الأربعاء 22 يناير 2025

مقالات

لحن لم يكتمل

  • 30-6-2022 | 09:42
طباعة

في حياة كل منا قصة حب، أشبه بلحن لم يكتمل، أصبحت مجرد ذكرى توارت بفعل الزمن وأشياء أخرى، أعظم روايات العاشقين تلك التي لم تكتمل، تلك التي تتذكرها عند مرورك بمرسى أول لقاء جمعكم، تشعر بها وأنت تستمع إلى لحن ظل يتردد صداه على آذان كليكم في لقاء كانت الجمل فيه تلك النظرات المتبادلة. 

كم من قصص حب انتهت ولم يبقى منها سوى ذلك اللحن الذي لم يكتمل، أنها أعظم روايات العاشقين، لم يتبقى منها سوى تلك الرسائل بينكما، وبعض روايات العاشقين خلدها الأدب وظلت جزءًا من تراث العاشقين. 

في تسعينيات القرن الماضي نشرت الأديبة السورية غادة السمان، كتاب يحمل عنوان "رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان" حاويًا بين دفتيه تلك الرسائل التي تروي قصة حب جمعت بينهما، قصة أشبه بلحن لم يكتمل. 

كان أول لقاء بينهما عابر في جامعة دمشق، أما اللقاء الثاني كان خلال حفل بالقاهرة، جذبته إليها آنذاك بحضورها البريء، وقال لها "مالك تبدين كطفلٍة ريفيٍة تدخل المدينة أول مرة؟"، كانت تلك الجملة بداية لعلاقة حب لم تكتمل، بسبب تحديات كثيرة بينها اختلاف الديانة، وزواج "كنفاني" من سيدة أخرى. 

وبالرغم من كل التحديات التي جعلت من زواجهما المستحيل بعينه، إلا أنه ظل يكتب لها تلك الرسائل التي تمكنت من جمع بعضها بعد حريق منزلها في بيروت، انتهت قصة الحب نهاية درامي علي يد جهاز الموساد الذي دبر حادث اغتيال للمناضل الفلسطيني غسان كنفاني في 8 يوليو 1972. 

لتظل تلك الرسائل هي ذلك اللحن الذي لم يكتمل، ومن أجمل ما كتب "كنفاني": "لكنني متأكد من شيء واحد على الأقل، هو قيمتك عندي، أنا لم أفقد صوابي بك بعد، ولذلك فأنا الذي أعرف كم أنت أذكى وأنبل وأجمل. 

لقد كنت في بدني طوال الوقت، في شفتي، في عيني وفي رأسي.

كنت عذابي وشوقي والشيء الرائع الذي يتذكره الإنسان كي يعيش ويعود، إن لي قدرة لم أعرف مثلها في حياتي على تصورك ورؤيتك، وحين أرى منظراً أو أسمع كلمة أو أعلق عليها بيني وبين نفسي أسمع جوابك في أذني، كأنك واقفة إلى جواري ويدك في يدي". 

ذلك هو تراث العاشق العربي في زمن ليس ببعيد، هل تغير واقع العاشقين؟! هل فقدنا بوصلة الحب في بلاد الشرق، كيف تحولت قصص الحب إلى مأساة على قارعة الطريقة، والعاشق إلى سفاك للدماء والمحبوبة إلى ذبيحه، لقد أصبح مسلسل جرائم الحب جزء من صفحة الحوادث في مصر والأردن ولا أعلم أين ستكون المحطة المقبلة!.

انتبهوا أيها السادة، ما يحدث هو نتاج لتغير في ثقافة المجتمع، ثقافة متردية يمكنك أن ترصد ملامحها في كلمات ما يسمى بـ"المهرجانات" ومشاهد العنف في الدراما، وغرس قيم بشكل غير مباشر تعيد تشكيل العقل الجمعي للمجتمع، فقد غابت الطبقة المتوسطة عن الدراما بكل ما كانت تحمل من قيم، لتحل محلها إما الطبقة المترفة بكل قيمها الاستهلاكية والمادية لتصبح حلم لكل شاب وفتاة ترغب في الانتقال إلى ذلك العالم المبهر، بالتأكيد لست ضد حلم صعود الشباب لكن أتوقف أمام طريقة تحقيق الحلم، أو عليك أن تقبل بمشاهد العنف ولغة مسفة في كل مشهد عند تناول الطبقات البسيطة في المجتمع. 

أن المشهد الاجتماعي الراهن ينذر بخطر كبير، لقد أصبح العالم الافتراضي على منصات التواصل الاجتماعي، هو من يصنع القدوة للأبناء، والملهم الحقيقي لهم، وتحول إلى مصدر عمل لفاقدي المهارة والباحثين عن الشهرة، لك أن تتخيل أحد الشباب وهو يعرف نفسه بـ"نجم تيك توك" وأخرى تستعرض حياتها اليومية على يوتيوب إذن ماذا ننتظر؟، بالتأكيد علاقات غير سوية تنتهي بدماء على قارعة الطريق.. استفيقوا يرحمكم الله.  

الاكثر قراءة