الأحد 30 يونيو 2024

البحث عن «ناصر» اللاتينى

21-7-2017 | 16:30

تقرير: نهال الشريف

لم يقتصر تأثير شخص وزعامة جمال عبد الناصر على مصر والعالم العربي وإفريقيا ،ولكن هناك على بعد آلاف الكيلومترات في قارة أمريكا اللاتينية كان للزعيم أثره الواضح الملموس في دول القارة التي وجدت فيه ملهما وصاحب تجربة تستحق الدراسة ومن ثم التكرار ، ومع الشعبية الكبري التي حققتها شخصية عبد الناصر ربطت الصداقة بينه وبين بعض الشخصيات اللاتينية أمثال فيدل كاسترو الرئيس الكوبي الراحل ورفيق كفاحه شي جيفارا الطبيب الشاعر الثائر الرومانسي.

التقي ناصر وكاسترو في نيويورك وبدأت الصداقة بينهما عام ١٩٦٦ أثناء انعقاد دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة.

أما جيفارا فقد بدأت الصداقة معه مبكراً بعد مقابلته عبد الناصر فى القاهرة التي جاءها لدراسة تجربة مصر في الإصلاح الزراعي في يونيه .١٩٥٩

وفي العلاقة بين جمال عبد الناصر وتجربته الثورية في مصر وقارة أمريكا اللاتينية نجد أن لحظة إعلان تأميم قناة السويس وما تلاها من الحرب علي مصر من جانب إنجلترا وفرنسا وإسرائيل في ١٩٥٦ كانت ذات أثر بالغ علي تلك القارة البعيدة التي كانت تعيش في تلك الحقبة تجربتها الخاصة وتحولاتها السياسية وصراع تيارى الليبرالية السياسية والاشتراكية وربما الشيوعية أيضاً.

في دورية فاريا هيستوريا البرازيلية التي تعني بالدراسات التاريخية في إصدارات ربع سنوية نشر مقال بعنوان من السويس إلي بنما وما وراءها: أثر جمال عبد الناصر على أمريكا اللاتينية في الخمسينيات، للكاتب فيديريكو تيليز.

جاء في المقال أن جيلاً من المفكرين والسياسيين في أمريكا اللاتينية رأي في نجاح تجربة التأميم المصرية لقناة السويس إحياء لموجة جديدة، من المطالب اللاتينية ضد السيطرة والملكية الأمريكية لقناة بنما. وفي القارة البعيدة دعا المفكرون من تيار اليسار إلي ظهور “ناصر اللاتيني” بمعني ظهور رئيس قادم من صفوف الجيش مدعوماً بشعور قومى لا يتزعزع والتزام لا تراجع عنه بالتنمية الاجتماعية.

الدراسة المطولة يمكن أن نقتبس منها بعض الأفكار المهمة من مثل ما جاء علي لسان خوان بابلو ألفونزو المفكر الفنزويلي البارز وأحد مؤسسي منظمة أوبك حيث يذكر الدرس المهم الذي لقنه عبد الناصر للمنطقة ،وعلى حد قوله وقفت مصر بصلابة في وجه العدوان الثلاثي عام ١٩٥٦. وبنجاح مصر في الوقوف في وجه هذا العدوان أظهرت للعالم أنه من الممكن للدول الصغيرة أن تطالب بحقها في امتلاك ثرواتها وإدارة هذه المصادر بكفاءة، كما أظهرت أن التضامن الإنسانى يمكن أن يقف في وجه الظلم البين، وأن الدول الصغيرة يمكنها أن تجد القوي البشرية الكفء لإدارة مشروعات كبري مثل قناة السويس. وحث ألفونزو دول أمريكا اللاتينية علي رؤية مصر كدولة ناجحة فى كفاحها من أجل التطور والتحرر الاقتصادى وكدولة تسعى لمساعدة نفسها ومساعدة الدول العربية.

في تلك الفترة في الخمسينيات كانت المخاوف من المد الشيوعي في أمريكا اللاتينية - بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية - سبباً في وأد التجربة الاشتراكية الديمقراطية والتطور الاجتماعي. وظلت المنطقة اللاتينية تدور في الفلك الأمريكى.

نقطة تحول مهمة شهدتها أمريكا اللاتينية عندما استفادت بنما الدولة الصغيرة من تجربة مصر في تأميم قناة السويس وأدي الحراك الشعبي والسياسي هناك إلي إلغاء اتفاقية ١٩٠٣ والتي كان بمقتضاها خضعت القناة للسيطرة الأمريكية واستأثرت أمريكا بمعظم المنافع وعوائد القناة ولم تحصل بنما إلا علي الفتات، كما منحت الاتفاقية للأمريكان حق التوسع الإقليمي والأحادي والتدخل العسكري في منطقة بعرض ٥ أميال علي جانبي القناة وعبر أراضي بنما إذا دعت الحاجة. وتصاعدت حالة عدم الرضا الشعبي بين مختلف الفئات التي طالبت حكومات بنما المتتالية لإنهاء الاتفاقية.

وتصاعدت الأمور بين بنما والولايات المتحدة حتي إن الرئيس آيزنهاور أكد لإدارته ضرورة إيجاد حل لا يؤدي في المستقبل لوضع مشابه لموقف بريطانيا في السويس. ولكن إعلان تأميم قناة السويس في ١٩٥٦ أشعل الرغبات البنمية في استرداد القناة. وشهدت تلك المرحلة مناورات دبلوماسية وضغوطاً شديدة علي الدولة الصغيرة. وازدادت الأمور تعقيداً في التأميم. وفي دراسة أجرتها جامعة ميتشجان الأمريكية علي طلبة القانون في بنما سيتي أظهرت الدراسة أن الطلبة يرون أن التأميم عمل عظيم وأن مصر هي الدولة الأجنبية النموذج بالنسبة لبنما. ومع تكرار المحاولات حصلت بنما علي السيطرة علي قناتها بعد أن أرسلت بنما سفيرها في روما للاطلاع علي التجربة المصرية في عام ١٩٧٧.

وفي وقت العدوان الثلاثي رفعت صور ناصر واللافتات والشعارات المؤيدة لمصر في شوارع العواصم اللاتينية الكبري وبخاصة في الدول التي تعيش فيها جاليات عربية كبيرة نسبياً مثل الأرجنتين والبرازيل لدرجة ظهور مطالبات في البرازيل لإرسال كتيبة للمشاركة في القتال إلي جانب الجيش المصري. وفي المقابل نظمت الجاليات اليهودية في شيلي والأرجنتين والبرازيل حملات مضادة وتصوير عبد الناصر كخطر ليس فقط علي وجود إسرائيل وإنما كخطر علي منطقة المتوسط كلها، بادعاء أن إسرائيل تدافع عن نفسها وأن إنجلترا وفرنسا تطبقان القانون الدولي.

وقد ظلت فكرة العثور علي ناصر اللاتيني مسيطرة علي الفكر اليساري طوال الستينيات في أمريكا اللاتينية واستمر البحث عن شخص له مقومات الزعامة وكاريزما عبد الناصر إلا أن الفكرة تراجعت مع حلول السبعينيات ووفاة عبد الناصر وحدوث تحول في المسار السياسي المصري.