الأحد 24 نوفمبر 2024

مقالات

خواطر حول الثقافة الخضراء

  • 4-7-2022 | 23:37
طباعة

النظام البيئى لكوكب الأرض يتكون من نظم، منها النظم البيئية الزراعية، والنظم البيئية للغابات، والنظم البيئية للأراضى العشبية، والنظم البيئية المائية. عناصر البيئة على كوكب الأرض تحافظ على وجودها ونسبها كما أوجدها الله. البيئة الطبيعية ونظم البيئة الصحية، لها فوائد كثيرة ومتنوعة يكتسبها البشر بحرية، وتسمى "خدمات النظام البيئى" أو "خدمات النظام الإيكولوجى".

هذه النظم البيئية، تعمل فى علاقة صحية، فهى تقدم أشياء مثل التلقيح الطبيعى للمحاصيل، والهواء النظيف، ومياه الشرب النظيفة، والتخفيف من حدة الطقس المتطرف، والرفاهية العقلية والبدنية للإنسان. أى خلل يحدث فى النظام البيئى، يؤدى إلى اختلال التوازن البيئى.

لذلك فالتوازن البيئى على سطح الأرض مهم، ويجب المحافظة على العلاقة بين عناصر النظام البيئى، حيث أن هناك علاقة وثيقة بين هذه العناصر، ولابد أن تبقى مكونات وعناصر البيئة الطبيعية على حالتها.

 

نتيجة سيطرة الإنسان على عناصر النظام البيئى والتعالى عليه، والشعور بالسيادة المطلقة فيه، واتباع أفكار وطرق غير مدروسة لتحقيق حاجاته ومتطلباته، فقد أدى إلى حدوث اضطرابات شديدة فى الأنظمة البيئية، وكان أثرها دائما ومتزايدا، وأدت إلى انتشار الأمراض والأوبئة. نحن نواجه تغيرات كبيرة فى المناخ من صنع الإنسان لا رجعة فيها، وأصبح تغير المناخ أحد القضايا الخطيرة فى عصرنا الحالى.

أصبحت الطبيعة تتصرف بشكل غير طبيعى بسبب التلوث المفرط بأحداث مثل الأمطار الغزيرة والفيضانات والجفاف والاحتباس الحرارى. أصبحت الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والأعاصير والسونامى وغيرها من الأوبئة أكثر تكرارا.

الآن العالم تنبه للأخطار التى نتجت عن ممارساته الغير مدروسة، وبدأت الدعوة للمحافظة على النظام البيئى العالمى.

إذا كانت النظم الاقتصادية التقليدية "الاقتصاد البنى" التى اتبعها الإنسان فى الفترة السابقة "عصر سوء تخصيص رأس المال"، قد أدت إلى هذا الدمار فى النظم البيئية المختلفة، فالدعوة اليوم إلى اتباع نظام "اقتصادى أخضر".

يوفر الاقتصاد الأخضر نهجا اقتصاديا كليا للنمو الاقتصادى المستدام. لذلك، يهدف الاقتصاد الأخضر إلى الحد من المخاطر البيئية، وإلى تحقيق التنمية المستدامة، وينصب دوره فى الإنتاج والاستهلاك المستدامان، وكذلك فى كفاءة الموارد، دون أن تؤدى إلى حالة من التدهور البيئى.

الاقتصاد الأخضر يركز على الاستثمار فى الأنشطة الاقتصادية الخضراء والتى تعتمد على الطاقة النظيفة، لذلك فهو مدفوع بالاستثمار العام والخاص فى الأنشطة الاقتصادية والبنية التحتية والأصول التى تسمح بتقليل انبعاثات الكربون والملوثات الصلبة والسائلة والغازية، وتعزيز كفاءة الطاقة.

الآن أصبح للاقتصاد الأخضر قواعد ومعايير خاصة "معايير الاستدامة"، وبدأت الصناعات فى تبنى هذه القواعد والمعايير كطريقة لتعزيز ممارسات بناء اقتصاد أكثر اخضرارا.

 

هذه المعايير تركز على القطاعات الاقتصادية مثل الغابات والزراعة والتعدين وصيد الأسماك، وتركز على العوامل البيئية مثل حماية مصادر المياه، وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، وتركز على دعم الحماية الاجتماعية وحقوق العمال، وتركز على أجزاء محددة من عمليات الإنتاج.

الاقتصاد الأخضر هو فى الأساس مفهوم شامل يشمل الركائز الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للنمو. إذاً الاقتصاد الأخضر، يعتبر اقتصاداً يؤدى إلى تحسين رفاهية الإنسان والعدالة الاجتماعية، مع تقليل المخاطر البيئية.

ثقافة الاقتصاد الأخضر تتضمن المفاهيم المرتبطة بالاقتصاد الأخضر. وهى تهدف إلى ترسيخ مبادئ الاقتصاد الأخضر والمحافظة على البيئة ومواردها. فى ضوء التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر، من الضرورى تعزيز وتنمية ثقافة الاقتصاد الاخضر.

 

تُعرّف الثقافة على أنها المعتقدات الجماعية، والقيم، وسلوكيات الأفراد المنتمين إلى منظمة ما، وتشمل القواعد السلوكية، والمواقف المشتركة، والتقاليد المشتركة، وآليات تحفيز وتعزيز السلوكيات المرغوبة.

لذلك تعد الثقافة ضرورة لإعداد فرد قادر على المعاصرة، أى يمتلك قدراَ من المعرفة المتكاملة من مصادرها المختلفة، ويتقن العديد من المهارات التى تمكنه من اتخاذ مواقف ووجهات نظر شخصية تعبر عن ذاته، مما يساعده على التفسير والتنبؤ واتخاذ القرار المناسب بشأن ما يواجهه من مواقف ومشكلات فى مجتمع دائم التغير فى جميع مناحى الحياة، ومجالات النشاط الإنسانى المختلفة.

من خلال العولمة، شاركت الاقتصادات المختلفة فى تبنى الاتجاهات الخضراء، ودمج هذه الممارسات فى ثقافتها التنظيمية. كما تعيد معظم المنظمات هيكلة ثقافاتها لاستيعاب العوامل الجديدة فى قضايا مثل البيئة والسلوك والمواقف المتعلقة بالمشاكل البيئية.

 

تحاول الثقافة الخضراء حماية رفاهية البشر والبيئة من خلال الإنتاج والاستهلاك والتخلص من المنتجات الغير صديقة للبيئة. لذلك، الثقافة الخضراء هى أسلوب حياة، لاتخاذ خيارات وقرارات مدروسة فيما يتعلق بالموارد المستخدمة فى الحياة اليومية، بغرض تقليل الموارد المستخدمة واستخدام الموارد المتجددة.

أصبحت البشرية الآن تنظر إلى التحول إلى المجتمع الأخضر، التحول النموذجى المستمر فى الثقافة وأنماط الحياة، نحو تعزيز بيئة خضراء مستدامة.

الآن انطلقت دعوة للمجتمع البشرى للتبصر والتعليم العملى، دعوة لظهور وتكوين تدريجى للإنتاج الأخضر، الاستهلاك الأخضر، الصناعة الخضراء، الإدارة الخضراء، التجارة الخضراء، التكنولوجيا الخضراء، السياسة الخضراء، الإعلام الأخضر، الحزب الأخضر، الاستثمار الأخضر، التصميم الأخضر، التخطيط الأخضر، تعليم أخضر، مدرسة خضراء، الطاقة الخضراء، المبانى الخضراء، روحانيات خضراء، فن أخضر، ومطاعم خضراء، إلخ، إلخ.

كل هذا، وبشكل جماعى، هو "الثقافة الخضراء"، هو تنسيق العلاقة الواعية بين الإنسان والبيئة المعيشية لأداء حضارى. وأصبح يعبر عن الثقافة الخضراء، بأنها الانسجام الواسع بين الإنسان والبيئة. وتشمل أيضا الوعى البيئى الأخضر، والفلسفة البيئية، والجماليات البيئية، والفن البيئى، والسياحة البيئية، فضلا عن الحركة الخضراء، والأخلاقيات البيئية، والتعليم البيئى.

هناك تحديات سوف تواجه تطبيق "الثقافة الخضراء"، وهذا راجع إلى أن البشر عبارة عن مخلوقات ذات عادات تقاوم التغيير. يتطلب الأمر جهدا لإجراء تغيير، حتى لو كان تغييرا صغيرا. من الشائع أن يبدأ الأشخاص حملة خضراء مثلما يبدأون فى قرارات السنة الجديدة أو يتبعون نظاما غذائيا. يبذلون قصارى جهدهم فى البداية، لكن سرعان ما يجدون أنفسهم ينزلقون مرة أخرى إلى عاداتهم القديمة وتنهار النوايا الحسنة. يمكن أن يسير إنشاء ثقافة خضراء بنفس الطريقة.

الهدف هو إجراء تغييرات ثابتة وتستمر على المدى الطويل. أن أفضل طريقة لإجراء تغييرات ثابتة كما يقول علماء النفس، هى إجراء تغييرات بسيطة واحدة تلو الأخرى. من الأسهل إجراء تغييرات بسيطة ثم إضافة أخرى بمجرد إتقان تلك التغييرات، بدلاً من إجراء العديد من التغييرات الجذرية فى وقت واحد. يمكنك البدء بهذه بوضع ارشادات، على سبيل المثال، فوق مفتاح الإضاءة أو بجوار سلة المهملات. كما أن الناس تحتاج إلى بعض التذكيرات والتنبيهات اللطيفة والتشجيع فى البداية، إلى أن تصبح الثقافة الخضراء عادة.

 

على سبيل المثال نذكر بعض الاقتراحات العملية لدمج الثقافة الخضراء فى حياتنا، وهى، التشجيع على استخدام لمبات الليد، التشجيع على استخدام المنتجات القابلة للتحلل قدر الإمكان، أى تجنب استخدام الزجاجات البلاستيكية، وشجع على استخدام الزجاجات المصنوعة من الزجاج التى يمكن إعادة استخدامها والتى يمكن غسلها واستخدامها مرة أخرى، فى الكافيتريات شجع على استخدام المنتجات الورقية من أطباق الغذاء وعلب الأطعمة وأكواب الشاى والقهوة، التى يمكن اعادة تدويرها بدلا من الستايروفوم (رغوة البوليسترين). وضع علامة فوق مفتاح الإضاءة لتذكير الأشخاص بإيقاف تشغيله عندما لا يكون قيد الاستخدام. تركيب أجهزة كشف الحركة التى تضىء الأضواء عند دخول شخص ما، وتطفئها عندما لا يكون هناك نشاط لفترة معينة من الوقت.

لمزيد من التوضيح، سوف نلقى الضوء على تطبيق "الثقافة الخضراء" فى الشركات والمؤسسات والهيئات. وكيف يمكن تطوير ثقافة أكثر اخضرارا أو أكثر وعيا اجتماعيا دون تمزيق الثقافة القائمة.

مسؤولية العاملين بالمؤسسة هى الحرص على التغييرات الثقافية دون الإخلال بثقافة المؤسسة الحالية، وليس فقط من هم فى قمة المؤسسة. لكن فى نفس الوقت، يجب أن تكون القيادات الرشيدة والقوية والصادقة هى مصدر ثقة للمرؤوسين. من الخطورة أن نقصر الثقافة الخضراء، على شعارات للمؤسسات أو الهيئات أو الشركات.

فى البداية، يتم وضع استراتيجية استدامة مع تكتيكات لقياس التقدم. سيساعد تتبع مقاييس الأداء مثل الوقت والإنفاق وعمليات التدقيق على فهم ما إذا كانت جهود الاستدامة الخاصة بك تؤتى ثمارها أم لا.

تحتاج المؤسسات إلى غرس الثقافة الخضراء، لتوجيه سلوك الموظفين فى جوانب مختلفة من جهدهم الجماعى. يمكن اسناد مهمة نشر الثقافة الخضراء إلى فريق عمل، حيث يتم الترويج للثقافة الخضراء، وكذلك يتم تشجيع جميع الموظفين على التفكير والعمل الأخضر على جميع المستويات المختلفة.

هذا العمل يهدف إلى تعزيز الممارسات الخضراء المطبقة فى المؤسسة مثل: تقليل النفايات، إعادة استخدام وإعادة تدوير المواد، استخدام المنتجات الصديقة للبيئة، وتوفير الطاقة والمياه. بالإضافة إلى أن تقوم المؤسسة بدعم المواثيق البيئية والحملات الخضراء من قبل الحكومة والمنظمات غير الحكومية. وتشجيع الموظفين على دعم المبادرات والأنشطة الخضراء من قبل الحكومة والمنظمات غير الحكومية.

الاكثر قراءة