حالة عربية متوهجة.. القاهرة تستقبل يوميًا زعماء العرب.. من أجل تعزيز التعاون والتكامل والتباحث حول القضايا والملفات الإقليمية والدولية فى ظل تداعيات وأزمات عالمية، أفضت إلى تشكيل نظام عالمى جديد.. وفى ظل أيضًا الفرص الثمينة السانحة أمام أمة العرب لتتبوأ المكانة اللائقة فى هذا النظام العالمى الجديد.
القاهرة على مدار الأيام الماضية شهدت زيارات ولقاءات عربية.. حيث التقى الرئيس السيسى عدداً من زعماء العرب فى البحرين والأردن والسعودية، ثم بالأمس أمير قطر.. بما يجسد أن مصر هى قبلة العرب، وأن هناك رؤية مصرية تسعى بدأب وجهد إلى لم الشمل العربى، وتحقيق التعاون والتكامل وتفعيل وتعزيز العمل العربى المشترك ..إنها مصر التى تتقدم بثبات بحكمة قائد وطن شريف مخلص لوطنه وأمته.
فى ظل نظام عالمى جديد يتشكل.. وفرص ثمينة سانحة لأمة طال غيابها
قلت فى مقال أمس تحت عنوان «التكامل العربى» إنه لا سبيل أمام العرب إلا التعاون والتقارب والتضامن والتكامل والعمل العربى المشترك فى مواجهة تحديات خطيرة تمر بها المنطقة والعالم، فرضتها أزمات عالمية شديدة الوطأة لكنها أفرزت نظامًا عالميًا جديدًا من المهم والحتمى أن يكون العرب فى هذا النظام العالمى الجديد قوة حاضرة ومتوهجة تأخذ مساحة تليق بها ومكانة مستحقة بعيدًا عن محاولات الاستقطاب والترويض.. بمعنى أن يكون للعرب شخصيتهم السياسية والاقتصادية الفاعلة دون الانعزال عن العالم.
لكن ما المطلوب من أمة العرب فى ظل هذه التحديات شديدة الوطأة فى ظل أزمات عالمية طاحنة سواء «كورونا» أو تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية وبزوغ نظام عالمى جديد أو قبل القمة العربية- الأمريكية فى السعودية الشهر المقبل ثم الذهاب إلى القمة العربية فى الجزائر لبلورة ما أفضى إليه اتفاق العرب.
هنا أقول إن العرب لديهم فرصة تاريخية وشاءت الأقدار أن تمنحهم مساحات غير مسبوقة للجلوس على طاولات المفاوضات بسبب متغيرات عالمية جعلت العديد من الأوراق المهمة فى أيدى العرب يستطيعون أن يحولوها إلى مكاسب ومركز وثقل دولى طال انتظاره.
هذا جيد ..لكن ما المطلوب من أمة العرب؟ ..!سؤال أعيد طرحه.. الإجابة باختصار أنه لا توجد حلول أمام العرب سوى طى صفحات الخلافات والاختلافات، وأن تتجه بوصلتهم إلى تعزيز الوحدة والتكاتف والتضامن والتكامل والشراكة العربية، وأن يكونوا على قلب رجل واحد فى مواجهة التحديات.. ورسم مكانتهم فى النظام العالمى الجديد، ودرء كل التداعيات التى خلفتها الأزمات العالمية، وعلى رأسها الحرب الروسية- الأوكرانية، ولديهم القدرات والموارد والثروات التى تمكنهم من ذلك إذا اتجهوا إلى التكامل والتعاون وتبادل المصالح والاستثمار الواقعى للفرص والثروات والموارد المتبادلة.
فى الحقيقة ..إن ما شهدته مصر ليس فقط فى الأيام الأخيرة، ولكن على مدار السنوات الماضية من زيارات واستقبالات لقادة الدول العربية والخليجية يشير إلى أننا بصدد رؤية مصرية شاملة لتصفية وتنقية الأجواء العربية، ولم شمل العرب إيماناً بدقة المرحلة ومفصلية الفترة التى يعيشها العالم والتحديات التى تواجه الأمة.
فى الأيام الأخيرة الماضية، كانت القاهرة خلية للعمل العربى المشترك.. جاءت الزيارات الأخيرة للزعماء العرب سواء الملك حمد بن عيسى ملك البحرين، أو الملك عبدالله الثانى بن الحسين عاهل الأردن، أو الأمير محمد بن سلمان ولى العهد السعودى، أو الأمير تميم بن حمد آل ثانى.. لتجسد دور القاهرة فى لم شمل العرب، وجمع العرب على قلب رجل واحد.. بالإضافة إلى أهمية تعزيز التعاون والتكامل والعمل العربى المشترك والتنسيق وتبادل الرؤى وتوحيد المواقف فى مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.
القمة «المصرية- القطرية» التى جرت أمس فى قصر الاتحادية بين الرئيس عبدالفتاح السيسى والأمير تميم بن حمد آل ثانى، جاءت فى إطار تعزيز العلاقات «المصرية- القطرية» ولم الشمل العربى وتعزيز العربى المشترك.
القمة «المصرية- القطرية» التى سبقتها على مدار الأيام الماضية زيارات عربية مكثفة ومباحثات مهمة تأتى أيضا فى إطار العمل العربى المشترك، وقمة الأمس جاءت أيضا فى توقيت مهم لتعلن نقاء الأجواء بين البلدين الشقيقين.. وكما قال الرئيس السيسى إن زيارة الأمير تميم تجسد ما تشهده العلاقات «المصرية- القطرية» من تقدم وترسيخ لمسار تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين خلال الفترة المقبلة فى كافة المجالات، وفى إطار مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين وفى ظل النوايا الصادقة المتبادلة بين الجانبين.
صفحة جديدة تشهدها العلاقات «المصرية- القطرية».. وهنا أتوقف عند حديث الأمير تميم وتهنئته للرئيس السيسى بمناسبة قرب الاحتفال بذكرى ثورة 30 يونيو.. معرباً عن تقدير بلاده لمصر قيادة وشعباً، خاصة فى ظل دورها المحورى فى خدمة القضايا العربية وجهودها لتعزيز التضامن العربى على كافة الأصعدة، وكذلك السياسة الحكيمة التى تتبعها مصر بقيادة الرئيس السيسى على جميع الأصعدة الداخلية والإقليمية والدولية.
نستطيع أن نخرج برسائل مهمة من القمة «المصرية- القطرية» التى جرت أمس فى القاهرة لتجسد رؤية مصرية وتوجهًا عربيًا نحو أهمية التكامل والعمل المشترك ..هذه الرسائل لا تقتصر فقط على تطور وتقدم العلاقات بين القاهرة والدوحة ..ولكن تعكس أجواء عربية صحية تشير إلى ما هو قادم فى فلك الأمة العربية، خاصة أن لديها فرصة تاريخية لتكون طرفاً قوياً وفاعلًا فى التفاوض العالمي، لتعكس ثقل العرب فى النظام العالمى الجديد فى ظل الحاجة الدولية إلى العرب فى هذا التوقيت الدقيق والتحديات التى تواجه هذا العالم.
فى البيان الصحفى والإعلامى الذى ورد عن تفاصيل ما دار فى القمة المصرية- القطرية.. جاء تأكيد الأمير تميم حرص بلاده على استمرار الخطوات المتبادلة لدفع وتعزيز مختلف آليات التعاون الثنائى بين البلدين الشقيقين خلال الفترة المقبلة من خلال تعظيم الاستثمارات القطرية فى مصر واستغلال الفرص الاستثمارية العريضة المتاحة فى مصر.. وهو ما يعكس وجود إرادة سياسية على تطوير وتقدم العلاقات بين البلدين.
هنا أريد الحديث عن حالات التشنج وعدم الفهم لدى البعض، خاصة عدم العلم ببواطن الأمور السياسية بين الدول.. فالعلاقات الدولية تحكمها المصالح المشتركة، كما أن الدولتين المصرية والقطرية، هما فى النهاية دولتان شقيقتان، والمبدأ العام فإن اختلاف وجهات النظر لا يدوم على الإطلاق طالما أنه وصل إلى نقطة ومركز التوافق وإزالة أسباب الاختلاف ومسبباته ووجود الإرادة السياسية المتبادلة للوصول إلى التوافق والتعاون، وربما الشراكة والتكامل، فمصالح وعلاقات الدول لا تؤخذ من أفق ضيق أو عدم إدراك لطبيعة علاقات الدول أو الحاجة ومتطلبات التعامل مع دقة المرحلة والتحديات التى تواجه الأمة العربية وارتكاز الرؤية المصرية على أهمية لم الشمل العربى وتعزيز العمل العربى المشترك والتكاتف والتكامل فى ظل القواسم المشتركة.. بين الدولتين والشعبين الشقيقين.
القمة «المصرية- القطرية».. عكست حالة التوافق بين البلدين على تطوير التعاون الثنائى بينهما فى مختلف المجالات، خاصة فى قطاعات الطاقة والزراعة.. إلى جانب التعاون الاستثمارى وتنشيط حركة التبادل التجاري، خاصة فيما يتعلق بتعزيز تدفق كافة الاستثمارات القطرية إلى مصر فى ضوء خدمتها للمصالح المشتركة للبلدين الشقيقين، وفى ظل الفرص الاستثمارية التى تملكها مصر ..فى ظل تجربتها فى البناء والتنمية والتقدم فى كافة المجالات والقطاعات.
فى اعتقادى.. أن مباحثات الرئيس السيسى، والأمير تميم تشير إلى تطوير علاقات البلدين، والتوافق فى العديد من القضايا.. حيث أكد الزعيمان ضرورة تكاتف وتضافر جهود الدول العربية وتعزيز التنسيق المشترك بين البلدين للتعامل مع مختلف الأزمات التى تمر بها دول المنطقة.
فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ..أشاد أمير قطر بالجهود المصرية القائمة، لإعادة إعمار قطاع غزة وتوافق الرؤى حول أهمية العمل على إحياء عملية السلام للتوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، بما يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وفق مرجعيات الشرعية الدولية.
القمة تناولت أيضا سبل التعامل مع التداعيات السلبية للأزمة الروسية - الأوكرانية على الاقتصاد العالمي.. فضلاً عن التعاون المشترك لمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف.. والتأكيد أهمية تكثيف جهود المجتمع الدولى فى مواجهة هذه الظاهرة من خلال استراتيجية متكاملة تشمل جوانب ومحاور فكرية وتنموية.. بجانب المواجهة الأمنية.
التاريخ كفيل أن يعلمنا عن كيفية العلاقات الدولية ..فما بالنا عن علاقات الأشقاء الذين تربطهم قواسم ومصير واحد؟..! كما أن الشعوب دائما تتجه نحو كل ما يصب فى مصالح دولها ويحقق تطلعاتها ..ويحافظ على الأمة العربية فى ظل آتون الأزمات العالمية والتحديات والصراعات والتهديدات على الصعيدين الإقليمى والدولى، فى ظل رؤية «مصرية- عربية» على أهمية التضافر والتكاتف والتكامل فى مواجهة هذه التحديات.
فى اعتقادي، أن هناك بناء لتصور جديد ورؤية شاملة للعمل العربى المشترك تقوده مصر يعمل على تنقية الأجواء العربية وتعزيز التعاون ودعم العمل العربى المشترك والاتجاه بقوة نحو التكامل والتضامن والتكاتف والشراكة »العربية- العربية» وتعظيم التقارب فى هذا التوقيت شديد الدقة، حتى يخرج العرب دون خسائر قد تنتج عن تداعيات الأزمة العالمية، وأن يكون لديهم نصيب مهم فى النظام العالمى الجديد ومقعد مؤثر وقوى فى التركيبة الدولية الجديدة، وذلك لأهمية الموقف والفرص السانحة أمام العرب فى ظل تهافت قوى دولية وإقليمية على نيل رضا العرب ..لذلك لابد أن يكون شعار العرب هو «الوحدة والتكامل»، وأن يكونوا على قلب رجل واحد يتحدثون بلسان واحد.. وآن الأوان لإنهاء ملفات وأزمات عربية عالقة وراكدة ومزمنة، خاصة أن المتهافتين والمتلهفين لرضا العرب لهم دور فاعل فى وجودها وأسبابها لتنتهى أزمات بعض الشعوب العربية فى ليبيا وفلسطين واليمن وسوريا والعراق وغيرها من الدول التى نالت من أزمات العقود الأخيرة ولم تجد الحلول حتى الآن.. ولكنها فرصة ثمينة لإنهاء هذه الأزمات المزمنة.
الحقيقة.. إن التوجه العربى الذى تدعمه مصر بقوة يشير إلى حالة من التفاؤل والمستقبل المشرق.
القمة «المصرية- القطرية» خطوة مهمة على طريق التكامل والعمل العربى المشترك لتحقيق مصالح الأمة وتطلعات الشعوب الشقيقة فى ظل الفرص الثمينة التى تمتلكها الدول العربية لتحقيق التنمية المستدامة ومواجهة التحديات الإقليمية والدولية والدخول بقوة إلى عصر نظام عالمى جديد.. وحل أزمات عربية استمرت لعقود وسنوات دون حل.
مصر هى قبلة العرب.. لديها من الإرادة والرؤى والشرف للحفاظ على الأمن القومى العربى.. وتسعى بكل جهد ودأب إلى لم الشمل العربى للحفاظ على الأمة وسط أمواج هائلة وهائجة من التحديات والتهديدات الإقليمية والدولية.