السبت 23 نوفمبر 2024

القاهرة .. مدينة ألف ليلة.. وليلة

  • 21-7-2017 | 16:57

طباعة

كتب : يحيي تادرس

عزيزي القارئ

... توقفت في المقال السابق عند «حمام» ثلاثية غرناطة للمبدعة «رضوي عاشور» ولكن اسمح لي أن أتوقف قليلاً عند بائع «عصي» التقينا به في بداية الخان

- .. اسمك

- مالوش لزوم ولا أقولك... عتمان

- منين ياعم عتمان

- بلاد الله واسعة

- م الصعيد؟

- الجواني

- وجيت مصر إزاي

ويضحك.....

شوية «فلنكات» وشوية فوج الجطورات ... كان الجروشات «القروش» عزاز أيامها ولجيت مصر زحمة ولا يوم الحشر جلت لنفسي وأنا أكون إيه ولا أروح فين في وسطيهم..

- وأول ما اشتغلت

- شغلانات كتير ويضحك

لكن أغرب شغلانات كانت أيام الانتخابات

- ازاي

- جاعد علي رصيف جدام الجهوة «القهوة» ومعايا عدة ورنيش لا مؤاخذة بُلغ «أحذية» لجيت واحد أفندي بيشاورلي

- باين عليك راجل جدع

- ده من أصلك

- تحب تكسب بريزة بحالها « عشر قروش»

- لا مؤاخذة هامسح بيهم كام بلغة «حذاء»

- هاتمشي في مظاهرة وتمسك يافطة وتقول انتخبوا ابن الدايرة

- لكن ولا مؤاخذة ابن الدايرة ده حدانا عيبة

- اسمع كلامي للآخر... ده المرشح بتاعنا

... إذا انضربت ليك كمان حتة بخمسة وإذا ضربت ليك كمان بريزة وإذا اتقبض عليك هتاخد ريال «عشرون قرشا» بحاله إيه رأيك

- ما اتخلجش لسه اللي يضربني

- خلاص اتفقنا

... ويضحك عم عتمان... وياما ضربت وياما انضربت وياما اتحبست

.. واتجلبت بعديها في شغلانات كتير لحد ما رسيت ع العصيان

....

ويقوم باستعراض «عصيانه»

... دول للباشوات ويضحك ولو أن مافيش باشوات دلوقتي غير الحكومة... ده حتي أمين الشرطة بنقوله ياباشا

... ودول للمعلمين وكان زمان للفتوات التي شفتهم في السيمة

ملحوظة من عندي:

اهتمت السينما بأفلام الفتوات ومعظمها إما روايات أو سيناريو لنجيب محفوظ

1951 المعلم بلبل «هاجر حمدي»

1957 الفتوة «فريد شوقي»

1981 الشيطان يعظ فريد شوقي - نور الشريف

فتوات بولاق نور الشريف

1982 فتوة الجبل

1982 درب العسال

1982 الناس الغلابة

1986 الحرافيش محمود ياسين وصلاح قابل

1989 السلخانة «سعيد صالح»

ولكن ليست هذه هي الحكاية .. حكاية عم عتمان إذ أن أغرب ما فيها ويكاد يقترب من التراجيديا هو ما حدث في اليوم التالي:

.... تليفون الخان ومعظم من فيه لديه رقمى

- استاذ يحيي؟

- أيوه .. مين حضرتك

- إمبارح شفنا في التليفزيون «عتمان» بتاع العصيان وطالبين من حضرتك عنوانه

- اللي أعرف إنه بيبيع في الخان

- مالجيناهوش واحنا عايزينه ضروري... ولده بيدور عليه وياريت تجول لنا ممكن نعتر عليه فيه

- الحقيقة آسف ما اتعودتش أخد عناوين ضيوفي

....

بعدها بدقائق

أنا ... ألوه مين

- عتمان

- ابن حلال... ابنك بيدور عليك

- ده موش ابني .. ده تار فوق رجبتي .. ولو عرفوا لي طريج

... طب وناوي تعمل ايه

- هااهرب لحتة اتاوي فيها

ويغلق السماعة ببطء ويكاد يبكي

ملحوظة : هذا ما حدث بالفعل خلال تجوالي

... نشكو - خاصة في المناطق البعيدة عن انظار الحكومة - من تراكم القمامة وحين أراها أجد نفسي أعيش في أجواء عام 1967 وبالتحديد في السادس من نوفمبر وهذا نصه:

تقضي إجراءات التنفيذ بفرض غرامة عن طريق محاضر «لكل من يلقي المخلفات في الطريق العام سواء من أصحاب المحال أو العاملين فيها أو شاغلي العقارات المبنية - أو المارة في الطريق العام - وتتراوح هذه الغرامة بين جنيه وخمسة جنيهات ويمكن أن يتم التصالح بعد دفع 25 قرشا بالنسبة للمارة في الطريق العام أو 50 قرشا بالنسبة لشاغلي العقارات والعاملين في المحال العامة

و... هكذا كانت القاهرة نظيفة - وأكرر كانت

......

.....و....... مررت علي عدة دكاكين وقت صلاة الظهر - كانت أبوابها إما تغلق مع تعليق لافتة صغيرة

.... مغلق بسبب الصلاة

أو ... تترك في حماية أحد العاملين بالمحال بالطبع خوفا من السرقة

.... وهنا توقفت ورجعت للتاريخ غير البعيد

في كتاب «القاهرة مدينة ألف ليلة وليلة» يكتب «أولج فولكف» كان الأمن يسود البلاد إلي درجة أن الصائغ أو «الصياد» لا يبالي بإغلاق حانوته أثناء تغيبه عنه بل كان يكتفي بمد حبل أو شبكة عبر الباب... إشارة إلي عدم وجوده وكان هذا كفيلا بمنع الدخول.

.... وكانت الأمانة سائدة بين التجار - أما ضعاف النفوس - أو من يحاول منهم الغش أو المغالاة في الأسعار كانت تصادر بضاعتهم - ثم يضعهم الحراس فوق الحمير بشكل مقلوب ويعلقون أجراسا في عنق الحمار - ويكتبون لافتة علي صدر البائع الجشع أسباب تجريسه «إذ كانت الأجراس معلقة في رقبة الحمار وحوله - كان الأطفال يزفونه في موكب يطوف بالشوارع».

....

و..... أما عن صناع المفاتيح فكان عليهم أن يقسموا يمينا فإذا ما ضبطوا يصنعون مفاتيح مقلدة - يمنعون نهائياً من ممارسة صناعتهم

...

«تاجر وترزي» كانت هذه اللافتة فوق أحد محلات الشارع وواضح أنها لافتة قديمة - مكتوبة بخط أنيق باللون الذهبي فوق أرضية سوداء «المحل الآن شبه مهجور في انتطار بيعه»...

الترزي أو الخياط تلك المهنة التي تكاد تختفي بعد شيوع الـ «بلوجينز» و.......

.... فماذا عن ترزية القرن الثامن عشر؟

كان الحائكون يزنون القماش الحرير الذي يحضره الزبون ثم يتعهدون بتسليمه ثوبا بمثل هذا الوزن في ظرف أسبوع وإلا!

.....

لافتة أخري كتب عليها:

«كوردنير هاي لايف»

و.... تذكرت هذا التوصيف لصناع الأحذية بنفس هذه التسمية في فيلم «عنتر ولبلب - سراج منير وعبدالوارث عسر- الفقراء كانوا لا يطأون بأقدامهم مثل هذه الدكاكين - حيث كانوا يرتدون القباقيب الخشبية - أما الآخرون فكانوا يرتدون أحذية الرخيص منها مصنوع من جلود الحمير ولا أعتقد أنهم كانوا يأكلون لحمها: أما الأحذية الغالية فكانت تصنع من جلد الزراف.

...

وقد اشتهر «صناع الأحذية» أو بعضهم علي الأقل الإسكافييه

- بعدم الأمانة أو الدقة - فقد كان بعضهم يحشر بين طبقات الجلد لنعل الحذاء الورق وقطعا من القماش.

....

خلال تجوالي أخذت أشاهد «الغسيل» المنشور في الشرفات بشكل لافت للنظر..

في بعض الأحياء الراقية يمنع تماما نشر الغسيل في الشرفات المطلة علي الشارع كما تمنع سرادقات الأفراح أو المياتم في الشوارع

....

في طفولتي «ببني سويف» كنت أشهد في أحد ميادينها بعض الحواة الذين كنا نطلق عليهم «جلا جلا»

....

وفي القاهرة فى «عشش الترجمان» التي تحولت إلي موقف ضخم لعربات نقل الركاب إلي جانب سوق للباعة الجائلين كان مسكنا ليس فقط للحواة ولكن «للقرداتية»

المهم... في كتاب «القاهرة مدينة ألف ليلة وليلة - للكاتب أولج فولكف» يقول عنهم:

كان الحواة «أواخر القرن الـ 18» كثرة في القاهرة وكانوا يعرضون ألعابهم في الميادين العامة برفقة غلامين وعدد من المساعدين ويخرج الواحد منهم عددا من الثعابين من جراب جلدي يضع واحدا منهم علي الأرض ويجبره علي أن يرفع رأسه وجزءاًَ من جسمه ويلف الثاني حول رأس أحد الغلامين كمعمامة ويأخذ أحد الحواة ثعبانين ويضعهما حول عنقه مثل القلادة وقد يعمد الحاوي إلي فتح «قفل» ثم يضعه في فم أحد مساعديه ويغلقه فجأة ثم يتظاهر بأنه يخرق عنق مساعده بسيخ حديد وفي الواقع أن قمة السيخ تنزلق في تجويف داخل بدن السيخ ثم يخرج من فمه مجموعة من المناديل الحريرية من مختلف الألوان ثم ينفث اللهب من فمه ويخرج من أذنيه قطعا نقدية.

... وإلي جانب الحواة - كان بعض الغجريات علي الأرض ويحملن مقاطف مملوءة بالأصداف وقطعة من زجاج ملون والودع وتتظاهرن بأنهن يقرأن «طالع» أحد المارة يكون مساعدا لهن .... وتبدأ إحداهن في قراءة ما ينتظره في المستقبل من أحداث حسنة أو غير حسنة «قارئة الودع - دعاء الكروان- فاتن حمامة وأمينة رزق»

....

أما الوشم أو «التاتو» فكان مهنتهن خاصة في الموالد فهن يزين جبهات النساء أو كفوفهن أو صدورهن برسوم مختلفة تتم «بثقب» جلد النساء بخرمه من سبع إبر - ثم تمسح الثقوب بخليط من الشحم المذاب في لبن امرأة، وبعد مرور أسبوع يدلك الوشم بعجينة من أوراق الشجر أو البرسيم ثم يلون الرسم باللون الأخضر وقد جسدت الفنانة هدي سلطان «مهنة» قارئات الودع في أغنيتها المشهورة ..

أبين زين أبين... وأبص في الودع

عزيزي القارئ

.... أيا كان موقعك في «بر مصر» أو القطر المصري باعتبار ما كان فإن «القاهرة» تكاد تكون «ملخصا» بالغ البراعة والتاريخ لما مضي من سنوات «أيام وربما عصور بأكملها» أكتب عنها لنستوعب مشاهد من «ماضينا» وتراثنا الإنسانى في بالغ التنوع والثراء.. بعض يثير الدهشة والبعض يثير التأمل لحال أجدادنا...

وأرجو أن أكون قد وفقت في نقل صور ومشاهد لما مضي ... وكان.

    الاكثر قراءة