الثلاثاء 7 مايو 2024

مستقبل شبكات التواصل الاجتماعي والممارسة الإعلامية (1)


د. شريف اللبان

مقالات21-6-2022 | 15:18

د. شريف اللبان

لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها من المواقع حبيسة نظام الويب، فمع تطور المكان المادي أصبح بالإمكان الدخول إلى الإنترنت من خلال الهاتف الذكي أو الحاسب اللوحي أو أجهزة التليفون الذكية، أو غيرها من الأجهزة الحديثة قيد التطور، مثل نظارة "جوجل" أو ساعة "سامسونج" أو "آيفون" أو غيرها وهو ما أصبح يُطلق عليه "التكنولوجيا التي يمكن ارتداؤها Wearable Technolog، وذلك في مقابل التكنولوجيا المحمولة أو النقالة، وتتميز هذه المواقع بالبساطة والسرعة والتخصص في نقل المعلومات، فلم تعد مواقع التواصل الاجتماعي مقتصرة علي أهداف اجتماعية بل أصبحت في حد ذاتها مواقع أداةً لتوصيل الأخبار والحصول علي المعلومات ونشرها.

ويمكن للمُنَظّرين الذين يرنون بأبصارهم لاستشراف المستقبل أن يروْا دون عناء أن وسائل التواصل الاجتماعي ستكون لاعبًا رئيسًا في التحولات المستقبلية في المجالات كافة سواءا ظلت الوسائل بأنماطها التقنية الحالية علي حالها أو ظهرت وسائل جديدة على شبكة الإنترنت؛ فالتأثيرات المستقبلية لوسائل التواصل الاجتماعي لا تزال موضع تفاعل و صراع بين المستخدمين والسلطة والقوى المركزية المنتجة للبرمجيات والمطورة لها، وبالتالي فإن نتائج هذه التفاعلات سوف يكون لها دور فعال في توجيه دفة المستقبل والإسهام في صياغته، سواء عن طريق زيادة مساحة الحرية والتعبير، أو الاتجاه نحو مزيد من الرقابة والتحكم.

وقد تعددت واختلفت أشكال مواقع التواصل الاجتماعي، وتنوعت خصائصها ووظائفها منذ اختراع الإنترنت وشبكة الويب، ومازالت رهنًا للتطور المرتبط بالتقدم التكنولوجي والمعلوماتي، فقد لعبت هذه المواقع بأجيالها المختلفة دورًا رئيسًا في نقل المعلومات، حيث شكلت نموذجًا للإعلام البديل الذي أصبح فيه المواطن العادي ليس مصدرًا للمعلومات فحسب بل للأخبار أيضًا.

وبالتالي فإن تطور شبكات التواصل الاجتماعي وأدوارها كوسائل إعلامية إنما يتم في سياق التطورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بكل مجتمع، ومن ثم فإنه عند تحليل الشبكات الاجتماعية كوسائل إعلامية فإنه من الضروري الأخذ في الاعتبار مقتضيات التنوع السياسي والاجتماعي والثقافي للمجتمعات.

ومما سبق وانطلاقا من الأفكار التي تم طرحها، فيما يخص مستقبل شبكات التواصل الاجتماعي في الممارسة الإعلامية، بدأت تثور عدة تساؤلات عن أهم العوامل والمتغيرات المؤثرة علي شبكات التواصل الاجتماعي في الممارسة الإعلامية، ورصد أهم السيناريوهات المتوقعة حول مستقبل العوامل المؤثرة في الممارسة الإعلامية لشبكات التواصل الاجتماعي، ورصد آراء الخبراء والشباب حول هذا المستقبل القريب خلال العِقديْن القادميْن.

وفي ضوء ذلك كله، وفي ظل الدور الكبير المتنامي لشبكات التواصل الاجتماعي لدرجة تجعلها في إطار من المنافسة مع مؤسسات إعلامية راسخة؛ حيث تنشر أخبارًا وصورًا وفيديوهات وإعلانات، ولها مستخدمون وأعضاء يقومون بإثراء مضامينها، ولذلك اهتمت الدراسة المهمة التي أعدتها الدكتورة هويدا محمد السيد عزوز، مدرس الصحافة المطبوعة والإلكترونية بكلية الإعلام جامعة المنوفية، بعنوان: "العوامل المؤثرة في مستقبل الممارسة الإعلامية بشبكات التواصل الاجتماعي: دراسة مستقبلية في الفترة من 2020 – 2030"، برصد واقع الممارسة الإعلامية لشبكات التواصل الاجتماعي في مصر، بالإضافة إلى استشراف مستقبل شبكات التواصل الاجتماعي في مجال الممارسة الإعلامية.

 التداعيات المترتبة علي تزايد استخدام  شبكات التواصل الاجتماعي:

أصبحت الشبكات الاجتماعية محل اهتمام يومي لملايين من مستخدميها، وقد ساهمت التكنولوجيا في تطوير خصائصها وتوسيع أسواقها، فأصبحت أكبر تجمع افتراضي عرفته البشرية، وأصبح الوصول إلى جماهير المستخدمين في لحظاتٍ غاية في السهولة ومن دون كُلْفَةٍ تُذكر.

وقد تنوعت استخدامات هذه الشبكات سياسيًا واجتماعيًا وتجاريًا وإعلاميًا، ومن المتوقع أن يستمر هذا التطور، وتستمر معه تداعياته سواء على الدول أو الأفراد، مما يجعلها فرصةً وتهديدًا في آنٍ واحد، وهو الأمر الذي يجب الاستفادة من مميزاته وتلافي سلبياته. ولعل أبرز التداعيات الناجمة عن الجيل الرابع من هذه الشبكات هو نهاية عصر الخصوصية الفردية، وتزايد مراقبة الدول لها، وغلبة الطابع الأمني عليها، وهو ما يجعلها ساحةً لحربِ الأفكار بين التيارات السياسية والطائفية والمذهبية والعِرقية، وساحةً لحرب الدول بين أجهزة الاستخبارات، بما تمتلكه من معلومات، وساحةً لحرب الشركات، بما تمتلكه من قواعد بيانات.

  1. نهاية عصر الخصوصية

لقد أصبحت البيانات الشخصية والدقيقة متاحة ومكشوفة، بل إن حياة الأشخاص أصبحت موثقة عبر حساباتهم على الشبكات الاجتماعية، وأصبحت شركات الشبكات الاجتماعية تمتلك قواعد بيانات كاملة عن أدق تفاصيل حياة مشتركيها، من خلال بعض تطبيقات الهواتف الذكية المستخدمة للتواصل الاجتماعي مثل (Viber, We Chat, Line) وغيرها من مئات التطبيقات التي تتطلب إذنًا من المستخدم للولوج إلى البيانات الشخصية كافة الخاصة بالأرقام الموجودة على هاتفه المحمول، بل تم تطوير تطبيقات في ظاهرها ألعاب للترفيه، في حين أنها تقوم بجمع بيانات مستخدمي هذه الألعاب.

 

  1. مزيدٌ من الفيديوهات:

أصبحت مشاهدة الفيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي في ازدياد، بل إن بعض هذه الوسائل مكّنت مستخدميها من البث الحي لفيديوهاتهم أو الأحداث التي يقومون بحضورها أو تغطيتها. وتشير التقديرات إلي أن الأشخاص ينظرون إلي مقاطع الفيديو لفترةٍ أطول بخمس مرات من المحتوي الثابت، مثل النصوص والصور، على كل من "إنستجرام"  Instagram و"فيس بوك" Facebook، ولهذا فإنه من المتوقع أن تزيد نسب مشاهدة مقاطع الفيديو في جميع وسائل التواصل الاجتماعي في المستقبل، بما في ذلك مقاطع الفيديو الحية أو ما يطلق عليها البث المباشر Live Casting، والتي اكتسبت قدرًا كبيرًا من الشعبية والإقبال في السنوات الأخيرة .

 

  1. تزايد سيطرة الدولة:

يرى البعض أن الجيل القادم من الشبكات الاجتماعية سيكون لصالح الأفراد أكثر من الدول، وهو اعتقادٌ يجانبه الصواب، فقد كشفت تسريبات "سنودن" الدور الذي لعبته الحكومة الأمريكية في التجسس على عدد كبير من الأفراد حول العالم، وليس داخل الولايات المتحدة فقط، بالإضافة إلى البرامج الحكومية المتخصصة في مراقبة الشبكات الاجتماعية، وقد تزامن ذلك من اتجاه معظم الدول إلى مراقبة شبكاتها الاجتماعية، خاصة بعد الدور الذي لعبته مواقع التواصل خلال ما يُطلق عليه "ثورات الربيع العربي"، وسعيها لمراقبة الناشطين السياسيين، وقيام بعض الدول بإنشاء كتائب إلكترونية وظيفتها بث رسائل وأفكار تخدم نظمها السياسية عبر الشبكات الاجتماعية؛ فالدول لن تتهاون في أمنها القومي، خاصةً بعد أن أصبحت الشبكات الاجتماعية تمثل مصدر تهديد لها، وهو ما سيضعها في موضع صِدَام إلكتروني مع مختلف مستخدمي الشبكات الاجتماعية، وقد يأخذ هذا الصِدَام أحد الأشكال التالية:

الاحتجاج الإلكتروني: في هذه الحالة يتم استخدام الشبكات الاجتماعية باعتبارها وسيطًا للتعبئة والحشد للاحتجاج على سياسات أو خدمات مدنية، حيث تبدأ عديدٌ من الحملات الإلكترونية بعرض مطالب تهم عددًا كبيرًا من المواطنين داخل الدولة، بما يساهم في زيادة عملية الترويج الإلكتروني لهذه المطالب، وإذا لم تتعامل الدولة بجدية مع هذه المطالب، فإنها تجد طريقها للتصعيد سريعًا، فتتحول خلال أيام قليلة إلى احتجاجات أو إضرابات فئوية.

التظاهرات الافتراضية: يتم تنظيم التظاهرات الافتراضية من خلال الاتفاق على موعد محدد وهاشتاج على صفحات "تويتر" أو "فيس بوك"، يتجمع عليه أكبر عدد من المشتركين في لحظة معينة، لعرض مطالب ذات طبيعة سياسية، ويتوجب على الدولة التعامل مع الموقف، إما من خلال الاستجابة المنطقية لمطالب التظاهرة، أو غلق هذه الصفحات ومحاصرة انتشارها، منعًا لانتقال التظاهرة من الفضاء الإلكتروني الافتراضي إلى الشوارع والميادين الواقعية.

4 ـ تشويه الرموز السياسية: سواء كانت شخصياتٍ أو دولًا أو مؤسساتٍ من خلال الإنترنت، خاصةً بعد الاستخدام الفعَّال لخاصية "الهاشتاج" بموقعيْ "تويتر" و"فيس بوك"، حيث يتم استخدامه من قبل التيارات الفكرية في حروبها السياسية ومعاركها الانتخابية.

5 ـ غلبة الطابع الأمني:

شَكَّلت مواقع التواصل الاجتماعي ساحةَ قتالٍ وجبهةَ حربٍ حقيقية موازية، وأدوات القتال هى الفكرة والمعلومة والصورة والفيديو وبرامج التجسس واختراق الخصوصية، وتتنوع الخسائر فيها ما بين الخسائر السياسية والاقتصادية والأمنية، بدايةً من مستوى الفرد وانتهاءً بمستوى الدولة، وهو ما دفع بعض الدول لإنشاء كتائب وجيوش إلكترونية تكون مهمتها الرئيسة الدفاع عن صورة الدولة، والمساهمة في تحقيق أهدافها؛ ومواجهة أعدائها، فبدا في الأفق ظاهرة جديدة قيد التشكيل، يمكن تسميتها حروب مواقع التواصل الاجتماعي، وهى جزء من الحروب الافتراضية على شبكة الإنترنت.

وعلى الرغم من أن الشبكات الاجتماعية مرت بمراحل عديدة، فقد تحسنت في نهاية المطاف بما يكفي لمصلحة جميع المستخدمين. وبدأ الجمهور العام للتو في إدراك قيمته، على الرغم من أن إمكاناته لا تزال قيد البحث والاستكشاف والتَشَكُّل. كانت الاتجاهات المبكرة للشبكات الاجتماعية هى خدمات استضافة المواقع المجانية التي تضمنت ميزات تفاعلية وإنشاء شبكة اجتماعية بين التطبيقات الشخصية، ومع ذلك كانت أبرز التحولات من الاتجاهات المبكرة إلى الاتجاهات الحالية هى أن الشبكة الاجتماعية أصبحت منصة وأن المحتوى الديناميكي أصبح المحتوى الرئيس. ومن المرجح أن تتمحور أيُّ اتجاهات مستقبلية حول تحسين الخصوصية وتقديم محتوى ديناميكي إلى الأشخاص المناسبين.

 

6 ـ وجود متزايد للحركات الإرهابية:

توظّف المنظمات الإرهابية مواقع التواصل الاجتماعي كأداةٍ لتحديد أهدافها والتعريف بنفسها ومراقبة تحركاتها، خاصة في إطار عمليات الاغتيالات في الدول المستهدفة، وذلك إما بمراقبة من يمتلك حسابات على تلك المواقع، أو مراقبة دائرة أصدقائهم ومعارفهم للوصول إليهم، وجمع البيانات اللازمة عن تحركاتهم، وتوفير الوقت والجهد اللازميْن للقيام بذلك على أرض الواقع، وأيضاً لضمان سرية المراقبة. ومن ثمَّ، تُعَدُ وسائل التواصل الاجتماعي مهمة لتلك الجماعات في إطار ما أسماه البعض «شبكات الكوادر» والتي تعمل على التواصل بين كوادر التنظيم المسلح كأداة عابرة لقيود المكان، وذلك من أجل مهام منها التدريب على تكوين خلايا تنظيمية، واستقطاب مزيدٍ من الكوادر وتدريبهم على استخدام الأسلحة، والتنسيق للعمليات المسلحة وتوقيتها، والتدريب على صنع القنابل البدائية وغيرها.

 

7 ـ عدم القدرة على الخروج من الشبكات: واحدة من خصائص الشبكات الاجتماعية القادمة هى عدم قدرة مستخدميها على الخروج منها، فقد لبت هذه الشبكات حاجات Needs لدى مستخدميها، سواء من خلال متابعة الأخبار، أو محادثة الأصدقاء، أو التسوق أو غيرها من الحاجات اليومية التي أصبح مستخدم الشبكة الاجتماعية غير قادر على الاستغناء عنها، حتى وإذا قرر الخروج منها فالبيانات الشخصية لن تُمحى، وبمجرد عودته إليها مرة أخرى سيجد جميع بياناته من دون تغيير.

8 ـ تطوير أدوات تحليلية: تميز الجيل الجديد من الشبكات الاجتماعية بتطوير أدوات تحليلية، تساعد على فهم أفضل للتفاعلات الدائرة على هذا النوع من المواقع، من حيث عدد المستخدمين الناشطين، وأوقات الذروة التي يمكن فيها نشر حالة Status أو مشاركة ملفات، والنسب الإحصائية لزوار المواقع المعلن عنها على الشبكات الاجتماعية، والتوزيع الجغرافي لهم، وأوقات ومدة وجودهم على الموقع، وتقديم رسوم بيانية توضح تطور التفاعلات على صفحات التواصل الاجتماعي خلال فترة زمنية معينة، بالإضافة إلى تطوير أدوات أخرى للمعلنين عليها، حيث يقدم موقع "فيس بوك" خدماتٍ تساعدهم على استهداف جمهورهم بصورة أدق، تصل إلى حد استهداف جمهور معين في منطقة أو شارع محدد.

9 ـ تطوير أدوات إعلامية جديدة: مثلت مواقع التواصل في الجيليْن الثالث والرابع نافذةً إعلامية بديلة لإعلام الدولة أو إعلام الشركات، حيث أصبح هناك إعلام للمواطن، يصنعه وينتقل إليه. ومن المتوقع أن تزداد كثافته في المرحلة المقبلة، ولكن هذه الزيادة ستكون بشكل مختلف، فمن المتوقع زيادة مساحة الفيديوهات والصور التي تُمحى بعد 10 ثوان من مشاهدتها فيما يعرف بـ Snap Chat، وهو ما يساعد على تلافي بعض عيوب الجيل الثاني، خاصةً فيما يتعلق بالصور والفيديوهات غير اللائقة التي يشاهدها بعض المستخدمين، فضلًا عن تزايد سوق مقاطع الفيديو، حيث يحتل موقع YouTube الصدارة بين مختلف مواقع التواصل الاجتماعي لتميزه في المحتوى المرئي، ويتجه الأفراد إلى الفيديو لما يتميز به من إثارة في عرض المعلومات، وسوف يزداد هذا الاتجاه في الجيل الرابع بين متصفحي المواقع الاجتماعية، ويصبح محددًا رئيسًا لإقبال الأفراد على هذا النوع من المواقع.

وسوف نعرض نتائج هذه الدراسة المهمة في المقالات القادمة.

Egypt Air