الأحد 16 يونيو 2024

دقات المسرح .. المسرح ومهرجانه القومى (1)

22-7-2017 | 13:33

بقلم: د.عمرو دوارة

يمثل "المهرجان القومي للمسرح المصري" عرساً مسرحياً سنوياً، حيث تتضمن فعالياته تقديم أفضل الإنتاج المسرحي المتميز على مدار عام، بالإضافة إلى بعض الفعاليات الأخرى كتنظيم الندوات وتكريم نخبة من الرواد المسرحيين، وإصدار بعض الكتب التذكارية والنشرات اليومية. وهذا العام انطلقت فعاليات الدورة العاشرة يوم الخميس الماضي الموافق 13 يوليو وتستمر حتى الخميس 27 يوليو بقيادات جديدة برئاسة د.حسن عطية، ونتمنى لها بالطبع كل التوفيق وتحقيق إضافة نوعية جديدة.

كانت فكرة تنظيم المهرجان قد انطلقت عام 1996 استجابة لاقتراحات ومطالبات نخبة من كبار النقاد المسرحيين (في مقدمتهم الأساتذة الراحلون: فؤاد دوارة، سامي خشبة، سناء فتح الله، نبيل بدران) بهدف تنشيط الحياة المسرحية وتشجيع الانتاج الجيد ومكافأة المبدعين المتميزين بوصفهم قدوة للآخرين، وذلك عن طريق عقد مسابقة سنوية تستمر فعالياتها طوال العام، وبالتالي فقد تطلب الأمر تشكيل لجنة تحكيم تضم نخبة من النقاد لمتابعة جميع العروض المسرحية على مدار العام، وبالفعل توصلت اللجنة إلى النتائج التي رفض وزير الثقافة آنذاك الفنان فاروق حسني اعتمادها بسبب تسرع أحد أعضاء اللجنة (بالتحديد الصحفي الراحل أحمد عبد الحميد) بنشرها بجريدة الجمهورية قبل اعتمادها، وظل الوزير بعد ذلك يرفض بشدة تنظيم المسابقة أو إقامة المهرجان لمدة عشر سنوات كاملة.

قام بتأسيس هذا المهرجان عام 2005 الصديق الفنان د.أشرف زكي بعدما استطاع إقناع وزير الثقافة فاروق حسني بمدى أهميته، كما تحمل عبء ومسئولية تنظيمه ورئاسته خمس دورات كاملة، ومع ذلك لم يتم توجيه الشكر له !!، أو الدعوة له للمشاركة بفعالياته المختلفة خلال الدورات الأربع التالية !!، ولا أتصور أن يصبح الأمر هكذا وتختفي قيم الوفاء والعرفان بالجميل خاصة وأنه مازال يعيش بيننا حيا يرزق ومشاركا في الحياة الفنية !!

يحسب لإدارة المهرجان هذا العام قرارها بإصدار كتاب توثيقي عن الدورات التسع السابقة، يتضمن البيانات والمعلومات التوثيقية عن تشكيل اللجان والفعاليات المختلفة ونتائج التحكيم وغيرها من المعلومات المهمة، وهو الكتاب الذي تقوم بتحريره الأستاذة ماجدة عبد العليم مدير مركز المعلومات بالبيت الفني للمسرح، ويشاركها في الإعداد كل من الزميلتين هبة الله سيد وإيمان عبد العظيم. وبلاشك أن هذا الكتاب عمل توثيقي مهم جدا، خاصة إذا صدر بالفعل جامعا شاملا لكل البيانات والمعلومات المطلوبة وموثقا بأكبر عدد من الصور الفوتوغرافية، ففي هذه الحالة سيحقق الاستفادة المرجوة من إصداره وخاصة لمجموعة الباحثين والإعلاميين. وفي هذا الصدد لابد أن نشير إلى أن إصدار مثل هذا الكتاب يكشف بوضوح مدى القصور الكبير في أنشطة "المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية"، فهو الجهة المنوط بها إصدار مثل تلك الكتب التوثيقية.

المفترض أن تلتزم إدارة كل دورة من الدورات المتتالية بتنفيذ اللائحة العامة للمهرجان، تلك اللائحة التي - من المفترض أيضا أن يقوم بوضعها وصياغتها بكل دقة نخبة من كبار المسرحيين أصحاب الخبرات - تحدد الأهداف العامة من تنظيمه، بالإضافة إلى تضمينها لبعض البنود التفصيلية التي تحدد كيفية تشكيل اللجان وتحدد قيمة الجوائز وبعض التفاصيل الأخرى، ولكن للأسف فإن كل إدارة جديدة لدورة من دوراته أو بمعنى أكثر دقة كل رئيس جديد يحرص في البداية بل ويصر على تغيير تلك اللائحة أو إجراء تعديلات محورية على بنودها !!، حدث ذلك عندما قام د. عماد أبو غازي وزير الثقافة الأسبق باعتماد التعديلات التي أضيفت إلي لائحة المهرجان عام 2011، كما تكرر ذلك أيضا عندما قام وزير الثقافة الأسبق د.صابر عرب بإعتماد التعديلات الجديدة بالقرار رقم 185 لسنة 2013، وهذا العام قام د.حسن عطية أيضا بإجراء كثير من التعديلات الأساسية على اللائحة، حتى أن المهرجان بصورته الأخيرة قد يتطلب ضرورة تغيير اسمه وعنوانه من "المهرجان القومي للمسرح المصري" إلى "المهرجان القومي للمسرح العربي" !!.

هذا العام تم تنظيم هذه الدورة تحت اسم الناقدة الكبيرة د.نهاد صليحة، والحقيقة أنني أصبت بدهشة كبيرة عندما تساءل أحد المسرحيين في الندوة التي نظمتها "هيئة قصور الثقافة" لتكريمها - خلال شهر رمضان الماضي "بوكالة بزرعة" - عن مدى أهمية دورها بالحركة الأدبية والمسرحية حتى تنظم لها الندوات ويهدى إليها الدورة العاشرة للمهرجان القومي للمسرح المصري!!، والحقيقة أنني شرفت بالمشاركة في تلك الندوة والتحدث عن إسهاماتها المسرحية الكبيرة لإثراء مسرحنا العربي والمصري في مجالات النقد والترجمة والدراسات الأكاديمية وأيضا في تنشيط الحركة المسرحية ودعم المسرحيين الشباب، خاصة وأنها - من وجهة نظري - تمثل بمفردها حلقة وصل هامة بين جيل الرواد والجيل الحالي. وكم كنت أتمنى أن يصدر المهرجان كتابا عنها يكون سجلا حافلا بأعمالها وإسهاماتها المتميزة، وأن يتم توزيعه في ندوة موسعة يشارك بها أكبر عدد من المسرحيين.

يكرم المهرجان هذه الدورة خمسة رواد مسرحيين وهم الأساتذة: الفنانة الكبيرة عايدة عبد العزيز، المخرجان القديران حسين جمعة، سمير العصفوري، الشاعر والمؤلف سمير عبد الباقي، الناقد الأكاديمي محمد شيحة، والحقيقة أن جميعهم يستحقون كل التكريم، ولكن كنت أتمنى أن نمتلك ذاكرة توثيقية فلا نكرر التكريم لمن سبق لهم الحصول على تكريم أكبر كالحصول على جائزة الدولة التقديرية أو التكريم بمهرجان "القاهرة الدولي للمسرح التجريبي" أو بمهرجان "المسرح العربي"، وذلك حتى تتاح الفرصة لأكبر عدد من المبدعين، خاصة وأن المهرجان سوف يصدر كتابا تذكاريا لكل منهم، وقد سبق بالفعل إصدار بعض الكتب التذكارية عن أغلبهم قبل ذلك.

استحدث المهرجان هذا العام قسم خاص بعنوان "العروض المختارة" تشارك به العروض المسرحية التى لن تشارك فى المسابقة الرسمية، وطبقا للائحة الجديدة فإن كل فرقة تقوم باختيار القسم الذي تريد المشاركة من خلاله، على أن يتم اختيار العرض الفائز الأول فى هذا القسم، إلى جانب العرض الأول الفائز فى المسابقة الرسمية لتمثيل "مصر" فى المهرجانات العربية والدولية، وللأسف فإن هذه النظام الجديد قد أثبت فشله قبل بدء المهرجان، حيث تسبب في كثير من المشاكل ولعل أوضح مثال لها هو انسحاب المخرج الموهوب محمد جبر بعرضه "ساحر الحياة" بعدما فوجئ بأن عرضه الذي تقدم به للمشاركة بالمسابقة الرسمية قد تم إدراجه ضمن العروض الخاصة بقسم "العروض المختارة" دون موافقته !!

بعيدا عن بعض الجمل البديهية الرنانة والتي تم استهلاكها وتوظيفها كثيرا بلا موضوعية ومن أشهرها: "لا مسرح بلا جمهور"، فأنني أختلف تماما مع رغبة إدارة المهرجان في قيام الجمهور باختيار العرض الفائز بالجائزة الأولى في قسم "العروض المختارة"، وأتساءل أي جمهور هذا وقد توصلت إلى حقيقة هامة في رسالتي للماجستير عام 1990 بأن جمهور فرق الهواة جمهور مخادع، لأنه بالدرجة الأولى جمهور الأهل والأصدقاء والزملاء الذين قد يشاهدون المسرح لأول مرة، فكيف نعتمد عليهم في التحكيم، واختيار العرض الذي يمثل مصر!!، وكان الأجدى في حالة توفر فرص للترشيح أن نقوم بترشيح العرض الحائز على المركز الثاني بالمسابقة الرسمية.

أعتقد أن المنافسة ستكون شديدة جدا هذا العام بمسابقة العروض المسرحية، حيث تشارك مسارح الدولة بأربعة عروض متميزة وخاصة فرقة مسرح الطليعة التي تشارك بثلاثة عروض هي: "عندما قتلوا الغناء"، "الجلسة - شغل عفاريت"، "واحدة حلوة"، وذلك بالإضافة إلى عرض "قواعد العشق الأربعين" لفرقة المسرح الحديث. كذلك تشارك فرق الهواة بسبعة عروض متميزة حققت كل منها تميزا ببعض المهرجانات السابقة.

يشارك بهذه الدورة من عروض الجامعات والمجتمع المدني ثمانية عروض في المسابقة الرسمية، وهي: "الطقوس" من إنتاج "الجمعية المصرية لهواة المسرح"، "سينما 30" لكلية التجارة (جامعة عين شمس)، "بينوكيو" لكلية الآداب (جامعة حلوان)، "مغامرة رأس المملوك جابر" لكلية الآداب (جامعة القاهرة)، "ليلة" لفرقة المسرح الغنائي المصري، "الجميلة والواغش" لمنتخب كنائس القاهرة، "اللي بني مصر" لفريق مسرح بنك مصر، و"البرواز" لفرقة ألوان مصرية للفنون.

قراءة تفاصيل الخريطة المسرحية من خلال العروض المشاركة بفعاليات الدورة العاشرة تؤكد أن "مصر" ولادة فعلا، وأن هناك جيلاً متميزاً جدا من المخرجين الشباب الذين أثبتوا موهبتهم وقدراهم الفنية وفي مقدمتهم كل من الفنانين: شادي سرور، مناضل عنتر، سعيد سليمان، تامر كرم، أكرم مصطفى، عادل حسان، وذلك بالإضافة إلى جيل من المخرجين الشباب المبشرين جدا ومن بينهم: هاني عفيفي، محمود جمال، عمر الشحات، زياد هاني، منار زين العابدين.

وقسم العروض المختارة: يشترط على مسرحياته أن تكون قد عرضت جماهيريا في مسابقة مسرحية، ويمنح أفضل عرض قدم فيه، ويختاره الجمهور المتلقي، درع التميز في هذا القسم، ويتم ترشيحه لتمثيل الوطن مع العرض الأول الفائز في المسابقة الرسمية في المهرجانات .