الأربعاء 8 مايو 2024

بيان 3 يوليو

مقالات3-7-2022 | 11:44

كانت الميادين عبر أرجاء مصر في الثالث من يوليو مستعرة لم يهدأ حراكها الثوري منذ يوم الثلاثين من يونيو هادرا متدفقا ينتظر ساعة الخلاص وتتويج أكبر تحرك شعبي عرفته مصر طوال التاريخ، فعلى الرغم من أن مشهد البلاد كان يوحي بالفرقة والفوضى لكن كانت القلوب متحدة على يقين واحد وهدف واحد مهما تباينت الفروق بين الحاضرين وكثرت الاحاديث وتنوعت التكهنات عن ماهية البيان الذي ستصدره القوات المسلحة لكن الجميع كان على يقين من مساندة القوات المسلحة لإرادة الملايين التي خرجت متجردة من كل هوى أو مصلحة تطلب تدخلها لتعديل المسار.

وكاد يوم الثالث من يوليو ينتهي حتى أشارت عقارب الساعة إلى التاسعة مساء لتبدأ وسائل الإعلام في إذاعة بيان الجيش وساد الصمت الأماكن وحدقت الأبصار في الشاشات ليظهر الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع آنذاك كزهرة في ميدان آخر يشبه الميادين المحتشدة حيث جلس رموز مصر من كافة الأطياف إلى يمين ويسار القائد العام للقوات المسلحة في إشارة تعلن وبوضوح أن ما سيعلن الآن هو صوت مصر الذي ارتضته شعبا ومؤسسات في وحدة صلبة يصعب على أي أحد أن يفكر في شقها.

كانت كلمات الفريق أول عبد الفتاح السيسي واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار حيث أكد انه لم يكن بمقدور القوات المسلحة أن تغض الطرف عن حركة الملايين التي استدعت دورها الوطني في ذلك الوقت العصيب الذي واجه الشعب عصابة مسلحة تهدد بحرق البلاد إن أزيحت عن الحكم الذي باعت من أجل الوصول إليه كل شيء لكن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

كان المطلب للميادين المحتشدة عبر أرجاء الجمهورية هو "الحماية" صون الإرادة التي تشكلت لتعديل الخطأ في المسار وهو ما كان واضحا في تحرك الجيش وذكرت الجميع أنها بذلت جهودا مضنية خلال الشهور التي سبقت البيان للوصول إلى مصالحة وطنية بين القوى السياسية ومؤسسة الرئاسة التي قابلت كل ذلك بالرفض والتعنت بل والاستعلاء متجاهلة عرض الموقف الاستراتيجي لخطورة الانقسام المجتمعي حول حكم محمد مرسي ونظامه بل اجتمعت القوات المسلحة بالرئيس الأسبق مرسي في يوم الثاني والعشرين من يونيو لإبلاغ مندوب المرشد برفض الجيش تهديد أو ترويع المصريين.

وبعد أن أغلق غرور الجماعة الساقطة وكان آخره خطاب مرسي خطاب يوم 28 يونيو الذي بدا فيه مرسي غير قادر على ادراك الواقع متوهما أن قوة على الأرض قادرة على إيقاف المصريين إن أرادوا التحرك ومن هنا استندت القوات المسلحة على مسئوليتها الوطنية والتاريخية لتتشاور مع القوى الوطنية لوضع خارطة طريق للرسو بسفينة الوطن على بر الأمان.

لم يكن هدف البيان الأعلى هو إزاحة مرسي ونظامه بل كان الهدف الأسمى هو تحقيق التوافق الغائب وإنهاء الإقصاء وبناء مجتمع قوي ومتماسك لا يقصي أحد كما أراد أتباع المرشد الذين ظنوا أن المصريين منحوهم صكا على بياض بامتلاك مصر.

تنفس المصريون الصعداء وتنفس الوطن هواء نقيا بعد انتهاء كابوس حكم المرشد وهم يتابعون تلاوة البيان التاريخي الذي أعاد الوطن وكان الحسم واضحا للجماعة الإرهابية الساقطة بأن الجيش سيتصدى بالتعاون مع وزارة الداخلية لأي محاولة للخروج على السلمية للتظاهر وهي الرسالة التي لم يفهمها أيضا أتباع المرشد الذين ظنوا أنهم قادرون على قهر إرادة المصريين عبر عنف وإرهاب محتمل.

كانت ليلة لا تنسى وكأن المصريين ينظرون إلى بعضهم البعض للمرة الأولى نسى الكل انتماءه وهموهه الشخصية وتبادل الجميع التهاني وسط صيحات تحيا مصر ولوح الجميع بعلم مصر والدموع في العيون وهم يرون عودة الوطن المختطف وهم يرون سقوط التآمر وهم يرون جيشهم يهب لتخلصيهم من الكابوس لم يستطع أحد النوم ليلتها وكان البعض شاردا يسترجع تلك المشاهد الظلامية التي عاشها في تلك السنة السوداء من حكم الجماعة الإرهابية لتتحد مشيئة الله مع أمنيات المصريين.

ومن أجل هذه اللحظة يجب أن نضع تحديات اليوم في حجمها الطبيعي فمن حمل روحه على كفه في مواجهة تلك العصابة فاجرة الخصومة لابد أن يدرك أنه أكبر من التحديات مهما تعاظمت شريطة استدعاء تلك اللحظات التي كنا نلتحف فيها بالسماء ونفترش الأرض لا نملك إلا أنفسنا في مواجهة تنظيم مسلح مدعوم من الخارج لتنتصر إرادتنا وهكذا سننتصر في كل المعارك.

Egypt Air