الأمن والاستقرار أساس البناء والتقدم، ولا تنمية بدون بنية أساسية، ولن يتحقق شىء بدون وعى حقيقى وفهم صحيح، إنها خارطة طريق للوصول إلى النجاح وتحقيق الأهداف، لم تأت صدفة.. لكنها نتاج ومحصلة تجربة ملهمة أبهرت العالم وحققت كثيراً من أهدافها لكن أهم نتائجها أننا عرفنا سر وطريق النجاح.
قلت من قبل إن الرئيس عبدالفتاح السيسى لديه الحلول والرؤية والإرادة لكيفية بناء الأوطان .. يملك مفاتيح وأسرار ومعايير التقدم وأسس النجاح فى الوصول إلى هذا الهدف وهو مشغول بهذا الأمر قولاً وفعلاً.. فما تحقق خلال 7 سنوات يكشف بوضوح هذه القدرة العظيمة .. ولديه تصور للأسس التى يقوم عليها بناء وتقدم الأوطان تستطيع أن تراها جيداً بقراءة دفتر أحوال وتفاصيل وجهود ومشروعات وإنجازات تجربة مصر الملهمة فى البناء والتنمية والتقدم، وكيف حول دولة عانت من الإهمال والنسيان وغياب الرؤية وانعدام الإرادة إلى دولة تمتلك مقومات التقدم والتى تتلخص فى أمرين مهمين للغاية تناولهما الرئيس السيسى فى مداخلته خلال الجلسة الحوارية : أفريقيا فى مواجهة الصدمات الخارجية والتحديات الداخلية ضمن الاجتماعات السنوية للبنك الأفريقى للتصدير والاستيراد «أفركسيم»، وقبل الخوض فى التفاصيل فإن الرئيس السيسى يولى أفريقيا اهتماماً كبيراً، ومنذ توليه أمانة المسئولية الوطنية فى قيادة مصر شهدت العلاقات المصرية- الأفريقية زخماً كبيراً وعادت القاهرة من جديد تؤدى دورها فى قيادة القارة السمراء ووضعت العديد من الرؤى مع الأشقاء الأفارقة من أجل التنمية المستدامة فيها، وحققت مصر إنجازات كبيرة على صعيد القارة الأفريقية خلال فترة رئاستها للاتحاد الأفريقي، ولم تغب القارة السمراء عن اهتمام وأحاديث الرئيس السيسى فى جميع المحافل الدولية مطالباً بحقها فى التنمية وتوفير التمويل العادل، والشراكات المتكافئة لاستغلال مواردها وثرواتها مع الحفاظ على الملكية الفكرية الوطنية، بالاضافة إلى دعم الأشقاء الأفارقة فى كل المجالات، كما ان منطقة التجارة الحرة الأفريقية نتاج جهود مصرية من أجل إحداث الشراكة والتكامل الأفريقي، هذه حقيقة واضحة، ولم تكن اجتماعات البنك الأفريقى للتصدير والاستيراد إلا تجسيداً لهذه العلاقات والتقارب بين مصر وشقيقاتها فى أفريقيا.
تحدث الرئيس السيسى بالأمس، وشخص احتياجات القارة الأفريقية، وحدد شروط ومعايير التنمية، ووضع الأسس التى تقوم عليها فى الآتي:
أولاً : أنه لا تنمية أو تقدم بدون توفير بنية أساسية متطورة من طرق وكبارى وكهرباء وموانئ وسكة حديد وغيرها من المشروعات المختلفة.. وان الدولة المتقدمة هى من تملك بنية أساسية سليمة وعصرية فى كافة المجالات والقطاعات.
الرئيس شرح واستفاض فى طرح الأمثلة والنماذج وبدأها بالتجربة المصرية مشيراً إلى أنه تم انفاق من 400 مليار دولار إلى 500 مليار دولار من أجل تطوير البنية الأساسية والتحتية خلال السبع سنوات الماضية وان مشروعات التطوير كانت على نسبة من 10٪ إلى 12٪ من مساحة مصر فقط فالبنية الأساسية مهمة لأى دولة لتقدمها واقتصادها وجذب الاستثمارات لها.
الرئيس السيسى قال إن هناك دولاً تمتلك مساحة شاسعة من الأراضى التى تصلح للزراعة وفى نفس الوقت لم تستطع زراعتها لعدم توافر البنية التحتية فاستصلاح وزراعة مليون فدان يحتاج إلى ميزانيات ضخمة لأنها تحتاج شبكات كهرباء وطرقاً ونقلاً .. فى نفس الوقت فإن دولة مثل أوكرانيا مساحتها 600 ألف كيلو متر مربع تنتج 60 مليون طن من القمح.. وهى بذلك مزرعة كبرى لوجود الموارد والقدرات وأن أوكرانيا تمتلك البنية الأساسية المطلوبة للزراعة مثل الكهرباء والطرق والمصارف والزراعة بأحدث تكنولوجيا والرى الحديث حتى قدراتها من الصوامع متواجدة وتخزن 5 ملايين طن وهو حجم التصريف الشهرى لهم أمام طلب العالم وهو الأمر الذى يعنى أنها تمتلك بنية أساسية هائلة قامت عليها الزراعة وتحقيق هذه النتائج وهو ما يؤكد ان التقدم والتنمية بدون بنية أساسية هو نوع من ضياع وإهدار الوقت.
فى اعتقادى أن هذا الحديث رسالة غير مباشرة مدعومة بالأمثلة والنماذج لتجارب الدول المتقدمة والدول التى لم تستطع ان تحقق التقدم تكشف هذه المقارنة عن أهمية وتنمية وجود بنية أساسية فى أى مشروع يهدف إلى التنمية والتقدم، وهذا اتفاق أجمع عليه كل الخبراء وأهل العلم والاقتصاد بعيداً عن كلام المنظرين والجهلاء.
الرئيس السيسى تحدث أيضاً عن أهمية وجود بنية أساسية بينية تربط بين الدول الأفريقية، فرغم مضى عقود وسنوات على الحديث عن أهمية التعاون والشراكة والتكامل (الأفريقي- الأفريقي) لم يتحقق هذا الحلم بسبب غياب البنية الأساسية من طرق وسكة حديد وطيران وموانئ للربط بين دول القارة، وأيضاً بسبب الخلافات والنزاعات التى استنزفت الثروات والموارد وأهدرت الوقت.
ما أريد أن أتحدث عنه هو أهمية وجود وتوافر البنية الأساسية كشرط لبلوغ التقدم وهذا ما أكده الرئيس السيسى فهناك دول أفريقية لديها إمكانيات وأراض زراعية صالحة تفوق أوكرانيا بمراحل، لكن انظر إلى أوكرانيا، وانظر إلى حال دول أفريقية لديها إمكانيات هائلة فى الأراضى الصالحة للزراعة لكنها لا تملك المال أو البنية الأساسية.
تحضرنى مقولة الدكتور طلال أبوغزالة المفكر العربي، فى صالون «الجمهورية» إن مصر مؤهلة أكثر من دول المنطقة لتكون فى صدارة الاقتصادات العالمية بسبب امتلاكها بنية أساسية عصرية أقامها الرئيس السيسي .. فى نفس الوقت تجد ان الكارهين والحاقدين والمتآمرين يتحدثون بجهل.
وبالأمس جاءت مقولة رئيس البنك الأفريقى للتصدير والاستيراد صاعقة بالنسبة للحاقدين والجهلاء، عندما قال إن العاصمة الإدارية الجديدة معجزة جديدة فى الصحراء، والحقيقة عندما تدخل العاصمة الإدارية الجديدة من آن لآخر تجد أن هناك تغييراً وجمالاً وإبداعاً، وأقول لنفسي، كيف كان حال هذه المنطقة الصحراوية قبل الرئيس السيسي، أقول لم نكن نسمع فيها عن (صريخا بن يومين) بالتواجد فيها.. انظر إليها الآن (جنة الله فى الأرض) حلم تحقق أمام أعيننا، معجزة بكل المقاييس.. مصر بأعلى المعايير والمواصفات كلما تأملت فيها قلت سبحان الله.. هذا هو الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى صنع مع شعبه المعجزات، هو صانع الأمل، ومن مكننا من القدرة على تحدى التحدى مع فرط أهمية وجود البنية الأساسية لإحداث التنمية والتقدم.. من المهم أيضاً ايجاد التمويل وهو تحد كبير، ونجحت مصر فى تجربتها الملهمة على مدار 7 سنوات فى إيجاد الحلول والبدائل ومازالت تسابق الزمن لاستمرار مسيرتها لكن من المهم فى قضية التمويل ان تنظر جهات التمويل الدولية، والدول الكبرى بعين الشراكة والتعاون والدعم بتقديم تيسيرات وتسهيلات للدول الأفريقية وبشروط فى متناولهم أو من خلال شراكات عادلة تحقق النتائج والعوائد لكل الأطراف لاستغلال ثروات وموارد أفريقيا وتحقيق تطلعات شعوبها وأيضاً استفادة جهات التمويل أو الدول الكبرى.
ثانياً :الرئيس السيسى تناول فى مداخلته قضية مهمة هى الأساس والقاعدة التى تنطلق منها قواعد التقدم والتنمية والاقتصاد والاستثمار والإنجازات والتطوير والتحديث، وهو الأمن والاستقرار، فلا مجال أو حديث عن بناء أو تقدم بدون أمن واستقرار فكما يقولون رأس المال جبان، فمن ذا الذى يضع أمواله واستثماراته فى بلد لا يعرف مصيره أو إلى أين يذهب أو قابل للفوضى أو مهدد وضعيف، فإذا غاب الأمن والأمان والاستقرار، خاصمك الاستثمار والبناء والتنمية والتقدم، لذلك فإن روعة التجربة المصرية فى قدرتها على العمل على مسارين.
الأول: هو حسم معركة البناء لمصلحة الدولة المصرية ودحر الإرهاب، والقضاء على الفوضى والانفلات واستعادة هيبة الدولة وتفعيل سلطة القانون، ووجود الضمانات الكافية من قبل الدولة للاستثمارات الأجنبية وبالتزام دقيق ومنضبط فالقطاع الخاص والأجنبى يرفض الاستثمار فى أى دولة لا تنعم بالأمن والاستقرار فهما ركائز مهمة لأى عملية بناء وتنمية وتقدم.
الرئيس أراد أن يقول إذا أرادت أفريقيا التنمية والتقدم والتعاون والشراكة الأفريقية- الأفريقية فلا مجال إلا للأمن والاستقرار والابتعاد عن الخلافات والصراعات، والتقارب بين دول القارة وتبادل المنافع والموارد والمصالح المشتركة وفهم القدرات المشتركة التى ستعود على الجميع بالنفع، وان الحياة فى أفريقيا لن تتغير ولن تتحقق آمال وتطلعات شعوبها إلا بالتكامل والتكاتف وتجاوز الخلافات.
الأمن والاستقرار لا يأتيان صدفة أو من فراغ ولكن نتاج وعى حقيقى وفهم صحيح لدى الناس أو الشعوب حتى لا تقع أو تتورط فى مستنقعات الهدم والتدمير والصراعات المجتمعية التى تهدر الموارد والثروات والجهود والوقت.
ما تحدث عنه الرئيس السيسى بالأمس يجسد الحالة المصرية بكل تفاصيلها وما واجه مسيرتها نحو البناء والتنمية من تحديات.. لكنها بالرؤية والإرادة والاستغلال الأمثل للموارد وايجاد الحلول البديلة الخلاقة والقدرة على التحدى والاصطفاف والوعى تحقق لمصر إنجازات ونجاحات كبيرة على طريق التنمية والتقدم وباتت نموذجاً ملهماً، ونموذجاً للقدرة والثقة فى النفس والإيمان بأنه لا مستحيل طالما ان هناك رؤية وإرادة على بلوغ الأهداف.
ما تحدث عنه الرئيس السيسى أيضاً هو هدف كل الأوطان، لكن يبقى أمر مهم للغاية هو كيف نصل إلى بناء الوعى الحقيقى لدى الناس خاصة ان الوعى فى هذا العصر هو صمام الأمان للدول والشعوب.. وركيزة الأمن والاستقرار وبالتالى البناء والتنمية والتقدم .. فى اعتقادى أن أحاديث الرئيس السيسى ليست مجرد مفاتيح عامة ولكنها وصايا جاءت من قلب وعقل وتجربة ملهمة على مدار 7 سنوات، خرجنا منها بدروس وعبر، وعرفنا منها طريق النجاح وسبل الوصول إلى الأهداف.. فملامح الطريق إلى المستقبل باتت أكثر وضوحاً.. لذلك هناك اهتمام من الباحثين عن التنمية والتقدم بالاستماع إلى أحاديث الرئيس السيسى عن كيفية وشروط ورؤى بناء الأوطان.. فالتجربة المصرية أصبحت واحدة من أهم التجارب الملهمة فى هذا العصر، ولولا توالى الأزمات الدولية والعالمية العنيفة والقاسية لحلقت مصر بشكل أرحب وأوسع.. لكنها عرفت وأدركت الطريق إلى النجاح، من واقع ونتائج تجربتها.
الأمن والاستقرار، وقبلهما الوعى هى أهم أسلحة البناء والتنمية والتقدم وبدونها لا يمكن تحقيق هذه الأهداف ويستحيل أن تبلغ الدول تطلعاتها وآمالها.. لذلك من المهم للغاية أن نجتهد لتأمين وتحصين ما حبانا به المولي- عز وجل- من أمن وأمان واستقرار.. ويكون جل تركيزنا على بناء «الوعى والفهم».
«حكاية 10 سنين»
عملية بناء الوعى الحقيقي، والفهم الصحيح لابد ان تتناول بالبحث ماذا جرى للشخصية المصرية وتغير فيها حتى تصل إلى ما حدث فى يناير 2011.. خاصة أن الإنسان المصرى عرف عنه على مدار التاريخ بتسامحه وهدوئه وصبره الشديد واحتضانه لوطنه وتحويطه عليه وكان يخشى عليه من الريح، فلم يعرف «الفوران» إلا فى مواجهة المستعمر والمحتل.. ولم يمل إلى الهدم والتدمير.. وتحمل على مدار تاريخه أصعب وأقسى الظروف.. وكان راضياً بحياته رغم الصعوبات والمعاناة.
ليس هدفى الدفاع عن نظام ما قبل 2011 على الإطلاق.. بل أحمله كافة الكوارث والأخطاء وتعريض البلاد لهذا الخطر الداهم، ولكننى أريد البحث فى أسباب ما حدث للشخصية المصرية من فقدان أهم صفاتها فى 2011 فى الخوف على الوطن من الضياع، وإعلاء مصلحته وسلامته وأمنه فوق احتياجاته وأزماته ومعاناته، فهل تعرضت الشخصية المصرية لسطو خارجي، وغزو لأفكار وثقافات مستوردة وهل نال منه الوعى المزيف.. وخطة الخداع المحكمة على يد مجموعات من الخونة والمرتزقة والعملاء المرتبطين بالخارج من قوى الشر ودول وأجهزة مخابرات معادية، وما هى (الأوتار الفكرية) التى لعب عليها هؤلاء للنيل من الشخصية المصرية، أم هناك حلقات تراكمية من الشحن والتمهيد الإعلامى والدرامى وإبراز والتركيز على سوءات وسلبيات المجتمع أو غياب الوجه الآخر للحقيقة وإفساح المجال للتضخيم والمبالغة وخطابات معدة ومجهزة لإسقاط وتدمير البلاد بأيادى أهلها.
السؤال المهم، ماذا جري، وماذا حدث وما هى أبعاد وتفاصيل ومضمون الخطة التى نالت من عقول المصريين، وما هى طبيعة الشحن والحقن الفكرى المخالف لطبيعة المصريين والتى تمكنت منهم.
لذلك فإن أعظم ما فى ثورة 30 يونيو 2013 أنها عبرت عن هوية وطبيعة المصريين .. وجاءت فى السياق التاريخى لحركاتهم ضد المحتل والمستعمر وفى 30 يونيو كانت ضد الخونة والمرتزقة والمتآمرين على البلاد، ومن أرادوا تسليمها لأعدائها، وتنفيذ مخططات خارجية تفضى إلى إضعاف وتقسيم مصر وتعريض أمنها القومى للخطر وإحداث الفتنة بين أهلها.. لذلك فمن الطبيعى أن يثور المصريون فى وجه نظام إخوانى عميل، دون لجوء إلى هدم أو تخريب أو تدمير أو حرق منهم ولكنها ثورة عظيمة بيضاء نقية بكل المقاييس هدفها إسقاط نظام فاشى عميل وخائن ومرتبط بالخارج وفى نفس الوقت الحفاظ على سلامة وأمن البلاد واستعادتها إلى كل المصريين.
لا يجب أن نتوقف عند ما جرى فى 2011 من منظور سياسى وأوضاع اقتصادية وأسباب، لكن من منظور ثقافى وفكرى وتحليل للشخصية المصرية فى هذا التوقيت ودراسة متأنية لتفاصيل وأبعاد ومفردات ما تعرضت له قبل يناير 2011 التى كانت خروجاً على طبيعة الشخصية المصرية.
نحتاج إلى دراسة ما تعرضت له الشخصية المصرية خلال العشر سنوات التى سبقت يناير 2011 والتعرف على تفاصيل الضخ الإعلامى والدرامى والثقافى والدينى حتى نستطيع أن نكشف أسباب ما جرى وما حدث من منظور الميل إلى العنف والهدم.. هذا يحتاج لدراسات مستفيضة بالتحليل والدراسة والتمحيص لأنه أمر مهم للغاية.. فالمواطن المصرى طوال تاريخه راض بحاله صابر.. لا تهزه الحاجة أو النقص قنوع بما يحصل عليه.
تحيا مصر