بدأت صباح اليوم، أعمال المنتدى الاقتصادي المصري ـ الجزائري المشترك، برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، والوزير الأول الجزائري أيمن بن عبد الرحمان، والمقام بالمركز الدولي للمؤتمرات بالجزائر العاصمة، تحت شعار: "الجزائر ـ مصر: تاريخ وقواسم مشتركة في خدمة الشراكة الاقتصادية الواعدة"، وذلك بحضور الوفدين الوزاريين من البلدين، ومسئولي غرف التجارة والصناعة، وممثلي القطاع الخاص بمصر والجزائر.
وألقى الدكتور مصطفى مدبولي كلمة في افتتاح المنتدى، استهلها بتوجيه أخلص التهاني القلبية لنظيره الجزائرى، ولكل الأشقاء في الجزائر؛ بمناسبة قرب الاحتفال بالعيد الستين لاستقلال الجزائر.
وبهذه المناسبة، عبر رئيس الوزراء عن أطيب التمنيات القلبية للجزائر الشقيق وشعبها العظيم، بدوام الاستقرار ومزيد من التقدم والرقي والازدهار في ظل القيادة الحكيمة لفخامة السيد الرئيس عبد المجيد تبون، متوجها بالشكر الجزيل لحكومة الجمهورية الجزائرية على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، وحُسن تنظيم هذا المنتدى واجتماعات اللجنة العليا المشتركة.
وقال رئيس الوزراء: إننا نولي منتديات الأعمال اهتماماً كبيراً لا يقل عن اجتماعاتنا الحكومية، بل أؤكد أن قسطا وافرا من مباحثات الحكومتين الجزائرية والمصرية يُركز على وضع الأطر التنظيمية وإطلاق الآليات المناسبة لتوفير أفضل مناخ استثماري، وأيسر بيئة للأعمال، الأمر الذي يتيح آفاقا رحبة لانطلاق أصحاب الأعمال والمستثمرين في بلدينا نحو شراكات تنموية وتكامل بناء في مختلف قطاعات الإنتاج السلعي والخدمي.
وأضاف: لا شك أن اهتمامنا يتنامى يوما بعد يوم بعقد مثل هذه المنتديات، انطلاقاً من إيمان مشترك بالدور الحيوي للقطاع الخاص في دفع النشاط الاقتصادي، والمساهمة في تحقيق التنمية، خاصة في هذا الظرف التاريخي الذي يمر به الاقتصاد العالمي، وما يُواجهه من تداعيات ناتجة عن جائحة "كوفيد-19"، والأزمة الروسية - الأوكرانية، والتغير المناخي، وغيرها من أزمات جللٍ تتطلب تعزيز درجة الصمود الاقتصادي، وتكيف السياسات التنموية عبر التعاون والعمل المشترك، ولذا فإننا نحرص على الحوار والتشاور مع الحكومات الصديقة والشقيقة؛ من أجل تنسيق السياسات، وتبادل الخبرات والرؤى، لتحفيز القطاع الخاص على مزيد من الاستثمار والإنتاج والتوظيف، ونقل التكنولوجيا وتوطينها؛ لما لذلك من أثر إيجابي في ضبط الأسواق والأسعار، وزيادة مستويات الدخل، ورفع معدلات النمو والإنتاجية.
وفي هذا الإطار، أكد رئيس الوزراء أنه في ضوء ما يحتاجه القطاع الخاص من تيسير حركة انسياب السلع وتدفقات رؤوس الأموال وحرية تحويل الفوائض، فقد تناقش المختصون في حكومتي البلدين حول كل الشواغل، وتوصلنا إلى تفاهمات لزيادة حجم التجارة بين بلدينا للمستوى الذي يتلاءم مع الإمكانات الإنتاجية فيهما، وحجم السوق الكبير في كل من مصر والجزائر، مع الأخذ في الاعتبار ما تتطلبه زيادة التجارة من توفير بنية أساسية ووسائل نقل حديثة، لافتا إلى أن الاتفاق مؤخرا بين مصر وتونس على العمل لتسيير خط ملاحي منتظم لنقل البضائع بين البلدين، يجعلنا نتطلع أيضًا إلى تسيير خط ملاحي منتظم بين موانئ مصر والجزائر؛ بهدف زيادة وسرعة انسياب التجارة بين بلدينا.
وخلال كلمته، أكد رئيس مجلس الوزراء أن حضور الوفد الوزاري المصري اليوم في هذه اللقاءات والمباحثات يمنح الفرصة لاطلاع الجانب الجزائري على ما أنجزته الدولة المصرية على المستوى الوطني من تطوير لمناخ الأعمال، لضمان اضطلاع القطاع الخاص الوطني والأجنبي بالدور الأكبر في مساعي التنمية، وفي هذا الصدد قال الدكتور مصطفى مدبولي: لا يخفى عليكم الظروف الاستثنائية التي طالت الدولة المصرية منذ عدة سنوات، وخلفت آثارا على كل من الأمن الاجتماعي للمواطن، والقدرات الإنتاجية لقطاع الأعمال، والبنية التحتية والمرافق، وغيرها من مقومات التنمية التي أثرت سلبًا على الصورة الذهنية للدولة وقوتها الشاملة، مضيفا: وحينها اتخذت الدولة المصرية؛ حكومة وشعبًا قرارها بالنهوض مرة أخرى، ومحاربة الهدم بالبناء، لتعويض ما فات. ولذا فقد توجهت الدولة إلى إنجاز المشروعات التنموية العملاقة، وتدخلت لسد الفجوات التي لم يكن القطاع الخاص قادرًا على توفيرها.
واستكمل: من هُنا أخذت الدولة على عاتقها مهمة التخطيط والتمويل، وشاركت آلاف الشركات الوطنية في إنجاز كل مشروع عملاق تم على أرض مصر، وحققنا بمشاركة القطاع الخاص المصري نهضة تنموية كبيرة فتحت آفاقا واسعة للعمل وزيادة الدخل القومي، وخلقت فرصا استثمارية متعددة الأنشطة، ووفرت الملايين من فرص العمل لشبابنا، ولا تزال النهضة العمرانية مستمرة والمشروعات العملاقة تغير وجه الحياة في مصر وتساهم في تدشين "الجمهورية الجديدة".
كما أكد رئيس الوزراء أن ما تحقق من إنجاز لم يكن فقط في المشروعات العملاقة التي قادتها الدولة لتحقيق التنمية، بمشاركة القطاع الخاص، ولكننا أيضًا عملنا جاهدين لتحسين مناخ الاستثمار في مصر، من خلال العديد من الإصلاحات التشريعية والإجرائية والمؤسسية، بهدف تيسير وتبسيط الإجراءات على المستثمرين، موضحا أنه صدر قانون جديد للاستثمار وتم تعديل قانون الضرائب، وقانون مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية والخدمات والمرافق العامة، وغيرها من التشريعات التي تخدم القطاع الخاص وتسهل مسيرة التعاون.
وفي الإطار نفسه، أضاف مدبولي أن الدولة قامت كذلك خلال السنوات القليلة الماضية بالعديد من الإصلاحات الإجرائية والمؤسسية؛ بهدف تيسير وتبسيط الإجراءات على المستثمرين، مما أسهم في تحقيق نتائج إيجابية في مجال تأسيس الشركات، من حيث الوقت والتكلفة وعدد الإجراءات اللازمة لبدء النشاط وتسجيل الشركات من خلال مراكز خدمة المستثمرين بالهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، وعكفنا على الحد من البيروقراطية وتبسيط وتعزيز العمليات الاستثمارية بالسوق المصرية.
وسرد رئيس الوزراء الخطوات المتبناة في هذا الصدد، مؤكدا أن أبرز هذه الخطوات تمثل في خفض المدة الزمنية اللازمة لاستصدار الموافقات والتراخيص إلى 20 يوم عمل بحد أقصى، إلى جانب تفعيل مادة مهمة للغاية في قانون الاستثمار، وهي منح الرخصة الذهبية، التي تَجُب كل الموافقات الأخرى في المشروعات التنموية الكبيرة، سواء صناعية أو أي مشروعات أخرى ترى الدولة أنها ذات أهمية وتساهم في نمو الاقتصاد المصري، مشيرا في الوقت نفسه إلى تشكيل الوحدة الدائمة لحل مشكلات المستثمرين بمجلس الوزراء، تحت إشرافه المباشر، موضحا أن ذلك صدر رغم وجود آليات فعالة أخرى في هذا الشأن، إلا أنه يأتي لتلقي أية مشكلات للمستثمرين والعمل على حلها وتسويتها على الفور في غضون أيام قليلة؛ للمساهمة في تهيئة مناخ جيد لبيئة الاستثمار في مصر.
واستكمل سرد الإجراءات التي اتخذتها الدولة المصرية، منوها في هذا الشأن إلى القيام بحوْكمة المؤسسات الرقابية الرئيسة بالدولة، التي من شأنها حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، وحماية المستهلك، والحفاظ على سلامة الغذاء والدواء، مشددا على أن شغلنا الشاغل في مصر يتمثل حالياً في إفساح المجال للقطاع الخاص، منذ أن بدأنا برنامج الإصلاح الاقتصادي الجريء الذي أنجزته مصر خلال الفترة 2016 – 2019، وما تبعه من برنامج وطني للإصلاحات الهيكلية ذات الأولوية، وكان محل إشادة من المنظمات الدولية المختصة.
وخلال كلمته، أشار رئيس الوزراء أيضا إلى الخطوات المهمة التي اتخذتها الدولة المصرية بناء على توجيهات فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، حيث عقدت الحكومة المصرية مؤتمرا صحفيا عالميا، تضمن مجموعة واضحة من الخطوات التي سنتخذها خلال الفترة المقبلة، وبدأنا تنفيذها بالفعل، وذلك بدءًا من إعداد وثيقة "سياسة ملكية الدولة"، وهي وثيقة شديدة الأهمية نضعها أمام العالم والقطاع الخاص، لتحديد فلسفة تواجد الدولة بمؤسساتها المختلفة في النشاط الاقتصادي، وتُعلن آليات التخارج من الأنشطة التي ترى الدولة أن القطاع الخاص عليه أن يضطلع بها جزئيًا أو كليًا.
وقال رئيس الوزراء : اليوم، ونحن نُطلق مرحلة جديدة من العلاقات الاقتصادية المصرية الجزائرية، يشهد الشأن المصري حوارا علميا جادا بشأن مُسودة هذه الوثيقة، ومن المخطط أن يستمر هذا الحوار بمشاركة فعالة من لفيف من الخبراء والمختصين ومُمثلي القطاع الخاص أنفسهم، خلال شهرين، وفي سياق متصل، تتبنى الحكومة المصرية مسارات إضافية لتعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد المصري؛ يأتي في مقدمتها إنشاء شركات قابضة كبيرة لطرحها في أسواق الأوراق المالية بالتركيز على قطاعات النقل البحر ي والفندقي، بجانب طرح عدد من الشركات في البورصة المصرية خلال المرحلة المقبلة، فضلا عن طرح شركات مملوكة للدولة أو بيع حصص منها للمستثمرين الاستراتيجيين، بالإضافة إلى طرح مشروعات جديدة للاستثمار الأجنبي المباشر في مجالات: الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والطاقة الجديدة والمتجددة.
وأضاف: نهدف أيضًا إلى فتح مجالات جديدة للاستثمار الأجنبي المباشر في الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ومشروعات تحلية مياه البحر، والطاقة الجديدة والمتجددة، وقد بدأنا بالفعل بطرح مشروعات جديدة للاستثمار الأجنبي المباشر في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر الذي يعد مجالاً استثمارياً واعداً، كما أنه يتماشى مع خطة الدولة للتحول إلى الاقتصاد الأخضر.
بالإضافة إلى ذلك، أشار رئيس الوزراء إلى قيام الدولة أيضا باتخاذ قرار مهم آخر وهو السماح بتأسيس الشركات افتراضيا دون الحاجة إلى التواجد بصورة مادية، لإتاحتها أمام قطاعات مثل الشباب ورواد الأعمال والشركات الناشئة، وذلك لتشجيع هذه القطاعات على البدء في مشروعاتها الخاصة دون معوقات، ويتم متابعة تنفيذ ذلك على أرض الواقع مع جهات الدولة المعنية.
وعلى صعيد الحوافز، أشار رئيس الوزراء إلى أن الحكومة المصرية توسعت بشكل ملحوظ في الحوافز الممنوحة للمستثمرين، كما يجرى إعداد مجموعة أخرى من الحوافز سيكون من بينها حافز ضريبي يُمنح للمشروعات التي ستنشأ من البداية في مناطق جغرافية بعينها، وأبرزها مدن الجيل الرابع، مثل العاصمة الإدارية الجديدة، والعلمين الجديدة، والمنصورة الجديدة، والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، لنشجع على الاستثمارات الجديدة في هذه المناطق الجغرافية التي نراها مناطق تنموية خلال المرحلة المقبلة.
ووجه الدكتور مصطفى مدبولي حديثه لمُمثلي القطاع الخاص الجزائري قائلا: إننا نستهدف زيادة نسبة مساهمة استثمارات القطاع الخاص في إجمالي الاستثمارات العامة من 30% حاليا لتصل إلى 65% من اجمالي الاستثمارات في مصر خلال السنوات الثلاث المقبلة، ولذا فأمامكم سوق واعدة في بلدكم الثاني مصر، وتنتظركم فرص استثمار متنوعة ومربحة.
وقال رئيس الوزراء إن الجهود التي بذلناها انعكست بالفعل على رؤية المنظمات الدولية ووكالات التصنيف الائتماني؛ فمنذ أيام قليلة، رفعت وكالة فيتش توقعاتها لنمو الاقتصاد المصري من 5.6٪ إلى 6.2٪ عام 2022، ويعود ذلك في الأساس إلى زخم الإصلاحات الاقتصادية التي تؤيدها النظرة الدولية لمصر، ويأتي في مقدمتها، شروع الحكومة المصرية في تنفيذ العديد من الإصلاحات المتعلقة بالموازنة والسياسات المالية، وإجراءات السياسة النقدية والتواصل مع صندوق النقد الدولي للحصول على برنامج تمويل جديد، بالإضافة إلى إعلان الحكومة عن خطط لطرح أسهم في شركات مملوكة للدولة، فضلا عن مجموعة جديدة من الإصلاحات المالية من خلال رقمنة النظام الضريبي وتطوير منظومة الجمارك.
كما وجه الدكتور مصطفى مدبولي حديثه لممثلي القطاع الخاص المصري قائلا: جئتم بهذا الحضور المتنوع تلبية لرغبة أشقائنا الجزائريين، ولديكم أشقاء يعملون منذ سنوات في الاقتصاد الجزائري سوف تستفيدون بخبراتهم وتجاربهم، كما أحثكم على مزيد من الاستثمار والشراكات واغتنام الفرص المتاحة في السوق الجزائرية تحقيقا للمنافع المشتركة.
وسرد رئيس مجلس الوزراء أرقاما تُشير إلى حجم التبادل التجاري بين مصر والجزائر، معربا عن تطلعه إلى ضرورة أن يعمل الجانبان المصري والجزائري على مضاعفة هذه الأرقام في المستقبل القريب.
واختتم رئيس الوزراء كلمته بتهنئة المشاركين في الفعاليات بعقد هذا المنتدى، موجها الشكر للحكومة الجزائرية الشقيقة على حسن التنظيم، ومتمنيا دوام التوفيق والسداد للجميع، كما أعرب عن سعادته في الاستماع لرؤى ممثلي القطاع الخاص الجزائري ومشاغلهم واستفساراتهم بشأن أي جانب من جوانب اهتماماتهم عن السوق المصرية وفرص الاستثمار بها.
وقال رئيس الوزراء: وختاماً.. ونحن على أعتاب أيام قليلة من ذكرى الاحتفال بمرور 60 عاماً على استقلال الجزائر. وأنتم أيها الأشقاء تحتفلون هذا العام تحت شعار "تاريخ مجيد .. وعهد جديد".. لا أجد أغلى من هذه الجملة الخالدة من النشيد الوطني الجزائري، لأختم بها كلمتي: "قد مددنا لك يا مجد يداً .. وعقدناً العزم أن تحيا الجزائر .. فلتحيا الجزائر .. وتحيا مصر".