الخميس 25 ابريل 2024

حديث النفس.. «آسفون!»

مقالات14-7-2022 | 14:23

كم أصبحنا نتردد ونتراقص على طريق التيه! نتساقط ونكابر لمعاودة المسير.. أى مسير نبغاه وكل فى طريق مجهول! فقدنا أنفسنا وأبناءنا من بين أيدينا تضيع.. على شفا الضياع الكل ذاهب لهلاك.. لا نبالى كم أضعنا بعدما نفد الرصيد.. كيف تسابقنا فأصبح الكل فى حق الأمان مضيعاً.. الكل آسف على غيره فأين أنت من نفسك تتأسف؟ أصبحت حياتنا غفلة لا يوقظها عويل.. لاعنين آسفين على أنفسنا.. خُدعنا وتعثرت خطانا فى سفرنا وطرقنا.. حفرتنا التعاسة وهزمتنا الغفلة.. من هول الحماقة أخذتنا الدهشة.. نقف بين هذا وذاك ننزف من كل الاحتمالات ألما واحتراقا.. ارتدت الروح لباس الحزن فى سؤال وجواب عن خارطة طريق أو من يأخذ بأيدينا للعبور.. أصبحنا فى أشباح الوهم ماكثين للهجرة محاولين.. لكن لأين نكون؟! مرددين.. آسفون.. آسفون.

كم أخجل من قول إننا استيقظنا فجأة على فوضى الحياة.. وأننا أصبحنا نحيا حياة مليئة بالتعرجات والطمع والأحلام المتصارعة التى معها يضيع قوام المجتمع.. فسقطنا مجبرين أو حتى مخيرين فى مستنقع من الدهشة والحيرة والخوف بعدما أحاطتنا حوادث مفزعة.. فغدا ما نعيش فيه عزوفا عن المألوف.. وكأن الأوضاع انقلبت رأسا على عقب.. أصابتها عين حاسد أو فعلت بها أياد شيطانية! أغرقتنا الأوبئة والأمراض الاجتماعية.. فحطمت هدوء حياتنا.. وأصبحنا نحيا على أوتار التناقض فى قصص تستحق التوقف والإمعان.. تتشابك معها أسئلة داخلنا عن أسباب ودوافع التدنى والانحدار الذى أصاب الحياة من حولنا فى وقت من العبث أن نبرئ أنفسنا ونضعها فى موقع الضحية المفعول بها.

وتزداد الأمور سوءا إذا ما استمررنا فى إطلاق الأسئلة الغبية التى تجعلنا نحيا فى الوهم طوعا أو حتى كرها متعاطين حبوب السعادة الزائفة التى تغلق معها كل صور هامش الخطأ.. فمن العبث أن نعزف عن التأمل والتفكر فى أحوالنا واقتفاء أسباب انحدارنا نحو الهاوية التى بتنا فيها جميعا.

ففى كل لحظة تتواتر إلينا أحداث تفاجئنا، نُصاب معها بالصدمة.. تتناقلها وسائل الإعلام وتتسابق فى بث مباشر لكافة تفاصيلها المفزعة التى تتوه معها العقول وتتمزق القلوب.. ونصاب بالذهول لدرجة الإنكار لتوابيت صنعناها لبشر اختصرنا معهم إمكانية الشذوذ عن القاعدة.. فرسمنا صورا ذهنية تغلق معها كل صور الانحراف أو حتى تصور حدوثه.. فهذا قاض قاتل وطالب يمزق زميلته وثالث يغتصب عرضه.. وغيرها من جرائم يشيب لها الوجدان.. فى إصرار منا على أن هذه المسلمات مطلقة وحقائق جازمة ونسينا أننا بشر نصنع قناعات غيرنا فيصبحون نتاجا لما نتصوره، ولا يعنى ذلك أن الطرف الآخر بريء، لكنه يجتهد فى نفس الوقت للإبقاء على حالة التوافق مع صورته الخارجية لدى الآخرين.. أو قد تصيبنا الصدمة بهزة وتشكيك فنصاب بفوبيا تحول بيننا وبين التفاعل والتناغم بشكل صحى مع الواقع المحيط.. ولا أعلم إن كان هذا الخلل مسئولية العقل أم القلب أم أحاسيسنا التى عطلناها فى جدال عقيم، بعدما انفصلنا عن ذواتنا فعطلنا كل مراكز الاستشعار والإحساس، فأصبحنا نسعى وراء سراب أنفسنا وغيرنا.. فأصبحنا منعزلين أو معزولين.

وتحولت حياتنا إلى أمسيات وصباحات تنتظر كل ما هو صاخب وغريب الحدوث.. طال التشوه كل قيمنا الأخلاقية والاجتماعية فى روايات مبتورة تخفى ما تريد وتفضح أخرى بغير رحمة.. ورغم فضول الناس لكن هناك دائما حلقة مفقودة يزكيها ما نقوم به من تحريف المعانى وتزيين الأقنعة التى نحيا خلفها جميعا فى زحمة الحياة.. وما تحمله من أحداث وصراعات تكشف أسوا مكنون للنفس البشرية فنحيا متناقضات ومتشابهات من صنعنا أيضا.. مع كيانات قد تحوى كل غريب تتأرجح بين قوى وضعيف ومجرم وبريء وهكذا.

 وفى رحلتنا نلهث ونبحث ونفتش عن خزائن السعادة التى تحوى المال وكل ما هو ثمين وغال السعر، فتحتل الماديات نفوسنا ويضيع معها أجمل ما فينا من صفاء النفس وطمأنينة القلب، ونعود ونشكو من الطمع والغدر وخيانة الأمانة بعدما أصبحنا شركاء متشاكسين يمزقنا الكره والعداوة.

أعلم أنه لا رهان على ثبات شيء.. ولكن لماذا التغيير دائما للأسوأ؟ وماذا علينا أن نفعل؟ هل نتآلف مع صدمات الواقع فتصبح أمرا عاديا.. أم نهرب لسعادة وقتية مزيفة.. فالأحداث المحيطة بنا أصبحت قاتمة تبعث على التعاسة، والغريب أن دوامة البحث والمتابعة تستدرجنا فندور وراءها لنصبح أكثر شقاء! وأتساءل لماذا يتلهف الناس على تلك التفاصيل الموجعة فى القتل والتقطيع والتمثيل بالجثث التى تأخذنا لدوامة الألم والحزن.. أمر غريب أن تذهب بإرادتك لدوامة الوجع وتعتبره إعلاما فتحول طاقتك الإيجابية إلى سلبية، ولا ألوم الإعلام طالما لدينا الإرادة والقدرة على عدم المتابعة.. لكنى أحيانا أتساءل هل أدمنا التعاسة؟ أمر وارد فقد نمل الرغد والسعادة.. أو تستسلم النفس أحيانا لعنادها وأوهامها فى ردود فعل مضللة تدفع لمواطن مخبأة لإفراغ شحنة الحزن المكبوت داخلها.

ودائما تسيطر علينا الأسئلة العبثية المعبرة عن الغرابة والدهشة فى متابعتنا لمثل هذه الحوادث، وننسى أننا من صنعنا هذه النماذج المشوهة.. وأننا أعمينا أعيننا عن أخطائهم.. وأحطناهم بهالة وزيف يخفى جوهرهم الحقيقى، ووجدنا السعادة والنشوة فى خداع أنفسنا والتيه فى ألوان السراب الفاتنة حتى ولو كانت تنحدر بنا نحو الهاوية.. فنتلذذ بالضياع والسقوط فى عمقه.. ولما لا؟.. فأكثر الأمور إثارة لدينا نتاج أنفسنا المشوهة!.. وبعدها نتساءل لماذا يأتى إلينا القدر غريبا؟!.. ونغالى بقولنا إنها لعبة القدر أو ضربة القدر.. يا عزيزى منذ متى والقدر يستأذن.. نحن من نؤجل ونغفل وننسى ونتناسى وكأن الحياة ممتدة تمهلنا تصويب مساراتنا الخاطئة، فنهمل أجراس التنبيه والإنذار لتصحيح أنفسنا.. ونعيش الحياة على أنها لعبة تدار بين مقامرين.. لا غاية ولا معنى منها.. فيها الكل يصارع حسب قدراته وأنيابه.. ثعالب وفهود وغزلان أو حتى كلاب فالأنواع جميعها موجودة.

وأبرز سمة لعصرنا أنه لا تستر على أمر فقد غلب الاستخدام المزرى للتكنولوجيا على الأفراد بدون وعى أكثر من  وسائل الإعلام نفسها التى من المفترض أنها تحمل رسالة.. فهى بالنسبة للأفراد وسيلة للتنكيل ومعها لم يعد أمرا مستترا وما أسهل من الفضائح وإصابة الجميع بالقلق والرعب والترقب أو حتى التهديد.. فى وقت شاع الجهل والحقد الذى تحركه بواعث الخير والشر الموجودة داخلنا.

فتعم مشاهد الفوضى حياتنا.. بشكل تزداد معه قسوتها كل وقت عما قبله.. فتخلق سمة للحياة قد تدفعنا لخوض تجارب لنقتل أوهاما أو نتعلق بها هروبا من مرارة الواقع.. وهنا علينا أن نطلق صرخة الحذر، ونمنح أنفسنا الفرصة لنتأمل ونتدبر بعين عاقل ما وصلنا إليه من تهاون وتفريط فى أمانة الحياة ومسئولياتنا تجاه أبنائنا.. وأن نكف عن دفن رءوسنا فى الرمال ونتشدق بالسلام المزيف.. وتقارير الأداء الممتازة المزيفة التى تحوى هباء وخوارا اجتماعيا.. وبيوت هشة أصابها الزلزال.. لكن أمراضها ورائحتها المسممة تفوح بالتردى والتى أصبح معها كياننا الاجتماعى فى عداد الموتى بعدما هاجمته الأوبئة ونخر السوس عظامه.. وازدحمنا عنفا واستبدلنا تعليم أبنائنا بألعاب التسلية التقنية، فلا يوجد طفل إلا وفى يده جهاز يدعى أنه ذكى لكنه باب لهلاك أبنائنا، تعلموا على يديه فنون العنف والقتل والانتحار والإجرام.. فكان فخا وقعنا فيه، فما أخذنا من التكنولوجيا غير وجهها القبيح.. وأصبح الكل يصور ويسجل ويتهم الآخر بالباطل.. وصار الكل متهما تحويهم بؤر إجرامية.. وصار الجميع أضحوكة ولعبة عبثية فى فضاء افتراضى.. شغلتنا أنفسنا.. وأصبنا بالحضور السلبى فلا فعل ولا حراك وكأن الحاضر ميت.

ومن هول الحماقة تأخذنا الدهشة، وكأن ما حدث كان على حين غرة رغم أنه حصاد مسيرة الأخطاء حتى ابتلينا بالنماذج المشوهة.. فلنكف عن عتاب الزمن فنحن من نصنع زماننا.. فما عاد مقبولا أن نلوم الزمن.. ونردد غدا عالمنا غير ذى قبل.. وتبدلت الناس وتغيرت.. الذنب ذنبنا وجزاؤنا تكشف وتعرٍّ وسقوط أقنعة وانهيار.. وتراكم الأنين و مواجع السنين.. والآن نبكى ما عادت بيوتنا تحوينا.. تهاوت واحتضرت.. لم يعد لها جدران وأبواب خلفها نحتمى بها.. فالأمر مؤسف حقا أن نهمل ونتجاهل ما يحدث حتى غدونا أشباحا غير مرئية.. فى وقت فقدنا فيه القدوة والمثل الأعلى من أهل العلم والمعرفة.. وصارت محاولات التعليم ترقيعا غير مجدية.. فالصورة جد خطيرة  تبحث عن تحليل يجب ألا تأخذنا فيه العجلة طريقا.. بل يجب أن نبحث عن الأسباب التى أودت بالهزة الاجتماعية التى أصابت كل حياتنا حتى الأفكار والمبادئ.. فرغم كل الطفرات العلمية والتكنولوجية التى نعيشها فمخرجاتنا أردأ وأسوأ.. فمن المحزن أن نرى شبابنا يفقدون أمانيهم ويستبدلونها بأوهام.. يصابون بالخوف والإحباط فى معارك هراء فى آلاف الحكايات التى نخجل أن نعلن أسبابها، ونكتفى بقولنا الفاعل مختل عقليا أو يدعى الجنون لنتقبل جرمه.. ومن العبث أن نستمر هكذا.. فى إطلاق أسئلة فقدت صلاحيتها مع واقع تجاوزها.. نحيا وهم البداية المنطقية فى واقع دائما ينتهى نهايات غير منطقية.. ونعشق البحث عن الأجزاء المفقودة فى حكايات غريبة تحتمل كل النهايات المفتوحة.. نتوه معها فى شيطان التفاصيل.. فيسرقنا الواقع المرير لغد أمرّ منه.. فلا نجنى سوى حكم نهاية المطاف.. ومعه لم يعد مقبولا أن نكون مجرد آسفين.

Dr.Randa
Dr.Radwa