الإثنين 8 يوليو 2024

ليس دفاعا عن وحيد حامد

21-7-2017 | 16:17

 بقلم : أشرف غريب

لا يزال الكاتب الكبير وحيد حامد قادرا على إثارة الجدل من حوله وتحريك المياه الراكدة متجاوزا حتى الحدود الفنية إلى ما هو أكثر اتساعا من دوائر الحياة العامة فى مصر ، هكذا كان فى سلسلة أفلامه مع عادل إمام : الغول ، اللعب مع الكبار ، الإرهاب والكباب ، المنسى ، النوم فى العسل ، وطيور الظلام ، أو بعيدا عنه فى البرىء وملف فى الآداب مدافعا عن العدل والكرامة الإنسانية ، وباحثا عن الحرية والحياة الكريمة ، وهكذا كان فى " العائلة " و" أوان الورد " مقتحما أشد المناطق حساسية وأكثرها تلغيما ، ومع ذلك كان الرجل دائما جريئا فى طرحه ، صلبا فى الدفاع عن رأيه ، ومستعدا للوصول به إلى آخر مداه مهما كلفه ذلك من عناء ، وحينما يخوض وحيد حامد معركة تلو أخرى لا يدخلها من منطق " خالف تعرف " أو رافعا شعار الاختلاف لمجرد الاختلاف ، إنه يكتب ما يراه صائبا بعد أن يكون قد أمعن فيه البحث والتدقيق ، ويعرف تماما خطورة المصنف الذى يبدعه وحساسية الوسيلة التى تعرض هذا المصنف وتأثيرها بين العامة ، ومن هنا فالرجل يعى تماما ما يكتبه ويعرف مسبقا وبالتأكيد حجم القوة النيرانية التى سوف تصوب نحوه ، ورغم هذا يسير فى الطريق الذى اختاره غير عابئ بما يمكن أن ينتظره ، أو مهتم بإرضاء هذا التيار أو ذلك الفصيل ، هو فقط يلقى بالحجر ، ثم يترك تلك الدوائر تتسع وتضعف حتى تتلاشى مع الوقت ويبقى عمله الفنى راسخا وقائما أمام محكمة التاريخ ، أو يقذف بكرة الثلج من أعلى ، فتأخذ فى طريقها نحو المنحدر شوائب اللغو والمزايدات الرخيصة ويبقى هو بمصنفه الإبداعى فوق القمة يجهز العدة لمعركته القادمة .

هل أجرم وحيد حامد لأنه قال فى مسلسل " الجماعة 2 " ما لا يحب أن يسمعه الآخرون ؟ هل ارتكب معصية كبرى لأنه ذكر أن النحاس باشا قبل يد الملك فاروق؟ هل تجاوز حدود اللياقة والأدب لأنه قال إن الرئيس عبد الناصر كان عضوا فى جماعة الإخوان المسلمين وأنه فى مرحلة ما كان يجل سيد قطب مفتى الجماعة ومنظرّ فكرها الإرهابى ؟ لقد قال الرجل ما استقر فى رأيه بعد سنوات من البحث والمطالعة أو ما اطمأن إلى صحته وصوابه ، وعلى من يختلف معه أن يختلف فى حدود حرية التعبير التى طالما كان هو أول المدافعين عنها ، وباب مقارعة الحجة مفتوح أمام الجميع حتى لو كان فى عمل درامى مضاد ، أما أن يتم الهجوم عليه إلى هذا الحد الذى وصل عند البعض إلى التخوين ونعته بالجهل والشطط لأنه تجرأ واقترب من الذات العلية الناصرية أو مس كبرياء الذات الوفدية المصونة فهذا لا يقبله أى ليبرالى حقيقى لا يتستر وراء عبارات جوفاء أو مزايدات عرجاء .

لقد تم فى الأعوام الماضية تقديم أكثر من عمل فنى يمجد سيرة الرئيس عبد الناصر أو يتعرض لفترة فترة ما قبل يوليو 1952 وبها ما بها من وقائع تحتمل الاختلاف والمراجعة ، ومع ذلك لم يعلق أحد المشانق لصانعيها أو يصنفهم تحت لافتة أو تيار ، أحمد زكى مثلا ، هذه القامة التمثيلية الجبارة قدم فيلما عن عبد الناصر وآخر عن السادات ولم يتهمه أحد بالازدواجية أو الفصام ، هل كان وحيد حامد عظيما حينما انتقد فى أعماله عصر السادات وممارسات داخلية مبارك وخائنا ومشوها للتاريخ لأنه قال ما لا يرضى عنه هؤلاء وهؤلاء ؟ هل من المطلوب أن نصبح جميعا دراويش وببغاوات لا نترك فى عقولنا مساحة للاختلاف واحترام الرأى شىء غريب حقا هذه المكارثية والإرهاب الفكرى الذى يمارسونه ، لا أحد على الإطلاق - وأولهم وحيد حامد نفسه يشكك فى كرامة مصطفى النحاس أو وطنية جمال عبد الناصر، لكن يجب ألا يغفل الدراويش والأنصار أن مثل هؤلاء الزعماء هم فى البداية والنهاية بشر يصيبون ويخطئون وتبقى أعمالهم فى ميزان التاريخ ، وليس هناك ما يعيبهم أو ينقص من قدرهم إن أخطأوا يوما أو لم يحسنوا التصرف .

إننى لا أدافع هنا عن وحيد حامد فهو جدير بهذه المهة متمرس فيها بحكم ما خاضه من معارك ، وإنما عن حرية الرأى والحق فى الاختلاف واحترام ما يراه الآخر أو يعتقد فيه .