السبت 8 يونيو 2024

125 سنة تنوير .. كن بدرًا كاملا أيها "الهلال"

21-7-2017 | 15:23

الآنسة مي

ليس بين القراء من يجهل الآنسة «مى» وما لها من المكانة فى عالم الأدب، وقد طلبنا إليها أن تتحف الهلال بشىء من قلمها ننشره فى هذا الجزء فتفضلت بهذه «التحية»    

في عمر يشبه الحلم عرفتك، أيها الهلال الفضي، وليس لدي من تذكار مطبعي أقدم منك، لذا يختلط ذكرك في حافظتي بخيالات جبال الطور وحرمون والكرمل، وخضرة مرج ابن عامر الواسع، وأنفاس الليمون والصعتر والياسمين المنبعثة من تلك الأرض التاريخية، أرض الجليل الجميلة.

يومئذ كان لثامك وردياً باهتاً، على ما أظن، ولكلمة «الهلال» في وسطه فخامة وجلال يكسوان كل كتاب مطبوع، لست أدري كيف سمعت اسمك للمرة الأولى، غير أني كنت أعرفه وأعرف أنك آت من وراء الأزرق البعيد البادي في أطراف الأفق عند حدود المرج الكبير، من جبار كدِ اسمه زيدان ومن أرض سحر وجمال اسمها مصر.

كان يذهلني تعدد أجزاء «الهلال» وأسائل نفسي هل تأتي من مصر حيناً بعد حين، أم جاءت كلها دفعة واحدة وانتهى الأمر؟ لكن السديم الصغير القائم عندي مقام العقل يومئذ لم يكن ليقدر على حل هذه الألغاز العظيمة، بل كنت أتناول «الهلال» مقلبة صفحاته بسرور يتزايد كلما تعددت الصور والرسوم والأوراق، وإن كانت الصفحات المكتوبة من أولها إلي آخرها تضايقني لأن «ما فيهاش حاجة»، لكن لا ألبث أن أتعزى برسوم الرجال والنساء والحيوانات والآلات المتجسمة بين جانبيك، وبعد أن أقلب تلك الصفحات مراراً من اليمين إلى الشمال، ومن الشمال إلى اليمين، كنت أطبقك مفكرة بهلال الفلك، ومذهولة لشيء لا أدري الآن ما هو، لعل مادة الفكر غير المتكون في يومئذ كانت ترتعش لدى مظاهر الفكر الناضج، لعل حبي العظيم للعلم، ذلك الحب الدفين يومئذ في نفسي الصغيرة، كان مستشعراً بأن بين صفحات أقلبها جاهلة، أشعة شمس تحيي وتنمي، لعل الروح الخالد القاطن فينا منذ النفس الأول إلى النفس الأخير، كان متنبئاً بالمستقبل، كان ناظراً في مدى الزمان المنبسط أمامه يتتبع عمل حافظتي الآن في استدعاء هذه التذكارات، وحركة يدي في تدوينها؟ كان يراني مفكرة تحت سماء مصر العزيزة أكتب «للهلال» مقالي الأول بمناسبة مرور 125 عامًا على صدور أول نفحاته؟

هذه التذكارات كانت تمسك قلمي عن الكتابة إليك كلما هممت أن أفعل. تذكارات صغيرة في نظر الغير، لكن ما أكبرها وأهمها في نظري أنا التي تملأ حياتي عبادة الفكر وتقديس مظاهره! أكتب إليك اليوم مهنئة بعيدك، في لغتنا بيت لشاعر يقول:

وإذا رأيت من الهلال نموه

أيقنت أن سيصير بدراً كاملاً

ولا بد أن يقوله لك غير واحد من أصدقائك متمنياً أن تصير بدراً كاملاً، أما أنا فلا أتمنى لك ذلك لأنه يتحتم عليك إذ ذاك أن تعود إلى النقصان كبدر السماء، بل أن تظل كما أنت هلالاً جميلاً يعكس بين صفحاته أنواراًَ يقتبسها من شمس الفكر الإنساني الدائم التجدد، باعثاً بها إلى نفوس معطاشة إلى تناول العلم والسير في سبيل الارتقاء.

هلالاً أوجدتك الروح الطيبة التي أبدعتك، وهلالاً يجب أن تظل دائماً، وما أقدر الهلال على إرسال النور مهما يكن الليل غدافياً! هلالاً تجمع كيانك الروح الفتاة العاملة فيك بيدها وبفكرها تحت رعاية الروح الكبرى التي تنظر إليك غير منظورة، وتخيم عليك باهتمامها وحبها نافخة فيك وحياً ونشاطاً.