اسمه الحقيقي «رفعت علي سليمان الجمال»، بينما اشتهر باسم «رأفت الهجان» في مصر وإسرائيل، ولد في مدينة دمياط في 1 يوليو 1927، هو مواطن مصري رحل إلى إسرائيل بتكليف من المخابرات المصرية في إطار خطة منظمة في يونيو عام 1956، وتمكن من إقامة مصالح تجارية واسعة وناجحة في تل أبيب، وأصبح شخصية بارزة في المجتمع الإسرائيلي، وقام بالتجسس وإمداد جهاز المخابرات المصري بمعلومات مهمة تحت ستار شركة سياحية داخل إسرائيل، حيث زود بلاده بمعلومات خطيرة، وكان له دورًا فعال في الإعداد لحرب أكتوبر سنة 1973أ بعد أن زود مصر بتفاصيل عن خط برليف.
بدايات رأفت الهجان
تناقل رفعت في بداية حياته بين العديد من الوظائف في عدد كبير من الدول، ولكنه كان يتنقل بجوازات سفر مزورة لأشخاص مختلفين في الجنسيات، وعندما تم القبض عليه في بريطانيا، وعلى الرغم من أنه كان يحمل جواز سفر بريطاني، إلا أن البريطانيين شكوا بأنه يهودي وتم تسليمه إلى المخابرات المصرية، التي بدأت في التحقيق معه على أنه شخصيه يهودية.
واستنادًا إلى المخابرات المصرية، كانت التهمة الرئيسية للهجان عند إرجاعه إلى مصر قسرًا، هو الاعتقاد أن الهجان هو ضابط يهودي يُدعى «ديفيد ارنسون»، وفي نفس الوقت تم العثور بحوزته على شيكات موقَّعة باسم رفعت الجمال، وكان يتكلم اللغة العربية بطلاقة.
وكان المسؤول عن التحقيق معه، الضابط حسن حسني من البوليس السري المصري، وبعد استجواب مطول، اعترف رفعت الجمال بهويته الحقيقية، وكشف كل ما مرت عليه من أحداث واندماجه مع الجاليات اليهودية، حتى أصبح جزءًا منهم واندماجه في المجتمع البريطاني والفرنسي.
وقام حسن حسني بدس مخبرين في سجنه؛ ليتعرفوا على مدى اندماجه مع اليهود في معتقله، وتبين أن اليهود لا يشكون ولو للحظة بأنه ليس يهوديًا مثلهم، وتم في تلك الأثناء واستنادًا إلى المخابرات المصرية، التأكد من هوية الهجان الحقيقية.
حينها عُرض خياران للهجان، إما السجن وإما محو الماضي بشخصيته، ويصبح جاسوسًا للمخابرات المصرية بين اليهود في إسرائيل، وبعد أن وافق رفعت الجمال على هذا الدور، بدأت عمليات تدريب طويلة وشرحوا له كل ما سيحتاجه في مهمته السرية؛ للحفاظ على حياته وإثبات هويته الجديدة.
رأفت الهجان
رأفت الهجان جاسوس مصري داخل إسرائيل
وأصبحت هويته تحمل اسم "جاك بيتون"، ولد في 23 أغسطس 1919 من أب فرنسي وأم إيطالية، وديانته يهودي اشكنازي، وصار له جواز سفر إسرائيلي صادر من تل أبيب برقم (146742)، وانتقل للعيش في حي في الإسكندرية يسكنه الطائفة اليهودية، وحصل على وظيفة مرموقة في إحدى شركات التأمين، وانخرط في هذا الوسط وتعايش معهم حتى أصبح واحدًا منهم.
وفيما بعد، تم تسلم الهجان مبلغ 3000 دولار أمريكي من المخابرات المصرية؛ ليبدأ عمله وحياته في إسرائيل، وفي يونيو 1956 استقل سفينة متجهة إلى نابولي قاصدًا أرض الميعاد.
وقام في سنوات إقامته بإسرائيل، بتسريب الكثير من المعلومات التي تهم مصلحة المخابرات المصرية من بينها: تزويد مصر بموعد العدوان الثلاثي على مصر قبله بفترة مناسبة، إلا أن السلطات لم تأخذ الأمر بمأخذ الجد، وتزويد مصر بموعد الهجوم عليها في 1967، إلا أن المعلومات لم تأخذ مأخذ الجد لوجود معلومات أخرى تشير بأن الهجوم سيكون منصبًا على سوريا.
كما أبلغ مصر باعتزام إسرائيل إجراء تجارب نووية، واختبار بعض الأسلحة التكنولوجية الحديثة، أثناء لقائه برئيسه علي غالي في ميلانو، وزود مصر بالعديد من المعلومات التي ساعدت مصر على الانتصار في حرب أكتوبر، وكانت له علاقة صداقة وطيدة بينه وبين موشي ديان، وعيزر وايزمان، وشواب وبن غوريون اليهود.
رأفت الهجان في إسرائيل
انتهاء خدمة رأفت الهجان في المخابرات المصرية
عندما بدأ رفعت الجمال في تصفية أعماله في إسرائيل؛ استعدادًا للانتقال إلى ألمانيا بصحبة زوجته وأطفاله، تدهورت الأوضاع السياسية بين إسرائيل ومصر، وكانت هذه هي البداية لما حدث في عام 1967.
وكان الهجان متردد بين ذهابه ومجيئه بين إسرائيل وألمانيا، واستطاع في أبريل أن يخطر رئيسه بالمخابرات: بأن إسرائيل عمدت إلى القيام بعمليات استطلاع للكثير من القواعد العسكرية الجوية العربية الأساسية وتصويرها من الجو، وأنهم في إسرائيل أعادوا بناء نماذج مطابقة لكل قاعدة وتدربوا على قصفها من الجو، وأضاف أن من بينها مواقع مصرية، وأعرب عن تصوره بأنه إذا كان ثمة احتمال لعملية عسكرية، فإنها ستكون عن طريق القيام بهجمات جوية ضخمة.
ولم يأخذ أحد معلوماته مأخذًا جادًا، وساد التوقع بأن إسرائيل لو حاولت القيام بعمل عسكري، فإنها ستهاجم سوريا، وجاهد الهجان لإقناعهم بأن الضربة ستوجه إلى مصر، ولكنهم لم يصدقونه.
وفي شهر مايو، أغلق جمال عبدالناصر مضيق تيران أمام جميع السفن الإسرائيلية، وفي يونيو هاجمت إسرائيل القواعد الجوية الكبرى في مصر وسوريا والأردن والعراق على السواء، ولذلك غضب الهجان كثيرًا لعدم تصديق المعلومات التي أبلغ المصريين بها قبل الكارثة بفترة طويلة، وعزم على أن يترك العمل مع المخابرات المصرية.
ومضى الوقت ومات عبد الناصر، وأصبح السادات رئيسًا لمصر في عام 1970، وتخلى في هذه الأثناء عن منزله في إسرائيل، واعتاد أن يعيش بفندق كلما ذهب إلى هناك، وأسس شركة جديدة في ألمانيا بإسم «بي تي إم» للسمسرة وتجارة النفط، وسارت الأمور كما أحب وذهب أولاده للمدرسة، وقررت زوجته تأسيس بوتيك صغير لملابس السيدات، وقلت تدريجيًا زياراته لإسرائيل ولم يخرج منها غنيًا، وأصبح عمله كجاسوس ليس به جديد سوى أعمال روتينية.
رأفت الهجان وزوجته
وخلال زيارته الأخيرة لإسرائيل، عمد إلى أن يقوم بآخر عملية تجسس له، وربما الأهم والأخطر شأنًا لصالح مصر، حيث كانت العلاقات السياسية بين إسرائيل ومصر قد تدهورت مرة أخرى، مع استمرار الجدل بشأن شبه جزيرة سيناء، وللمرة الثانية أخذ القدر مساره في اتجاه العنف.
واكتشف من خلال سام شواب، أن ثمة تخطيطًا لتوجيه ضربة عسكرية أخرى ضد مصر، وأدرك أن من واجبه أن يعمل، وتلقى معلومات عن طريق كل من (شواب) و(ديان) و(وايزمان) عن الخطط العسكرية المختلفة المبيتة.
وعند نقلها للمخابرات المصرية صدقوه هذه المرة، وبذلك ولأول مرة انتصرت مصر على إسرائيل في حرب 1973.
وقرر أن هذه نهاية عظيمة لمهمته، وأبلغ رئيسه أن هذه نهاية عمله معهم، وعاد إلى ألمانيا حيث حصل على الجنسية الألمانية وجواز سفر ألماني، وأصبحت إقامته وأسرته شرعية في البلاد، وتخلص من جواز سفره الإسرائيلي، ففي النهاية كان دائمًا مصريًا في صميم فؤاده، بل كان الزعم بأنه إسرائيلي أو يهودي يجرحه في داخله، ولكن كان الواجب يقتضيه أن ينجز مهمته، وقد أداها على خير وجه، واستطاع أن يقول بشكل ما إنه كان فخورًا بنفسه قليلًا.
وفاة رأفت الهجان
توفى رأفت الهجان فى 30 يناير 1982 ودُفن فى 3 فبراير، وبعد وفاته بـ 6 سنوات، تحول لأسطورة ينتظرها مشاهدو الدراما الرمضانية في العالم العربى في ١٩٨٨في مسلسل "رأفت الهجان".