د. نبيل حنفي محمود
عندما يهل شهر يوليو ، يتذكر فريق من محبي الغناء العربي المتقن ، الحادثة الدامية التي راحت ضحيتها في 14/7/1944م المطربة صاحبة الصوت الذي لا يتكرر : آمال الأطرش الشهيرة بأسمهان، وقد تذكرت مأساة رحيلها في مساء السبت 5/11/2016م ، عندما استمعت إلي صوت المطربة المغربية المقتدرة : كريمة الصقلي ، وهي تشارك في إحدى ليالي الدورة الخامسة والعشرين لمهرجان الموسيقي العربية بدار أوبرا القاهرة، شدت كريمة الصقلي في تلك الليلة برائعتي أسمهان : "يا حبيبي تعالي الحقني " و "عليك صلاة الله وسلامه" ، فأبدعت وأضافت بصمتها الشخصية علي اللحنين ، مما أثار إعجاب الحضور ، الذين صفقوا كثيراً لتلميذة أسمهان النجيبة.
معطف جوجول
للأديب الروسي الشهير: فيودور ميخائيلوفتش ديستوفسكي مقولة شهيرة ترددت كثيراً في كتابات نقاد القصة والرواية، وقد حفظت كتب الأدب والنقد نص تلك المقولة والذي كان علي النحو التالي:"لقد خرجنا جميعا من معطف جوجول"، وقد عني ديستوفسكي بمقولته هذه أنه ما من روائي أو قاص إلا وقد تأثر بقصة "المعطف"، التي كتبها الأديب الروسي نيقولاي فاسيليفتش جوجول ونشرت في عام 1842م، لذلك انتشرت بين المثقفين مقولة "من معطف جوجول" للتعبير عن تأثر أديب لاحق بأديب سابق.
تكشف دراسة تاريخ الفنون عن انطباق مقولة ديستوفسكي فيما يخص فن الرواية أو القصة علي كثير من الفنون، ويجيء الغناء المصري في مقدمة الفنون التي تنطبق عليها تلك المقولة، حيث يلاحظ المدقق ظهور الكثير من الأصوات المقلدة أو القريبة وحتى المطابقة في خصائصها للأصوات الغنائية الكبيرة، ومن هؤلاء بعض الفنانين من مدرسة عبده الحامولي ممن عرف عنهم تقليده أو التأثر به، من أمثال: داود حسني– يوسف المنيلاوي– محمد السبع و عبد الحي حلمي (فكري بطرس : أعلام الموسيقي والغناء العربي، ص ص 83-91)، بعد ذلك ومنذ بداية ثلاثينيات القرن العشرين - وفي عصر أم كلثوم – اتخذت الظاهرة منحني ذا اتجاهين، في الأول منهما ظهرت مجموعة من المطربات من صاحبات الأصوات القوية والمواهب الأصيلة، فتأثرن بأسلوب أم كلثوم الجديد في الغناء، وسلكن لأنفسهن دروباً جديدة تعتمد علي مواهبهن وعلي الظروف المحيطة بهن، ومن هؤلاء يذكر الأستاذ كمال النجمي الأسماء التالية : أسمهان– ليلي مراد– فايزة أحمد و فيروز ،بينما ضم الاتجاه الآخر مجموعة المقلدات لام كلثوم في الغناء وحتى في اعتصار المنديل باليدين أثناء الغناء ، وتضم هذه المجموعة من المطربات ممن لم يستطعن الإفلات من أسر تقليد أم كلثوم جزئياً أو كلياً أسماء مثل : نجاة علي– حياة محمد– آمال حسين و سعاد محمد.
معطف أسمهان
مما لا شك فيه أن ما صنعته أسمهان للغناء المصري والعربي، قد جعلها من بين أصحاب المدارس الكبيرة في هذا الفن، إن هذا القول عن أسمهان ليس بالجديد ولا مما يصدر لأول مرة، فقد أثبته الباحث اللبناني : فيكتور سحاب في كتاب بعنوان :"السبعة الكبار في الموسيقي العربية المعاصرة"، حيث عد أسمهان بين هؤلاء السبعة ممن غيروا أو طوروا من فني الموسيقي والغناء العربيين خلال النصف الأول من القرن العشرين، لذلك انفردت أسمهان بين مطربات طبقتها أو جيلها ممن بدأن الغناء بعد أم كلثوم بظهور مجموعة من المطربات ، ممن خرجن – علي حد قول الموسيقار والمؤرخ : عبد الحميد توفيق زكي – من عباءة أسمهان، وقد أحصي عبد الحميد توفيق زكي أسماء ست من المطربات ممن رأي أنهن خرجن من عباءة أسمهان ، هن وطبقاُ للترتيب الذي اتخذه عبد الحميد توفيق زكي في كتابه : جيهان – نادية فهمي – مايسة – سهير فهمي – فجر ونازك، وقد اتخذ عبد الحميد توفيق زكي في اختياره للأصوات التي خرجت من عباءة أسمهان معيارين، أولهما التشابه في الصوت وربما الشكل، وثانيهما هو الانتظام في مدرسة الأداء التي أرستها أسمهان ، لذلك سوف تعرض هذه المقالة لعدد أكبر ممن خرجن من معطف أسمهان من أصوات غنائية، ومما هو جدير بالذكر أن ما تم اختياره من هذه الأصوات الغنائية ينقسم إلي فئتين، تضم الأولي منهما الأصوات الغنائية التي تشترك مع صوت أسمهان في بعض أو كثير من الخصائص المميزة، وهي أصوات تنقسم أيضاً بين مقلدات وغير مقلدات ممن تقارب أصواتهن صوت أسمهان في كثير من صفاته، بينما تضم الفئة الثانية مجموعة من المطربات اللائي أفدن من طرق الأداء التي ابتكرتها أسمهان في مشوارها القصير مع الغناء.
من الفئة الأولي
تضم تلك الفئة مجموعة من الأصوات الأسمهانية الطابع ممن تشبعن بطريقة أداء أسمهان وتشابهت أصواتهن مع صوتها في بعض الخصائص المميزة، وسوف تعرض الترجمة المختصرة المقدمة هنا لكل صوت من هذه الأصوات لأهم الخصائص المشتركة بينه وبين صوت أسمهان.
نازك :
صاحبة الصوت الأغنّ الأقرب – فيما عرف من أصوات أسمهانية الطابع – إلي صوت أسمهان المعجز، وهو الصوت الذي قال عنه الموسيقار والمؤرخ الموسيقي: عبد الحميد توفيق زكي:"كان من الصعب علي أي ملحن أن يحاول أن يستمع إلي الصوت الأصلي لنازك، عبثاً يحاول، فهي منذ أن تبدأ في حفظ الغنائية وأثناء التجارب وفي التسجيل ... تستعير حنجرة أسمهان " (عبد الحميد توفيق زكي : المعاصرون من رواد الموسيقي العربية ، ص ص 102 – 103) ، ولدت هبة أبو النور الحسيني – وهو الاسم الحقيقي لنازك – ببيروت في 14/10/1928م، وحفظت القرآن الكريم مرتلاً ومجوداً في طفولتها، حتى أتقنت تجويده بطريقة الشيخ مصطفي إسماعيل الذي كانت تعجب بتلاواته، ولكن الشهرة جاءتها عندما بدأت تردد أغنيات مطربتها الأثيرة أسمهان، وعلي الأخص أغنية "ليالي الأنس في فينا" ، التي يكشف التسجيل المتاح لها الآن حالة التوحد التي كانت تعيشها نازك مع صوت أسمهان عندما تنطلق في الغناء، وعندما جاءت نازك إلي القاهرة في عام 1954م، تبناها كل من محمد حسن الشجاعي: قائد فرقة موسيقي الإذاعة ومحمد أمين حماد : مدير الإذاعة آنذاك، حيث قدماها لكبار الملحنين الذين لحنوا لها مجموعة من الأغنيات خلدت في تاريخ الغناء المصري هذا الامتزاج النادر بين صوت نازك وصوت ملهمتها أسمهان، ولكن التجلي الأكبر للسمات الأسمهانية من صوت نازك يتبدي في أغنيتها الشهيرة "ما تقولش كنا وكان" ، تلك الأغنية التي كانت من نظم إسماعيل الحبروك ومن ألحان فريد الأطرش، حيث أبدع فريد الأطرش في إظهار مواطن الجمال المشتركة بين صوتي أسمهان ونازك وعلي الأخص ظاهرة الغنّة الواضحة في صوتيهما، وقد أذيعت تلك الأغنية التي جاءت في قالب الطقطوقة وبلحن من مقام الراست ولأول مرة من إذاعة القاهرة في العاشرة من مساء الجمعة 4 رمضان سنة 1378هـ والموافق 13/3/1959م، وقد عادت نازك إلي لبنان في مطلع الستينيات من القرن العشرين، حيث اعتزلت الغناء أو كادت، اللهم إلا بعض أغنيات كانت تعود إلي القاهرة لتسجلها بالإذاعة أو التليفزيون، أو لتسجلها لبعض شركات الاسطوانات اللبنانية، حتى وافتها المنية في أحد أيام شهر إبريل من عام 1983م أثناء أحداث الحرب الأهلية التي استعرت في لبنان.
نادية فهمي:
صوت أغنّ آخر يقارب في نبراته صوت أسمهان، بل ويشبه صوت أسمهان في مراحل تكوينه ، حيث شب صوت ثريا عبد العزيز فايد – وهو اسمها الحقيقي – وصقل بمزيج من أسلوبي الغناء الغربي والغناء العربي الأصيل، وذلك لأن ثريا تعلمت أصول الغناء والموسيقي في إحدي مدارس الجزويت بالقاهرة، ثم أتبعت ذلك بترديد أغنيات الكبار من أهل الغناء وعلي الأخص أسمهان التي كان الجميع يلمسون التشابه الواضح بين صوت ثريا وصوتها، وهو تشابه يستطيع القارئ الوقوف علي حدوده إذا ما استمع إلي التسجيلات الموجودة الآن لأغنيتها الشهيرة "آه يا سلام ع الهوي" والتي كانت من ألحان المبدع القدير محمود الشريف، وقد بلغ التشابه بين نادية فهمي وأسمهان المنتهي في تماثل رحيلهما عن الدنيا في مقتبل العمر وفي حادث سيارة، حيث لقيت نادية فهمي وجه ربها فجر الاثنين 1/6/1959م في حادث تصادم علي طريق السويس – القاهرة ، وذلك إثر عودتها من حفل غنائي شاركت في إحيائه بإحدى وحدات الجيش المصري.
سهير فهمي:
نجحت في عام 1961م في مسابقة أقامها التليفزيون المصري لاختيار عشر مطربات جديدات ، وقد أشرف كل من رياض السنباطي ومحمد القصبجي وعبد الحميد توفيق زكي علي تدريب الفائزات في هذه المسابقة، وقد تميزت سهير فهمي بين الفائزات بأدائها الدقيق لأغنيات أسمهان، ويحتفظ أرشيف الإذاعة باثنتي عشرة أغنية سجلتها سهير فهمي بصوتها.
فجر:
صوت آخر أسمهاني الطابع، أجازته لجنة الاستماع في الإذاعة برئاسة شيخ الملحنين إبراهيم شفيق، وذلك قرابة منتصف الستينيات ، اسمها الحقيقي أم كلثوم إبراهيم!، انتقلت إلي لبنان في مطلع السبعينيات ، حيث لقيت هناك نجاحاً كبيراً، ولكنها اختفت بعد ذلك ولم يتبق من تسجيلاتها الغنائية سوي عدد قليل.
عزيزة جلال:
صوت أغنّ يكاد يماثل صوت أسمهان في كثير من خصائصه، بدأت الغناء وهي طفلة في المدرسة بمدينة الدار البيضاء، ثم جاءتها الشهرة بعد أن تغنت في منتصف السبعينيات في إحدي حلقات برنامج مغربي للهواة برائعة أسمهان الخالدة "ليالي الأنس في فينا" ، كم ذهل من استمعوا إلي تلك الحلقة من التطابق المدهش بين صوت عزيزة في أدائها للأغنية وصوت أسمهان، وعندما طار صيتها بعد نجاحها في أداء تلك الأغنية لأسمهان ، لحن لها من كبار الملحنين أسماء مثل رياض السنباطي وكمال الطويل ومحمد الموجي وبليغ حمدي أغنيات زادت من شهرتها.
وعد:
هي الأحدث بين مطربات الفئة الأولي من مقلدات أو صاحبات الأداء الأقرب لأداء أسمهان ، واسمها الحقيقي وعد زياد البحري، ولدت في الأول من أكتوبر عام 1981م بسوريا، نشأت وتعلمت في مدينة أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، انطلقت مؤخراً في أجواء النجومية بأدائها المذهل لأغنيات أسمهان في المسلسل التليفزيوني الذي قدم في شهر رمضان 1429هـ (سبتمبر من عام 2008م) ، حيث تغنت بإحكام واقتدار باثنتين وعشرين أغنية لأسمهان ، وأظهرت في أدائها الكثير من خصائص صوت أسمهان كالغنة واستخدام الطبقات العليا من الصوت ومحاكاة الآلات الموسيقية والطيور إلي جانب الأنوثة الواضحة والدفء الإنساني.
من الفئة الثانية
تأتي في تلك الفئة مجموعة المطربات اللواتي تأثرن وأفدن من طريقة أداء أسمهان، ومن هذه المجموعة نذكر كلاً من جيهان وأحلام وفايزة أحمد وفيروز وماجدة الرومي وكريمة الصقلي، وسوف تتضمن النبذة الصغيرة المقدمة هنا عن كل مطربة من هذه المجموعة أوجه التأثر بأسمهان والإفادة من طريقة أدائها.
جيهان:
صاحبة الأغنية الصباحية الفائقة الجمال:"هيا إلي المروج" ، والتي كانت إحدي أغنيات البرنامج الغنائي الإذاعي الشهير "عذراء الربيع"، والذي كانت ألحانه كلها للمبدع القدير : محمود الشريف، جاء ظهور صوت سارة أحمد مسعود وهو الاسم الحقيقي لجيهان مع الإذاعة الأولي للبرنامج الغنائي "عذراء الربيع"، وذلك في السادسة من مساء يوم الخميس الموافق 15/5/1947م، ويشترك صوت جيهان مع صوت أسمهان في الرومانسية ودقة النبرات وسلامة التكوين والانتماء لفئة السوبرانو من الأصوات النسائية، وقد أخذت جيهان من طريقة أداء أسمهان القدرة علي أداء الجوابات العالية في الغناء بدقة وحنان ودون صراخ كما تفعل بعض المطربات من فئة السوبرانو.
أحلام:
تلميذة أخري في مدرسة أسمهان ، ولدت فاطمة النبوية محمود السيد الملاح – وهو الاسم الحقيقي لأحلام – في مدينة ميت غمر حوالي منتصف العشرينيات من القرن العشرين، رددت أغنيات أسمهان في صباها وكانت تتمني أن تصبح مطربة مثل أسمهان ، وقد قال لها الشاعر الغنائي أحمد رامي: أنت "أسمهان سمراء" ، وبالرغم من ذلك فإنها لم تقع في أسر تقليد أسمهان، وإنما ظلت – وكما قال عنها الموسيقار محمود الشريف – صاحبة صوت منفرد ليس له قرين أو شبيه، وإن أخذت عن أسمهان وضوح النبرات ورقة الأداء من غير الصراخ الملازم لبعض الأصوات السوبرانو .
فايزة أحمد:
صاحبة صوت من أجمل الأصوات التي ظهرت في مرحلة ما بعد أسمهان، حتى لقد أحلها كثير من النقاد في المركز الثاني بعد أم كلثوم، وذلك خلال الفترة من منتصف الستينيات وحتى رحيل أم كلثوم في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، عشقت صوت أسمهان منذ بداياتها مع الغناء ، ورددت أغنياتها في مرحلة التكوين والبداية، وجاهرت بذلك في أحاديثها المذاعة، بل وتمنت أن تسمح لها الظروف وفريد الأطرش بتسجيل أغنية أسمهان الخالدة :"ليالي الأنس في فينيا" ، وبالرغم من أنها لا تبدو ظاهرياً من مقلدات أسمهان، إلا أنها أخذت عنها طريقتها في إظهار الغنة وصبغ الأداء بطابعيّ الشجن والأنوثة.
فيروز:
مطربة لبنان والعرب الكبيرة، ينتمي صوتها إلي فئة السوبرانو من الأصوات النسائية، وقد تأثرت بأكثر من خاصية من خصائص أداء أسمهان الغنائي، ويتحدث الناقد الموسيقي اللبناني إلياس سحاب عن إحدي هذه الخصائص فيقول عن أداء فيروز ما يلي:"الميل الشديد إلي الاعتماد علي الرقة والشفافية والهمس في الأداء الغنائي، وكلها صفات كانت قواعدها الأساسية مطروحة في الأسلوب الوهابي – الأسمهاني" (إلياس سحاب : حنجرة فيروز ... حساسية وجماليات معتقة، العربي، يونيو 2007م، ص ص 95 – 102) ،لقد أخذت فيروز من فنون أداء أسمهان ما يلائم صوتها بمساحته الصغيرة التي لا تزيد على ديوان واحد إذا ما قورن بصوت أسمهان ذي المساحة الضخمة التي تمتد لأكثر من ديوانين.
ماجدة الرومي:
ولدت في لبنان في 13/12/1956م، وهي ابنة الملحن الكبير : حليم الرومي، بدأت الغناء في البرنامج اللبناني الشهير "استوديو الفن" ، كانت تردد في بداياتها أغنيات أسمهان ، ثم تلقت تعليماً موسيقياً علي أسس الموسيقي الغربية، مما جعل تأثرها بأداء أسمهان ينحصر في الجانب الغربي منه، وهو ما يستطيع المستمع أن يجد الدليل عليه في أغنية "مفترق الطرق" التي تغنت بها في فيلم "عودة الابن الضال"، حيث يجد المستمع في الترجيعات الأوبرالية التي تطلقها ماجدة الرومي أصداء لترجيعات أخري رددتها أسمهان في غنائيتها الخالدة "يا طيور".
كريمة الصقلي:
هي آخر الأصوات في الرصد الحالي لمن أفدن من طريقة أسمهان في الغناء، مغربية ولدت في 21/10/1969م ، بدأت الغناء وهي في التاسعة، واشتهرت باسم "أسمهان المغرب" ، قدمت في حفلات مسرحية معظم أغنيات أسمهان، ولكنها تبلغ قمة الأداء في ترنمها بطقطوقة "نويت أداري آلامي" ، حيث يكتشف المستمع إليها في هذه الأغنية مكامن التشابه والتأثر بين صوت أسمهان وصوتها.
الدلالات
قد لا يعد عدد الأصوات المقدمة في هذا الفصل ممن قلدن أسمهان أو تأثرن بها دقيقاً أو نهائياً، وذلك لإغفال إدراج بعض الأصوات في الرصد الذي جري هنا، أو لظهور أصوات جديدة في مدرسة أسمهان ممن لم يعرفن الشهرة بعد، لكن ذلك لا يحول دون الوقوف علي دلالات ظهور هذا العدد من الأصوات، وسوف نتوقف هنا عند أهم تلك الدلالات، وأولها هو أن وجود هذا العدد من المقلدات أو المتأثرات بأسمهان إنما يكشف عن حجم وقيمة موهبة أسمهان، لأن أحدا لا يقلد أو يتأثر بأنصاف الموهوبين، وتتمثل الدلالة الثانية في عمق ما أحدثته أسمهان من ثورة في طرائق الغناء، وهي ثورة لم تقتصر علي ما عاشته من عصر، وإنما امتدت لتؤثر وبعمق في تطور هذا الفن ولسنوات طوال، بينما تنحصر الدلالة الثالثة والأخيرة في أن ذلك التأثير الأسمهاني الممتد عبر أجيال وأجيال من المطربات، إنما يكشف عن حيوية الغناء العربي وإمكانية نهوضه من عثرته التي طالت، وذلك شريطة أن تتعلم الأصوات الجديدة مما حفل به تاريخ الغناء العربي من عبقريات صوتية لن تكون أسمهان آخرها.