الجمعة 10 مايو 2024

مراكز‭ ‬الفوضى


عبد الرازق توفيق

مقالات1-7-2022 | 20:48

عبد الرازق توفيق

من «‬سناتر‮»‬ الدروس‭ ‬الخصوصية‭ ..‬إلى‭ ‬العلاج‭ ‬الروحانى‭ ..‬‭‬إلى‭ ‬المواقف‭ ‬العشوائية‭ ‬وما‭ ‬بينها‭ ‬من‭ ‬ممارسات‭ ‬وسلوكيات

مظاهر‭ ‬الفوضى‭ ‬فى‭ ‬حياتنا‭ ‬ليست‭ ‬مقصورة‭ - ‬كما‭ ‬قلت‭ ‬بالأمس‭ - ‬على‭ ‬إصدار «‬الفتاوى‮» ‬من‭ ‬غير‭ ‬أهل‭ ‬العلم‭ ‬والتخصص‭ ‬والذكر‭..‬ وليست‭ ‬فى‭ ‬الإساءة‭ ‬والتشكيك‭ ‬فى‭ ‬الثوابت‭ ‬الدينية‭ ‬فقط،‭ ‬لكنها‭ ‬تشمل‭ ‬مجالات‭ ‬أخرى‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬خطورة‭ ‬عن‭ ‬الانفلات‭ ‬والتجرؤ‭ ‬على‭ ‬ثوابت‭ ‬الدين‭.‬

الفوضى‭ ‬بكل‭ ‬أنواعها‭ ‬وأشكالها‭ ‬مرفوضة‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تؤثر‭ ‬سلباً‭ ‬على‭ ‬السياق‭ ‬والإطار‭ ‬الأخلاقى‭ ‬المصري،‭ ‬فالخروج‭ ‬عن‭ ‬الطبيعى‭ ‬والمألوف‭ ‬دون‭ ‬حسابات،‭ ‬والتغيير‭ ‬سريع‭ ‬الإيقاع‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ترشيد‭ ‬وتقديم‭ ‬ودفعة‭ ‬إلى‭ ‬الطريق‭ ‬الصحيح‭ ‬خاصة‭ ‬أننا‭ ‬نعيش‭ ‬فى‭ ‬عالم‭ ‬يتغير‭ ‬فى‭ ‬كل ‭ ‬‮«فيمتو‭ ‬ثانية» ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬الانفتاح‭ ‬والاستباحة‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ ‬خطابات‭ ‬رشيدة‭ ‬دينياً‭ ‬وثقافياً‭ ‬واجتماعياً‭ ‬وتعليمياً‭ ‬وإعلامياً‭ ‬سوف‭ ‬تؤدى‭ ‬إلى‭ ‬آثار‭ ‬وسلبيات‭ ‬بل‭ ‬وكوارث‭ ‬مجتمعية‭ ‬لذلك‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬ضبط‭ ‬وترشيد‭ ‬هذا‭ ‬التغيير‭ ‬وتوظيفه‭ ‬فى‭ ‬الاتجاه‭ ‬الصحيح‭ ‬الذى‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬مجتمعنا‭ ‬ولا‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬قيمنا‭..‬ وهنا‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬تدخل‭ ‬يعيد‭ ‬الانضباط‭ ‬لكل‭ ‬سلوكياتنا‭ ‬سواء‭ ‬بالوعى‭ ‬أو‭ ‬التقنين‭ ‬أو‭ ‬وضع‭ ‬الضوابط‭ ‬والمعايير‭ ‬والمحاسبة‭ ‬والمساءلة‭ ‬عليها‭.‬

هناك‭ ‬ظاهرة‭ ‬غريبة‭ ‬تدخل‭ ‬فى‭ ‬عداد‭ ‬الفوضى،‭ ‬فعندما‭ ‬تمر‭ ‬فى‭ ‬الشوارع‭ ‬المصرية‭ ‬تجد‭ ‬مكتوباً‭ ‬على‭ ‬الجدران‭ ‬والأسوار‭ ‬أرقام‭ ‬تليفونات‭ ‬محمولة‭ ‬لمراكز‭ ‬تزعم‭ ‬العلاج‭ ‬الروحانى‭ ‬للسحر‭ ‬والمس‭ ‬والحسد‭ ‬والقرين‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأمور،‭ ‬وأنا‭ ‬شخصياً‭ ‬لا‭ ‬أنكر‭ ‬مثل‭ ‬البعض‭ ‬هذه‭ ‬الأمراض‭ ‬أو‭ ‬الأمور‭ ‬فهى‭ ‬موجودة‭ ‬فى‭ ‬القرآن‭ ‬والسنة‭ ..‬لكن‭ ‬السؤال‭ ‬المهم‭:‬ هل‭ ‬هذه‭ ‬المراكز‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬تراخيص‭ ‬للعمل‭ ‬أم‭ ‬بالمزاج،‭ ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬ضوابط‭ ‬ومعايير‭ ‬وبأى‭ ‬حيثيات‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬المواطنين‭.. ‬وهل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مراكز‭ ‬للدجل‭ ‬والشعوذة‭ ‬وليست‭ ‬للعلاج‭ ‬النفسى‭ ‬والروحانى‭ ‬الذى‭ ‬يقره‭ ‬علماء‭ ‬وأئمة‭ ‬الدين‭ ‬وأهل‭ ‬العلم‭ ‬والذكر،‭ ‬وهل‭ ‬تمارس‭ ‬عليها‭ ‬الرقابة‭ ‬والمتابعة؟‭ ‬أم‭ ‬أننا‭ ‬نترك‭ ‬الأمور‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬كوارث‭ ‬ومصائب‭ ‬ووقوع‭ ‬ضحايا‭ ‬ثم‭ ‬نتعامل‭ ‬معها؟

الغريب‭ ‬والعجيب‭ ‬أن‭ ‬الترويج‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬المراكز‭ ‬ليس‭ ‬مقصوراً‭ ‬على‭ ‬الجدران‭ ‬أو‭ ‬أسوار‭ ‬الأندية‭ ‬والمنشآت‭ ‬بما‭ ‬يعنى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المركز‭ ‬يجاهر‭ ‬ويسهل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬القائمين‭ ‬عليه‭ ‬لكنه‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬برامج‭ ‬تليفزيونية‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الشاشات‭ ‬لقنوات‭ ‬غير‭ ‬شهيرة‭ ‬أو‭ ‬قنوات‭ ‬الظل‭ ‬وبير‭ ‬السلم‭ ‬والكشف‭ ‬بـ‭ ‬100‭ ‬جنيه‭ ‬والعلاج‭ ‬بـ‭ ‬1600‭ ‬جنيه‭ ‬وتتناول‭ ‬بأريحية‭ ‬وتروج‭ ‬عبر‬‮«بار»  ‬‭ ‬الشاشة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬برامج‭ ‬متكاملة‭ ‬يتحدث‭ ‬فيها‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬يدعون‭ ‬العلاج‭ ‬من‭ ‬المشايخ‭ ‬فى‭ ‬محافظات‭ ‬مختلفة‭.‬

السؤال‭ ‬المهم‭ ‬ما‭ ‬الجهة‭ ‬إن‭ ‬وجدت‭ ‬المنوط‭ ‬بها‭ ‬منح‭ ‬هذه‭ ‬المراكز‭ ‬تراخيص‭ ‬للعمل‭ ‬وما‭ ‬اشتراطاتها‭ ‬والمعايير‭ ‬والقوانين‭ ‬واللوائح‭ ‬الملتزمة‭ ‬بها‭ ‬أم‭ ‬نحن‭ ‬فى‭ ‬سبات‭ ‬عميق‭..‬ لا‭ ‬نعلم‭ ‬عنها‭ ‬شيئاً،‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬المنفعة‭ ‬وتحصيل‭ ‬ضرائب‭ ‬منها‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظواهر‭ ‬والأمور‭ ‬سواء‭ ‬السحر‭ ‬والأعمال‭ ‬والحسد‭ ‬والمس‭ ‬مثار‭ ‬حديث‭ ‬وشكاوى‭ ‬الكثيرين‭ ‬ولا‭ ‬أريد‭ ‬القول‭ ‬إنها‭ ‬أصبحت‭ ‬منتشرة‭ ‬حتى‭ ‬فى‭ ‬المجتمعات‭ ‬الراقية،‭ ‬وفى‭ ‬بيوت‭ ‬بعض‭ ‬الأثرياء‭ ‬ورجال‭ ‬الأعمال‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬حدا‭ ‬إلى‭ ‬الاستعانة‭ ‬بمشايخ‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬يزعمون‭ ‬قراءة‭ ‬الطالع‭ ‬والمستقبل‭ ‬وحل‭ ‬العقد‭ ‬والأزمات،‭ ‬وتحقيق‭ ‬الأرباح‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يستعين‭ ‬بهم‭ ‬فى‭ ‬التنقيب‭ ‬عن‭ ‬الآثار‭ ‬وهى‭ ‬ذائعة‭ ‬الصيت‭ ‬فى‭ ‬فترات‭ ‬سابقة‭.‬

ليس‭ ‬موضوعى‭ ‬الحلال‭ ‬والحرام‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬القضية،‭ ‬أو‭ ‬الإنكار‭ ‬أو‭ ‬الإيمان‭ ‬بوجودها،‭ ‬ولكن‭ ‬قضيتى‭ ‬هى‭ ‬ضبط‭ ‬الأمور‭ ..‬والتصدى‭ ‬للفوضى‭ ‬والانفلات‭ ‬فكيف‭ ‬يعلن‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المراكز‭ ‬التى‭ ‬تقول‭ ‬للناس‭ ‬إنها‭ ‬للعلاج‭ ‬الروحانى‭ ‬وتفك‭ ‬السحر‭ ‬وتشفى‭ ‬من‭ ‬المس‭ ‬والحسد‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬تحت‭ ‬سمع‭ ‬وبصر‭ ‬وحساب‭ ‬وتقنين‭ ‬الدولة،‭ ‬ومراقبة «‬أعمالها‮»‬‭ ‬ونشاطاتها‭..‬ هل‭ ‬تنفع‭ ‬أم‭ ‬تضر‭ ‬وتؤذي؟‭ ‬أليست‭ ‬هذه‭ ‬فوضى‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬نتوقف‭ ‬عندها‭ ‬حسب‭ ‬التقييم‭ ‬الموضوعى‭ ‬والشرعى‭ ‬بالوقف‭ ‬الفورى‭ ‬أو‭ ‬التقنين‭ ‬ووضع‭ ‬المعايير‭ ‬والاشتراطات‭.‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬هؤلاء‭ ‬يزعمون‭ ‬تقديم‭ ‬العلاج‭ ‬إذن‭ ‬فهناك‭ ‬أمراض،‭ ‬وعلى‭ ‬حسب‭ ‬الثابت‭ ‬والراسخ‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬طبيب‭ ‬يمارس‭ ‬الطب‭ ‬لم‭ ‬يتخرج‭ ‬فى‭ ‬إحدى‭ ‬كليات‭ ‬الطب‭ ‬فى‭ ‬الجامعات‭ ‬المصرية‭ ‬أو‭ ‬الأجنبية‭ ‬ولديه‭ ‬رخصة‭ ‬لمزاولة‭ ‬الطب‭..‬ فهل‭ ‬هذا‭ ‬يتوافر‭ ‬لدى‭ ‬المعالجين‭ ‬الروحانيين‭ ..‬ثم‭ ‬من‭ ‬يستطيع‭ ‬ونثق‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬يقيم‭ ‬علاجاتهم‭ ‬وأنهم‭ ‬جادون‭ ‬ويملكون‭ ‬القدرة‭ ‬والتأهيل‭ ‬لأنه‭ ‬ربما‭ ‬تحدث‭ ‬مصائب‭ ‬ومهازل‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬المراكز‭ ‬قد‭ ‬تتعلق‭ ‬وأقول‭ ‬ربما‭ ‬بسمعة‭ ‬الناس‭ ‬أو‭ ‬إساءة‭ ‬الأدب‭ ‬أو‭ ‬سلوكيات‭ ‬غير‭ ‬طبيعية‭ ‬وغير‭ ‬سوية‭ ‬أو‭ ‬يتناول‭ ‬المريض‭ ‬مواد‭ ‬وأعشاباً‭ ‬سامة‭ ‬أو‭ ‬يتلقى‭ ‬الضرب‭ ‬المبرح،‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬بين‭ ‬أيدينا‭ ‬وتحت‭ ‬رقابتنا‭.. ‬وإلا‭ ‬ستحدث‭ ‬أمور‭ ‬لا‭ ‬نتوقعها‭.‬

وفى‭ ‬رصدى‭ ‬لمظاهر‭ ‬الفوضى‭ ‬فى‭ ‬الشارع‭ ‬المصرى‭ ‬أجد‭ ‬حالة‭ ‬غريبة‭ ‬من‭ ‬التناقض‭ ‬بين‭ ‬أهمية‭ ‬التعليم‭ ‬وبالتالى‭ ‬المدرسة‭ ..‬وبين‭ ‬انتشار‭‬‮ «‬السناتر‮» ‬الخاصة‭ ‬بالدروس‭ ‬الخصوصية،‭ ‬ولا‭ ‬نتوقف‭ ‬عن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬محاربة‭ ‬الدروس‭ ‬الخصوصية‭ ‬ليل‭ ‬نهار‭..‬ لنجد‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬سنتر‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬ترخيص‭ ‬لمزاولة‭ ‬العمل‭ ‬بطريقة‭ ‬مشروعة‭ ‬وفى‭ ‬وضح‭ ‬النهار‭ ‬وحتى‭ ‬يسدد‭ ‬حق‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬الضرائب‭ ‬والرسوم،‭ ‬لأن‭ ‬مكاسب‭ ‬هذه‭ ‬السناتر‭ ‬لا‭ ‬يتوقعها‭ ‬أحد‭ ‬فالحصة‭ ‬الواحدة‭ ‬للطالب‭ ‬الواحد‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬100‭  ‬و150‭‬جنيهاً‭ ‬للساعة‭ ‬فى‭ ‬مادة‭ ‬واحدة‭ ‬فهل‭ ‬هذه ‭»‬السناتر‮» ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬وهل‭ ‬تحظى‭ ‬بحماية‭ ‬بعض‭ ‬الموظفين‭ ‬الفاسدين‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬بنظرية «‬شيلنى‭ ‬واشيلك»..‬ وله‭ ‬راتب‭ ‬شهرى‭ ‬من‭ ‬هذه ‬«‬السناتر» على‭ ‬حساب‭ ‬قانون‭ ‬الدولة‭ ‬وحقها‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬العيب‭ ‬فينا‭ ‬كمجتمع‭ ..‬بعضنا‭ ‬يزايد‭ ‬ولا‭ ‬يدرك‭ ‬أنه‭ ‬أصل‭ ‬المشكلة‭.‬

نوع‭ ‬ثالث‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭..‬ المسئولون‭ ‬فى‭ ‬المحليات‭ ‬يقولون‭ ‬وشعارهم «‬كله‭ ‬تمام» ‬لكن‭ ‬فى‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬لدينا‭ ‬مليونا‭ ‬مقهى‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬شعبى‭ ‬وكافيه‭ ‬متطور‭ ‬والسؤال‭ :‬كم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المقاهى‭ ‬لديها‭ ‬ترخيص‭ ‬للعمل،‭ ‬وما‭ ‬هى‭ ‬المعايير‭ ‬والاشتراطات‭..‬ وإذا‭ ‬فرضنا‭ ‬أنها‭ ‬غير‭ ‬مرخصة،‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬لها‭ ‬بخدمات‭ ‬الكهرباء‭ ‬والمياه‭ ‬النظيفة؟‭..‬ وهل‭ ‬يسددون‭ ‬فواتير‭ ‬حقيقية‭ ‬بأسعار‭ ‬المنشآت «‬‮‬المرخصة‮» ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬تسدد‭ ‬تحت‭ ‬بند «‬الممارسة» ‬يسدد‭ ‬50‭ ‬جنيهاً‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الواجب‭ ‬عليه‭ ‬سداد‭ ‬‮5‬‭ ‬آلاف‭ ‬جنيه‭..‬ والسؤال‭ ‬المهم‭ ‬الـ‭ ‬2‭ ‬مليون‭ ‬مقهى‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬شعبى‭ ‬وفاخر‭ ‬95٪‭ ‬منها‭ ‬بدون‭ ‬ترخيص‭ ‬من‭ ‬يحميها،‭ ‬ومن‭ ‬المستفيد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحماية‭ ‬أو‭ ‬قل‭ ‬الفساد،‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬بعض‭ ‬الموظفين‭ ‬الفاسدين‭ ‬الذين‭ ‬ليس‭ ‬لديهم‭ ‬ضمير‭ ‬يضيعون‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬أموالاً‭ ‬وربما‭ ‬مليارات‭ ‬طائلة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حفنة‭ ‬جنيهات‭ ‬تدخل‭ ‬فى‭ ‬بطونهم‭ ‬وبيوتهم‭ ‬فتحدث‭ ‬الخراب‭ ‬والتفكك‭ ‬وتجلب‭ ‬الأمراض‭  ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬صلاح‭ ‬الأبناء‭ ‬فما‭ ‬نبت‭ ‬من‭ ‬حرام‭ ‬فالنار‭ ‬أولى‭ ‬به‭ ‬وهو‭ ‬السحت‭ ‬بعينه‭ ‬والحرام‭ ‬بشحمه‭ ‬ولحمه،‭ ‬فأموال‭ ‬وحقوق‭ ‬الدولة‭ ‬والتساهل‭ ‬فى‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون‭ ‬أو‭ ‬اللوائح‭ ‬أو‭ ‬الاشتراطات‭ ‬حرام،‭ ‬حرام،‭ ‬حرام‭.. ‬فأنت‭ ‬لا‭ ‬تتساهل‭ ‬أو‭ ‬تتنازل‭ ‬عن‭ ‬حقك‭ ‬الشخصى‭ ‬أو‭ ‬مالك‭ ‬الخاص‭.. ‬ولكن‭ ‬عن‭ ‬مال‭ ‬الدولة‭ ‬الذى‭ ‬هو‭ ‬مال‭ ‬الشعب،‭ ‬وهنا‭ ‬هؤلاء‭ ‬تجدهم‭ ‬فى‭ ‬مقدمة‭ ‬الساخطين‭ ‬يرفعون‭ ‬لواء‭ ‬الفضيلة‭ ‬وهم‭ ‬للأسف‭ ‬غارقون‭ ‬فى‭ ‬الفساد‭ ‬والرشوة‭ ‬والحرام‭.‬

‮«‬السايس‮»‬‭ ‬وبتاع‭ ‬‮«‬المواقف‭ ‬العشوائية‮»‬‭.. ‬وعربة‭ ‬الكبدة‭ ‬اللى‭ ‬تحت‭ ‬رعاية‭ ‬البلطجى‭ ‬وحمايته‭ ‬وفرض‭ ‬إتاوات‭ ‬على‭ ‬المحلات‭ ‬والسوبر‭ ‬ماركت‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬البلطجية‭ ‬والمسجلين‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬موظفى‭ ‬الأحياء‭.. ‬حلقات‭ ‬فى‭ ‬مسلسل‭ ‬الفوضى‭ ‬والبلطجة‭ ‬المجتمعية‭ ‬التى‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نكشر‭ ‬عنها‭ ‬أنيابنا‭ ‬كدولة‭ ‬ونقضى‭ ‬عليها‭ ‬تماماً،‭ ‬فالبلطجى‭ ‬الذى‭ ‬يقف‭ ‬مترنحاً‭ ‬بعد‭ ‬تعاطى‭ ‬المخدرات‭ ‬ومدججاً‭ ‬بالسلاح‭ ‬الأبيض‭ ‬ليفرض‭ ‬على‭ ‬السائقين‭ ‬فى‭ ‬المواقف‭ ‬أو‭ ‬فى‭ ‬عرض‭ ‬الشارع‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬حلقة‭ ‬فى‭ ‬سيارة‭ ‬تعمل‭ ‬بلا‭ ‬رخص‭.. ‬إذن‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬تجرى‭ ‬فى‭ ‬عرض‭ ‬الشارع‭ ‬وفى‭ ‬قلب‭ ‬المجتمع‭ ‬سواء‭ ‬البلطجى‭ ‬أو‭ ‬السايس‭ ‬أو‭ ‬السائق‭ ‬أو‭ ‬السيارة،‭ ‬هى‭ ‬منظومة‭ ‬فاسدة‭ ‬عشوائية‭ ‬وحتى‭ ‬تستكمل‭ ‬المنظومة‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يقدم‭ ‬المخدرات‭ ‬للسائق‭ ‬والبلطجى‭ ‬‮«‬الأيــس‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الشـابو‮»‬‭ ‬أو‭ ‬البرشام‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الفـودو‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الاستروكس‮»‬‭.. ‬ليأتى‭ ‬لنا‭ ‬بوحوش‭ ‬تتحرش‭ ‬وتقتل‭ ‬وتتوعد‭ ‬وتؤذى‭ ‬فى‭ ‬خلق‭ ‬الله‭.‬

نعم‭ ‬الظروف‭ ‬والتحديات‭ ‬صعبة‭ ‬بفعل‭ ‬الأزمات‭ ‬العالمية،‭ ‬وبفعل‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬فى‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭ ‬من‭ ‬تخاذل‭ ‬وغياب‭ ‬للرؤية‭ ‬والإرادة‭ ‬للبناء‭.. ‬والحقيقة‭ ‬بمنتهى‭ ‬الموضوعية‭ ‬فإن‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬تبذل‭ ‬جهوداً‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬وتحقق‭ ‬نتائج‭ ‬فاقت‭ ‬التوقعات،‭ ‬وتسابق‭ ‬الزمن‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إصلاح‭ ‬خطايا‭ ‬وكوارث‭ ‬الماضى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬توفير‭ ‬الحياة‭ ‬الكريمة‭ ‬للمصريين،‭ ‬ولا‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أحمل‭ ‬المواطن‭ ‬وحده‭ ‬مسئولية‭ ‬هذا‭ ‬العبث‭ ‬والفوضى‭ ‬التى‭ ‬جاءت‭ ‬لأسباب‭ ‬متراكمة‭ ‬من‭ ‬الماضى‭ ‬من‭ ‬عقود‭ ‬التسطيح‭ ‬والفساد‭ ‬والفهلوة‭ ‬والبلطجة‭ ‬وعدم‭ ‬امتلاك‭ ‬إرادة‭ ‬الإصلاح‭ ‬وتغيير‭ ‬أحوال‭ ‬وظروف‭ ‬الناس‭ ‬للأفضل‭ ‬فأصبحت‭ ‬هذه‭ ‬المظاهر‭ ‬ثقافة‭ ‬متجذرة‭ ‬ومترسخة‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬إفساح‭ ‬الدولة‭ ‬فى‭ ‬عقود‭ ‬ماضية‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬الفاسدين‭ ‬والمتطرفين‭ ‬والمتشددين‭ ‬للعبث‭ ‬فى‭ ‬جوهر‭ ‬المنظومة‭ ‬القيمية‭ ‬واستبدال‭ ‬ثقافة‭ ‬الكفاح‭ ‬بشرف‭ ‬إلى‭ ‬ثقافة‭ ‬الفهلوة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الثراء‭ ‬السريع‭ ‬أو‭ ‬الفساد‭ ‬الذى‭ ‬يعكس‭ ‬‮«‬انتهازية‮»‬‭ ‬‮٥‬‭ ‬عقود‭ ‬متواصلة‭ ‬من‭ ‬التراخى‭ ‬ونفاق‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مكاسب‭ ‬دنيوية‭ ‬ونفعية‭ ‬شخصية‭ ‬وليست‭ ‬وطنية‭.‬

الرئيس‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬السيسى‭ ‬الذى‭ ‬انتهج‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬‮٨‬‭ ‬سنوات‭ ‬أكبر‭ ‬رؤية‭ ‬للإصلاح‭ ‬وتغيير‭ ‬أحوال‭ ‬وظروف‭ ‬البلاد‭ ‬والعباد‭ ‬للأفضل‭ ‬واجه‭ ‬تحديات‭ ‬وتراكمات‭ ‬وسلبيات‭ ‬وأزمات‭ ‬جاءت‭ ‬من‭ ‬غياهب‭ ‬الماضي،‭ ‬واحتاجت‭ ‬تكلفة‭ ‬باهظة‭.. ‬لكن‭ ‬مشكلتنا‭ ‬وأزمتنا‭ ‬الحقيقية‭ ‬كشعب‭ ‬أن‭ ‬تعدادنا‭ ‬فاق‭ ‬قدراتنا‭ ‬ومواردنا‭ ‬فثقافة‭ ‬التكدس‭ ‬والزحام‭ ‬التى‭ ‬خلفتها‭ ‬فاجعة‭ ‬الزيادة‭ ‬السكانية‭ ‬المرعبة‭ ‬تسببت‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المظاهر‭.‬

فالمواطن‭ ‬يتزوج‭ ‬ويفتقد‭ ‬أى‭ ‬إرادة‭ ‬أو‭ ‬رؤية‭ ‬للتنظيم‭ ‬وإدراك‭ ‬أهمية‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬الإنجاب‭ ‬والإمكانيات‭ ‬والقدرات‭.. ‬فيتوه‭ ‬الأطفال‭ ‬فى‭ ‬الشوارع‭ ‬ليتعلموا‭ ‬سلوكيات‭ ‬وثقافات‭ ‬عشوائية،‭ ‬ففى‭ ‬هذا‭ ‬الزحام‭ ‬جاءت‭ ‬كل‭ ‬الكوارث،‭ ‬فالأب‭ ‬لا‭ ‬يقوى‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬مسئولية‭ ‬الإنفاق‭ ‬وتربية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬طفل‭ ‬فتضيع‭ ‬أجيال‭ ‬كان‭ ‬حرياً‭ ‬بالآباء‭ ‬التعامل‭ ‬بعقل‭ ‬مختلف‭ ‬وبنظرة‭ ‬أكثر‭ ‬موضوعية‭ ‬وحسابات‭ ‬دقيقة‭ ‬للأرباح‭ ‬والخسائر‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الشخصي،‭ ‬فالفوز‭ ‬بطفل‭ ‬يحظى‭ ‬بصحة‭ ‬وتعليم‭ ‬ثم‭ ‬مكانة‭ ‬مجتمعية‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬أطفال‭ ‬يلقون‭ ‬فى‭ ‬عرض‭ ‬الشارع‭ ‬ليواجهوا‭ ‬ظروفاً‭ ‬قاسية‭ ‬ويدخلوا‭ ‬فى‭ ‬آتون‭ ‬حياة‭ ‬لا‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬أعمارهم،‭ ‬فيتحولون‭ ‬إلى‭ ‬وحوش،‭ ‬أو‭ ‬معدومى‭ ‬أى‭ ‬قيمة‭ ‬ومبدأ،‭ ‬شعارهم‭ ‬‮«‬إخطف‭ ‬واجرى‮»‬،‭ ‬انتهازية‭.. ‬وقاموس‭ ‬لا‭ ‬حد‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬الألفاظ،‭ ‬والسلوكيات‭ ‬الطبيعية‭ ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬بالنسبة‭ ‬للأسرة‭ ‬والوطن‭ ‬ضررهم‭ ‬أكثر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬نفعهم‭ ‬فهم‭ ‬مجرد‭ ‬أرقام‭ ‬بلا‭ ‬معنى‭ ‬فى‭ ‬تعداد‭ ‬سكانى‭ ‬مخيف‭.‬

ضبط‭ ‬الشارع‭ ‬يحتاج‭ ‬معالجات‭ ‬مختلفة‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬داخلنا‭ ‬كشعب‭.. ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إزالة‭ ‬مشاهد‭ ‬التكدس‭ ‬والازدحام‭ ‬والاختناق‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬ندفع‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض،‭ ‬أو‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نأكل‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض،‭ ‬الزيادة‭ ‬السكانية‭ ‬المرعبة‭ ‬ليست‭ ‬حسابات‭ ‬اقتصادية‭ ‬فحسب‭ ‬فالأخطر‭ ‬حسابات‭ ‬نفسية‭ ‬وسلوكية‭ ‬ومجتمعية‭ ‬وأخلاقية،‭ ‬تمنح‭ ‬المجتمع‭ ‬السكينة‭ ‬والسلام‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬عنف‭ ‬وقسوة‭ ‬الزحام‭ ‬والاختناق‭.‬

الزحام‭ ‬والتكدس‭ ‬والاختناق‭ ‬لا‭ ‬يولد‭ ‬الجمال‭ ‬والإبداع‭ ‬بل‭ ‬يخلق‭ ‬القبح‭ ‬والضجيج‭ ‬والتلوث‭ ‬السمعى‭ ‬والبصرى‭ ‬ويشوه‭ ‬النفس،‭ ‬ويحدث‭ ‬احتقاناً‭ ‬مجتمعياً‭.‬

الحقيقة‭ ‬أننا‭ ‬كمجتمع‭ ‬نحتاج‭ ‬مواجهة‭ ‬أنفسنا،‭ ‬ولا‭ ‬نلقى‭ ‬باللوم‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬أزماتنا‭ ‬ومشاكلنا،‭ ‬فالحل‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬الوعي،‭ ‬والوعى‭ ‬يخاطب‭ ‬العقل‭ ‬لكل‭ ‬مواطن‭ ‬وفى‭ ‬النهاية‭ ‬وعى‭ ‬الشعب‭ ‬وإدراكه‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يواجه‭ ‬التحديات‭.‬

Dr.Radwa
Egypt Air