الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

مقالات

سلامتك يا «حلو» الصوت والقلب والإحساس

  • 20-6-2022 | 12:57
طباعة

فاضت شلالات الحب الجارف على كل صفحات وأدوات السوشيال ميديا حبا وقلقا على المطرب الكبير محمد الحلو.

منذ أعلن عن مرضه وعن تلك العلة التي ألمت بشرايين قدميه وحتى الدقائق الأخيرة لانتهاء العملية الجراحية بنجاح، وطوال الأيام التي سبقت العملية الجراحية لم يتوقف الملايين عن السؤال ولم تسكت وسائل الإعلام عن متابعة حالته لحظة بلحظة رغم حرص كل المقربين منه على طمأنة الجميع دوما، فكان لهذا الحب دوره الكبير في تحسن حالته ودوره الأكبر في الكشف عن الحقيقة الباقية، وهي أن كل من زرع فنا يسكن في الوجدان زرع حبا لا يغيب ولا تنضب ثماره.

وعن نفسي لم أستغرب هذا الحب تجاه صوت لا تجود الأيام بمثله كثيرا من حيث مساحاته وقدراته وإحساسه الصادق الذي لا يخطئ في إدارة هذه القدرات وتلك المساحات بميزان حساس وبعذوبة تتعطش لها القلوب منذ زمن العمالقة عبد الوهاب وفوزي وفريد وعبد الحليم وقنديل وغيرهم، ويكفي أنه المطرب الوحيد من أبناء جيله الذي أحب الموسيقار عبد الوهاب أدائه لأغانيه ببعض من التجويد لأنه يطبع إحساسه دون أن يخل بروح اللحن وبنائه بوعي نادر، وهو أيضا ما شهد به كل المتخصصين في كل الحالات التي تغني فيها بأعمال كل الكبار مثل عبد الوهاب أو فوزي أو حتي عبد الحليم حافظ فهو يضيف بإحساسه وشخصيته دون أن يخل بشخصية العمل أو شخصية المطرب، بل أن له روح متحركة تنسجم مع روح العمل وروح المطرب، فالحالة حين يغني لعبد الوهاب غير الحالة حين يغني لفوزي أو حين يغني لعبد الحليم ودائما روح المطرب الأصلي حاضرة في وعي محمد الحلو مهما أضاف.

وبنفس الوعي جاءت قدرة محمد الحلو على اختيار أغنياته الخاصة التي يتلامس بها مع جيل الحاضر بتلك الروح المتحركة التي لا تعرف الجمود، دون أن يفقد بوصلة هويته الغنائية التي ورثها عن الكبار والتي ائتمنوه عليها، فحين غني "عراف" أو "رحال" أو "تتساوى" هو محمد الحلو، وحين غني "القلب حب وتاه" و"حنيت" و"فداكي الروح" بإيقاعاتها السريعة هو محمد الحلو، وحين غني "يا حبيبي " و "أهيم شوقا" و "قلبي على طيري" و "زمن الطيبين" هو محمد الحلو، ومهما صال وجال في أغنيات مثل "الأولة" أو "ما اسمهاش ليلى" أو "من حيث لا أدري" وغيرها، ومهما تنقل بين إيقاع وإيقاع وبين مدرسة ومدرسة وبين جيل وجيل هو محمد الحلو الذي لا يفقد بوصلته ولا شخصيته، ولا يتخلى عن رسالته في ترسيخ هويته المصرية التي يعشقها حتى النخاع، فمصريته هي عنوانه التي لم تنطبع على صوته فقط وإنما انطبعت على كل مواقفه وعلى ملامح شخصيته ونبل أخلاقه وطيبة قلبه المفرطة التي فاضت على كل من عرفه وكل من اقترب منه بل بانت حنيته الطاغية لكل الوسط الغنائي حتي أصبح الكل صغيرا وكبيرا يلقبه "بابا".

وعن عشقه لمصر كان لي معه قصة في تعاوني الثاني معه كشاعر، وكانت أغنية "قالوا الأيام بتنسى" لحن فاروق الشرنوبي وكنت قد كتبتها كأغنية عاطفية ضمن ألبوم "فداكي الروح" يقول مطلعها:

قالوا الأيام بتنسي.. قولت يا أيام نسيني

نسيتني الأيام نفسي.. لكن مانسيتش حنيني

وحفظ هو اللحن من فاروق الشرنوبي على هذا الإحساس وتم توزيعها ثم ذهبنا لتسجيلها في أحد إستديوهات الصوت، وبعدما غنى هذا المطلع واستكمله بالمرجع الذي يقول:

ولا قدر الصبر يصبرني.. ولا قدر البعد يغيرني

ولا غابت صورتك عن عيني.

فجأة توقف وقال ( دي مصر ) وطلب مني تغيير بعض المفردات في باقي الأغنية حتي تذهب معه في نفس إحساسه وتحمل المعنيين العاطفي والوطني، والحقيقة أنه منذ هذه المرحلة منتصف التسعينيات يحمل أغلب أغانيه هذا الحس، حتى في أخفها لحنا وأسرعها إيقاعا وكل من تعاونوا معه يعرفون ذلك، وعن هذا الحس في تترات المسلسلات التي سكنتنا من خلال صوته تفرد مقالات ومقالات، ألف حمد الله على سلامتك يا مصري يا أصيل.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة