا مكان للماضى وأنينه أو حتى قلق المستقبل.. فقط عليك أن تعيش الحاضر وتتمتع بلحظيته.. عليك أن تحتفظ بفطرتك السليمة لتمنحك طاقة إيجابية للاستمرار وتشعر بجمالية الحياة.. لا قيود فى ابتسامات زائفة ولا عبارات التملق.. تضحك وتبكى متى شعرت بالحاجة إليها.

 

فى مدينتى أجتهد ويجتهد الكل للعيش فى وفاق مع ذواتهم.. نزف العرائس ونتبع الجنائز.. كل الدروب ممهدة تستهوى الحياة وترحب بها.. ليس عندى منازل مهجورة فمدينتى حديثة وأصحاب المنازل مازلوا على قيد الحياة حتى لحظة كتابة هذه السطور، لكن قد يداهمنا الموت فى أى وقت فنحتفظ بها فنحن نحترم الذكرى.

 

مدينتى مدينة سلام حدودها الجغرافية تدفع لواقع أرحب يحتوى كل البشر.. لا لأحد هوية فهويته إنسان يحيا بالإنسانية.. ولا ملكية أبدية لأحد.. فقط مسموح لك بالتعايش.. مكفولة لك حقوق الاستغلال.. فالكل راحل تارك المكان لغيره.. لا جمود ولا ثبات.. نحترم القدر رغم اختيارنا للطريق مهما كان طوله أو ما ينتظرنا فى نهايته.. لأن حدود معرفتنا تنحصر فى لحظة دخول المدينة.

 

فى مدينتى تمشى وحدك لأن المسافات تقاس داخلك.. على استعداد دائم للمغامرة التى تتطلب درجة عالية من الوعى.. فى مدينتى تصنع قصتك بنفسك وأنت بطلها.. لكننا لا نحيا فيها دون آخرين.. فلابد من التشابك مع قصص أخرى فى حوارات مختلفة لكنك علمت قانون المكان وقبلت شروطه فمن السهل أن تنجح فى مواجهة هزائمك.. حتى ولو تسللت إلى مدينتى بأمور قديمة معلقة فى نفسك كبيرة أو صغيرة.. ظننت أن بامكانك الهروب منها لكنها كانت من القوة ماجعلتها تؤثر عليك وأصبحت غصة العمر.. فأتيت إلى مدينتى باحثا عن حل بفرضيات جديدة.. وربما تصورت أن إمكانية النسيان واردة.. قانون مدينتى لا يرتبط بفرضيات عقيمة.. الكل حر فى وضع فرضياته ويتحمل نتيجة اختياره.

 

أتصور أنه لن يجذب أصحاب المشاعر البريئة والقصص التى لم تفقد بعد طموحها وسعادتها لمدينتى، وهم بالطبع حديثى العهد بهذه الدنيا، وأن يكون المتهافتون على دخول مدينتى ليسوا بكرا.. بل أصحاب مشاعر تائهة.. هاربين من أزمات منتصف الطريق.. من لحظات صعبة تحتم عليهم اتخاذ قرارات مصيرية.. فيأتوا إليها الحيارى ومن أصابهم قسوة وحزن باحثين عن الراحة.. من عانوا من السلام المزيف والنقصان الداخلى العميق وأحرقتهم نيران القلب المغدور، وأصبحوا فى احتياج لأن يلملموا شتات أنفسهم.. وربما فى حاجة أن يقسوا على أنفسهم بتوديع عوالم التيه الزائفة لكنهم سيخرجون منها متجاوزين هزائم المواجهة.

 

فى مدينتى محاكم وسجون فلا تخلو النفس الشرية من الاعوجاج تتطلب معه الإصلاح والتهذيب.. محاكماتنا علنية تنشد عدالة السماء لمدينة فطرية تقترب من البدائية فى بساطتها.. نضع قوانينا بأنفسنا ونحترم العقد الاجتماعى وغير مسموح أن تكون غابة.. فلا أحد يغلب مصلحته على حساب الآخرين.. قانوننا التعايش السلمى والدفع بالعزلة والخلوة مع الذات ليبحث كل منا عن حل يناسبه ويهزم عنفوان المواجهة التى غابت لسنوات.. لن أطرد أحدا والحرية مكفولة فى الدخول والخروج.. وستكون عقوبة المخطئ من جنس العمل وهى أقسى مرارة على نفس المخطئ.

 

لك الحرية أن تكمل حياتك وسطنا أو أن تغادر وقت أن تشعر بأنك قادر على مواجهة الحياة بشكل أفضل.. فقد يكون المكوث فى المدينة هدنة.. أو أن تستخلص أن الحياة نفسها هدنة عليك استكمالها فى شكل أفضل.

فى مدينتى أحلم أن نرتدى ملابس بيضاء.. نلتمس نقاءها فى نفوسنا.. فنطير ونحلق فرحين.. نقر الحقائق وننتزع الأكاذيب..

 

مدينتى لا تعرف الحد الفاصل بين حياة افتراضية وواقع معاش.. هى فكرة لواقع غير معاش.. يتمناها السواد الاعظم.. حصن ساكن فى سلام.. لا تعرف دروبها الانتظار ولا زحمة الشوق.. همساتنا فيها لحنا شجيا نرقبه فى شغف واحتراق.. فى ذهاب وإياب.. مدينتى تستنكر القسوة وقلوب أهلها طفولية.. نقطع إليها حدود الزمن.. أحلامنا فيها رؤى محققة ترمم كل انكسار.. ودعنا على أعتابها كل حنين لحياة مدنكم.. شوارعها معنونة تخشى على ساكنيها التيه.. مدينتى تسكن قلبى وعينى وروحى.. حطمت فيها أوهامى.. بنيت لها أسوارًا فعزت على رمال السراب.. مدينتى هل أنت عدم؟! أم كل ما فيك منتاه لعدم؟!.. كم أخشى أن تكونى كذبة عشقتها فى غفوة فاستيقظت على عدم!!.