السبت 18 مايو 2024

بالصور: حجر رشيد في لندن.. و«قلعته» تغرق في المياه الجوفية

19-7-2017 | 17:49

خبير أثري: "الحال لا يسر عدو ولا حبيب"

"حمزة": نطالب صندوق تحيا مصر بإنقاذ الآثار

 

بدلًا من أن تحتفل قلعة قايتباي في هذا اليوم بمرور 218 عامًا على اكتشاف حجر رشيد، تجدها خاوية على عروشها، غارقة في المياه الجوفية، متآكلة الجدران تنظر مصيرها المحتوم من السقوط في المياه الجوفية؛ ليسقط معها جزء ليس باليسير من ذاكرة وتاريخ هذه الأمة. 

 

أصل الحكاية

في مثل هذا اليوم 19 يوليو 1977، أثناء قيام الضابط الفرنسي "فرانسوا بوشار" بعمليات ترميم وإصلاح قلعة قايتباي التي أنشأها السلطان الأشرف قايتباي، اكتشف حجر رشيد، تحت أنقاض القلعة؛ وسمي بهذا الاسم "رشيد" نسبة لمدينة رشيد بالبحيرة التي اكتشف فيها، الواقعة على مصب نهر النيل في البحر المتوسط، ولولا إدراك هذا الضابط الفرنسي لأهمية حجر رشيد لكان قد وضع في أعمال ترميمات القلعة وضاع ما ترتب عليه من اكتشافات إلى الأبد.

ويعود تاريخ هذا الحجر البازلتي الأسود الذي يبلغ ارتفاعه مترًا، وعرضه 73 سنتيمترًا، وسمكه 27 سنتيمترًا، إلى 196 قبل الميلاد في منف، ومسجل عليه محضر تنصيب الكهنة للملك بطليموس الخامس، بثلاثة لغات؛ الهيروغيلفية " والديموطيقية "القبطية"، والإغريقية؛ تخليدًا لذكرى تنصيب الملك.

واستطاع الفرنسي شامبليون فك رموزه في عام 1822، بمضاهاة حروف اللغة المصرية القديمة بعضها ببعض، ونقل الحجر إلى لندن، بموجب معاهدة 1801 بين الإنجليز والفرنسيين، وهو الآن موجود في المتحف البريطاني.

وترجع أهمية هذا الحجر إلى أنه كان مفتاح حل لغز الكتابة الهيروغيلفية، بعد أن كان لغزًا استعصى على الحل لمئات السنين؛ حيث كانت اللغات الثلاث المكتوبة بها النصوص على الحجر من اللغات الميتة في هذه الفترة؛ حيث كانت اللغة الهيروغليفية هي "اللغة المقدسة لكهنة المعابد"، واليموطيقية "اللغة الشعبية التي يتحدث بها عامة المصريون"، والإغر يقية "لغة الحكام الإغريق"، وكان محتوى النصوص المكتوبة على الحجر باللغات الثلاث؛ تمجيدًا لفرعون مصر، وإنجازاته الطيبة لشعب مصر والكهنة؛ ليتمكن من قراءته العامة والخاصة والحكام من المصريين؛ حيث كانت هذه اللغات هي السائدة في فترة حكم البطالمة الإغريق لأكثر من 150 عامًا.   

 

ومثّل هذا الاكتشاف فتحًا عظيمًا للتعرف على حضارة قدماء المصريين، وفك ألغازها، وترجمة علومها بعد إحياء لغتهم من مواتها بعد قرون طوال؛ حيث أصبحت اللغة الهيروغليفية، وأبجديتها تدرس لكل من يريد دراسة علوم المصريات.

 

سقوط القلعة

القلعة على ما تمثل من أهمية تاريخية وثقافية طالتها يد الإهمال، فحاصرتها القمامة، وضربتها المياه الجوفية، ونخرت جدرانها ملوحة البحر، وتوالت نداءات الخبراء والمهتمين محاولة إنقاذ ما تبقى من حضارة السبعة آلاف عامًا، والمسئولون في عالم آخر..

قال الباحث الأثري تامر المنشاوي، إن مدينة رشيد أخذت اسمها من الاسم الفرعوني "رخيت" الذي أصبح في العصر القبطي "رشيت"، وحجر رشيد أخذ اسمه من مكان اكتشافه، قرب فرع النيل المسمى بـ"رشيد"، موضحًا أن أهميته تعود إلى أنه مكن العالم بأسره من معرفة تاريخ فراعنة مصر.

وأضاف أن قلعة قايتباي أنشأها السلطان الأشرف قايتباي عام 1947، للدفاع عن هذا الثغر ضد الغزاة الين كانوا يهاجمون مصر من جهة البحر، وخاصة العثمانيين.

وأعرب المنشاوي عن استيائه الشديد من الإهمال الذي يحاصر قلعة قايتباي، التي هم جزء هام من ذاكرة وتاريخ مصر؛ فبالرغم من إنشائها في العصر الإسلامي، إلا أنها تمثل التقاء للحضارات المصرية القديمة، والإسلامية، والرومانية.

وطالب بالتدخل الفوري لإنقاذها من السقوط بسبب المياه الجوفية، التي أدت إلى تآكل أسوارها وجدرانها؛ حتى باتت مهددة بالسقوط.

 

تفعيل قطاع المشروعات 

واعتبر محمود إبراهيم، أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة، قلعة قايتباي إحدى القلاع الهامة جدًا ونموذجًا فريدًا للعمارة الإسلامية الحربية في مصر، التي لا تقل أهمية عن قلعة قايتباي في الإسكندرية بل إنها كانت تتكامل معها في حماية حدود مصر الشمالية.

وأوضح إبراهيم، أن هناك نقص شديد في الصيانة والترميم،  بسبب ضعف الإمكانات، مطالبًا بتفعيل قطاع المشروعات الذي يضم جيشًا جرارًا من المهندسين والمرممين، يتقاضون رواتب من الدولة، يقيمون بعمل الإسعافات، وحماية القلعة من الانهيار، بدلًا من طرح مناقصات الترميم والصيانة لشركات خارجية تكبد الوزارة ملايين الجنيهات.

وأضاف إبراهيم، أن حال الآثار الإسلامية عمومًا "لا يسر عدو ولا حبيب" بسبب وقوعها داخل الكثافة السكنية، ما جعلها تستغل يوميًا للنشاط الديني، أو الاجتماعي، أو السكني، لافتًا إلى أن قلعة رشيد استخدمت في السكن في فترة سابقة.

 

فيما حمّل الدكتور رأفت النبراوي أستاذ الآثار الإسلامية، وزارة الآثار مسئولية التقصير في إنقاذ قلعة رشيد حتى باتت مهددة بالسقوط في مياه البحر، حيث إنها تحتاج إلى حل هندسي، وتحتاج إلى ترميم مستمر تحت إشراف قسم الترميم بوزارة الآثار، ما أدى إلى تآكل جدرانها وأسوارها، وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من الانهيار.

 

فقدان الرؤية

من جانبه قال الدكتور محمد حمزة عميد كلية الآثار جامعة القاهرة، إننا نعيش في غفلة من الزمن، ونفتقد للرؤية الشاملة في التعامل مع ذاكرة الأمة، موضحًا أن كل الآثار الإسلامية في القاهرة والمحافظات تعاني الإهمال والتعديات، موضحًا أن مشكلة المياه الجوفية مشكلة عويصة، رافضًا أن تتزرع وزارة الآثار بنقص الإمكانات، منبهًا إلى أنه لا توجد رؤية واضحة في هذه المسألة تترجم لاستراتيجية وفق خطة تتعامل مع هذه المسائل وفق برامج محددة من الإسعافات الأولية ودرء الخطورة؛ خاصة أن القلاع الآثرية نادرة.

وأضاف حمزة أن نماذج العمارة الحربية، التي تدل على قوة مصر وتحصينها، في العصور الوسطى، ومطلع العصور الحديثة قبل معرفة الجيوش والأسلحة الحديثة، مثل قلعة رشيد نادرة. 

وطالب حمزة بتخصيص جزء من صندوق تحيا مصر، وتبرعات رجال الأعمال لترميم وصيانة الآثار، وعمل خطة مدروسة لترميم الآثار وحماية ذاكرة الأمة.

وأعرب حمزة عن استيائه الشديد جرّاء نظرة الدولة القاصرة لوزارة الآثار على أنها وزارة خدمات، مشددًا على أن الآثار صناعة واستثمار واقتصاد، مشددًا على أن يكون وزير الآثار ضمن المجموعة الاقتصادية للحكومة، وكذلك تكون الآثار جزء أصيل من الخطة الاستثمارية للدولة، وأيضًا جزء لا يتجزأ من رؤية الدولة 20/30.

وتوقع حمزة أن ترتفع موارد وزارة الآثار لأكثر من 150 مليار جنيه في السنة، إذا تعاملت الحكومة مع الآثار برؤية محددة وواضحة، واقترح تشكيل لجنة عليا برئاسة رئيس الجمهورية لوضع استراتيجية واضحة للخطط والتسويق واستثمار الصناعة الموروثة عن الأجداد ليس للجيل الحالي فضل فيها، والاستفادة منها الاستفادة الأمثل.

ودعا حمزة إلى ضرورة فض المنازعات بين الآثار وغيرها من مؤسسات الدولة؛ حتى تنحصر المسئولية في وزارة الآثار فقط، اتقاء لتفرق المسئولية بين أكثر من جهة.