الأربعاء 27 نوفمبر 2024

مقالات

قمة المتغيرات والثوابت

  • 15-7-2022 | 21:17
طباعة

تغير الخطاب الأمريكى خلال الفترة الأخيرة تجاه العرب لم يأت صدفة.. ولم تأت الزيارة الأولى الشرق الأوسطية للرئيس جو بايدن منذ توليه قبل عام ونصف العام إلا تحت وطأة أزمات قاسية يمر بها الداخل الأمريكى من ارتفاع معدلات التضخم والأسعار وأسعار المحروقات.. والأزمة التى تحاصر أوروبا أو معسكر الغرب فى مجال الطاقة.. النصف الأول من الزيارة انتهى بما هو متوقع التأكيد على أمن إسرائيل.. وتعهدات بإنهاء الملف النووى الإيرانى والشراكة الاستراتيجية مع تل أبيب وهو ما تضمنه «إعلان القدس».. وجاءت زيارة بايدن للسلطة الفلسطينية ولقاء محمود عباس أبومازن تحمل أحاديث أمريكية ووعوداً لا تستند إلي توقيتات أو آليات.. واكتفت بحزمة مساعدات ربما تتغير الأمور على مائدة القمة المرتقبة.

فى كل الأحوال فإن الرؤية المصرية التى بلورها الرئيس السيسى خلال الفترة الماضية حول توحيد الصف والكلمة وتفعيل وتعزيز العمل العربى المشترك.. سيكون لها انعكاسات واضحة على مضمون القمة المرتقبة اليوم.. كما ستكون قمة «السيسى- بايدن» حافلة بالملفات والقضايا على الصعيد الثنائى أو الإقليمى أو الدولى.. لكنها سوف ترتكز على الثوابت المصرية التى لا تتغير ولا تتنافى مع الرؤية المصرية فى مجال التكامل العربى..
 
  
العرب وأمريكا اليوم فى لقاء الواقع المختلف.. والندية المطلقة والمصارحة والشفافية
 
قلت بالأمس إن الرئيس الأمريكى جو بايدن جاء إلى المنطقة وزار إسرائيل والسلطة الفلسطينية فى بيت لحم ثم توجه إلى السعودية لعقد قمة عربية - أمريكية، تحت ضغط الأزمة العالمية وتداعيات «الحرب الروسية- الأوكرانية» التى تقودها فى الأساس واشنطن بحثاً عن خفض أسعار النفط العالمية، وتأمين مصادره للعالم لمساعدة أمريكا وأوروبا، وإيجاد البديل الآمن للنفط والغاز الروسى الذى تعتمد عليه أوروبا بشكل أساسى، وبناء تحالفات فى مواجهة المعسكر الروسى- الصينى، بما يعنى أننا أمام مصالح وبراجمانية أمريكية فرضت عليها ارتداء عباءة الرومانسية السياسية والتخلى عن تشدقاتها واحاديثها السابقة أمام الرأى العام الأمريكى، وأخشى من هذا المنطلق وبحكم التاريخ أن تكون الوعود والعطاءات الأمريكية مرهونة بتوقيت الأزمة العالمية الضاغطة على الأوضاع فى أمريكا والغرب والمتأزمة فى الداخل والباحثة عن وقود يوفر لها الصمود ونجاح مواجهتها مع الروس، ثم تتبخر بزوال الأسباب والأزمات وتعود ريما لعادتها القديمة.
فى الشق الأول لزيارة جو بايدن للمنطقة وأعنى إسرائيل والسلطة الفلسطينية ولا أعول على وعود بايدن سوى فيما يتعلق بتل أبيب، وضمان أمنها وتفوقها وحمايتها من التهديد الإيراني بعدم السماح لطهران بامتلاك السلاح النووى واستعداد واشنطن لاستخدام جميع عناصر قوتها الوطنية لضمان هذه الأهداف بالإضافة إلى التأكيد على الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لكن حتى إسرائيل نفسها تململت عند قول بايدن الملاذ الدبلوماسى هو الحل فى التفاوض مع إيران لاستعادة الالتزام بالاتفاق النووى الذى ألغاه الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، وهو ما أثار مخاوف تل أبيب، وحتى فى رد بايدن على سؤال أحد الصحفيين فى إسرائيل حول الفترة التى سوف تستمر فيها واشنطن للتفاوض مع إيران، قال بايدن إن إدارته وضعت الشروط المطلوبة لإحياء الاتفاق النووى الإيرانى مشيراً إلى أن أمريكا لن تنتظر إلى الأبد استجابة إيران.
ما أستطيع الوثوق فيه بالنسبة لبايدن هو حديثه عن أمن إسرائيل لكننى أشك فى قدرة الجانب الأمريكى على خوض مغامرات عسكرية فى خضم الأزمات الطاحنة التى تمر بها.. مع المعسكر الغربى.
الحقيقة.. أن ثمة أزمات وتحديات تسكن حقيبة الرئيس الأمريكى جو بايدن وهو ما أجبره على زيارة المنطقة ولقاء العرب.. خاصة أننا على مشارف انتخابات التجديد النصفى فى نوفمبر المقبل فى مواجهة بين الديمقراطيين والجمهوريين فى ظل أزمات وأوضاع فى الداخل الأمريكى، بسبب تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية وارتفاع معدلات التضخم والأسعار وأسعار الطاقة لا تصب فى خانة الديمقراطيين، وقد تفسح المجال لتفوق الجمهوريين.
الأمر الثانى المهم: أن زيارة بايدن هى تراجع كامل عن تصريحات الرئيس الأمريكى بشأن العديد من الدول والقادة العرب، واستسلام كامل يجسد وجود ضعف فى الموقف الأمريكى، تعكسه مبادرة بايدن بزيارة المنطقة العربية ولقاء قادة العرب، لكن لابد أن نضع فى اعتبارنا التاريخ الطويل لوعود وسياسات الأمريكيين، فأخشى أن تكون مدهونة بـ «الزبد»، ثم تسيح تحت شمس زوال الأسباب والأزمات، لكن هناك اطمئنان وثقة فى الجانب العربى وتفهمه لهذه الحالة وإدراكه لقوة موقفه خلال الجلوس على مائدة القمة.. فزيارة الرئيس الأمريكى هى انتصار للعرب وإعلان لقوتهم ونفوذهم وقدراتهم على الصعيد العالمى، وأنهم يمتلكون مفاتيح الحل، لكن بطبيعة الحال على قدر ما تأخذ يجب أن يكون هناك على الأقل قدر متكافئ لما تعطى.
المشهد العربى الحالى ينبئ بحالة من الوعى والإدراك والتلاحم والعمل المشترك.. فقد استبقت القمة «العربية- الأمريكية» تفاهمات وصياغات عربية جرت فى القاهرة وعواصم أخرى فى بلدان العرب لتحديد أولوياتنا ومصالحنا، وصياغة خطابنا بلغة مشتركة وواحدة، وما أستطيع الوقوف أمامه باليقين والثقة أن الثوابت المصرية والعربية لن تتغير على الإطلاق، وجل اهتمامها الحفاظ علي الأمن القومى العربى والعمل معاً على إزالة جميع المسببات والتهديدات التى أثارت التوترات والأزمات خلال العقود الماضية، فلا عودة على الإطلاق لنماذج الماضى ولا مجال لإملاءات أو تابوهات العقود الفائتة.. لأن العرب كما قلت أمام فرص سانحة وثمينة وأمامهم خيارات كثيرة ومدركون أنه لا مجال للاستقطاب وأن لديهم الحرية الكاملة في إبرام علاقات ثنائية أو جماعية مع أى قوة أو دولة فى العالم تحددها بوصلة مصالحهم دون أن تكون على حساب قوى ودول أخرى.. لكن الملاحظ أن هناك بوناً شاسعاً بين إعلان القدس فى مضمونه وتعهداته التى أخذها على عاتقه الجانب الأمريكى، وبين لقاء بايدن وأبومازن، فقد خلا اللقاء من طرح أى رؤية أو آليات تضفى مصداقية على حديث بايدن المعسول حول التزامه بحل الدولتين وأنه الطريق الأفضل لتحقيق قدر متساو بين الأمن والازدهار والحرية والديمقراطية للفلسطينيين والإسرائيليين، فلم يقل لنا متى وكيف وما هى محددات وآليات حل الدولتين، وما هى الأسس التى ستتم عليه، خاصة أننا أمام ثوابت عربية ومبادرة عربية للسلام طرحتها المملكة العربية السعودية فى القمة العربية بلبنان عام 2002 تشير إلى حل الدولتين بإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية علي حدود ٤ يونيو عام 1967، وما هو موقف الجانب الإسرائيلى الذى ظل على مدار ٧ عقود كاملة ومارس سلوكيات وممارسات ضد القوانين والأعراف والمواثيق الدولية، وهل تضمن أمريكا تل أبيب فى طرح وحل الدولتين؟!
كلام بايدن المعسول للجانب الفلسطينى وأبومازن عن حل الدولتين قد يكون «طق حنك» أو تحت وطأة الأزمة التى تواجه أمريكا أو سلسلة الأزمات، الحاجة دفعت بايدن لهذا الحديث الخالى من دسم الآليات، فهو أقرب إلى الحديث الإنشائى دون ضمانات أو آليات، مكتفياً بتقديم بعض المساعدات المالية، ولم يجر على الأرض إيقاف الممارسات الاسرائيلية المخالفة للقرارات والقوانين الدولية.. فما بين دغدغة مشاعر الفلسطينيين الذين لم يعد ينطلى عليهم مثل هذا الحديث، والمساعدات والكلام الإنشائى.. جاءت زيارة بايدن إلى بيت لحم ولقاء السيد أبومازن، فهل تكون هناك رؤية ومعالجة مختلفة على طاولة القمة العربية- الأمريكية فى جدة؟!.. هذا ما سنراه خلال الساعات المقبلة.
فى المقابل، عبر رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس أبومازن عن تعويله على زيارة الرئيس الأمريكى جو بايدن فى أن تسهم فى تهيئة الأجواء لخلق أفق سياسى ليتحقق السلام الشامل والعادل والدائم فى المنطقة وحل الدولتين على حدود 1967 واستناد عملية السلام المأمولة على قرارات الشرعية الدولية.
أبومازن لم يفوت الفرصة وجدد التأكيد العربى على أن مفتاح السلام والأمن فى المنطقة يبدأ بالاعتراف بدولة فلسطين وتمكين الشعب الفلسطينى من نيل حقوقه المشروعة وفق القرارات الشرعية وإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، وشدد أبومازن على أهمية إنهاء الاحتلال الاسرائيلى لأراضى دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية على حدود ٤ يونيو 1967، مؤكداً احترام فلسطين قرارات الشرعية والاتفاقيات الدولية الموقعة الخاصة بنبذ الإرهاب والعنف ومحاربته فى المنطقة والعالم كله.
الفلسطينيون يتطلعون إلي دور وخطوات أمريكية فى استعادة حقوقهم المشروعة وحل الدولتين وإعادة فتح القنصلية الأمريكية فى القدس الشرقية ورفع اسم منظمة التحرير الفلسطينية من قوائم الإرهاب وفتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن.. فهل يستطيع «بايدن» تحقيق هذه الأهداف الفلسطينية والعربية، أم أن حديثه عن حل الدولتين وحقوق الفلسطينيين جاء تحت وطأة الأزمات التى تواجه أمريكا والغرب وبزوالها لن تنظر واشنطن إليها وما هى الضمانات؟، وماذا عن قدرة واشنطن على إقناع أو إجبار تل أبيب، خاصة أن الجانب الفلسطينى أعلن أنهم يمدون أياديهم إلى اسرائيل لتحقيق سلام الشجعان.
يقيناً العرب لديهم فرصة تاريخية وسانحة ليكونوا أحد الأرقام الكبيرة فى المعادلة الدولية الجديدة.. فالساحة العالمية مفتوحة الآن على مصراعيها.. لن تستطيع أى قوة مناكفتهم أو مساومتهم وابتزازهم.. يستطيعون الحصول على ما يريدون ومن أى مكان ويقررون إلى أين تمضي بوصلتهم بعيداً عن الاستقطاب أو استحواذ أى قوة بعينها للشراكة معهم.. لديهم القدرات والثروات والإمكانات والقوة للحصول على أى شىء وتوفير احتياجاتهم، ولا يمكن إخضاعهم أو تهديدهم أو أن يكونوا أسرى لاتجاه واحد أو لقوة واحدة.. من مصلحتهم التواجد فى جميع التحالفات بحثاً عن مصالحهم بعد أن توحدت كلمتهم وصيغ خطابهم بأياديهم وتوافقاتهم.
زيارة الشرق أوسطية الأولى للرئيس الأمريكى جو بايدن لم تأت حباً فى المنطقة العربية، ولم تتغير تصريحات بايدن وتشدقاته وتهديداته للعرب صدفة.. ولكن الزيارة التى جاءت بعد عام ونصف العام من تولى بايدن رئاسة أمريكا فى يناير 2021 حملت بعض الشعارات والكلام المعسول تحت عنوان دعم الأمن فى الشرق الأوسط ولكنها فى الحقيقة محاولة دعم أمريكا فى أزماتها فى ظل أزمات داخلية طاحنة، حيث وصل معدل التضخم فى أمريكا إلى 9.1٪، وارتفاع غير مسبوق فى أسعار المحروقات، بما يشير إلى وجود أزمة اقتصادية لدى الجانب الأمريكى تشير فى حالة استمرارها إلى خسارة الديمقراطيين لانتخابات التجديد النصفى فى نوفمبر المقبل، وهو ما يجب أن يوضع فى حسابات العرب، بالإضافة إلى ضرورة حرصهم على عدم خسارة أى قوة أو دولة فى العالم وعدم الدخول فى تحالفات على حساب تحالفات أخرى وقد اطمأنت الشعوب العربية عندما أشارت التقارير إلى اقتراب دخول دول عربية كبرى فى تحالف «البريكس» وهو ما يشير إلى عزم العرب على التوازن فى العلاقات الدولية مع العالم، وعدم استئثار أى دولة بعلاقة وحيدة معهم.
حضور الرئيس عبدالفتاح السيسى فى جدة للمشاركة فى القمة العربية- الأمريكية يحمل فى حقيبته رؤية عربية موحدة نجح بجهود مخلصة وخلاقة فى بلورتها خلال ٨ سنوات، خصوصاً فى الأشهر الأخيرة، حيث تجسدت فى أن القاهرة هى عاصمة «القرار العربى» بذلت جهوداً سريعة وقدمت رؤى خلاقة لتوحيد الصف العربى وإحياء وتعزيز العمل العربى المشترك والخروج بنتائج وثمار من تعاون وتكامل وشراكة استراتيجية بين الدول العربية، وتوحيد أهدافهم وخطاباتهم ورؤاهم وقضاياهم وتحدياتهم والتهديدات التى تلاحق الأمن القومى العربى وقد نجحت مصر فى تحقيق هذه الأهداف.
كما سعت مصر إلى حشد الطاقات العربية لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية فى العالم من تحديات فى الأمن الغذائى العربى وارتفاع أسعار وتكاليف الطاقة.
التوافق العربى بشكل عام والتوافق المصرى- السعودى بشكل خاص حول العديد من الملفات والقضايا والتحديات الإقليمية والدولية وتعزيز العمل العربى المشترك كان أهم ثمار توافد قادة العرب للقاهرة وعقد لقاءات ثلاثية وثنائية ناقش خلالها الرئيس عبدالفتاح السيسى سبل تعزيز العمل العربى المشترك وتعزيز العلاقات الثنائية بين الدول العربية، وقد جاءت هذه اللقاءات قبل انعقاد القمة العربية- الأمريكية بمدينة جدة السعودية.
يقيناً.. هناك انعكاسات مهمة وواضحة للقاءات التى أجراها الرئيس السيسى مع قادة العرب- سواء فى القاهرة مع ملكى البحرين والأردن ثم ولى العهد السعودى ثم الأمير القطرى، ثم زيارة الرئيس إلى سلطنة عمان والبحرين- على مضمون ومحتوى وأهداف القمة العربية- الأمريكية.. فالقاهرة لديها الرؤية الكاملة التى تستند إلي ثوابت مصرية- عربية وإدراك حقيقى لطبيعة المرحلة واحتياجات الأمة العربية وتحدياتها.
لقاءات الرئيس السيسى فى القاهرة مع أشقائه قادة العرب وزياراته واتصالاته بالعواصم العربية قبل القمة «العربية- الأمريكية»، ثم مشاركته فى القمة سيكون له نتائج واضحة تجسد التوافق العربى الذى ترسخ خلال الفترة الماضية والتأكيد علي حق العرب فى إبرام شراكات دولية مع مختلف القوى والدول فى العالم والتوافق على تقديم حلول للأزمات والقضايا العربية سواء فى فلسطين أو ليبيا أو اليمن أو سوريا وتحقيق الحفاظ على الأمن القومى العربى.
نجاحات القاهرة خلال الفترة السابقة تضفى زخماً كبيراً على فعاليات القمة العربية- الأمريكية وإيجاد الحلول الشاملة للتحديات وشواغل العرب والتحرك صوب جميع الاتجاهات الدولية لتحقيق أهداف العرب دون قيد أو فرض إملاءات.
العرب فى أوج قوتهم ولديهم فرصة تاريخية للربح.. بجهود مصرية خلاقة نجحت فى استدعاء حالة التوافق العربى فى الرؤى والتكامل والتضامن تجاه كل التحديات العربية والقضايا والملفات الإقليمية والدولية.

تحيا مصر

أخبار الساعة

الاكثر قراءة