الخميس 21 نوفمبر 2024

يا رايحين للنبى الغالى

4-7-2022 | 19:54

 

 

حكت لى أمى أنه يوم ذهاب والدى، الذى لم أعيه، إلى الحج فى أوائل خمسينيات القرن الماضى، خرج من منزلنا الكائن فى وسط مدينة العريش على الطريق الرئيسى إلى محطة القطار التى تبعد عنا قرابة الكيلومترين فى زفة من حملة الأعلام الخضراء المكتوب عليها «لا إله إلله محمد رسول الله» ..على نقر الدفوف، ويلبس جلبابه الأبيض والقفطان، وعلى رأسه غطرة بيضاء وحوله بعص راكبى الإبل، وظل هكذا مترجلاً إلى أن وصل إلى محطة القطار وسط أغانى الذكر ومديح الرسول عليه الصلاة والسلام... وربما لم تكن السيدة ليلى مراد قد غنت أغنيتها الشهيرة التى تعصف بكل عواطفك وتشعر بالحنين إلى البيت الحرام وينتابك شعور مختلط من الفرحة والبكاء فى نفس الوقت وأنت تراها تشدو «يارايحين للنبى الغالى هنيالكم وعقبالى» فى فيلم «بنت الأكابر»، وهى تودع أباها زكى رستم، ولكنه كان يلبس بدلته الباشوية ويركب سيارته الفارهة وهى تقف بشباكها تودعه.. فالمشهدان مختلفان والمناسبة واحدة... ترى هكذا فعلت أمى التى هى من نفس مواليد «ليليان»، التى غيرت اسمها إلى «ليلى» مواليد ١٩١٨ وليس من «ياسمين» إلى «وهيبة» كما فعلوا مع والدتى.

لقد انتابنى نفس الشعور وأنا أودعها وهى فى طريقها إلى أرض الحجاز وأنا فى مقتبل العمر.. تلك الأغنية وذاك المشهد.. ياريتنى كنت وياكم وأروح للهادى وأزوره.. وأبوس من شوقى شباكه وقلبى يتملى بنوره.. وأحج وأطوف سبع مرات.. وألبى وأشوف مِنى وعرفات.. وأقول ربى كتبهالى، وصوت الكورس وهم يحملون الدفوف يذكرون «الله.. الله... الله».. هذه الكلمات التى صاغها أبوالسعود الإبيارى، والتى أظن أنها جعلت ليلى مراد تحج بقلبها بعد أن أشهرت إسلامها ١٩٤٦ على يد شيخ الأزهر وهى ابنة الموسيقار زكى مراد ومن أسرة يهودية وأخت الفنان منير مراد.. ولا عجب أن اليهود كانوا يعيشون فى مصر مثلهم مثل باقى الديانات قبل ثورة يوليو ١٩٥٢، وكذا الجريج اليونانيون والإيطاليون، الذين كان معظمهم يعيشون فى الإسكندرية ، المدينة « الكوزموبوليتان».. فمصر هى أم الدنيا...وقد اعتزلت السيدة ليلى مراد بعد مسيرة حافلة أمتعتنا فيها بمئات الأغانى و٢٧ فيلماً.. من أشهرها .. «بنت الفقراء» و«بنت الأغنياء» و«بنت الريف»و «شاطئ الغرام» الذى غنت فيه لسحر مرسى مطروح.. و«غزل البنات»، والتقت بعبد الوهاب و السنباطى والقصبجى وشاركت زوجها الأول أنور وجدى فى ٧ أفلام تقريباً وتزوجت المخرج فطين عبد الوهاب وأنجبت منه زكى على اسم جده وتزوجت سراً بعضو قيادة الثورة وجيه أباظة وأنجبت أشرف، واعتزلت مبكراً فى ١٩٥٣ فعاشت لبيتها وأولادها وأصدقائها أكثر من أربعين عاماً بعد الاعتزال.

لقد غنت هذه القيثارة ألحاناً لايمكن نسيانها .. «الحب جميل للى عايش فيه».. و«أبجد هوز» مع الريحانى، واسكتش «كلام جميل وكلام معقول» مع مجموعة من الفنانين.. والتقت بيوسف بك وهبى فى أكثر من فيلم، ولم أقرأ أنها قد حجت أم لا، ولكن ستبقى أغنيتها الخالدة تشعل جذوة الحنين إلى الرحاب الطاهرة .. أمانة الفاتحة يا مسافر لمكة تأدى فرض الله.. هترجع والإله غافر ذنوبك لما نلت رضاه.. ياريتنى معاك فى بيت الله وأزور وياك حبيب الله... سمعتها وهزنى الشوق فزرفت عيناى دمعاً، ولا أدرى أهو الحنين إلى الديار.. أم طلباً لصحبة الأخيار، أم ترانى تخيلت أننى أصاحب ولدى الذى يعد العدة ويستعد لشد الرحال إلى أم القرى، إلى أطهر وأطيب بقاع الأرض فيها جبال النور طلة على البيت المعمور، فيها طرب وسرور وفيها نور على نور... البيت الذى جعله رب العزة مثابة للناس وحقق دعاء سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء «ربنا إنى أسكنت من ذريتى بوادٍ غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم» صدق الله العظيم.

سلاماً على إبراهيم وآل إبراهيم وعلى محمد وآل محمد فى العالمين.. إنك حميد مجيد