تعد مصر والمملكة العربية السعودية هما دعامتا أمن واستقرار المنطقة العربية والشرق الأوسط، وارتبط البلدان بعلاقات تاريخية عميقة وروابط ودية على المستوى السياسي والشعبي، وقد زادت أوجه التعاون وتعمقت العلاقات بين القاهرة والرياض، في ظل حرص القيادة السياسية في البلدين على تعزيز مجالات التعاون والتنسيق وتبادل الرؤى بين القيادتين.
وعلى مدار السنوات الثمانية الماضية، شهدت العلاقات بين البلدين تناميا كبيرا مع استمرار الزيارات المتبادلة بين قادة البلدين، ومن المرتقب أن يجري ولي العهد السعودي زيارة إلى مصر في مستهل جولته الإقليمية التي يبدأها اليوم .
تاريخ العلاقات بين مصر والسعودية
بُنِيَت العلاقات السعودية المصرية على أسس صلبة منذ أول لقاء تاريخي جمع الملك عبدالعزيز آل سعود، بالملك فاروق ملك مصر - رحمهما الله - عام 1364هـ الموافق 1945م ليضعا حجر الأساس لعلاقة قوية واستراتيجية، تزداد متانة وصلابة عامًا بعد عام، وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود والرئيس عبدالفتاح السيسي، لترتسم معالم المستقبل المشرق بين البلدين.
وتعود العلاقات المصرية السعودية إلى عقود طويلة حيث كان عام 1926 عاما مهما في العلاقات بين مصر والسعودية، حيث وقعت معاهدة الصداقة بين البلدين، وكانت السعودية مؤدية لمطالب مصر الوطنية في جلاء القوات البريطانية عن الأراضي المصرية، ووقفت إلى جانبها في الجامعة العربية والأمم المتحدة وجميع المحافل الدولية، وفى 27 أكتوبر عام 1955 وقعت اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين.
وساندت المملكة مصر بعد تعرضها للعدوان الثلاثي عام 1956م وقدمت لها نحو 100 مليون دولار، بعد سحب العرض الأمريكي لبناء السد العالي، وكذلك أعلنت التعبئة العامة لجنودها لمواجهة العدوان الثلاثي على مصر، واستمر هذا الدعم والمساندة أيضا لمصر وللدول الشقيقة عقب العدوان الإسرائيلي على الدول العربية مصر وسوريا والأردن في عام 1967م.
ولا يزال نداء الملك فيصل بن عبد العزيز إلى الزعماء العرب حاضرا في الوجدان، حيث طالب بضرورة الوقوف إلى جانب الدول الشقيقة المعتدى عليها، وتخصيص مبالغ كبيرة لتمكينها من الصمود، واستمرت المساندة السعودية لمصر حتى حرب أكتوبر، والتي تجلت خلالها ملامح الوحدة العربية والمواقف الصامدة.
ووقفت السعودية إلى جانب مصر في حرب أكتوبر 1973، وتجلى التضامن العربي في أبهى صوره في ذلك الحين من خلال الدعم العسكري والمواقف المساندة، وكذلك قرر العاهل السعودي الملك فيصل استخدام سلاح بديل عن البارود؛ فدعا لاجتماع عاجل لوزراء النفط العرب في الكويت، وأسفر عن قرار عربي موحد بخفض الإنتاج الكلي العربي للنفط 5%، وخفض 5% من الإنتاج كل شهر؛ حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل يونيو 1967.
وكذلك أعلنت المملكة وقف بيع البترول للولايات المتحدة والدول الداعمة لإسرائيل؛ لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، وفي الوقت نفسه تفقد الأمير سلطان بن عبد العزيز، الذي كان يشغل منصب ولي العهد السعودي آنذاك، بتفقد خط المعركة في أحد الخنادق على الجبهة المصرية، وتبرع الملك فيصل بمبلغ 200 مليون دولار للجيش المصري، بجانب تأسيس لجنة لجمع التبرعات لصالح الجيش المصري؛ دعمًا للمعارك والمجهود الحربي في مصر، ما ساعد على تعزيز العلاقات بين مصر والسعودية، في العقود التالية.
العلاقات المصرية السعودية في عهد الرئيس السيسي
ومع وصول الرئيس السيسي إلى الحكم في 2014 زاد عمق ومتانة العلاقات التاريخية التي تجمع مصر والمملكة العربية السعودية حكومة وشعبًا، قد كانت السعودية من الدول المساندة لمصر في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، وبعد عام 2014 ازداد عمق العلاقات بين البلدين والتنسيق والتشاور بين القيادتين بهدف مواجهة كل ملفات المنطقة وأزماتها، وتحقيق الأمن والاستقرار بها.
وقد اتفقت البلدان على ضرورة المبادرات السياسية والحلول السلمية لكل أزمات المنطقة؛ بما يحافظ على استقرار الدول العربية ووحدة ترابها الوطني، ويضع مصالحها الوطنية فوق كل الاعتبارات، ويؤسس لحل دائم يكفل الأمن والاستقرار لشعوب هذه الدول، بمعزل عن التدخلات الخارجية، وكذلك تؤكد مصر دعمها لأمن الخليج كجزء لا يتجزأ من أمنها القومي.
وكانت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر في العام 2016، بمثابة انطلاقة جديدة للعلاقات فقد أسفرت عن تعزيز أوجه التعاون حيث ارتفع عدد الاتفاقيات المبرمة لأكثر من 60 اتفاقية ومذكرة تفاهم وبروتوكول، شملت جميع أوجه التعاون المشترك بين البلدين في كل المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والاستثمارية، فضلًا عن تعزيز التنسيق والتشاور بين البلدين في خدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وخدمة الأمن والسلم الدوليين.
زيارة الرئيس السيسي للسعودية
وفي مارس الماضي، أجرى الرئيس السيسي زيارة إلى المملكة العربية السعودية مثلت نقطة انطلاق جديدة في مسار التنسيق الاستراتيجي بين البلدين، حيث تمخض عن اللقاء صدور إعلانًا مشتركًا يعبر عن موقف البلدين من مجمل القضايا الإقليمية والدولية الراهنة، ويشدد على عزم البلدين الشقيقين تعزيز التعاون تجاه جميع القضايا السياسية، والسعي لبلورة مواقف مشتركة تحفظ للبلدين الشقيقين والمنطقة أمنها واستقرارها.
فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أكد البيان مواصلة دعم البلدين لتحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط، وأهمية التوصل إلى تسوية شاملة للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي وفقاً لحل الدولتين، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية، بما يكفل حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.
وفيما يتعلق بالشأن اليمني، تتبنى كل من المملكة ومصر موقفًا مستندًا على رفض استمرار الميليشيات الحوثية الإرهابية في تهديد الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وعدم إمكانية التغاضي عن امتلاك هذه الميليشيات الحوثية الإرهابية لقدرات عسكرية نوعية كونه تهديداً مباشراً لأمن المملكة العربية السعودية ودول المنطقة، كما تتوافق وجهتي نظر البلدين حول ضرورة مواصلة جهودهما لإيجاد حل سياسي شامل للأزمة اليمنية، يقوم على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216)، فضلا عن مبادرة المملكة العربية السعودية لإنهاء الأزمة اليمنية ورفع المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني الشقيق.