الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

مقالات

فوضى الفتاوى

  • 1-7-2022 | 01:12
طباعة

استمرار حالة الفوضى في إصدار الفتاوى الدينية.. والإساءة للثوابت الدينية.. والرموز الدينية وحالة الإنكار لما هو متفق علىه وثابت والتي وصلت إلى المساس بالنصوص القرآنية المقدسة.. فمن مبروك عطية إلى سعد الهلالي.. وما بينهما من مهاترات وإساءات تشكل خطراً داهماً على أمن وسلامة المجتمع.. لذلك لابد أن نواجه أنفسنا ونتصدى لحالة الانفلات والإساءة للدين، لذلك علينا أولاً: أن نقرر توحيد جهة الفتوى.. وتحديد مجموعة من الضوابط والمعايير والاشتراطات لكل من يتحدث في أمور الدين.. يجب أن تصل إلى الحصول على رخصة لمزاولة الحديث للعامة وفي الإعلام في أمور وقضايا الدين.. وألا نجعل الأمر مستباحاً لكل من «هب ودب».. وألا نسمح للدخلاء الذين سيجلبون لنا الفتن والفرقة والسخط.. فلم ننته من قضايانا وتحدياتنا حتى نتحدث في الحجاب فرض أم عادة.. اتركوا للناس حرية القرار والاختيار فلهم رب واحد سوف يحاسبهم.. فهذه الحملة الشرسة التي توجه سهامها للدين تأتي من مجموعة لا يثق المصريون فيهم.. ولا يحظون بالقبول لديهم.. فما نكتبه من مقالات لمحاولة التقويم والتحذير والإصلاح أقل بكثير من حالة الحنق والغضب لدى الرأي العام وفي الشارع.. فما لدينا من تحديات نتاج أزمات عالمية، أو مجتمعية يكفينا لأن نسخر طاقاتنا وأفكارنا وجهودنا لمجابهة هذه التحديات.

توحيد «جهة» الفتوى.. ورخصة «مزاولة» للحديث في الدين.. والتصدي للمؤججين للفتن..لمواجهة الفوضى العارمة في الإساءة للدين والرموز الدينية، والتشكيك في العقيدة لأن فيها خطراً قاتلاً.. وغياباً لأولويات الوطن.. ومساساً بالاصطفاف المجتمعي..

فوضى الفتاوى

هل انتهينا من كل مشاكلنا وشواغلنا وقضايانا والتحديات التي تواجه هذا العالم، والتداعيات الخطيرة التي خلفتها الحرب الروسية- الأوكرانية.. وقائمة طويلة من الأزمات تواجه العالم فرضت علىنا تحديات في الداخل.. هل لدينا الرفاهية والوقت والأريحية حتى نتحدث في الحجاب فرض أم عادة؟، والسؤال لماذا الآن؟ وما هي سر الهجمة المنظمة من قبل شخصيات بعينها على الإسلام، ماذا وراء الدكتور سعد الدين الهلالي وماذا يحمل لهذا الدين؟ وماذا عن الأستاذ إبراهيم عيسى وفاطمة ناعوت وخالد منتصر وإلهام شاهين وأحمد عبده وإسلام البحيري، ما هي مرجعيتهم؟، وإلى أين يريدون أن يأخذونا ولمصلحة من؟.

لماذا لا نترك للناس الاختيار ونحترم هذا الاختيار ولا نتدخل في قرار من تريد الحجاب أو بدونه، والسؤال المهم لماذا كل هذا الهجوم على الحجاب ومن قبله ثوابت دينية راسخة اتفق علىها عموم الفقهاء وأئمة الإسلام، ولماذا نترك الحبل على الغارب لكل من هب ودب يتحدث في الدين والقضايا الشائكة التي لا يعلمها إلا أهل العلم والتخصص والذكر، وما هذه الفوضى العارمة التي تثير سخط الرأى العام على هؤلاء الذين ينبشون من أجل إحداث الفتن فالأسى والسخط لدى الرأى العام يفوق بكثير مجرد كتابة مقال ينتقد هذه الفوضى والانفلات وعدم وضع ضوابط ومعايير لمن يتصدون للحديث في أمور الدين.

أرفض حديث الدكتور مبروك عطية عقب مقتل الطالبة نيرة أشرف بكل ما جاء فيه من مغالطات وجهل وتحريض، وأرفض أيضاً الحديث الساخط والمبتذل الذى خرج به علىنا الدكتور سعد الدين الهلالى الذى قال ان الحجاب ليس فرضاً ولكنه عادة، لكن الغريب والعجيب أيضاً أن يخرج علىنا الدكتور الهلالى بما لم يخطر على بالنا من عالم المفترض أنه أزهرى يخبرنا ان عورة المرأة من السرة وحتى الركبة يا الله، ما هذا، وهل ما قاله له سند في الدين، وهل يتقبله العقل والمنطق، فهل هذا يعنى ان الجزء العلوى من المرأة ليس عورة؟ وهل المفترض ان تغطى المرأة الجزء من السرة وحتى الركبة فقط؟

ما هذا العبث والخرافات والخزعبلات وهل من خرج علىنا بهذه الأقوال هو عالم جليل جدير بالتصدى للحديث في أمور الدين، الحقيقة ان هناك شيئاً خطأ لدى الدكتور الهلالى.. فبعيداً عن الدين، هل يقبل مواطن أن تخرج زوجته أو ابنته أو شقيقته عارية الصدر تكتفي بوضع غطاء يستر عورتها التي حددها الدكتور الهلالى من «السرة» إلى الركبة.

مجموعة من الشخصيات تعد من النخبة معروف كل واحد فيها بالاسم تخرج علىنا كل يوم بما هو غريب ودخيل وشاذ والإسلام منه برىء، التشكيك في الثوابت الدينية، انكار للسنة النبوية، بل وإنكار لنصوص دينية «سورة الفيل» وهو ما حدث مع الدكتور يوسف زيدان.. وهنا أسأل ما هو السبب لهذه الموجة والهجمة الآن؟ وهل انتهت كل القضايا والتحديات لنتكلم في مثل هذه القضايا المحسومة والمستقرة، ولمصلحة من؟ وماذا يريد هؤلاء؟ وطالما ان الدين (اختيار) بحكم المولي- عز وجل- لماذا نتفرغ لانتقاد المحجبة والحجاب والهجوم علىهما، ولماذا ننتقد غير المحجبة ونهاجمها وطالما أنها (الحرية) ورب العالمين هو من يحاسب؟ لماذا نشغل بالنا بمثل هذه الأمور سواء هدم الثوابت الدينية والتشكيك فيها والاساءة للرموز الدينية في الوقت الذى نحتاج فيه خطاباً دينياً مختلفاً لا مع إلىمين، ولا مع إلىسار، ولماذا لا نستشعر خطورة الفوضى والانفلات في مثل هذه القضايا، خاصة وان الشباب أصبح في حالة حيرة وتشتت فمن أقصى التطرف والتشدد، إلى الإلحاد والانكار والتشكيك في الدين، ولماذا لا ندرك أننا نخاطب شبابنا؟ وماذا نريد أن نعلمهم؟ هل الاباحية والالحاد والجنوح الفكرى أم التطرف والتشدد والتعصب ثم الطريق إلى الإرهاب، الاتجاهات خطأ بكل المقاييس، نريد ان نعيد الأمور إلى نصابها، والناس إلى دينهم الوسطى السمح الذى يحافظ على نقاء وطهارة الانسان شكلاً وموضوعاً في المظهر والجوهر، فليس مجرد اللباس والزى ولكن أيضاً الضمير والتقوى ومخافة الله والأمانة والحوار والتسامح وقبول الآخر.

لا أدرى لماذا يصر هؤلاء على إحداث (لخبطة) وتشتت في عقول شبابنا، فعلى رأى صديقى «الشباب هيلاقيها منين ولا منين؟» من غزو ثقافي وأفكار مستوردة، وحروب ثقافية لتغيير الهوية والشخصية المصرية وتفكيك منظومة القيم والأخلاق المصرية التي في جوهرها ترتكز على سماحة الأديان السماوية أم يلقونها من نخب منفلتة متبرئة من كل القيم والأخلاق والثوابت الدينية الصحيحة والثابتة والمتفق علىها في الوقت الذى تواجه فيه بلادنا، وأمة العرب طوفاناً من التحديات الخطيرة والتي بسببها دفعت ثمناً باهظاً خلال العقود الماضية، أسقطت دولاً، ومحت أخري، والحمد لله مصر كانت من الناجين لأنها دائماً محفوظة بعناية الله ثم الشرفاء.

نحن نبحث عن التكاتف والاصطفاف والأمن والاستقرار، خاصة وأننا أمة تبنى حاضرها ومستقبلها وتهيئ لأبنائها سبل الرشاد والحياة الكريمة لكن البعض منا يصر على انتهاج الفتنة والفرقة والسخط والاثارة، ولا أجد مبرراً للإعلام ان يوسع المجال ويفرد الوقت والمساحات ليناقش قضايا عبثية هى محل اختيار الناس يلبسون ويرتدون ما يشاءون، لماذا نريد ان نخلق الفتن بأيدينا ونحن نسابق الزمن من أجل بناء وعى حقيقى يكون صمام الأمان لحماية هذا الوطن بعد سنوات وعقود من الوعى المزيف كاد يسقط الوطن في هوة المجهول.

ما هى الضرورة التي تجعلنا نخرج للناس بقضايا جدلية، تم الاتفاق علىها، ولماذا نسمح لهؤلاء بالخروج على الناس لاثارة سخطهم وخنقهم وبلبلة أفكارهم، في توقيت نحتاج فيه التركيز وحشد قوانا واصطفافنا لمواجهة تحديات كثيرة لكن ما هو الحل للتصدى لهذه الفوضى العارمة في الفتاوى الدينية ومنع الدخلاء من الحديث في أمور الدين بدون علم وبجهل وسطحية أو مرض نفسى أو تشنج أو إحداث للفتن والاثارة والسخط وتشكيك الناس في دينهم؟ الحل كما قلت من قبل ان تكون هناك جهة واحدة تتولى إصدار الفتاوى الدينية وترد على كل التساؤلات وتحسم العديد من القضايا وتبعد شبح الجدل والفتن.. وطالما ان لدينا (دار الافتاء المصرية) لماذا لا نوليها كل الاهتمام والتطوير والتحديث وتزويدها بكافة الإمكانات.. وضم إلىها خيرة العلماء وأهل الذكر والتخصص بعد مرورهم باختبارات قاسية للتأكد من سلامتهم العلمية وصلاحيتهم العقلية والنفسية، وقدرتهم على استيعاب الناس، وقدرتهم على الإلمام بمستجدات ومتطلبات العصر، ورصد حركة التطوير، ومراعاة ذلك في أمور الافتاء بما لا يتعارض مع صحيح الدين، لذلك أرى الآتي:

أولاً: ان يكون لدار الافتاء المصرية الحق الوحيد في الافتاء.. وتقديم الفتاوى لمن يطلبها وحسم القضايا والأمور التي تتناول ملفات وظواهر وقضايا دينية بدلاً من الفوضى العارمة التي نعيشها، وبالتالى سحب هذا الاختصاص من كل الجهات والمؤسسات التي تشارك دار الافتاء في هذا المجال والمسئولية.

ثانياً: الاهتمام بتطوير دار الافتاء في الشكل والمضمون بمعنى المنشآت والفكر والعلم وان يكون على رأسها مفتى الديار المصرية واستقلاله عن وزارة العدل، ويصدر قرار من رئيس الجمهورية بتعيينه، وأن يكون هناك مكتب فنى على أعلى مستوى يضم أعظم وأجدر العلماء الكبار الذين تتوفر فيهم الصفات والمعايير والمواصفات والضوابط والشروط العلمية والنفسية والشخصية والاطلاع على العلوم الأخرى والقدرة على الإلمام بعلوم العصر والتطور في المجتمعات ومواكب لهذه الحالة من التطور الهائل الذى فرض علىنا قضايا كثيرة لم تكن موجودة في الماضي.

ثالثاً: ان تكون دار الافتاء جهة مستقلة وكياناً مؤسسياً يتبع للدولة ولرئيس الجمهورية للحفاظ على الأمن والسلم الدينى في المجتمع بعيداً عن الدخلاء والموتورين والمشعلىن للفتن وان تكون لها مكاتب على أعلى مستوى في جميع المحافظات المصرية.

رابعاً: من يتصدى للحديث في الأمور الدينية ويخرج للناس على شاشات الإعلام لابد أن تكون لديه (رخصة) مثل رخصة ممارسة الطب والمحاماة والهندسة ولا تكون الأمور ارتجإلىة وعشوائية ومجالاً مفتوحاً أمام كل من (هب ودب).. وإصدار تشريع يعاقب كل من يخالف هذه الضوابط ويتولى المجلس الأعلى للإعلام عقاب وسائل الإعلام التي تسمح لغير الحاصلين على (رخصة) مزاولة الحديث في الدين على الشاشات أو وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية، بما فيها وسائل الإعلام الجديدة مثل السوشيال ميديا وحجب المواقع الخارجية التي تدعو إلى التطرف والتشدد أو الإلحاد والأفكار الشاذة والمنحرفة.

خامساً: يجب ان يكون لدار الافتاء المصرية، قطاع للشئون الخارجية والدولية.. ففي اعتقادى ان زيارة المفتى إلى (بريطانيا) كانت ومازالت مهمة لتوضح الحقائق، وإزالة المفاهيم الخاطئة، وتصحيح صورة الإسلام وبيان جهل وتطرف وتشدد الجماعات المتأسلمة.. ففي اعتقادى أيضاً ان دول الغرب عطشى للاستماع إلى أهل العلم والذكر الذين يقدمون الصورة الحقيقية للإسلام، والدين الصحيح، بدلاً من الصورة المشوهة التي جاءت من سلوكيات وإجرام وأحاديث الإفك التي يروجها الإخوان وحلفاؤهم أو من على شاكلتهم من خوارج العصر.

هذه الفوضى العارمة، والتضارب واللخبطة في المشهد الديني.. تحتاج وقفة جادة وتنقية لجداول المتحدثين في الدين بدلاً من أن ندفع ثمناً باهظاً كما أخطأنا في الماضى عندما تركنا الحبل على الغارب للجماعات المتشددة والمتطرفة والإخوان المجرمين ليغرروا بالشباب ويخدعوا البسطاء، ويتحركوا بحرية ويظهروا على شاشات الإعلام، حتى أصبحت لهم قنوات خاصة يروجون من خلالها سمومهم، وصلوا إلى القرى والنجوع والجامعات والنقابات هذا من ناحية وعلىنا أيضاً ألا نسمح للإلحاد والإساءة للدين والتشكيك فيه وفي آيات القرآن وإنكار السنة النبوية والافتاء بجهل وسطحية لشراء الجماهيرية وحب الظهور قبل أن يتمدد هذا التيار ويتحول إلى قنبلة تنفجر في وجوهنا ويدفع المجتمع أيضاً ثمناً باهظاً في تفشى الاباحية والإلحاد والابتذال، فبطبيعة الحال هناك أزمات عالمية تؤثر على واقعنا، فربما الظروف لا تساعد الشباب على الزواج في كثير من الأحيان.. لذلك نرى مشاهد لا أحبذ الكتابة عنها في شوارع بعض الأحياء الهادئة وفي السيارات من سلوكيات شاذة وتجرؤ أخلاقي، وانفلات.. فما كنا نخجل منه ونحن في شبابنا حتى مجرد ان تضع يدك في يد زوجتك أو خطيبتك، بعض الشباب الآن لا يبإلى، ولا يخجل من أى شيء.

مصر على مدار تاريخها دولة عظيمة ذات خصوصية بالغة، عرفت بتسامح وطيبة وأخلاق وفروسية وكرم أهلها، يقدسون الدين، ويحترمون الآخر، ويرحبون بالضيف الأجنبي، عاشوا مع جنسيات كثيرة لم يشعروهم بأى نوع من الغربة، لذلك مصر لا تريد إخوان مجرمين، أو ملحدين ومسيئين، ودخلاء، مصر تريد دينها الذى تربى أهلها علىه سواء الإسلام أو المسيحية لا تعرف التشدد أو التطرف أو الانفلات والفوضى والاباحية بل هى دولة الأخلاق والوسطية والتسامح والتعايش.

هؤلاء الذين يتجرأون على ثوابت المصريين ويعيثون في أرضنا الطيبة تطرفاً وتشدداً وإساءة وتشكيكاً في الدين، فلا هذا ولا ذاك فهم ليسوا جميعاً على هوى وعقيدة وكود المصريين، دخلاء شواذ فكرياً ودينياً.. فرغم ان الإخوان المجرمين بدأوا نشاطهم الإجرامى منذ 1928 إلا ان هذا الشعب لفظهم وعزلهم.. وكما ان هذا البلد شهد ولادة الجماعة الإرهابية، أيضاً كانت ومازالت مصر هى مقبرة الإخوان لذلك أعيدوا لنا السياق الفكرى والدينى الذى ارتضاه المصريون على مدار تاريخهم لم يعرفوا الفتن الدينية إلا بظهور الإخوان، ولم يعرفوا التشكيك والإلحاد إلا على يد من تربوا في كنف الخارج الخبيث الداعم والممول والحاضن لأفكار هذه المجموعات التي يقيناً سوف تغادر المشهد المصرى غير مأسوف علىهم، وكفانا تساهلاً مع محاولات الإضرار والنيل من اللحمة والاستقرار والتماسك المصرى فما فتأت مصر أن تتخلص من الجماعة الإرهابية وإخواتها الشيطانية جاءها الوجه الآخر من القبح والفتن لكن حتمًا هؤلاء سيوارون الثري.

علىنا ألا نسمح لهؤلاء الدخلاء بإفساد حياتنا، والإضرار بأوطاننا فلنتخذ من الإجراءات ما يقينا شر هؤلاء.

 

تحيا مصر

أخبار الساعة

الاكثر قراءة