الإثنين 29 ابريل 2024

هكذا تحدث فرج فودة (5): الإرهاب وسيادة القانون والإعلام

مقالات4-7-2022 | 18:45

يقول فرج فودة "في الدولة الديكتاتورية يخشى الناس السلطة، وفي الدولة الديمقراطية يخشى الناس القانون، وخوف السلطة تخلف وخنوع، وخوف القانون رقي وحضارة، لكننا لم نرقى بعد إلى مستوى خوف القانون، واحترامه والتمسك به، والدفاع عنه، وجزءً كبيرا من ظاهرة الإرهاب التي نعيشها، مرجعه وجذوره وجزء كبير من أسبابه، كامن في أسلوب تعاملنا مع القانون على كافة المستويات، سواء على مستوى التشريع أو على مستوى التطبيق أو على مستوى التنفيذ أو على مستوى الامتثال لأحكامه عن قبول أو عن ارغام.

إن كثيرا من القوانين التي تصدر في مصر، تستهدف إبراء الذمة بإصدارها، مع يقين كامل لدى مصدريها باستحالة التطبيق أو عدم ملائمته، ومع ذلك تصدر، وتحاط بهالة إعلامية واسعة، وتصدر قرارات تنفيذية لها تحمل نفس المفهوم، مفهوم ابراء الذمة وليس التطبيق العملي.. لنكتشف ان في وجدان المواطنين أنه من واجبهم الأساسي التحايل على القانون وليس الامتثال لأحكامه، واختراق ثغراته وليس تطبيق مواده.. ما دام القانون أو القرار قد خلا من المنطق، فالمنطقي بعد ذلك أن يخالف".


وهنا ملاحظة مهمة نستطيع التوقف عندها لوجود تقارب خطابي بين فرج فودة والدعاة في عصره خصوصا في استغلال "الخوف" لفرض قانون او مفهوم، فالجماعات الإسلامية تستخدم الخوف من الله لتمرير ما تريده من مفاهيم وقواعد، ويستخدم فرج فودة "الخوف من القانون" لإنتاج مجتمع ديمقراطي، فالخوف أو التخويف إن شئنا الدقة أداة يستخدمها فرج فودة وينادي ويطالب باستخدامها للوصول للمجتمع الديمقراطي، وهنا تتشابه الألية بين فرج فودة والجماعات التي ينتقدها، آلية التخويف بدلا من آلية الحب والاحترام، واحترام القانون يصل بنا ليس الى مجتمع ديمقراطي بل الى مجتمع انساني وكذلك احترام الدين فلا أحد يكفر أحد أو يزدري أحد طالما نحترم الدين أي دين وهكذا في القانون طالما نحترم القانون واحترامهما يصل بنا إلى مجتمع إنساني وليس مجتمع عدواني لا بد ان نقوم بتخويفه سواء من الله أو من القانون حتى تستقيم الأمور. 


ويضرب فرج فودة، أمثلة لا حصر لها لقوانين وقرارات غير منطقية تتم مخالفتها أو يتم التحايل عليها، ولأن الإرهاب في جوهره مخالفة للقانون، وخروج عليه، وتجاوز لقواعده ونصوصه، نرى سلبية الشعب في التعامل مع الإرهاب، فكلما كان احترام القانون متأصلا في النفوس، أصبح التجاوز عرضة للادانة والاستنكار، وكانت المواجهة الشعبية أكثر امكانية في الفعل، وأعمق تأصيلا في النفوس، وكلما حدث العكس حدث ما نراه.


وهنا أيضا لنا وقفة مع فرج فودة، فليس السبب الوحيد لانتشار الإرهاب ولا عدم المشاركة المجتمعية، حال كتابته لهذا الكتاب، وجود قوانين أو قرارات يراها فرج فودة أو غيره غير منطقية وتستوجب الخروج أو التحايل عليها، ولكن من بين الأسباب المهمة التي منعت المشاركة المجتمعية من مكافحة الإرهاب فترة الثمانينيات، وأوائل التسعينيات، زخم هذه التيارات وانتشار المساجد والزوايا وسيطرتهم عليها وتراجع دور المؤسسات الدينية، وتوسع هذه الجماعات في الظهور على المستوى الإعلامي منذ منتصف السبعينيات وحتى منتصف التسعينيات وسيطرة هذا التيار على النقابات المهنية والأندية الاجتماعية وغيرها وساد خطابهم وأصبح هو الخطاب المهيمن على الساحة في ظل ضعف مؤسسات الدولة ونخبها في مواجهة هذا التيار مواجهة حقيقية إلا في بداية 1996 بعد حادثة الأقصر الشهيرة، فليست القوانين هي السبب الرئيسي ولكن هناك حزمة من الأسباب سوف نوضحها في حينها.


يقول فرج فودة: "الخط الإعلامي الوحيد الثابت في الإعلام المصري في أغلبه يستهدف تهيئة الرأي العام المصري لقبول تحويل مصر إلى دولة دينية، وعكس ذلك شديد الحدودية، بل هو رد فعل وقتي، يحدث في أعقاب أحداث الإرهاب أو التلويح بها، وينتهي دائما فجأة كما بدأ فجأة، وترتفع بعده نبرة لم الشمل، والمصالحة، والإقناع بالحسنى والتبرير بحسن النوايا، والتأكيد على أننا المخطئون، فقد دفعناهم إلى إطلاق الرصاص حين لم نستجب لهم".

 
هكذا كان يرى فرج فودة الإعلام المصري، وهكذا مازال الإعلام المصري يمارس نفس سياساته الإعلامية في رفض خطاب التنوير واحتضان الخطاب الظلامي، ولكن هذه المرة من قبل بعض شيوخ المؤسسة الدينية، أو الدعاة الجدد، فنشاهد عدد من البرامج الدينية يفوق أضعاف مضاعفة البرامج الأخرى وتتبنى تلك البرامج خطاب تلفيقي حول وثيقة المدينة من ما يزيد على 1400 سنة، وحول قبول الأخر وعدم الفرقة وغيرها من المواضيع الجاذبة للجمهور وفي نفس الوقت يقومون بتكفير الأخر الديني بحجة أن التكفير يدخل في إطار العقيدة، ومن المعلوم من الدين بالضرورة ويطلقون آيات التكفير في الفضاء الرحب لتترسخ عقيدة التكفير في ذهن العامة، فهم لا يعترفون بالمواطنة بحال من الأحوال، و يستندون إلى سلطة وهيمنة خطابهم المستمدة من مكانتهم الدينية أولا ومن الدولة ثانيا.


وغير هذه البرامج الدينية هناك برامج التوك شو التي تعتمد على الصوت العالي وتستضيف أحد المشايخ للإدلاء برأي الدين في قضية ما، فيتسم الإعلام بأنه يدعو لدولة دينية في المقام الأول ولو على استحياء أو عن عدم وعي، فما من فيلم أو تصريح لفنانة أو مسلسل أو حتى "جلسة تصوير لفنانة" غلا ونجد مقدم البرنامج متصلا بشيخ من الأزهر لأخذ رأيه.

 

Dr.Randa
Dr.Radwa