الأربعاء 26 يونيو 2024

مكتب التنسيق.. العدالة فى التعليم الجامعى

21-7-2017 | 16:43

بقلم –  إيمان رسلان

٦٠ عاماً بالتمام والكمال مرت على ذكرى تأسيس مكتب تنسيق القبول بالجامعات المصرية. ففى النصف الثانى من الخمسينيات وتحديداً يوم ١٧ فبراير عام ١٩٥٧ اجتمع المجلس الأعلى للجامعات وكان هو الآخر لم يمر على تأسيسه إلا فترة وجيزة عقب ثورة يوليو ١٩٥٢ وأصدر قراره الشهير بالبدء بالعمل فى تلقى أوراق الطلاب المتقدمين للالتحاق بالجامعات مركزياً وأطلق عليه اسم مكتب تنسيق قبول الأوراق، تسهيلاً وتنسيقاً على الطلاب للتقديم فى الثلاث جامعات المصرية الموجودة فى ذلك الوقت وهى القاهرة - الإسكندرية - عين شمس، وذلك طبقاً لظهور هذه الجامعات إلى النور.

كانت فكرة مكتب التنسيق قد بدأت الترويج لها والدعوة إليها مع بداية ثورة يوليو ١٩٥٢ وقبلها قليلاً وكان د. طه حسين العلامة ووزير التعليم فى آخر حكومة وفدية قبل الثورة قد طرح فكرة ضرورة وجود تنسيق بين الجامعات الثلاث فى مصر وبدأ فى طرح الفكرة تماماً، كما طرح فكرة أو اسم ثورة يوليو ١٩٥٢ على الحركة المباركة للجيش فى ١٩٥٢ ، كما كانت تسمى فى بداية الثورة التى نحتفل بها وبعيد الاستقلال الوطنى وبالزعيم عبدالناصر فى هذه الأيام.

كان الطلاب المصريون الناجحون فى شهادة البكالوريا وهو اسم شهادة الثانوية العامة حتى قيام ثورة يوليو ١٩٥٢ يتقدمون بأوراقهم مباشرة إلى كل جامعة وكل كلية من الجامعات الثلاث ثم ينتظرون الرد من هذه الجامعات، مما كان يمثل قلقاً ومتاعب للطالب وأسرته، سواء مادية أو معنوية، ومن هنا نشأت فكرة مكتب التنسيق لتلقى أوراق الطلاب مركزياً وهى فكرة كانت مطبقة فى عديد من الدول الأوربية وعلى رأسها إنجلترا التى كانت مصر ترزح تحت احتلالها وتقتبس منها نظم تعليمها.

ولكن تطبيق فكرة مكتب التنسيق فى مصر تأخرت إلى منتصف الخمسينيات عقب الثورة مثلما تأخر ظهور الجامعة المصرية إلى أوائل القرن العشرين، رغم وجود عدد من المدارس العليا فى مصر بداية القرن التاسع عشر.

ومكتب التنسيق مازال يعمل به حتى الآن فى إنجلترا وفى عدد من الدول الأوربية ومنها فرنسا أيضاً، وذلك للتنسيق بين الجامعات.

ومع قيام ثورة يوليو ١٩٥٢ وخروج الإنجليز من مصر عقب ذلك عام ١٩٥٤ بدأ التفكير جدياً فى تطبيق الفكرة التى كتب عنها كثيراً د. طه حسين فى أوائل الخمسينيات وهى إنشاء المجلس الأعلى للجامعات ومكتب التنسيق.

ولكن الأمور ذهبت أولاً فى اتجاه إقرار فكرة إنشاء المجلس الأعلى للتنسيق بين الجامعات، فهو مجلس تنسيقى للقرارات الجامعية وليس مجلساً فوقى يخطط للجامعات المصرية، لأن الجامعة مستقلة، كما ينص قانون إنشائها فى أوائل القرن، لذلك كان إنشاء المجلس الأعلى للجامعات فى منتصف الخمسينيات من القرن الماضى خطوة نحو التنسيق، وبعد أن خرج المجلس الأعلى للجامعات وعقد عدة اجتماعات قرر فى اجتماعه فى منتصف فبراير ١٩٥٧ خروج فكرة مكتب التنسيق إلى النور وأن تطبق مع نتائج الطلاب الناجحين فى شهادة البكالوريا وهو المسمى لشهادة الثانوية العامة الآن.

حيث كانت هذه الشهادة البكالوريا هى المؤهلة لالتحاق بالجامعة وإن كانت تسبقها شهادة اسمها التوجيهية.

كان قرار تأسيس مكتب التنسيق قبل ٦٠ عاماً وحتى الآن هو استلام أوراق الطلاب الناجحين وترتيب أعدادهم وفق الدرجات الحاصلين عليها فى شهادة إتمام المرحلة الثانوية ووفق هذه الدرجات يتم توزيع الطلاب على مختلف التخصصات فى الجامعات الثلاث ووفق أيضاً عدد من الرغبات التى يدونها الطالب مع تقديم أوراقه.

كانت هذه الخطوة نقلة هامة فى حياة الطالب وأسرته والجامعة، لأنها وفرت مشاق كثيرة وأموالاً ووقتاً ومجهودًا كان يبذله الطالب للتقديم للجامعة، يذهب إلى القاهرة والإسكندرية للتقديم للجامعة، ومن الحكايات التى تنتشر منذ ذلك الوقت وهى تأجير الغرف والشقق لإقامة الطالب وأسرته لكى يقدم إلى الجامعة، لأن وجود ثلاث جامعات فقط فى مصر كان يجذب الطلاب من كل أنحاء القطر المصرى من الصعيد والدلتا وغيرها، حيث لم تخرج جامعة أسيوط إلى النور إلا فى الستينيات.

وكانت الجامعات المصرية حتى بعد قرار إنشاء مكتب التنسيق وهو قرار تنظيمى بحت بمصروفات دراسية تحددها مجالس جامعات كل كلية، ولكن بعد قيام ثورة يوليو تم تطبيق بعض الإجراءات للتخفيف عن كاهل الطلاب بالنسبة للمصروفات الدراسية، فكان هناك نصف مجانية وإعفاء كامل وغيرها وظلت شهادة الفقر معمول بها حتى لو كان اسمها «البحث الاجتماعى».. بعد ذلك.

واستمر الوضع هكذا خمس سنوات من عمر مكتب التنسيق الوليد حتى أصدر الرئيس عبدالناصر عام ١٩٦٢ قراراه بمد مظلة مجانية التعليم إلى التعليم الجامعى كإحدى نتائج ثورة يوليو وفى الاحتفال بعيدها العاشر عام ١٩٦٢ هذه الخطوة الهامة، رفعت الأعداد المقيدة بالتعليم الثانوى بعد ذلك.

لأن عقبة مصروفات التعليم الجامعى كان لها تأثير كبير على الأعداد المقيدة والمقبولة بالتعليم الثانوى العام المؤهل للالتحاق بالجامعة.

فمثلا فى أول دفعة بعد تطبيق قرار المجانية عام ١٩٦٤ وصل عدد الطلاب الناجحين إلى ما يقرب من ٤٥ ألف طالب وطالبة وكان العدد قبل ذلك أى المقيدين بالثانوى العام أقل من هذا العدد.

ومن الطرائف التى توضحها لغة الأرقام والأعداد المتاحة حتى الآن عن أعداد المقبولين بالجامعات خلال الـ ٦٠عاماً.

سنجد أن الجامعات المصرية سواء كانت ثلاثاً فى الخمسينيات أو خمساً فى السبعينيات أو حتى ٢٢ جامعة الآن وسنجد أن التعليم المجانى نسبته قليلة جداً فى الجامعات المصرية، حتى لا تستوعب كل الناجحين فى الثانوية العامة، رغم مقولة كل وزير أن التعليم العالى يستوعب كل الناجحين، فمثلا بعد قرار المجانية فى ١٩٦٢ ستجد عدد طلاب الثانوية العامة وصل إلى ٤٤.٥ ألف طالب وطالبة فقط من التحق بهم بالجامعات ٢٠ ألف فقط، بل إنه فى عام ١٩٦٨ عقب هزيمة ١٩٦٧ كان عدد الطلاب الناجحين ٧٥ ألف طالب وطالبة التحق منهم بالجامعات ما يقرب من ٢٢ ألفاً فقط بنسبة ٪٢٩من الناجحين وذهب الباقى لسوق العمل، لأنه كانت هناك وظائف أولاً وكان هناك القوى العاملة التى توزع الناجحين.

وفى السنوات الأخيرة تحسنت نسبة وأعداد المقبولين بالجامعات الحكومية، ولكنها أبداً لم تتجاوز من ٪٥٠ إلى ٪٥٥ من الناجحين طبقاً للغة الأرقام ويذهب الباقى إما إلى المعاهد العليا «بمصروفات» أو الجامعات الخاصة أو سوق البطالة بعد إلغاء القوى العاملة.

اللافت للنظر أنه رغم أن مكتب التنسيق طبقاً لقرار إنشائه هو عبارة عن أداة أو وسيلة مواصلات «عمياء» بين أوراق ودرجات الطالب التى يحصل عليها وبين الكلية التى يلتحق بها طبقاً لقرارات الحكومة والمجلس الأعلى للجامعات، أى أنه وسيلة يتحكم فيها العرض والطلب وليس لها أدنى مسئولية فى الدرجات التى حصل عليها الطالب أو توزيعه على الكلية، وإنما المسئولية تقع على الحكومة ممثلة فى وزارة التربية والتعليم ومستوى امتحانات الثانوية العامة فى هذا العام، ثم قرار الحكومة أيضاً بالأعداد المقبولة بكل تخصص.

لذلك يصبح من الغريب واللافت للنظر جداً أن يخرج علينا وزير التربية والتعليم د. طارق شوقى ومنذ أن تولى منصبه الوزارى فى بداية هذا العام ويتحدث عن مساوئ مكتب التنسيق وعيوب عدم العدالة إلى آخره من مصطلحات كبيرة تدغدغ مشاعر العامة، مع أن الحقيقة غير ذلك تماماً.

لأن المفترض للدكتور طارق شوقى وهو أستاذ فى الهندسة أسأله كيف التحقت بتخصص الهندسة والتحقت بجامعة القاهرة، هل كان ذلك عن غير طريق مكتب التنسيق وامتحانات الثانوية العامة، وهل بعد هذا العمر بعد التخرج والتعيين بالجامعة ألم تكن امتحانات الثانوية العامة التى أديتها عادلة والتحقت بالهندسة، وإذا كانت الإجابة بنعم فلماذا تهاجم هذه الوسيلة الآن؟

وإذا كانت الإجابة بلا؟ فلماذا تقدمت إذن للالتحاق بكلية الهندسة ولم تغير مسارك وتدرس ما تحبه وفق ميولك الشخصية والعلمية ولم تستمر فى دراسة وتدريس الهندسة حتى الآن؟

لأن فى الإجابة على هذا السؤال بوضوح سنعرف سر الحملة بعد ٦٠ عاماً على إلغاء مكتب التنسيق الذى هو أعدل وسيلة حتى الآن فى ظل المتاح أمامنا مثله مثل أى وسيلة أخرى، ولذلك تطبقه أغلب دول العالم الآن وغير صحيح أن دول العالم كما يشاع ليس بها مكتب التنسيق فإنجلترا بها مكتب للتنسيق وفرنسا وغيرها من الدول الأوربية.

الأزمة ليست فى أن مكتب التنسيق ظالم وكارثة ولا يلبى ميول وقدرات الطالب وإلا لما التحق أغلب وزراء مصر الآن وعلى رأسهم د. طارق شوقى بالجامعات الحكومية، ولكن الأزمة أن عدد الأماكن المتاحة بالتعليم الجامعى قليلة للغاية ولا تتناسب مع الشريحة السنية ١٨ - ٢٣ والطلب المرتفع عالمياً على التعليم العالى فمازالت مصر تقبع فى أسفل سلم نسبة الملتحقين والمقيدين بالتعليم العالى والجامعى ولم نصل إلى نسبة ٪٣٠ من هذه الشريحة العمرية فى حين كل دول العالم تسبقنا بمراحل، إذن الأزمة فى قلة الأماكن المتاحة وليست فى المجانية أو مكتب التنسيق.

ومريم فتح الباب إحدى الـ ٣٠٠الأوائل على مستوى الجمهورية هذا العام والتى حصلت على ما يقرب من مجموع درجات ٩٩٪ وهى ابنة مكافحة لأسرة بسيطة جداً تعيش فى حجرة واحدة هى وأسرتها (مثل العشوائيات تماماً).

ولولا أن مريم فتح الباب تربت فى القاهرة العاصمة ووجدت الصورة والدعم من أسرتها أولاً التى نعطى لها احتراماً ثم المجتمع وشاهدت الجامعة وقبتها ومن أسرة مصرية أصيلة تسعى إلى حلم الجامعة والتعليم حلم كل مصرى أياً كان انتماؤه الطبقي.

دعمت الأسرة والمجتمع مريم الذى بها نبوغ فريد من نوعه ومثلها كثيرات فى مصر من خلال المجانية أكملت مواصلة دراستها ولم يقف عائق قلة ذات اليد على أن تصمم هى وأسرتها على إكمال تعليمها الثانوى العام ولتختصر الطريق إلى التعليم الفنى والحصول على «الدبلوم» وانتظار وظيفة لن تأتى أو عريس أيهما أقرب.

فإكمال مشروع التعليم حتى الجامعة والحصول على لقب «دكتورة» .

هو الهدف من جهود مكتب التنسيق والمجانية وليست هدمها، كما يصرح وزراء اليوم الذين التحقوا عن طريق مكتب التنسيق بجامعاتهم وحصلوا على بعثاتهم من جامعاتنا الحكومية فليت بمناسبة ٦٠ عاماً على مكتب التنسيق أن نكرم وندعم مسيرة مريم وكل مريم من بنات مصر ليحصلن على حقهن فى التعليم بعدالة مكتب التنسيق.